المتابعون

الخميس، 10 أغسطس 2017

العقيد الشهيد حدو بن عبد السلام أقشيش


تعريف موجز بقيدوم المختطفين بالريف العقيد حدو بن عبد السلام أقشيش

بقلم عمر لمقدم


سبق للجنة محمد بن عبد الكريم الخطابي للتنسيق بين الجمعيات، أن أصدرت في دجمبر 2003 بمناسبة إحيائها للذكرى 44 لانتفاضة الريف، ورقة تعرف بالمناضل المختطف حدو أقشيش، ونظرا لأهميتها فإننا في جمعية ذاكرة الريف اعتمدنا عليها لإصدار هذا التعريف الموجز

هو حدو بن عبد السلام أقشيش، ويذكر في بعض المصادر التاريخية باسم: أحمد عبد السلام الريفي، ولد سنة 1918 بقرية تماسينت، فخذة إمرابضن، قبيلة أيث ورياغل، إقليم الحسيمة. بعد أن تعلم الفقه وحفظ القرآن في عدد من المساجد المتواجدة بالريف، غادر بلدته تماسينت ليتابع دراسته في إحدى المعاهد بمدينة تطوان، حيث انكب على الدراسة وعلى تأطير الحركة الاحتجاجية المطلبية لطلاب المعهد التي كانت تروم فرض الحق في المنحة والتغذية

نظرا لنشاطاته النضالية واهتماماته بالشأن السياسي سيطرد من المعهد، ويغادر تطوان قاصدا مدينة فاس حيث سيتابع دراسته في إحدى معاهدها، لكن سرعان ما تم طرده لنفس الأسباب السابقة. قرر العودة مجددا إلى تطوان حيث سيتابع نشاطاته السياسية المعادية للتواجد الإسباني على تراب الريف. وفي سنة 1945 ستلقي عليه السلطات الاستعمارية القبض وتقوم بترحيله عنوة إلى مسقط رأسه، حيث ستفرض عليه الإقامة الإجبارية. في أواخر 1946 سيتمكن رفقة أحد أصدقائه من مغادرة تماسينت دون إخبار أحد ولو من عائلته، بعد مدة من الزمن سيعلن عن تواجده بالقاهرة عاصمة دولة مصر

كان أول ما قام به عند وصوله القاهرة هو البحث عن بيت الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، أقنعه الأمير بضرورة الاستمرار في متابعة الدراسة بجامع الأزهر، وعندما اكتشف الأمير جرأته ومواقفه الشجاعة، اقترحه ضمن أفراد البعثة العسكرية الأولى التي أرسلت في 01 أكتوبر 1948 إلى الكلية العسكرية ببغداد عاصمة العراق، لتلقي التداريب الضرورية قصد تشكيل الخلايا الأساسية لجيش التحرير الذي أراده الأمير أن يعمل من أجل فرض الاستقلال التام لكل أقطار شمال أفريقيا

بعد تخرجه في 30 يونيو 1951 من الكلية العسكرية برتبة ملازم ثاني، سيكون ضمن المجموعة التي كلفها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي للقيام بمهمات ثورية في كل من الجزائر وليبيا. حيث شارك حدو في تموين المقاومين الجزائريين بالأسلحة وتدريب ما يزيد عن 30 ألف مقاتل جزائري وليبي، وقيل أنه كان أول من أطلق الرصاص في جبال الأوراس بالجزائر

مع أواخر سنة 1956 سيتمكن من العودة إلى مدينة تطوان لإنجاز عدد من المهمات التي كلف بها من قبل الأمير، لكن السلطات الاستعمارية سرعان ما ألقت عليه القبض، حيث نقلته إلى مدينة سبتة وسجنته لمدة 3 أشهر بتهمة التخطيط لمحاولة انقلابية

بعد إطلاق سراحه سيعود إلى مسقط رأسه، ومن هناك بدأ يطوف على دواوير وأسواق منطقة الحسيمة وتجمعاتها السكانية، يشرح للسكان المؤامرات التي كانت تحاك ضد البلاد، ويوضح لهم مواقف الأمير من اتفاقية "إيكس ليبان" المشؤومة التي أعطت للمغرب استقلالا أعرجا بدل استقلال حقيقي ناضل من أجله الأخيار،

ويطالبهم بالاستمرار في دعم المقاومة المسلحة حتى يفرض جلاء شامل لكل القوات الاستعمارية، ويفضح الأساليب الخسيسة لجماعة الحزبيين وعملاء الاستعمار، وكان يقول

"لا حياة للريف بدون عبد الكريم الخطابي"

وقصد تحقيق مآربهم وأهدافهم عمل الحاكمون والحزبيون على محاربة كل الذين ارتبطوا بتجربة الأمير عبر تصفبتهم واختطافهم وتعذيبهم والزج بهم في غياهب السجون والمعتقلات السرية التي أنشئوها لهذا الغرض في العديد من المراكز والنقط. ففي أواخر شهر أبريل (وقيل أواخر ماي) من سنة 1956 سيهاجم كومندو مسلح مكون من عشرات المسلحين منزل عائلة حدو أقشيش بتماسينت، حاول أفراد العائلة في البداية مواجهة الكومندو، لكن عدد المسلحين الذين طوقوا المنزل من جميع الجهات حال دون ذلك، ألقي القبض على حدو أقشيش، وحينما هموا باقتياده إلى السيارة التي كانت معهم، قال لوالدته

"لقد وقعنا أخيرا في أيدي الأراذل، لكن إن كتب لي العيش فسأعيش رجلا، وإن مت فسأموت رجلا مرفوع الرأس"

منذ اختطافه من قبل ذلك الكومندو، لم يظهر لحدو أقشيش أي أثر، فهناك من يقول بأنه اغتيل منن قبل ميليشيات حزب الاستقلال التي نشرت الموت والرعب والهلع وسط ساكنة الريف، وأنه تعرض لعذاب وحشي رفقة مناضلين آخرين على يد علال الفاسي والطريس والمهدي بنبركة… وحسب رواية للمهدي المومني التجكتاني في كتابه "دار بريشة أو قصة مختطف"، فإن حدو لقي مصرعه في جنان ابريشة المتواجد بتطوان والذي كانت تستعمله ميليشيات حزب الاستقلال للتنكيل بالمناضلين الشرفاء، وقيل أنه دفن في مكان مهجور غير معلوم لحد الآن

ومهما يكن مصير حدو، فإن الحقيقة التي لا ريب فيها هو أنه اختطف من قبل المتآمرين الذين تضايقوا من استمرار المقاومة حتى التحرير الشامل، الذين فضلوا الوصول إلى الكراسي والامتيازات على جثث أخيار هذا الوطن

وتجدر الإشارة إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة تجاهلت في تقريرها الإشارة إلى المختطف حدو أقشيش، ولم تبحث عن حقيقة مصيره ولم تورد إسمه ضمن لائحة المختطفين المجهولي المصير، واكتفت باستدعاء أخيه امحمد المرابط (أقشيش) إلأى إحدى الجلسات التي نظمتها، ليتكلم في دقائق معدودة عن أخيه حدو وعن معاناة العائلة بعد اختطافه خاصة والده الذي تعرض لاعتقال بعد انتفاضة الريف وحوكم بالإعدام، ورغم قرار العفو فإنه ظل في السجن أربع سنوات ليخرج وهو يعاني من العديد من الأمراض
**************
  بورتريه.. حدو أقشيش صوت الثورة الذي خنقه الأراذل..

بورتريه.. حدو أقشيش صوت الثورة الذي خنقه الأراذل..

محمد المساوي
بورتريه زاوية أسبوعية تقترحها هيئة تحرير موقع أنوال بريس على زواره وقراءه، هي زاوية ستخصص لبعض الشخصيات التي كانت لها بصمات واضحة في تاريخ هذا البلد، سواء التاريخ السياسي أو الثقافي أو النضالي أو الرياضي… لن يقتصر الأمر على من رحلوا فقط بل حتى بعض الذين هم ما زالوا بيننا …
ضيوف “بورتريه” ليسوا بالضرورة هم فقط من قدّموا أشياء جميلة للوطن، ومن كان مسير حياتهم إيجابياً، بل سنستضيف حتى أولئك الذين طعنوا ظهر الوطن، ومن طعنوا أيضا ظهر الجماهير التي كانت تنظر إليهم بوصفهم زعماء وقادة… باختصار هي زاوية تعمل على حثّ الذاكرة على الاشتغال حتى لا يتسيّد النسيان وتتيتّم الحقائق.
البورتريه هنا ليس سيرة غيرية وليس تأريخاً لحياة شخصٍ ما بالمعنى الأكاديمي للتأريخ، بل هو مبني على تقنيات كتابة “البورتريه الصحفي” وهو محاولة لرسم ملامح الشخصية /الضيف بناءً على تشكيل صورة كلية استناداً الى مصادر عدّة، كما قد يتدخل أحيانا التخييل لرتق ما انفرط من الحكايات المتباينة حول حياة ضيف زاوية “بورتريه”. عن هيئة التحرير
سنخصص العدد الأول من هذه الزاوية للشهيد المختطف المجهول المصير، حدو أقشيش أحد تلامذة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي.

 

الصورة أعلاه صورة نادرة غير معروفة ل “حدو أقشيش”.

صرخة الحياة وسط أصوات بنادق الحرية..
ذات يوم من أيام سنة 1918 سيعرف حدّو الصغير النور في دوار ايت القاضي بتماسينت، فخذة امرابطن، التابعة لقبيلة ايت ورياغل، كانت  حينها منطقة الريف تحت وقع الاستعمار الاسباني، كان الأهالي يقومون بجهود حثيثة للم الشمل بعد مرحلة “الريفوبليك” لإعداد العدّة وتنظيم الصفوف لمواجهة المستعمر، وفي حمأة تصاعد صوت المقاومة بقيادة الزعيم محمد ابن عبد الكريم الخطابي سيطلق حدّو صرخة الحياة بوصفه الابن البكر لوالده لعبد السلام أقشيش ..
بعد سنوات قليلة وعندما كان الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي يحقق انتصارات ساحقة سيلتحق حدّو ب”لمسيد” (الكتاب) لحفظ القرآن وتعلّم الكتابة والحساب، أظهر الطفل حدّو قدرات جيدة في الحفظ والذكاء، لكن رغم ذلك لم يشفع عند والده لمواصلة دراسته، فبمجرّد ما تمكن من القراءة والكتابة وحفظ ما تيسّر من القرآن سحبه والده من الكتّاب ووفر له قطيعا من الغنم ليرعاه ويساعده في أعمال الفلاحة…
ذات يوم كان أحد الضيوف مدعوا للعشاء مع والد حدّو، وعندما نزل هذا الضيف الذي هو أحد “علماء” المنطقة وقتئذ يدعى ” السي امحند السي حمو”  صادف حدّو قافلا الى المنزل يسوق قطيعاً من الغنم كان يرعاه، نظر فيه الشيخ ملياً وقال له :
–  هل ستبقى طول حياتك ترعى الغنم يا حدو؟
– وماذا سأفعل يا عمي السي امحند ، أجابه حدّو.
– عليك أن تعود لاستئناف دراستك لتضمن مستقبلك يا بني..
– سأفعل يا عمي إن أقنعت والدي بذلك.


جانب من الفضاء الذي احتضن طفولة حدّو أقشيش.
 وفعلا بعد العشاء فاتح السي محند والد حدّو في الموضوع وأقنعه بإرجاع ابنه لاستكمال دراسته، وهو ما قام به الوالد خصوصا أن من طلب منه ذلك شخص يحوز احترام أبناء المنطقة، فالسي امحند لم يكن فقيها فقط بل كان عالماً بمقاييس ذلك الوقت، حيث كان الفقهاء الذي يقومون بمهة التدريس في الكتاب وإمامة الصلاة وأيضاً كان هناك فقهاء لهم اطلاع واسع على علوم الحساب والفلك والفقه والحديث يسمون ب “العلماء”، ويتميزون بشخصية رزينة وحكيمة تجلب لهم الاجماع على احترامهم من طرف الأهالي، وكانوا مرجع الناس حينئذ في الحسم في بعض النزعات والمسائل الفقهية وموضوعات الأحوال الشخصية…
عاد حدّو لاستكمال دراسته وأظهر تفوقاً ملحوظاً في الحفظ والتعلم مقارنة بأقرانه مما مكنه من استكمال دراسته خارج إقليم الحسيمة في تطوان وفاس..
“خبزة حدّو” شاهدة على جذوة النضال المتقدة..
صار حدّو يتقدم في دراسته بخطى حثيثة، حيث جاب المنطقة الجبلية من الحسيمة حتى الشاون يتردّد على مراكز العلم والفقهاء لأخذ علوم اللغة والدين والحساب على يديهم إلى أن توجه إلى تطوان لاستكمال دراسته في أحد المعاهد هناك نزيلا في داخليتها..
حدّو الشاب الفتي الممتلئ حيوية ونشاطاً، يقول عنه مجايلوه أنه كان يتميز بخفة دم وذكاء حاد وجسد رياضي يمنحه قوة الفتوة والاندفاع، يحكي أحد أفراد عائلته أن مرة زارت احدى فرق “أولاد سيدي احمد اوموسى” سوق الاحد بتماسينت لإلقاء احد عروضها التي تتميز بحركات بهلوانية ورياضية من طرف أفراد الفرقة، تحلّق الناس حول المشهد يتفرجون بإعجاب وحدو بين المتفرجين، وفي لحظة اندسّ بين أفراد الفرقة وراح يقلّد حركاتهم بطريقة رياضية متقنة، وأضحى الجمهور كلّه يصفّق لحدّو ويشجعونه بينما أشاحوا بعيونهم عن أفراد الفرقة… بعد نهاية العرض قصد كبير الفرقة والد حدّو وترجاه كي يترك حدّو يعمل معه ويدمجه في فرقته، لكن جواب الوالد كان هو الرفض القاطع وهو الذي يريد لإبنه أن يواصل دراسته ليتخرّج عالما يشار إليه بالبنان..
بمجرّد ما وطئ حدّو المعهد في تطوان بدأ في تنظيم الطلبة والدخول في أشكال احتجاجية لتحقيق مطالب تتعلق بالمنحة وبظروف الدراسة في المعهد والقسم الداخلي، وهو ما عرّضه باستمرار ليكون نزيلا عند السلطات الاسبانية بسبب انشطته النضالية، كما اعتقل مرات عديدة، وكان من المعارك القوية التي خاضها وهو طالب هو أن تزعم احتجاجا طلابيا داخل المعهد للزيادة في الوجبات الغذائية، وبعد معركة طويلة استطاع الاحتجاج الذي تزعّمه حدّو من أن يظفر بمكسب اضافة خبزة الى الوجبات الغذائية، سميت حينئذ ب “خبزة حدّو” نسبة الى الدور الفعال الذي لعبه في تنظيم الاحتجاج…
بعد ذلك سيطرد حدّو من المعهد، سيضطر للذهاب الى فاس لاستكمال دراسته هناك، لكن اسمه سيظل منقوشاً في ذاكرة الطلبة وعلى ألسنتهم لسنوات من بعد، ظلت “خبزة حدّو” شاهدة ودليل على جسارته النضالية حتى بعد سنوات من مغادرته للمعهد ولمدينة تطوان..
تشديد المضايقات على حدّو والهجرة إلى مصر..
بعد التحاقه بفاس لاستكمال دراسته هناك سيتعرض للطرد مرّة أخرى بسبب نشاطه النضالي، مما سيجعله يقفل عائداً إلى تطوان مرّة أخرى للبحث عن امكانية لاستكمال دراسته من جديد، لكن اسمه كان موضوعا على اللائحة السوداء ولم تقبله المعاهد المتواجدة في المدينة آنذاك، فمكث بعض الوقت في تطوان يحرضّ الناس ضدّ الاستعمار الاسباني وينسج علاقات مع ساكنة المدينة، وهو ما أثار حفيظة الاسبان فتم اعتقاله في مسيرة ضدّ الاستعمار الاسباني وتم الحكم عليه بثلاثة أشهر سجناً بتهمة رفع العلم المغربي في مسيرة ضدّ اسبانيا، وبعد الافراج عنه تمّ ابعاده من تطوان و فرضت عليه السلطات الاستعمارية الاقامة الاجبارية في بلدته بتماسينت وتم الزامه بإبلاغ السلطات عن أي تحرك له خارج البلدة..
ظل حدّو في تماسينت يساعد والده في أعمال التجارة التي كانت مزدهرة في هذه البلدة آنذاك، حيث كانت من أهم المراكز التجارية  في الريف وقتئذ، بيد أن هذا الوضع لم يرق حدّو كثيراً، أحس معه بالاختناق، كأنه طائر قُصّت جناحاه، وهو المسكون بحلم استكمال دراسته، وحلم إحياء مقاومة محمد بن عبد الكريم الخطابي للقضاء على الاستعمار الذي طغى وتجبّر على الأهالي…
ظلّ حدّو يفكر في الأمر جليّاً إلى أن اهتدى رفقة أحد أصدقاء الدراسة “السي محمد نعما نرحاج علي” واتفقا على مغادرة البلدة ليلاً والسفر إلى مصر لملاقاة الزعيم محمد بن الكريم الخطابي وللبحث عن فرصة لاستكمال الدراسة، وفي اواخر سنة 1946 جمع حدّو أمتعته القليلة واستعان ببعض التين المجفّف والزبيب ثم اتفق مع صديقه على أن يغادرا البلدة تحت جنح الظلام هروبا من أعين المخبرين وجنود الاستعمار…
تسلّلا الصديقان خارج البلدة وواصل طريقهما إلى مصر مشياً على الأقدام، وفي الغد شاع خبر اختفاء حدّو وصديقه في البلدة، فحتى العائلة لم يخبرها بسفره، فكثرت التكهنات، وشرعت السلطات الاسبانية في استنطاق افراد عائلته وأصدقائه بحثاً عنهما…
الوصول الى مصر واستكمال الدراسة في كنف الزعيم محمد ابن عبد الكريم الخطابي..
بعد شهرين ستحمل الاخبار القادمة من مصر أن حدّو أقشيش متواجد في مصر مع الزعيم محمد ابن عبد الكريم الخطابي، حيث بمجرّد وصول حدّو وصديقه إلى مصر بحثا عن إقامة ابن عبد الكريم، وبعد ان وجدوها استقبلهما بحفاوة بالغة، سألهما عن أحوال الريف ورجاله، ثم سألهما عن قصدهما من القدوم إلى مصر، وبعد أن أوضحا له قصدهما، نصح “ميس نعما نرحاج علي” بأن يعود إلى عائلته وهي في حاجة ماسة إليه، وخاصة أن الزعيم على علمٍ بأن والد “عما نرحاج علي” قد اعتقل في سبتة من طرف سلطات الاستعمار بتهمة ارسال ابنه الى القاهرة للتخابر مع محمد بن عبد الكريم الخطابي، فقام بتأمين رحلة العودة له إلى المغرب عبر باخرة قادمة من مصر، بينما أبقى على حدّو معه، وجعله مثل أبنائه، كواحد من أبناء الدار، يدرس مع أبنائه يأكل معهم وينام معهم.. يقول أحد أبناء الزعيم “السي حدّو هو شقيقنا، وكان والدنا (ابن عبد الكريم) يُجلسه على يمينه في كل اجتماعاته مع الوفود والشخصيات وكل البعثات، وكثيرا ما كان يضع يده على رأس حدّو ملامسا شعره وهو يردد: (أمي ابو ثقيوحث إينو)”..
وبعد مكوثه لسنتين في منزل الزعيم بالقاهرة ومتابعة دراسته في جامع الأزهر، في أكتوبر سنة 1948 سيقترح عليه الزعيم ارساله إلى العراق ضمن وفد لتلقي التدريبات والتكوين العسكري في الكلية العسكرية ببغداد لتشكيل الخلايا الأساس لتكوين جيش التحرير لمواصلة حرب تحرير اقطار شمال افريقيا..
بعد ثلاث سنوات سيتخرج حدّو من الكلية العسكرية ببغداد برتبة ملازم ثاني، وستكون أولى المهام الميدانية التي كلفه بها الزعيم هي الاشراف على تموين وتدريب المقاتلين الجزائرين والليبين، حيث تذكر المصادر أن حدو رفقة بعض تلامذة محمد ابن عبد الكريم الخطابي أشرفوا على تدريب أزيد من 30 ألف مقاوم جزائري بداية الخمسينيات، كما تشير مصادر أخرى إلى التأكيد على أن حدّو أقشيش هو من أطلق رصاصة انطلاق المقاومة الجزائرية من جبال الأوراس…


احدى الصور المعروفة لحدّو أقشيش وهو بزيه العسكري.
العودة إلى المغرب والسقوط في أيدي الأراذل ..
بعد أداء مهمته في الجزائر وليبيا سينتقل حدّو إلى تنفيذ مهمات أخرى حيث تم تكليفه للرجوع إلى المغرب والتنسيق مع المقاومين لتشيكيل خلايا جيش التحرير، فكان أن قصد مباشرة بعد عودته مدينة تطوان لربط الاتصال ببعض الشخصيات والتنسيق معها، لكن السلطات الاستعمارية الاسبانية ستلقي عليه القبض بتهمة التحضير لعمليات تخريبية، وستحكم عليه بثلاثة أشهر سجن قضاها في أحد السجون الاسبانية بمدينة سبتة، وبعد الافراج عنه قصد مدينة الحسيمة وبلدته تماسينت، حيث بدأ مهمة أخرى بأن شرع يطوف على الاسواق والمداشر لتعبئة الناس وعقد تجمعات جماهيرية يشرح فيها للناس “أن لا حياة للريف بدون محمد بن عبد الكريم الخطابي”، أن الاستقلال الذي حصلنا عليه بموجب اتفاق “اكس ليبان” هو ليس استقلالاً ناجزاً بل هو استقلال شكلي فقط، “الاستقلال الحقيقي لا  يأتي إلا عبر فوهة البندقية” كما كان يحلو له أن يردّد في جل تجمعاته الجماهيرية، يحكي مجايلوه أن حوالي شهر ماي 1956 عقد تجمعاً خطابيا حاشدا في بلدة تماسينت، تحدّث فيه عن الزعيم محمد ابن عبد الكريم الخطابي وتحدث عن طبيعة الاستقلال الذي حصل عليه المغرب، وحذّر الجماهير من أن يظنوا أن المغرب قد حصل على الاستقلال فعلاً، اذ خاطبهم قائلا” اياكم أن تعتقدوا أننا قد حصلنا على الاستقلال، انه مجرّد أكذوبة، الاستقلال الحقيقي لا يمكن الحصول عليه إلاّ بهذا (وراح يرسم بيده طريقة الضغط على الزناد موحيا للجماهير أن الاستقلال يأتي عبر فوهة البندقية)…
انتهى التجمع الجماهيري والناس لا تتحدث إلا عما قاله السي حدّو، وأضحى كلامه يسري على كل لسان، وأصبح كل حديث يختتم بعبارة : “أَمُوخْ إنًّا السّي حدّو أُودِينْ بُولِسْتِقْلاَل مَرَا أُويَدْجِّي أُوقَاطَاس” أي ” كما قال السي حدّو لا استقلال بدون البندقية”..


أطلال منزل حدو أقشيش من حيث اختطف سنة 1956
بعده بأيام قليلة أواسط شهر ماي، كان الوقت وقت حصاد في الريف، في يوم سبت من اواخر شهر ماي سيهاجم كومندو مسلح منزل حدّو أقشيش في فترة ما بين المغرب والعشاء، كان حينها حدّو متواجد في المنزل، إذْ بدقات عنيفة تقرع الباب، خرج أخوه الصغير مسعود لتفقد الأمر فوجد جنوداً مدججين بالأسلحة يسألون عن حدّو، حينها استشعر حدو مصيره وحدس ما ينتظره، كان محصنا بمسدس وكان على أهبة استعماله اذا خاطب والده قبل اقتحام المنزل قائلاً:” دعني يا أبي سأقوم بمهمتي لا يمكن أن استسلم لهم هكذا، أنا أعرف أنهم يريدون تصفيتي لكن لن يتأتى لهم ذلك بسهولة حتى أصفي منهم من أستطيع تصفيته” غير أن والده ترجاه وقال له ستعرّض الاسرة والمنزل كلّه للتشرد والضياع والانتقام الأهوج… وفي نفسي حدّو كانت تتماوج مشاعر الابوة الطافحة ومشاعر رجل السلاح والمقاومة.. واستسلم اخيرا لقدره، نظر في والدته خاطبها قائلا:” لقد وقعنا في أيدي الأراذل يا أمي، لكن إن متُ سأموت رجلا شجاعاً وإن حييت فسأحي كذلك.” تلك كانت اخر الكلمات قبل أن يقتحم الكوموندو المنزل ويلقي عليه القبض، ثم كبلوا يديه ووضعوا كيساً على رأسه ومضوا به في الطريق يحرسونه ببنادقهم… وتلك كانت نظرة الوداع الاخيرة التي تركت ما حدث بعده مرهون للتخمين والتلاعب بالحقائق، فلم تعثر أسرته ولا حتى هيئة الانصاف والمصالحة عن الخطى التي سلكها حدو بعد ذلك، أين ذهبوا به؟ أين سجن؟ أين قتل؟ ولماذا…
هي أسئلة رافقت سيرة حدو من حينها إلى اليوم، ربما هو الحالة الفريدة من المختطفين ومجهولي المصير التي لم ترد ولو معلومة بسيطة بشأنه، فقط ثمة شهادات تحدثت عن وجوده لفترة في معتقل دار بريشة بتطوان، لكن ليست هناك معطيات دقيقة عن مصيره، فحتى تقرير هيئة الانصاف والمصالحة الذي قيل أنه يغطي من سنة 1956 وهي سنة اختطاف حدو إلاّ أنها لم ترد فيه أية اشارة لحالة حدّو أقشيش…
مضى حدّو إلى حتفه منتصب القامة، شامخاً حاملاً معه سرّه، فيما تعرّضت عائلته من بعد لشتى أنواع الارهاب النفسي والمساومات، حتى أنه والده الذي كان شيخاً يفوق سنه الستين تعرّض للاعتقال ابان انتفاضة 1958/1959 وتم الحكم عليه بالاعدام، إلى أن صدر في حقه العفو بعد أربع سنوات من اعتقاله وتم توقيف تنفيذ الحكم.
تلك هي بعض من سيرة حدّ أقشيش أحد زنابق الثورة التي تفتحت بين حقول الريف وأينعت في حضن الزعيم محمد بن عبد الكريم في مصر وشاء لها أن تُقْطف على أيدي الأراذل، لكن لمكر التاريخ فحدّو ما زال يتردّد على كلّ الألسنة لم يطويه النسيان كما أراد له جلادوه.
تنويــــــــــــه:
تم انجاز هذا البورتريه بناءً على :
– مقال لمحمد الزياني منشور بجريدة بادس التي كانت تصدر من الحسيمة.
– ورقة تعريفية ب “حدو أقشيش” من انجاز لجنة محمد ابن عبد الكريم الخطابي للتنسيق بين الجمعيات أعدته سنة 2003 بمناسبة احياء الذكرى 44 لانتفاضة الريف.
– شهادات شفوية لبعض الأشخاص الذين ما زالو على قيد الحياة و عايشوا المرحلة التي كان ينشط فيها حدو أقشيش.
الصور: مأخوذة من المجموعة الفايسبوكية ” كل الحقيقة حول ملف الشهيد حدو أقشيش” التي تم انشاؤها من طرف بعض النشطاء سنة 2010 وقد مدّت احدى قريبات الشهيد المجموعة ببعض الصور، منها هاته التي نشرها مرفقة بهذا البورتريه.

هناك تعليق واحد:

  1. حقيقة إنه من أخيار ما أنجبت هاته المنطقة و رفقائه في المعركة وزعيمهم الروحي الأمير عبد الكريم الخطابي الدين أبو أنه حتى تتحرر كل بلاد المغرب العربي لهم الشرف أنهم إستشهدوا لهاته القضية رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته

    ردحذف