المتابعون

الخميس، 3 ديسمبر 2015

الشهيد حسن الصغير


وفي عام 1953 كان حسن الصغير منهمكا بمطبعة في نسخ مناشير مرصودة للتوزيع. داهمت الشرطة المطبعة وتمكن حسن الصغير من تجرع قرص السم وكان من أوائل الفدائيين المنتحرين.


مغاربة فقدوا حياتهم من أجل التغيير ومن أجل غد أفضل

إدريس ولد القابلة
....................

قضية الـمنشور الذي استشهد بسببه حسن الصغير
 الحسين العرائشي: انطلاق الـمقاومة الـمغربية وتطورها الحلقة 5
أول سيارة تم استعمالها من طرف المقاومة السرية وضعت بساحة المحكمة العسكرية
الـمنشور الأول

الجماعة التي خططت له: السادة:
- المرحوم محمد الزرقطوني
- الحسين برادة
- سليمان العرائشي
- التهامي نعمان
- الحسن العرائشي
أما المنفذون فبالإضافة إلى هؤلاء السادة:
- محمد الغليمي
- محمد السكوري
الأحداث:
بعد الهزة التي أصابت المغرب بصفة عامة والأوساط الوطنية بصفة خاصة على إثر اعتقال أغلبية القادة الوطنيين، (ديسمبر 52)، ظن الاستعمار أن الجو أصبح ملائما لخلق جو من الإرهاب والمزيد من الضغط على القصر وذلك لنشر الذعر واليأس في صفوف الشعب المغربي، في هذه الفترة العصيبة خططت هذه الجماعة لأول منشور وقع باسم (المتطوعون) وهو الاسم الأول الذي كانت تحمله تلك الجماعة والتي سارت من بعد تسمى (حركة المقاومة المغربية) فكرت هذه الجماعة في طبع منشور وتوزيعه على أوسع نطاق لإعادة الثقة إلى النفوس وإشعار العدو بأن الكفاح مستمر. وهكذا تم اقتناء جلد اصطناعي مقوى ووضع فوق خشبة من حجم 30 سنتيم على 20 سنتيم وكتب بطريقة خاصة ونقشت الحروف على الجلد واستغرقت العملية ثلاثة أيام بلياليها بالتناوب بين سليمان العرائشي وحسن العرائشي وطبع المنشور بمطبعة الأطلس، وكان السيد الحسين برادة الذي دبر أمر هذه المطبعة وسلم مفتاحها للسيد سليمان العرائشي الذي سهر على طبعه ليلا.
وكان مطلع ذلك المنشور الذي لازلت أتذكره:
- إن الشعب المغربي ليستنكر بكل قواه الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الإدارة الاستعمارية من تقتيل وتشريد ضد شعب أعزل لا ذنب له إلا المطالبة بحقه في الحرية والاستقلال،،،، إلخ.
وهكذا وبعد طبع المنشور تقرر توزيعه في أهم المدن المغربية ففي مدينة فاس أسندت مهمة التوزيع للسيد الحسين برادة.
وفي مدينة مراكش للسيدين محمد الغليمي ومحمد السكوري.
أما مدينة الدار البيضاء فقد تكفل بها كل من السادة التهامي نعمان والشهيد محمد الزرقطوني والحسن العرائشي.
وقد وزع المنشور في جميع المدن المشار إليها في ساعة واحدة. وكان مطلوبا من الجميع الاتصال هاتفيا طبقا لكلمة سر اتفق عليها للاخبار بتنفيذ العملية بسلام.
وبعد عودة الأخوين محمد الغليمي ومحمد السكوري من مراكش بسلام علمنا أن الباشا الكلاوي اعتقل 17 طالبا من كلية ابن يوسف وأتهمهم زورا بتوزيع ذلك المنشور وأمر بتعذيبهم بطريقة وحشية لانتزاع الاعتراف منهم بمسؤوليتهم عن ذلك المنشور، مع العلم أن أيا منهم لم يكن له أي ارتباط بتلك الخلية الأولى في ميدان الكفاح المسلح.
وللحقيقة والتاريخ فإن بعضا من هؤلاء الذين ذاقوا أنواعا من التعذيب بسبب هذا المنشور التحقوا بصفوف المقاومين ولعب بعضهم دور القيادة في المرحلة الثالثة والأخيرة.

تطوان - مدريد - البيضاء
لإخراج المنشور رقم 2

كانت فكرة المنشور على شكل نداء من جلالة الملك اختمرت في ذهن سليمان العرائشي وهو في إحدى المهمات عند الأخ أحمد زياد بتطوان، وبينما هو في إحدى قاعات الحلاقة أعجبته صورة للمرحوم محمد الخامس فطلبها من صاحب الصالون ليأخذ نسخة منها، وذهب فورا إلى إحدى المطابع وصنع «كليشي» للصورة في شكل قلب وأعاد الصورة إلى صاحبها. ثم سافر إلى الدار البيضاء، وأخفى الكليشي داخل برتقالة. وفي الدار البيضاء أعجب المرحوم الأخ الزرقطوني بالفكرة، وفورا اتصل برفيقه في الكفاح المرحوم البشير شجاعدين وطلب منه أن يتصل بالأخ محمد الجندي لتحرير نص النداء على لسان المغفور له محمد الخامس. وتوجه سليمان إلى مطبعة الأطلس لتدور آلاتها من جديد لتطبع المنشور الثاني، وفي أعلاه صورة للمرحوم محمد الخامس. وطبعت الدفعة الأولى، ونقلت إلى خارج المطبعة، وفي سكون الليل كانت تدور الآلة بهديرها، وفوق بناية المطبعة كان يقطن شرطي فرنسي فأبلغ إدارة الأمن بهدير المطبعة فجاءت فرقة من الشرطة. واقتحمت المطبعة وكان الأخ سليمان منهمكا في عمله، وبرفقته المرحوم الحسن الصغير المسفيوي فتجرع هذا الأخير السم فداء لسرية التنظيم، وبينما الشرطة تجري التحقيقات الأولى داخل المطبعة مع الأخ سليمان دخل عليهم فجأة السيد التكريمي حسن الصغير ليتسلم دفعة أخرى من المناشير المنجزة. وكانت مفاجأة لم ينتظرها إذ وجد الشرطة الفرنسية تحتل جنبات المطبعة وسيق المناضلان إلى مخفر الشرطة، وبدأ التحقيق مع الأخ سليمان وسلطت عليه ألوان من العذاب، ليعترف بأصحابه. وكان لابد للأخ أن يبحث عن وسيلة تريحه من العذاب، ولم يكن يحمل قرص السم فاهتدى إلى «الاعتراف» وقال لهم إن المسؤول يقطن بمتجره في شارع بوطويل بالمدينة القديمة. وأخرجوه مكبلا، ولما وصلوا إلى الشارع المذكور نزل أحدهم للبحث عن المقدم وأحد الحراس بالشارع فدلهم الأخ سليمان على مقدم الحي بأنه صاحب المتجر، فرجعت الدورية مرة أخرى إلى مخفر الشرطة وضاعفت له العذاب. فلم يبق أمام الأخ سليمان إلا مخرج واحد هو أن يدلهم على منزل أحد رفقائه في الكفاح وهو الأخ الداحوس، لعلمه أن صاحبه سيكون قد غادر بيته في تلك الساعة إلا أنه من الصدف العجيبة أن صاحبنا الداحوس عاد إلى منزله من مقر عمله غاضبا على إثر حادث شخصي وقع له في ذلك اليوم. ولما وصلت الشرطة إلى عين المكان قرعت الباب بعنف، فأجابهم وهو يداعب مسدسه في يده: من بالباب؟ فأجيب: افتح الشرطة، فخرج المقاوم حافيا، وهو يطلق الرصاص فسقط المفتش الفرنسي «بوايي» جريحا وأصاب رفقاءه الهلع واشتغل بعضهم بإسعافه، وكانت فرصة للأخ سليمان أن أطلق معطفه من فوق كتفيه لإخفاء القيد الحديدي، وصار يجري إلى أن وصل بيت السيد محمد بن ابراهيم البعمراني بشارع ابن مكيلد. ولم يكن صاحب البيت موجودا، فخاف سليمان على نفسه من تطويق الحي، وهو مكبل اليدين فغادر المنزل متوجها إلى منزل المرحوم البشير شجاعدين. وكانت زوجته السيدة آمنة عزيز في البيت وكانت تعلم بخبر اعتقاله، فاعتقدت أول الأمر أنه قاد الشرطة إلى البيت، وطمأنها ودخل مسرعا وقفل الباب وطلب منها فورا أن تذهب إلى بيت أبيها السيد محمد عزيز ليبلغ النبأ إلى الزرقطوني. وعادت السيدة فورا مصحوبة بأبيها وبمحمد الزرقطوني، وكانت الفرحة عظيمة بهذا اللقاء وقطع القيد بمنشار حديدي، وأقسم الزرقطوني على رميه بباب كوميسارية المعارف، وهذا ما فعله رحمه الله.
أما الداحوس فبعدما خرج حافيا يطلق الرصاص قصد دراجة في باب أحد الدكاكين، وركب عليها ثم قصد متجرا يبيع الأحذية، وكان التاجر ينظر إلى الداحوس، وهو في تلك الحالة والمسدسان واضحان في حزامه فقال: خذ الحذاء، واذهب لحال سبيلك. هذا ولمعلومات بعض الإخوان الذين قد يتبادر إلى ذهنهم أن المقاومة لم يسبقها تخطيط ولا تنظيم فإن الحروف التي طبع بها المنشور الثاني جيء بها من مدريد، وذلك لكي لا تتعرف الشرطة الفرنسية على نوع الحروف خصوصا وأننا ندرك أن هذا المنشور أو غيره سيسقط في يد الشرطة. كما أننا نعلم أن للشرطة قسما خاصا لمثل هذه التحريات، وهكذا سافر السيد الغالي العراقي إلى مدريد لشراء الحروف. وكان من المتفق عليه أن يعرج في عودته على مدينة تطوان حيث كنا في انتظاره في مطار سانية الرمل. ولكن أحوال الطقس حالت دون نزول الطائرة بالمطار المذكور، وأخبر الجميع بنزول الطائرة بمطار بوخالف بمدينة طنجة، وهكذا سافر السيد محمد بن عبد القادر الشتوكي مسرعا لاستقبال الأخ الغالي العراقي الذي بقي حيران بالحروف وهو داخل المطار بطنجة، وكان من حسن حظ أخينا الغالي أنه اجتاز الجمرك بسلام، وسلم البضاعة إلى الشتوكي لينقلها إلى الدار البيضاء على جناح السرعة.

قصة المناشير

نشرت جريدة العلم الغراء في عددها الصادر يوم الأحد 12 جمادي الثانية 1395 هـ مقالا تحت العنوان المذكور أعلاه دون التعريف بكاتبه ولعله مرتبط بمقال آخر سبقه، ومهما يكن فإن الذي يهمني منه هو قضية المنشور الذي يحمل صورة جلالة المغفور له محمد الخامس. إن هذا المنشور كان بإيعاز من رفيقي في الكفاح المرحوم الأستاذ البشير شجاعدين. فقد كنا نعمل معا معلمين في مدرسة محمد الخامس بالدار البيضاء، وكنا نتبادل المذاكرات السرية أثناء فترة الاستراحة، وذات يوم طلب مني أن أحرر منشورا ذا لهجة شديدة تحرك لواعج الأسى، وتثير حماس الأبطال الفدائيين، فوجدني أتقد شوقا، واندفع دون مهل إلى إجابة رغبته، وكان يلح علي إلحاحا شديدا أن أساهم بدور من الأدوار في عمليات الفداء، صوت لازال يعمل عمله في نفسي انطلق من بين شفتي المجاهد العظيم أخينا عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال الحاج عمر بن عبد الجليل، الذي ودعني يوم خروجي من سجن غبيلة في حرية مؤقتة إثر حوادث فرحات حشاد، وكان يرافقني الأستاذ ادريس العلمي حيث أبلغني نداء اشتمل على كلمات انطبعت في نفسي منذ ذلك اليوم، وقال: إياكما أن تستكينا أو تناما أو تركنا إلى الراحة فالكفاح مستمر والنصر بحول الله لنا. وطبع على جبيننا قبلتين، ومنذ ذلك الحين وأنا أترقب الفرص للعمل تحت ستار كثيف من السرية نظرا لوضعيتي في الحرية المؤقتة.
ولم تمر إلا بضع لحظات حتى حررت المنشور، ودفعته إلى الأستاذ البشير الذي دفعه بدوره إلى الشهيد الزرقطوني، وحلى صدر المنشور بصورة المغفور له جلالة محمد الخامس داخل القلب، ولقد سررت جدا حينما أطلعني عليه الأخ المرحوم البشير في شكله الأنيق المثير للحماس، والمهيج للعواطف المستميتة في البحث عن وسائل الكفاح. وأما المنشور الثاني فهو أيضا من إنشائي وكلماتي، ولقد أخبرني المرحوم البشير شجاعدين بأن الإخوان وجدوا صعوبة كبرى في طبعه، وهو الذي ذهب ضحيته الشهيد حسن الصغير.
وبهذه المناسبة أذكر أنني بعثت أيضا برسالة شديدة اللهجة إلى الجنرال جيوم مكتوبة بحروف مفككة وبخط كوفي وبإمضاء «أبطال التحرير» وهي من غير شك توجد ضمن وثائق الإقامة العامة إذذاك. ولسوء الحظ لم أحتفظ منها ولو بنسخة واحدة، وهذا سر لم يطلع عليه سواي. وأما المناشير التي قام بطبعها وتوزيعها الشهيد عبد الله الشفشاوني، فهي منشورات أخرى أنشئت ووزعت قبل إلقاء القبض علينا بقليل. ولعل الأخ رفيق الكفاح الأستاذ أحمد الجاي والأخ رفيق الكفاح أيضا الأستاذ عبد السلام السباعي على علم بذلك، ويمكن أن يزودانا بمعلومات إضافية عن المنشورات التي وزعت قبل إلقاء القبض علينا بفاس، وأنني أستسمح كاتب المقال في نقدي لحركة المنشورات فإن الباعث على ذلك هو التدقيق في كتابة التاريخ والأمانة المطلوبة من كل ذي قلم وشكرا.
محمد الجندي
«العلم» 27 يونيو 1975


عملية القطار السريع

الدار البيضاء - الجزائر
المنظمة التي خططت لها المقاومة السرية
الشخصيات التي لعبت الدور الرئيسي في التخطيط:
الشهيد محمد الزرقطوني
السيد الحسين برادة
السيد الحسن العرائشي
السيد سليمان العرائشي
الجماعة التي نفذت هذا التخطيط السادة:
المرحوم محمد الزرقطوني
الحسين برادة
الحسن العرائشي
سليمان العرائشي
اسعيد بونعيلات
منصور محمد بالحاج
محمد السكوري
إن عملية نسف القطار السريع - البيضاء - الجزائر - كانت من أشهر العمليات التي نفذها المقاومون لإسماع صوتهم، وهكذا ففي أوائل نونبر شحنت قنبلتان كبيرتان ووضعت كل واحدة منهما في حقيبة. وأخرج من كل قنبلة فتيلتان من تحت مقبض الحقيبة ووضعتا أول الأمر في متجر بشارع الفداء لصاحبه المرحوم بالعيد، وفي مساء يوم العملية نقلت القنبلتان إلى منزل السيد ناجي عمر وهو صهر السيد الحسن العرائشي وفي هذا البيت المتواضع بشارع الفداء تناول طعام العشاء كل من السادة:
المرحوم محمد الزرقطوني
الحسن العرائشي
اسعيد بونعيلات
محمد منصور
محمد السكوري
وبعد تناول الطعام توجه الجميع إلى سيارة (طركسيون 15) وهي أول سيارة كانت في ملك المقاومة. وفي محطة القطار سلمنا للسيدين منصور والسكوري تذكرتين للذهاب إلى الرباط وذلك يوم 7 نونبر 1953 بعدما أعطيت لهما التعليمات الضرورية للقيام بمهمتهما. وودعناهما على أمل اللقاء بمحطة القطار بالرباط، أما المرحوم الزرقطوني والحسن العرائشي وبونعيلات فواصلوا سفرهم في السيارة إلى الرباط.
وعند ركوب السيدين منصور والسكوري افترقا في القطار المتوجه إلى الجزائر فالسيد منصور ركب في الدرجة الأولى بينما السيد السكوري ركب في الدرجة الثانية، وعند وصول القطار محطة الرباط توجه كل منهما إلى المرحاض وأشعلا فتيلي القنبلتين وخرجا مع المسافرين فاستقبلناهما في المحطة وركبا السيارة لتعود بهما فورا إلى البيضاء ومكث الزرقطوني والحسن العرائشي بالرباط للتعرف على نتائج الانفجارات وانعكاسات ذلك على الإدارة الاستعمارية ومعرفة ردود الفعل من طرف الرأي العام الوطني، وقضينا ليلتنا بدار أحد الإخوان بحي العكاري.
وفي الصباح الباكر توجهنا إلى المدينة لنستطلع الأخبار ومكثنا اليوم كاملا بالرباط وفي المساء امتطينا سيارة طاكسي حيث نقلتنا إلى أحد الأبراج الشاطئية حيث كنا على موعد مع السيد مولاي العربي الذي قدم من البيضاء في نفس السيارة، أما الخسارة التي أعلنت عنها الصحف آنذاك فكانت فادحة وعدد الموتى يزيد على 12 من المسافرين.
.........................
 
قصة العلاقة بين مولاي العربي الشابي والشهيد حسن الصغير
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 07 - 2015

لماذا مولاي العربي الشابي الشتوكي؟. ولماذا النبش في قصة حياته؟. وأية غاية لنا في ذلك؟. إن الجواب، هو أن سيرة الرجل تستحق أن تروى، عنوانا عن معنى مغربي، لجيل فتح عينيه على الإستعمار، وسكنته تلك الرغبة الجامحة في أن ينحث له مكانا تحت الشمس، مختلف عن تجربة من سبقه من أجيال مغربية. بصيغة أكثر دقة، إن في الكشف عن قصة حياة هذا الرجل البطل (وهو بطل فعلا في الحياة وفي المواقف الوطنية)، بعض من ملامح معنى التحول الهائل الذي عاشه المغاربة كإنسية، بعد صدمة الإستعمار. فهي تجربة حياة، من الغنى والكثافة والتميز والإثارة، ما يجعل حياة فرد (مثل حياة مولاي العربي) عنوانا على قصة المقاومة التي قاوم من أجلها أولئك المغاربة، الذي عاشوا ما بين 1912 و نهاية القرن 20. أي أننا من خلال تجربة حياة فرد، نلج إلى معنى ثقافي سلوكي لمجتمع جديد، صهرته قوة ذلك التحول وتلك المقاومة من أجل شكل حياة مختلف. مختلف، بدفتر تحملاته القيمية، التي تعلي من فكرة النهوض. النهوض الذي عنوانه الأكبر عندهم، هو استحقاق التقدم وشروط المدنية والحداثة. وهنا يكمن السر في معنى التحول التاريخي الذي يعيشه المغاربة، منذ أكثر من قرن من الزمان، لأنه انتقال هائل من معنى حياة إلى معنى حياة. وتجربة رجل إسمه مولاي العربي الشتوكي، الذي تقاطعت عنده مسارات تجارب متعددة: حياتية، نقابية، سياسية، مقاومة، تقدم لنا بعضا من المثال الخصب على ذلك.
كان الشهيد محمد الزرقطوني، كما أكدت لي شهادات سابقة (لا أزال أتوفر على تسجيلاتها) لكل من المرحوم بوشعيب شجاعدين، والمرحوم الفقيه البصري، والمرحوم الهاشمي المتوكل، يضرب دوما المثل لرفاقه في المقاومة بالفعل البطولي للشهيد حسن الصغير، الذي كان أول مقاوم مغربي يسقط، بسبب تناوله حبة سم، حتى لا يعترف بأية معلومات للشرطة الفرنسية الإستعمارية التي اعتقلته بالصدفة ذات ليلة من سنة 1953. هو الذي فاضت روحه، رحمه الله، في سيارة الشرطة، والحسين العرايشي التطواني جالس إلى جانبه معتقلا معه، بذات الشارع الذي أصبح اليوم يحمل اسمه، بحي درب عمر بالدارالبيضاء (توفي عند نقطة تلاقي شارعي محمد الخامس وحسن الصغير حيث بناية البنك العربي اليوم). حيث أكد لي المرحوم الحسين العرايشي أنه كان يلاحظ أثر السم يخرج من فم رفيقه وصديقه حسن الصغير، من خلال زبد أبيض، فأدرك أن الشهيد قد غافل الجميع وتناول حبة السم أثناء الصعود إلى سيارة الشرطة. وهي لحظة مكثفة إنسانيا، عن معدن أولئك الرجال الوطنيين حينها.
كان الشهيد الزرقطوني يعرف جيدا، الشهيد حسن الصغير، معرفة شبه يومية، لسبب بسيط هو أن بطلنا المغربي هذا، كان يعمل نادلا في مقهى مولاي العربي الشابي قرب سينما "أطلس" بدرب السلطان، غير البعيدة عن محل تجارة الخشب الذي يملكه الزرقطوني. هذا يعني أن حسن الصغير كان رجل ثقة مولاي العربي، وأنه كان عارفا بكل تفاصيل أدواره النضالية الوطنية، ضمن حركة المقاومة المدينية المسلحة الوليدة حينها بالدارالبيضاء. هو المنحدر من منطقة مسفيوة جنوب مراكش، التي تضم بلدتي آيت أورير (أول طريق ممر تيشكا بالأطلس الكبير) وأغمات (أول عاصمة للمرابطين قبل بناء مراكش ومكان اعتقال ودفن الملك الأندلسي الشاعر المعتمد بن عباد وعائلته). ولقد كان رحمه الله، على علاقة قوية بعائلة مولاي العربي، حيث كان صغاره كثيرا ما يرتادون مقهى والدهم تلك، مثلما أنه كان يزور بيت العائلة بزنقة الرحامنة. بل إنه سيقع في يد الشرطة الفرنسية، قبل عملية منشور مطبعة "الأطلس" بدرب عمر (كانت كائنة في الزقاق الصغير بين شارع للا الياقوت وزنقة ستراسبورغ، حيث توجد اليوم إحدى المجمعات التجارية لرجل أعمال عراقي شهيرة)، بسبب مناشير نقابية عادية، وحمل إلى بيت عائلة مولاي العربي لأن إخبارية للشرطة أكدت لها أنه على علاقة بها، وحين ووجه ب "مدام مولاي" أنكر كلاهما معرفته بالآخر، وبعد أيام أطلق سراحه، ولم يعترف قط بعلاقته بمولاي العربي الشابي، كما تؤكد كبرى بنات مولاي العربي زينة الشابي.
أما حكاية منشور مطبعة "الأطلس" الذي استشهد بسببه، فهي تعود إلى عمل منسق بين الشهيد محمد الزرقطوني والحسين العرايشي التطواني (الذي لا قرابة عائلية له مع المقاوم والوطني الآخر، حسن العرايشي القصري، إبن مدينة العرائش)، بعد أن استقدم هذا الأخير، صورة للملك الوطني محمد الخامس من عند حلاق بتطوان، منسوخة ضمن إطار قلب، في "نيغاتيف" خبأه في قشرة برتقالة. كانت الفكرة، أن يتم طبع منشور بعد اعتقالات 1952، الكبيرة، ضد كل قيادة الحركة الوطنية، التي كانت غاية الإستعمار الفرنسي منها، عزل الملك الوطني محمد الخامس وقطع علاقته مع تلك الحركة، والإستفراد به أمام سلطة المقيم العام الجنرال غيوم. ولقد وقع ذلك المنشور في أسفله باسم: "المتطوعون". "المتطوعون" الذين تحولوا في ما بعد إلى تنظيم "حركة المقاومة المغربية". و"المتطوعون" أولئك، هم مجموعة الزرقطوني، التي كان من ضمنها مولاي العربي الشابي. وواحد من مساعديه بمقهاه ومخبزته قبالة سينما "أطلس" بدرب السلطان، سيكون من المشاركين في عملية طبع ذلك المنشور: الشهيد حسن الصغير.
لقد شاء القدر والصدفة، أن يكون شرطي فرنسي قاطنا بالشقة التي تقع مباشرة فوق مطبعة "الأطلس" تلك. ولأنه انزعج من صوت مطبعة تدور بعد منتصف الليل، ممنوع أن تشتغل في ذلك الوقت المتأخر، فإنه اتصل بقسم الشرطة البلدية ليخبرها بضرورة الحضور لمنع صاحب المطبعة من العمل بليل، مع ما يصاحب ذلك من ذعيرة. لكن حين حضرت فرقة الشرطة تلك، ستجد أن الأمر لا يتعلق فقط بطبع أوراق عادية، بل بمنشور باللغة العربية، فيه بأعلى الصفحة صورة للملك الوطني محمد الخامس، وعامل وحيد يقوم بعملية الطبع هو الوطني الحسين العرايشي. اتصلت تلك الفرقة بالشرطة السياسية، التي حضرت بسرعة، وشرعت في تجميع نسخ ذلك المنشور، وأخلت محيط الزقاق، على أمل حضور عناصر أخرى مغربية. وهو ما تحقق لها بالفعل، حيث عاد الشهيد حسن الصغير، لحمل الجزء الثاني من حمولة المنشور ذاك، بعد أن كان قد أوصل الجزء الأول منها إلى الشهيد محمد الزرقطوني بالمحل التجاري حيث يعمل عند مولاي العربي (مخبزة ومقهى). حين دخل حسن الصغير، كان مستحيلا هروبه، فاعتقل رفقة الحسين العرايشي ووضعت لهما أصفاد واحدة جمعت بينهما. كان هو قد غافل الجميع وتناول حبة السم، فاستشهد، فلم تعرف الشرطة تلك، أبدا، خط علاقته المباشرة بمولاي العربي الشابي ولا بالشهيد محمد الزرقطوني، ولا مكان المجموعة الأولى من ذلك المنشور. فيما تمكن الحسين العرايشي من الهرب من الشرطة يومين بعد ذلك. لأنه بعد التعذيب قرر أن يدلهم على بيت مقاوم آخر كان متيقنا أنه لن يكون في منزله حينها هو "الداحوس الكبير"، الذي عمل بعد ذلك بمطبخ القصر الملكي بالرباط. لكن شاء القدر أنه حين طرقت الشرطة الباب وهو تناديه لفتحه لها، خرج عليهم حافيا، شاهرا مسدسا، وشرع يطلق النار على الجميع فأصاب مفتش الشرطة الفرنسي "بوايي" (كان يعرف هذا المفتش جيدا كل من الشهيد إبراهيم الروداني والمقاوم الهاشمي المتوكل، دون أن يعرف هو أبدا أنهما من المقاومة)، فوقعت جلبة، مكنت الداحوس من الهرب، وأيضا الحسين العرايشي. كل أخد وجهته، وكانت وجهة العرايشي هي البحث عن الشهيد الزرقطوني عن طريق عائلة أصهار المقاوم البشير شجاعدين. حين حضر الزرقطوني عانق طويلا الحسين العرايشي وكسر له أصفاده وأصر على أن يرميها بنفسه (في رسالة للتحدي) قرب ولاية الأمن المركزية القديمة بالمعاريف، الكائنة بنايتها اليوم بشارع الروداني بالدارالبيضاء.
كان المغرب، إذن، يعيش لحظة تحول سياسية اجتماعية غير مسبوقة بعد 1952، بدأت تبرز فيها أكثر قوة الشريحة الإجتماعية الحرفية والعمالية المؤمنة بإلحاحية المواجهة العنيفة والمسلحة مع المستعمر، الذي كان قد صعد من عنفه القمعي ضد النخبة السياسية لقيادة الحركة الوطنية والنقابية، وصعد من مواجهته المسلحة العنيفة ضد المظاهرات السلمية للمغاربة (مثل الجريمة الدموية التي ارتكبت في 8 دجنبر 1952 بالحي المحمدي، بعد تضامن المغاربة مع الشعب التونسي إثر اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر 1952). وهو التحول الذي سيكون في القلب منه مولاي العربي الشابي بالدارالبيضاء، الذي عايش النقاشات بين رفاقه في حزب الإستقلال، بين من كان يؤمن بسلمية النضال السياسي، وبين من كان يؤمن بإلحاحية تغيير شكل ذلك النضال السياسي عبر وسائل المقاومة المسلحة. وكان مولاي العربي منتميا إلى الفريق الثاني، هو الذي خبر ذلك أصلا في فرنسا، حين كان يتتبع عن قرب عمليات المقاومة المنظمة بالمنطقة التي كان يتحرك فيها بيسر كبير، وهي منطقة "لالوار"، من خلال أخبار حركة المقاومة الشعبية الفرنسية المسلحة ضد الإحتلال النازي الألماني، بمدينتي ليون وسانتيتيان، لكل من "غي مولان" وعائلة "أوبراك". دون إغفال أيضا ما عايشه، من خلال زوجته "مدام مولاي" وعائلتها الباسكية، من مقاومة شعبية مسلحة للجمهوريين الإسبان ضد ديكتاتورية الجنرال فرانكو.
كانت النتيجة، هي توطد علاقته مع الشهيد محمد الزرقطوني، جاره في السكن وجاره في التجارة ورفيقه في الحزب، وموطن ثقته الكبير. الزرقطوني، الذي كان يدرك بوعي، من موقعه المهني الحرفي والسياسي، أهمية التوفر على شبكة وازنة ومنظمة، لتجميع الدعم المالي لحركة المقاومة وشراء الأسلحة والتوفر على أمكنة تخزينها وأيضا التوفر على أمكنة تهريب المبحوث عنهم من خلايا تلك المقاومة سواء كشقق أو ضيعات فلاحية. هنا كان الشبيه قد وقع على شبيهه، فتوطدت العلاقة عاليا بن الرجلين، وأصبحت العديد من الإجتماعات تعقد في بيت مولاي العربي الشابي، وفي محله التجاري المشترك مع المقاوم الوطني "دا بلعيد" (في ذلك المحل سيلتقي لأول مرة المرحوم الفقيه البصري، قادما من مراكش، كما أكد لي في شهادة سابقة معه، كلا من الشهيد الزرقطوني، محمد منصور ومولاي العربي الشابي، بعد وساطة من الوطني المغربي الكبير الحاج عمر المتوكل الساحلي صيف 1953). وأصبحت "مدام مولاي" تقوم بذات ما كانت تقوم به من قبل بسانتيتيان، من تهيئ اللوجستيك الضروري لمثل تلك اللقاءات، في سرية تامة، المتمثل في توفير جو صارم للإنضباط بالبيت، لوعيها بأهمية الفعل الوطني ذاك. لهذا السبب، كان أبناؤه، الذين عادوا نهائيا حينها من الرباط، وسجلهم مولاي العربي رفقة زوجته، بالمدرسة المحمدية بالدارالبيضاء، للموسم الدراسي 53/ 54، يشاهدون باستمرار حضور أسماء، إلى منزل العائلة أو المقهى أو في خلفية المحل التجاري للمواد الغدائية، سيصبح لها شأن في تاريخ المقاومة المغربية، من قبيل محمد الزرقطوني (وزوجته السيدة السعدية العلمي)، محمد منصور (وزوجته الإيطالية السيدة عايدة، صديقة والدتهم)، ثم عبد الله الصنهاجي، أحمد شنطر (المعروف بالخصاصي)، عبد العزيز الماسي، عبد القادر بن عسو، بوشعيب الغندور، عبد الله بن لحسن الزناكي ودابلعيد. فهؤلاء بالنسبة لهم، حينها أصدقاء والدهم.
هنا، علينا، الإنتباه، تحليليا، كيف أن أغلبية هؤلاء الوطنيين حرفيون وتجار، وأن أغلبهم سوسيون. وهذا تجل سوسيولوجي، ستكون له امتدادات حتى بعد الإستقلال، من خلال تبلور الحركة الإتحادية بالمغرب، والتي سينتمي إليها مولاي العربي الشابي، بل كانت له فيها أدوار لوجيستية وتنظيمية حاسمة.

هناك تعليق واحد: