المتابعون

الأحد، 6 ديسمبر 2015

شهداء 19 يناير 1984 بالريف

محمد البطيوي: شكايتي ضد ادريس البصري هي محاكمة للذاكرة والتاريخ (حوار حول أحداث 84)

 تحضير فكري الأزراق
Fikri2959@yahoo.fr

هل تم طي صفحة أحداث 19 يناير 1984 بالريف بشكل نهائي؟ وهل تمكنت هيئة الإنصاف والمصالحة من الإجابة عن الأسئلة المؤرقة حول المصير المجهول للعديد من المعتقلين والمختطفين في ذالك الشتاء الذي تحولت فيه شوارعنا إلى ثكنات عسكرية نزف فيها الدم بسخاء المقابر الجماعية التي كشف عن بعضها عهد ما بعد 1999؟ وإذا كانت الهيئة المذكورة قدمت بعض الإجابات من الزاوية التي تنظر من خلالها إلى تلك الأحداث فماذا عملت، في المقابل، لحفظ الذاكرة الجماعية؟وكيف يمكن تفسير الإختلافات حول أعداد الضحايا بين مختلف الهيئات الحقوقية، الرسمية، والغير الرسمية؟ ألا يمكن القول بأن الهيئة، ومعها المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، قفزا على مجموعة من المعطيات، خاصة منها المتعلقة بعدد الضحايا وتحديدهم وتسليم الرفات، ليبقى بذلك الجدال مستمرا والحقيقة تراوح مكانها؟ وهل مفهوم “العدالة الإنتقالية” كاف ليتجاوز أهل الريف معاناتهم مع دولتهم؟ … إنه غيض من فيض الأسئلة التي لا زالت تُطرح بقوة من طرف مختلف الفاعلين بالريف بعد مرور 27 سنة على أحداث 1984 التي كانت محط اعتراض على وضعية اختناق اجتماعي وسياسي أدى إلى اصطدام بين العرش والشعب دفع هذا الأخير ثمنه غاليا.
الملف التالي، يحاول مقاربة الأسئلة المطروحة من مختلف الزوايا، وبالتالي الإجابة عن بعض الأسئلة المؤرقة حول علاقة الريف بالمركز على ضوء تلك الأحداث التي لا زالت “نقطة سوداء في جبين الدولة المغربية” وذلك بإعادة تركيب بعض مشاهد أحداث انتفاضة الخبز بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء، وبالتحديد إلى بداية الثمانينات، كما نحاول قراءة بعض ما حدث مع الأستاذ محمد البطيوي الذي كان من بين ضحايا آلة القمع آنذاك ليقرر بعد مدة ليست بالقصيرة إسترجاع كرامته عن طريق رفع دعوى قضائية ضد أحد رموز سنوات الرصاص (أنظر نص الحوار) عكس العديد من الضحايا الذين عانو الكثير ولا زالوا يعانون في صمت أشبه بصمت القبور.
وضعية اختناق
عرف المغرب في بداية الثمانينات من القرن الماضي أزمة خطيرة شملت مختلف الميادين، خاصة في الميدان الاجتماعي والاقتصادي، حيث ارتفعت نسبة البطالة بشكل مهول، وانخفضت أسعار الفوسفاط في السوق الدولية، والإنفاق الضخط على التسليح لأجل حرب الصحراء أرهقت كاهل حيث كلفت مليون دولار يوميا، كما وصلت ديون المغرب الخارجية آنذاك 7.000 مليون دولار، كل هذه الأسباب جعلت البلاد تعيش أزمة اقتصادية لم يسبق لها مثيل مما دفع بالنظام إلى البحث عن سبل إعادة التوازن في الاقتصاد الوطني، فعمل على الرفع من أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية التي بلغت لأول مرة في تاريخ المغرب زيادة 18% بالنسبة للسكر و 67%بالنسبة للزبدة، أما بالنسبة للغاز و الوقود فقد ارتفعت أثمنتهما بنسبة .20% أما بالنسبة لقطاع التعليم، فقد أضيفت رسوم جديدة للتسجيل، تمثلت في دفع 50 درهما بالنسبة للتلاميذ الراغبين في التسجيل بالبكالوريا، و 100 درهم بالنسبة للطلبة الجامعيين.
هذا ما ألم بالشعب المغربي برمته،إلا أن إقليم الناظور أضيفت إليه أزمة أخرى، فاقتصاد هذا الإقليم كان مرتبط أساسا بالتهريب الذي يمر عبر مليلية، و الذي تستفيد منه جل العائلات الريفية بالناظور، إلى أن النظام فرض في سنة 1983 على الراغبين في الدخول لمليلية دفع مبلغ 100درهم بالنسبة للراجلين و 500 درهم بالنسبة لأصحاب السيارات، ثم حدث تغيير سنة 1984حيث تم تعميم مبلغ 100 درهم، و هو ما أدى إلى تطور سوء الوضع الاقتصادي بالإقليم.
وضعية الإختناق هاته أدت إلى تفجير انتفاضة 19 يناير 1984، والتي تُعرف بــ “انتفاضة الخبز”، حيث رفض الشعب أن يتحمل التبعات الإقتصادية لحرب الصحراء في ما يعرف بالتقويم الهيكلي، وهو ما خلق تخوفات كبيرة لكل أجهزة الدولة، واحتمالات أن تتحول الاحتجاجات إلى أعمال مسلحة خاصة وأن ملف انتفاضة الريف في نهاية الخمسينات كان لا زال ساخنا، والحرب بين الحسن الثاني واليسار لم تضع أوزارها بعد، ونبض الإسلاميين كان على إيقاع الصحوة الإيرانية، وهي التخوفات التي أدت إلى ما أدت إليه حيث سقطت العديد من الأرواح اعترفت الدولة ب16 قتيلا، في حين تقول مصادر أخرى إن القتلى بالعشرات، وهو التضارب في الأرقام حول عدد الضحايا الذي لا زال مستمرا إلى اليوم (أنظر لائحة الضحايا).
وهذا الإصطدام برره الحسن الثاني بالمؤامرة الخارجية بقوله في خطابه الشهير بتاريخ 22 يناير 1987: ” لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدار البيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ؟ و لكنني اليوم أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف “.
وفي نفس الخطاب هدد الريفيين بقوله: ” و سكان الشمال يعرفون ولي العهد، و من الأحسن أن لا يعرفوا الحسن الثاني في هذا الباب ”
وهو الأمر الذي ترك الكثير من الجراح في نفوس الريفيين، وهي الجراح التي لا زالت لم تندمل بعد بالنسبة للعديد من الأسر التي فقدت أقاربها، في ذلك الشتاء الذي تحولت فيه شوارع المدن الريفية إلى ثكنات عسكرية نزفت فيها الكثير من الدماء.
إعادة دفن الضحايا أو فتح الجرح القديم
في تصريح لرئيس الوزراء في الحكومة المغربية بتاريخ 25 يناير 1984، قال بأن عدد القتلى محدد في 16 قتيلا، والتقرير النهائي لهيئة الإنصاف والمصالحة تحدث عن 16 قتيلا وأورد أسماء 12 قتيلا فقط، في حين تقول بعض المصادر الحقوقية بالريف بأن في تلك الفترة “كانت حوالي ستين أسرة تبحث عن ذويها”.
ولا زال العديد من الحقوقيين والفاعلين السياسيين والمدنيين بالريف يتحدثون إلى حدود اليوم عن مقبرة جماعية من المرجح أن تكون بثكنة القوات المسلحة بتاويمة، رغم سيناريو هيئة الإنصاف والمصالحة الذي حاول إنهاء ملف الريف بعد اكتشاف المقبرة الجماعية بثكنة الوقاية المدنية بالناظور يوم 28 أبريل 2008،والتي استخرجت منها 16 جثة وقالت الهيئة بأن المقبرة تعود لضحايا أحداث 1984 وهي المقبرة التي يتحدث عنها الرأي العام على أساس أنها موجودة بتاويمة.
والجثث الستة عشر التي تم استخراجها من المقبرة الجماعية المذكورة أعلاه تم إعادة دفنها بتاريخ يوم 28 فبراير 2008، عشرة جثث دفنت بأسمائها، وستة جثث عجز المجلس عن تحديد هويتهم وتم دفنهم كمجهولين بعلامة x، -رغم أن تقارير رسمية تحدثت عن ستة عشر جثة- في مقبرة “أولاد سالم” بمدينة الناظور وبحضور رئيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان “أحمد حرزني”، الذي تحدث في وقت سابق عن اللا علم له بوجود مقابر جماعية، وقال في إحدى تصريحاته الصحفية أن “ما يسمى بأحداث الريف صندوق أسود في تاريخ المغرب المعاصر”
وهكذا أعلن المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان عن طي صفحة أحداث 1984 بالريف دون أن يتمكن من الكشف عن الضحايا مجهولي المصير، ولا من تحديد هوية الضحايا، لتبقى الحقيقة لا زالت تراوح مكانها والجدال مستمر، وهوما فتح جراحا جديدة بالنسبة للعلائلات التي فقدت ذويها في تلك الأحداث والمذكورة أسمائهم في تقارير رسمية، ولم يتعرف المجلس الإستشاري عن هوياتهم.
لائحة الضحايا:
الضحايا الذين وردت أسمائهم في التقرير الختامي لهيئة الانصاف والمصالحة، صفحة : 99 ـ 100.
1- كريم الرتبي.
2- عبد الخالق الهواري
3- الفايدة يحيى
4- المرابط نجيم
5- بوعرورو صالح
6- الترحيب حكيم
7- عبد العزيز الجراري
8- خليفة الوكيلي
9- زهير فارس
10- عوجة مصطفى
11- ميمون المجاهدي
12- عبد الرزاق المسعودي
الضحايا الذين وردت أسمائهم في لجنة المتابعة لعمل هيئة الإنصاف والمصالحة التابعة للمجلس الإستشاري لحقوق الإنسان:
1- نجيم أزدي أحمد
2- عامر عبد الحميد
3- عبد الله بودواسل
4- عبد السلامة مصطفى
ومن جانب آخر أكد المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف ، فرع الناظور توفره على لائحة إضافية تضم أسماء خمسة ضحايا، اثنين منهم وردت أسمائهم في لائحة لجنة المتابعة وهما : نجيم أزدي أحمد، وعبد السلامة مصطفى، وثلاثة أسماء أخرى هم :
1- عامر عبد الحميد
2- برو امحمد
3- كنوف الحسن
وهنا يتضح الإشكال حول الجدال القائم عن العدد الحقيقي لضحايا 1984، علما أن المنتدى يؤكد توفره على معطيات تفيد أن عدد الضحايا يفوق بكثير العدد المصرح به بناءا على شهادات حية. وهناك بعض الشهادات الأخرى تؤكد وجود مقبرة أخرى مرجح أن تكون بثكنة تاويمة.
محمد البطيوي: شكايتي ضد ادريس البصري هي محاكمة للذاكرة والتاريخ (حوار حول أحداث 84)منطقة الريف تعيش إحدى أسوأ فترات تاريخها بعد خروجها للتو من صراع غير متكافئ مع المخزن، والفقر يغرس أظافره في الجسد المغربي برمته، واليساريين يستعدون للدخول في حرب غير متكافئة مع نظام الحسن الثاني…
نحن في بداية الستينات، وملفاتها الشائكة تخيم على مملكة الحسن الثاني الذي اعتلى العرش للتو: آلاف الريفيين هاجروا إلى الجزائر الفرنسية لضمان لقمة عيش لعلائلاتهم، وبعد سنتين من الجفاف ستهز المنطقة عاصفة قوية

 

........................

المصالحة مع الريف: شهداء وضحايا 19 يناير 1984، الموت مرتين والمصير المجهول


المصالحة مع الريف: شهداء وضحايا 19 يناير 1984، الموت مرتين والمصير المجهول
نـاظورسيتي: م. زاهـد

في أقصى مقبرة "سيدي سالم"، المتاخمة لـ "إكَوناف"، يحيط حائط متوسط الإرتفاع بـ "مقبرة" صغيرة موجودة بذات المقبرة التي اعتادها أهل مدينة الناظور دفن ذويهم، وتوجد في الجانب الأيمن المقابل لباب المقبرة – وحمداً أن لها باباً يحميها ويقيها شر الدنيا- تعود لرفات شهداء انتفاضة 1984، من الذين سقطوا برصاص لَعْلَعَ ذات نهار في أحياء متفرقة من الناظور، وانتهت حكايتهم. لكن كيف بدأت هذه الحكاية ذاتها؟

الـ "وفاة" الأولى...

في حفريات الذاكرة، أن مِن بين هؤلاء مَن كان يومها أمام باب منزله يلعب "بُولاَ" غير آبه بما يجري حتى وجد نفسه جثة هامدة وقد اخترقها رصاص القوات النظامية. كما أن من بينهم من خرج ولم يعد إلى منزله منذ تلك اللحظة وظل مجهول المصير، حتى قيل أنه يفترض أن يكون من بين من وُجدت جثته أثناء عملية حفر بكثنة الوقاية المدنيّة. بل، وفيهم من كان يافعا في عمر الزهور أو تلميذا يتلمس طريقه نحو استكمال دراسته وتحقيق حلمه، وفيهم حالات مختلفة هي أقرب إلى قصص مؤثرة منها لحكايات واقعية، لكنها كانت ذات مصير واحد، انتهى بهم الأمر جثثا مجهولة، لكن شاءت الأقدار أن "يُكشف" عنها "صدفة" بثكنة الوقاية المدنية بمدينة الناظور، ذات يوم من ربيع 2008، بعد مرور 24 سنة عن "وفاتهم" الأولى برصاص حي قيل في البدء أن من الذخيرة التي تستعمل في التدريبات أو المناورات، إلى أن بدأت تتساقط ضحايا وشهداء "انتفاضة الخبر"-حيث جاء اليقين-، وهي نفس الأحداث الجماعية التي شهدتها مدن الناظور، والحسيمة، وتطوان، وبركان، ومراكش...

الـ "وفاة" الثانية...

في اليوم الذي "عُثر" فيه على جثث كانت قد دفنت في مقبرة جماعيّة بالمكان المذكور، صدر بلاغ في الموضوع عن الوكيل العام للملك، وهرع بعدها أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حينها، إلى الناظور. أُخذت الرفات التي "اكتشفت" ذات صدفة إلى المستشفى الإقليمي بالناظور، وقيل أنها تعود لضحايا الأحداث الجماعية لـ 19 يناير 1984، وتنفست الصعداء عائلات هؤلاء، قبل أن توارى الثرى "بقايا" أجساد حية أثخنها رصاص العسكر الذي نزل بثقله ذات "خميس أسود" وأرداها جثثا هامدة، بمقبرة "سيدي سالم"، في انتظار ما ستسفر عنه عملية تحديد هوية الضحايا ونتائج تحليل A.D.N، بعد أن أخذت عينات لعائلاتهم، وهو الأمر الذي طال انتظاره، بعد أن طال انتظار الكشف عن مصير فلذات أكباد هذه العائلات، التي أعيد دفنها في قبور، منها التي لا تحمل أية إشارة إلى صاحبها وهويته، كأنها "الوفاة" الثانية لهؤلاء، وقد ضاع مصيرهم حتى وهم رقود.

وحدها عبارة "وفاة خلال أحداث الناظور الأليمة سنة 1984، إنا لله وإن إليه راجعون"، تلازم اللوحة الرخامية الموضوعة على كل قبر. ووحدها لوحة رخامية أخرى كبيرة الحجم ومؤثثة بعبارات تفيد بسياق "وفاة" هؤلاء الموضوعة رفاتهم بشكل مرتب، وضعت هي الأخرى لتُجاور هذه "القبور"، وانتهى الأمر.

هل انتهى الأمر؟...

هو السؤال الذي تجيب عنه الحالات العالقة والمجهولة المصير لحد الساعة، وهو السؤال الذي يجيب عنه تأكيد فاعلون حقوقيون على وجود مقبرة جماعية أخرى لشهداء وضحايا الأحداث الجماعية سنة 1984، وهو السؤال الذي يجيب عنه تقييمنا لما يسمى ب "جبر الضرر" الجماعي والفردي، وحفظ الذاكرة، وكشف الحقيقة، والمصالحة...














........................

انتفاضة 19 يناير 1984 .. صفحات من ذاكرة الزّمن الاحتجاجي

انتفاضة 19 يناير 1984 .. صفحات من ذاكرة الزّمن الاحتجاجي
شكّلت انتفاضة 23 مارس 1965، وأحداث 21 يونيو 1981 بالدار البيضاء، أبرز الأحداث الاجتماعيّة التي توالت بعد اندلاع مجموعة من الانتفاضات والأحداث الجماعية التي تلت السنوات الأولى لما بعد "الاستقلال الشكلي" للمغرب، إذ كان اندلاعهما في سياق سياسي واجتماعي تميّز بالاحتقان والصراع والسخط الشعبي.
وبعدما ساد الاعتقاد أن الصراع الاجتماعي بالمغرب لا يمكن أن يشكل "خطراً"، ولن يكون واجهة قوية للنضال الجماهيري ضد السياسات العمومية التي كانت متّبعة في عدة مجالات، على غرار الصراع السياسي الذي كان قائما آنذاك بين أحزاب "المعارضة" والقصر، جاءت انتفاضة 19 يناير 1984 لتعيد من جديد الزّمن الاحتجاجي إلى واجهة ذاكرة الأحداث الجماعيّة.
في جذور الحدث
تعود جذور وأسباب انتفاضة "الخبز والكرامة" إلى طبيعة السياق العام الذي جاءت في إطاره أحداث يناير 1984، لاسيما طبيعة الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ميزت هذه المرحلة التي ترجمت المؤشرات القائمة آنذاك وساهمت في بروز الأحداث الجماعية التي عرفها المغرب طيلة العقود الماضية.
من جهة أخرى، فالحديث عن الوضعية العامة التي حكمت صيرورة انتفاضة 1984، يقودنا إلى الحديث عن مظاهر الوضعية السياسية التي تميزت بالاحتقان والصراع والقمع والاعتقالات السياسية ومصادرة الحريات الأساسية للمواطن والتي كانت من أبرز العوامل التي ساهمت في قيام هذه الاضطرابات والأحداث الجماعية على غرار ما وقع مثلا بالدار البيضاء (1965 و 1981...)، ذلك أن هذه الوضعية السائدة إبان "سنوات الرصاص" وصلت حدا لا يطاق، وهو ما كان باعثا على السخط الشعبي والجماهيري والانفجار الذي تضافرت عوامله المتعددة بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي طبعت مجمل هذه الفترة.
أما الوضعية الثقافية، فقد كانت بدورها من الدوافع الأساسية الكامنة وراء اندلاع هذه الانتفاضات الجماعية، ومنها بالخصوص انتفاضة يناير 1984. فمثلا يمكن الإشارة إلى وجود عدة مؤشرات شكلت أرضية خصبة لتنامي عدة عناصر وعوامل الاحتجاج والغضب الشعبي والسخط على الحالة العامة السائدة في ظل ما طبع هذه المرحلة سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي.
فمن جهة، كان هناك وعي مجتمعي من خلال الدور الذي لعبته الطبقة المثقفة والأساتذة والتلاميذ والطلبة على مستوى تأطير الجماهير ومساهمتها في دينامية نضال المجتمع المغربي. ومن جهة ثانية، تراكمت عدة معطيات سلبية جعلت من الوضعية الثقافية وضعية مأساوية لاسيما ما يتعلق بمؤشرات تدني المستوى الدراسي والتربوي وارتفاع نسبة الأمية والطرد من المؤسسات التعليميّة.
وإذا كانت الشروط السياسية والثقافية التي حكمت سياق انتفاضة 1984 قد ساهمت بشكل أساسي في بلورة الرفض الشعبي للوضعية الحادة التي عرفها المغرب خلال هذه السنوات، فإن دور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية كان حاسما في اندلاع انتفاضة "الجوع والكرامة".
وتتجلى معالم هذه الوضعية المزرية في طبيعة السياسية التي نهجها المغرب مع بداية الثمانينيات من خلال تطبيق بنود مخطط "التقويم الهيكلي" الذي كان محكوما باملاءات المؤسسات المالية العالمية(صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، وهو الأمر الذي كانت له انعكاسات سلبية وكارثية ووخيمة على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية، لاسيما أمام التحولات التي شهدها المجتمع المغربي في هذه المرحلة على مستوى بنيته الديمغرافيّة وتركيبته السكانية وتحولات نمط العيش، في مقابل تدني الأجور وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتفاقم الفقر..
في بعض تفاصيل الحدث
في خضم هذه الظرفية التي اتسمت بما سبق ذكره، انطلقت المظاهرات على صعيد المؤسسات التعليمية والتي قادها التلاميذ الذين كانوا مؤطرين ضمن الوداديات والخلايا على مستوى الثانويات والاعداديات والمؤسسات التعليميّة.
من جهة ثانية، تزايدت حدة الغضب الشعبي والجماهيري بعد خروج هذه المظاهرات إلى الشارع والتحاق عموم المواطنين بها للتعبير عن تذمرهم ورفضهم لما آلت إليه الأوضاع العامة، وهو الأمر الذي اضطرت معه الدولة إلى التدخل بوحشية لسحق هذه الأشكال والاحتجاجات.
ويشكل يوم 19 يناير 1984 الحدث البارز في مسلسل هذه الأحداث التي اندلعت أساسا على صعيد مدن الشمال والشمال الشرقي (الناظور، بركان، الحسيمة، تطوان...) وكذا مركش. ولعل أهم ما ميز هذا اليوم قوة التدخل الوحشي في حق المواطنين من طرف مختلف الأجهزة العسكرية، حيث جسد 19 يناير 1984 صورة مأساة إنسانية بامتياز لما طبعها من قتل واعتقال واختطاف ومظاهر الوحشية التي خلفت مقابر جماعية وجعلت من هذا اليوم، بل الأيام، أشبه ما تكون بما عاشته مؤخرا بعض الدول : جيش، دبابات، رصاص يلعلع، قتلى وشهداء، حالة استثناء كانت تسود ووضع طارئ...
في هذا الإطار، يندرج السؤال المتعلق بالخلفيات التي حكمت هذا التدخل والقمع المفرط من طرف الدولة في حق مواطنين أبرياء جهروا بصوت الحق وخرجوا للشوارع للاحتجاج بشكل حضاري ضد الوضعية القائمة والتي تميزت كما هو معلوم بمظاهر الأزمة والاختناق على جميع المستويات.
فقد كان من شأن كل ما سبق ذكره أن زاد من جروح مغرب تلك المرحلة ومن مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والمرتكبة من طرف الدولة وأجهزتها خلال السنوات والعقود الماضية.
من هنا، كان من المفروض أن تظل التساؤلات التالي مطروحة: ما هي طبيعة المنطلقات والخلفيات التي كانت وراء حجم ونوع الممارسات التي أقدمت عليها الدولة في أعقاب هذه الأحداث والانتفاضات التي ستظل عالقة بأذهان أبناء الريف عموما؟! وما هي أيضا طبيعة التقارير التي كانت ترفع للجهات العليا آنذاك، وكذا الجهات التي تولت صياغتها وتضمينها ما تضمنته من معطيات ومعلومات و"مزاعم" قيل بأن أحد أبناء المنطقة هو من كان وراءها؟ وأين تتجلى مستويات مسؤولية كل طرف على حدة في ما حدث من تأجيج للحقد والقمع الذي لم يحز في نفوس الريفيون كثيرا بقدر ما حزت فيهم تلك المقولة الشهيرة التي أطلقها الملك الراحل في خطاب رسمي شبّه فيه أهل الشمال ب"الأوباش"، وتلك قصة أخرى؟!!.
حتى لا يتكرّر ما حدث
حتى لا يتكرر ما حدث. ومن أجل المصالحة مع الذاكرة والتاريخ وطي صفحات الماضي الأليم بكل أحداثه وصراعاته وملابساته. كان، وما يزال، العنوان الأبرز لضرورة المعالجة الشاملة ورفع غطاء النسيان والإهمال عن أهم المحطات التي ترتبط بهذا الماضي حتى يمكن لنا على الأقل أن نخطو خطوات على درب مسلسل المصالحة الحقيقية والتأسيس للعدالة الانتقالية ولمستقبل وغد واعد.
وعديدة هي المحطات التي تؤثت شريط الذاكرة الوطنية وتشكل أساس الوعي المغربي المعاصر، وهي المحطات التي مازالت تئن تحت وطأة النسيان والتناسي وتتعرض للتجاهل والتعتيم.
وبالعودة إلى قراءة مختلف صفحات التاريخ المغربي المعاصر، سنجد أن مجموع الأحداث والوقائع التاريخية والسياسية، وكل ما يؤسس للذاكرة الوطنية والجماعية، هو في حاجة ماسة إلى مزيد من إلقاء وتسليط الأضواء عليه وإغناء رصيد الكتابات حوله.
ومن أبرز المداخل التاريخية والحقوقيّة والسياسية المؤسِّسة لعدم تكرار ما حدث، كشف الحقيقة وإنصاف الضحايا من خلال جبر الضرر الجماعي والفردي وحفظ الذاكرة والمصالحة مع الإنسان والمجال ومحاربة ثقافة النسيان والتناسي، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان وآليات حمايتها.
.....................

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور


مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور


ناظور24 ـ أمين الخياري ـ طارق الشامي:

نظمت بعد زوال يومه الثلاثاء بالنّاظور مسيرة شعبية دعا إليها فرع النّاظور للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، وهي المسرة التي جاءت إحياء الذكرى السادسة والعشرين للقمع الذي طال ساكنة الريف سنة 1984 ووفاء لضحايا انتفاضة "الخبز والكرامة" الذين سقطوا خلال الخميس الأسود 19 يناير 1984 بالنّاظور.

الكلمات الملقاة خلال الموعد، عبّرت عن الاستياء والإدانة تجاه فعل "التهريب" الذي نال من جثامين الضحايا الـ 16 المعاد دفنهم يوم الجمعة الماضي، مؤكّدة أيضا على كون المسؤولين عن هذا الفعل لم يراعوا قدسية الذكرى ولا الإكرام الواجب في حق الشهداء وأسرهم، معتبرة أنّ مجريات عملية الدفن وما أحاط بها من إجراءات لا يعتبر سوى إهانة لا تعادلها سوى الإهانة التي سبقتها ضمن نفس اليوم من ست وعشرين سنة خلت.

وقد عبّر المشاركون ضمن المسيرة، والقادمون من عدد من النقاط بالإقليم، عن اعتبارهم تدبير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان للملف هروبا من تحمّل المسؤولية بإعلانه طي الملفّ مباشرة بعد إجراءات دفن "هزلية" لا تناسب حجم الفاجعة التي ما زالت مرتبطة بالذاكرة الجماعية لساكنة المنطقة، كما اعتبروا الوضعية الاجتماعية التي كانت سببا في أحداث النّاظور لسنة 1984 لا تختلف في شيء عن الوضعية الاجتماعية الحالية، ما يفيد بركود تنموي يجب أن يكون محورا للنقاش والفعل.

كاميرا ناظور24 كانت حاضرة ضمن المسيرة التي جابت شارع محمّد الخامس بالمدينة، وأعدّت لكم التقرير المصوّر التالي..








مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور

مسيرة تنتقد "سرّيّة" إعادة دفن شهداء 84 بالنّاظور



هناك تعليق واحد:

  1. احداث انتفاضة 1984 بالريف كما تناقلتها وسائل اعلام دولية انذاك
    18.01.14 18:24
    احداث انتفاضة 1984 بالريف كما تناقلتها وسائل اعلام دولية انذاك

    تحل غدا الاحد 19 يناير الذكرى الثلاثين للانتفاضة التي شهدتها اجزاء واسعة من الريف اضافة الى مراكش والتي جاءت للاحتجاج على رفع اسعار المواد الاساسية ، وبهذه المناسبة شبكة دليل الريف تعيد نشر ما نشرته انذاك بعض وسائل الاعلام الدولية حول هذه الاحداث .

    بداية الاحداث

    فقد نقلت جريدة "ليكسبريس" السويسرية عن وكالة فرنس بريس يوم 21 يناير 1984 عن وقوع احداث خطيرة بالمغرب اسفرت عن العديد من القتلى والجرحى نتيجة اشتباكات عنيفة بمدينة الناظور بين التلاميذ والشرطة المدعومة من قبل عناصر من الجيش.

    من جهتها افادت وكالة الانباء الاسبانية ان مواجهات اليوم الاول بمدينة الناظور اسفرت عن مقتل شخصين وجرح اكثير من خميسن اخرين .

    تعتيم اعلامي

    وكالة فرنس بريس تابعت تطور الاحداث واشارت ان الاحتجاجات شملت عدة مدن في شمال المغرب (تطوان ، الحسيمة ، الناظور وطنجة... ) وتسببت في العديد من القتلى والجرحى نتيجة قمعها من طرف الشرطة والجيش .

    نفس الوكالة افادت ان عدد القتلى و الجرحى غير معروف بسبب التعتيم الاعلامي وطرد مجموعة من الصحفيين الغربيين من طرف السلطات المغربية.

    مئات القتلى والجرحى

    ذات الوكالة نقلت عن الاذاعة الوطنية الاسبانية وقوع ما بين 150 و 200 قتيل نتيجة الاحداث فيما تحدثت وكالة الانباء الاسبانية عن سقوط اكثر من 100 قتيل بمدينة الحسيمة وحدها .

    وكالة فرنس بريس افادت ايضا ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اعلن انه وجه سؤال كتابي الى الوزير الاول كريم العمراني لطلب توضيح حول الاحداث وان منظمة "الى الامام" دعت العمال و التجار والطلاب الى اضراب يوم الاثنين (23 يناير) في جميع انحاء البلاد احتجاجا على قمع المحتجين.

    التراجع عن الزيادات في اسعار المواد الغذائية

    وكالة فرنس بريس افادت ان الملك الحسن الثاني القى خطاب عبر الاذاعة و التلفزة (22 يناير) طلب خلاله حكومته التراجع عن جميع المشاريع الرامية الى الرفع من اسعار المواد الغذائية التي تسببت الاضطرابات في الشمال وانه اتهم الشيوعيين و المخابرات الاسرائيلية وايران بالوقوف وراء الاضطرابات .

    ذات الوكالة اعتبرت ان الخطاب هو اول اعتراف من السلطات المغربية عن وجود اضطرابات التي تزامنت مع انعقاد مؤتمر القمة الاسلامية بالرباط .

    دليل الريف : متابعة


    ردحذف