المتابعون

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الشهيد إبراهيم الروداني

في ذكرى اغتيال ابراهيم الروداني: تفاصيل اغتيال المقاوم كما روتها الصحافة حينها

في ذكرى اغتيال ابراهيم الروداني: تفاصيل اغتيال المقاوم كما روتها الصحافة حينها
في ذكرى اغتيال ابراهيم الروداني :اما آن لاضياضو ان يعود ؟


محمد بن ابراهيم*
يعتبر اضياضو ابراهيم بن احمد؛ المعروف بابراهيم الروداني من الوجوه الوطنية والنقابية البارزة في الحركة الوطنية والعمل المطلبي والمقاومة وجيش التحرير؛  غير أن ما يلاحظ هو ضمور ذاكرته في خضم تضخم ذاكرات شخصيات اخرى كان هو صانعها الاول وبالأساس ذاكرة  كلا من الشهيدين محمد الزرقطوني وعباس المساعدي؛ فما السر في هذا الغياب الكبير لرجل من قيمة  الروداني ولماذا  نسخت ذاكرته في شارع يدرعه المارة جيئة وذهابا دون ان تستوقفهم لحظة سؤال عن  الرجل من هو ومن يكون؟ ولماذا غاب في قعر النسيان الجماعي و جمدت ذكراه في مجرد اسم فارغ من مضمون ما يفترض انه قدمه للوطن من تضحيات؟
لكل هذا نرى انه  آن  الأوان "لاضياضو" أن يعود  لسطح الذاكرة الجماعية ليشغل فيها حيزا يليق به كصانع رجال مرحلة المقاومة والكفاح المسلح من اجل الاستقلال؛ و كشهيد من شهداء الوطن الذين يحق لنا ان نعتز بهم و ندافع عن حق ذكراهم في الوجود سيما وان تضحياته كانت حقيقة باعتبار فذ يمنعنا من السقوط في المنافحة عن رصيده الرمزي ازاء ارصدة كان هو صانعها الأول وتخصص عرابوها الآن باسم أبناء الشهداء في ابتزاز الوطن وتكرار طلبات قبض ثمن الوطنية؛ وأمام فاجعة المغرب في إبراهيم الروداني كان النسيان بمثابة سلوى حقيقة توارى معها  علم اثث بأسماء دالة لحظات مفصلية من تاريخ المرحلة؛ من إبراهيم لعرج البائع للماء في العشرينيات الى الروداني العائد من فرنسا في الأربعينيات؛ الى أن قرن هويته بمطلب العودة الأكيدة للسلطان فمتح كنيته منها وصار علما عليها بل وقاسمه ابوة المغاربة وحظى بنصيبه من القداسة باسم الاب الصغير.
 نحن اليوم في ذكرى اغتياله ومن موقع تاريخ منصف وذاكرة عادلة  نسهم  عبر هذا المقال  في استرجاع جزء من ذاكرة الرجل من خلال تتبع حادثة اغتياله في صحافة الوقت وعبر ذاكرة  بعض من جايلوه في محطات من حياته الى ان اغتالته الايادي الآثمة في 5 يوليوز 1956 ليعتبر اغتياله احد اولى الاغتيالات السياسية الغامضة بالمغرب المستقل.

1.     حادثة الاغتيال في صحافة الوقت:

اولت الجرائد الصادرة زمن اغتيال إبراهيم الروداني أهمية متباينة لحادثة اطلاق النار الذي عرفته زنقة الموناستير ليلة الخميس 5 يوليوز 1956؛ سنعرض  في هذا المقام لنماذج مما كتبته هذه الجرائد عشية اغتياله:
 كتبت جريدة  le petit marocain تحت عنوان "إطلاق نار بالبيضاء" عن  الحادثة التي وقعت ليلة الخميس 5 يوليوز 1956 على الساعة 23 ليلا في المدينة الجديدة للدار البيضاء؛ وفي تفاصيل الخبر اشارت القصاصة الى أن الآمر يتعلق بهجومين خلفا قتيلين وجريحا في حالة خطيرة.
الهجوم الاول وقع في زاوية طريق مديونة وزنقة الموناستير في حين وقع الثاني على بعد امتار قليلة من زنقة  (cote – aux –feés) وتم إخطار الشرطة التي حضرت الى المكان بسرعة وتمكنت من اعتقال القتلة - الذين لم تكشف هوياتهم لحد الآن- على الساعة الواحدة صباحا واقتيدوا الى الكوميسارية سنطرال حيث سيشرع ضابط الشرطة FRAIX من فرقة الشرطة القضائية في استنطاقهم؛ والجدير بالذكر أن مسدسا نصف آلي قد وجد مع احد القتلة. 
 جريدة l’écho الصادرة يومه السبت 7 يوليوز 1956 علقت على الحادثة بعنوان مغرض: "على اثر اغتيال تاجر؛ مطاردة مثيرة في المدينة الجديدة بالدار البيضاء واصطياد أربع مهاجمين" وفي تفاصيل الخبر كتبت تقول بدأت "الفاجعة" حوالي الساعة 23 ليلا في زنقة الموناستير بخروج تاجر مغربي يدعى السيد اضياضو ابراهيم 49 سنة؛ ليلتحق بسيارته المركونة على بضع امتار حينما باغتته رصاصة اصابته في قلبه واردته صريعا في الحال؛ لينطلق المارة في ملاحقة القاتل  وكاد مغربي ان يحوط به  على مقربة من زنقة  (cote – aux –feés) إلا انه ما ان اقترب منه حتى استل مسدسا وأطلق النار على ملاحقه الأقرب ليرديه حتفه؛ الضحية يدعى  السيد بوزوبع محمد؛ 56 سنة؛ كان يقطن بالدرب الكبير وينتمي الى إحدى  مناطق ناحية فاس .
واصل الآخرون المطاردة؛ رجالا ونساء وأطفالا الى ان أحاطوا بمنفذي هذه الجرائم؛ ولم يعد بمقدورهم الإفلات؛ فتم اعتقال ثلاثة مغاربة وسلموا الى السلطات دون ان يسلموا من المعاملة المسيئة للحشود المهددة لهم. سمع دوي اطلاق نار اخر سقط على إثره مغربي ثالث؛ السيد عابد بن احمد (أخ ابراهيم الروداني) الذي أصيب في ظهره ضحية شجاعته في ملاحقة القتلة؛ موازاة مع ذلك؛ شوهد في الزقاق المجاور ((Rue de la Manutention  مغربي يفر بعدما ألقى بقنبلة يدوية ناسفة؛ من حسن الحظ انها لم تنفجر وقبض على الرجل صاحب القنبلة وسلم ايضا الى السلطات دون ان نستطيع القول بيقين انه من ضمن مجموعة القتلة المقبوض عليهم والمستمع الى اقوالهم حاليا من طرف البوليس وهم:
- احمد بن محمد24 سنة ؛ مهنته عامل؛ متهم رسميا من طرف المارة بقتل السيد محمد بوزوبع.
- الشايك بوزكري محمد19 سنة قبض عليه متلبسا بمسدس 9 ملم.
- علي بن محمد 24 سنة مشتبه به دون ان توجه له تهمة واضحة.
          - عبد الله بن محمد 26 سنة هو الذي القى قنبلة  (REU DE LA MANTENTION).
في نفس العدد و المقال تحت عنوان فرعي  اشارت ذات الجريدة الى ان التاجر المغربي من الدار البيضاء ابراهيم بن اضياضو قتل في كرسي مقود سيارته خلال ليلة  الخميس – الجمعة.
في خبر مستجد اوردت جريدة  Le petit marocain ان الهجوم الذي أودى بحياة السيد اضياضو ؛ احد القادة الرئيسيين " للمنظمة السرية " قد خلف ضحية أخرى؛ أخ السيد اضياضو؛ عابد بن احمد  الذي كان قد اصيب برصاصة في كتفه  خلال نفس الهجوم ونقل الى المستشفى حيث توفي امس.
  نشرت جريدة العلم ليوم السبت 7 يوليوز1956  مقالا لنعي الشهيد ابراهيم الروداني عنونته ب "فاجعة المغرب في ابراهيم الروداني؛ البيضاء تشارك كلها في تشييع جثمانه" وعلى عكس  الجرائد الفرنسية كانت لغة المقال اكثر عمومية فيما يخص تفاصيل الحادث  واكتفى بنسب اغتياله ليد آثمة مجرمة ليلة الجمعة 6 يوليوز 1956على الساعة الحادية عشر وأربعين دقيقة عندما كان خارجا من معمل لصنع جافيل في زنقة الموناستير بعد ان صوب عدد من المجرمين مسدساتهم نحوه عن يمينه ويساره فخر في الحين صريعا في سيارته وخرج اخوه من المعمل لإغاثته فضرب هو الاخر ونقل الى المستشفى واجتمع الناس على دوي الرصاص فهبوا من كل مكان لمطاردة المتهجمين فصار هؤلاء يطلقون النار على الجمهور  فأردوا واحدا قتيلا وأخيرا تمكن الجمهور الذي كان يتكاثر عدده من القاء القبض على خمسة افراد سيقوا الى ادارة الشرطة للتحقيق معهم.

1.     اسباب الاغتيال في صحافة الوقت:

 نشرت جريدة Le petit marocain بعد يومين من اغتيال الروداني مقالا عنونته ب: السيد اضياضو قتل لأنه أعلن الحرب على العصابات المسلحة:
 كتبت في صدر هذا المقال ان المغاربة الاربعة  الذين اعتقلوا ليلة الخميس في مسرح الهجوم الذي شهدته زنقة الموناستير وراح ضحيته قائد منظمة سرية؛ ما زالوا رهن التحقيق في مقرات الشرطة التي ضربت تكتما شديدا على هذه القضية؛ ونعرف حاليا وبشكل اكثر يقينا ان المغربيين اللذين تم القبض عليهما متورطان في اطلاق النار الذي أودى بحياة الرجلين؛ أما الآخران فمن الوارد جدا ان الحشود الهائجة  قد قبضت عليهما خطأ كمشاركين في اغتيال السيد اضياضو. وفاة هذا الاخير اثار مشاعر قوية في صفوف الشعب المغربي.
السيد اضياضو  احد القادة  الرئيسيين للحركة السرية للمقاومة " المنظمة السرية " تمتع قيد حياته بهيبة كبيرة كرجل صارم بنزاهة كبيرة؛ كان بكل قوته ضد اعمال الابتزاز التي يقوم به افراد منظمة سرية (الهلال الأسود) تخصصت مند عودة جلالة السلطان في الاختطافات وأعمال العصابات؛ وقرر مع رجال منظمته ان يضع حدا للأعمال المشينة لأفراد هذه العصابة المنافسة؛ ومن المرجح انه اغتيل من طرف هؤلاء الذين يعرقل عملهم.
 بعد وفاة عابد؛ الضحية الثالث للهجوم قدمت جريدة Le petit marocain معلومات مستجدة عن الاخوين ابراهيم وعابد موردة أن السيد اضياضو ابراهيم وأخوه عابد  كانا يملكان مجزرة في شارع محمد الخامس غير بعيد عن شارع المقاومة؛ قبل عودة السلطان كانا قلقين؛ اشتبهت الشرطة في انتمائهما الى منظمة سرية غير ان لا شيء سجل ضدهما وتركا بحرية؛ قامت الشرطة بمداهمة محلهما بعدما اخطرت بوجود اسلحة مخبأة غير ان ذلك لم يسفر عن شيء. الاخوان معروفان بنزاهتهما الكبيرة وتلقيا رسائل تهديد متكررة؛ يبدوا أن أمانتهما تزعج بعض العناصر السرية اقل نظافة ومغرضة لم يتوانوا عن اغتيالهما لمواصلة اعمالهم الابتزازية.
  ختمت جريدة l’écho  مقالها بالإشارة  الى ان الشرطة تبحث  عن تحديد الدوافع التي كانت وراء الهجوم  الأصلي؛ موردة رأيين بخصوص فرضيات الاغتيال اذ يرى بعض الاشخاص ان الأمر يتعلق بحرب عصابات؛ لكن آخرون يرون ان هذه الحادثة مرتبطة بالتي أودت مؤخرا في "الوازيس" بحياة احد العناصر المؤثرة في الهلال الأسود ( اغتيال حسن الكلاوي الاب الروحي للهلال الأسود ) وبحادث إطلاق النار قي درب البلدية (اغتيال عمامو الزياني احد عناصر الهلال الأسود).
 في اسباب الاغتيال اكتفت جريدة العلم بالإشارة  الى  أن المقبوض عليهم " كلهم شبان صغار محركون من طرف هيئة مجرمة (الهلال الأسود) تعمل لخلق الفتنة وبث الفوضى في البلاد؛ وفي ذات المقال اشارت الى هتاف المشيعين لجنازة ابراهيم الروداني بالعدالة للمجرمين؛ القصاص للمجرم الأول(   العلم ترى أن وزير الداخلية لحسن اليوسي أنذاك يتبنى منظمة الهلال الأسود ويدعمها ) أثناء وصولهم الى المكان الذي سقط فيه الشهيد صريعا.

2.     مراسيم تشييع الجنازة والدفن: الوداع الأخير

- جريدة   La vigie marocaine
قدمت الجريدة مقالا عن مراسيم تشييع جنازة ابراهيم الروداني التي جرت حسبها في نهاية المساء بحضور حشود معتبرة قدرت بعدة ألاف من الأشخاص الذين حضروا  بكثافة؛ فحتى قبل موعد التشييع  كانت ساحة الجامع الكبير؛ حيث من المقرر أن يرفع جثمانه؛ وكذا المسار الذي سيأخذه الموكب الجنائري مسودين بالناس الذين يحيط بهم  جهاز معتبر لحفظ الامن من الشرطة والحرس المغربي؛ وفي المدخل الرئيس للجامع فرقة مسلحة من الحرس تؤدي التحية.
على الساعة 18 و20 دقيقة وبعد صلاة الجنازة اخد الموكب طريقه نحو مقبرة بن مسيك ووشح محمله بالأعلام الشريفية وبباقات الورود كآخر تكريم من أصدقاء الضحية؛ محاطا بدراجات من فرقة الحسنية ثم الكشافة  تليهم سيارات ركب فيها افراد عائلة الراحل ثم بعدهم الراجلون من الشخصيات وممثلي الأحزاب السياسية؛ وأخيرا الموكب الذي يكبر بين الفينة والأخرى.
وصل الموكب الجنائزي الى مقبرة بن مسيك على الساعة 19 و 45 دقيقة والقى عدد من الشخصيات كلمة تأبينية في حق الراحل. ومن بين هذه الشخصيات؛ الحاج احمد بركاش عامل الدار البيضاء ومولاي عبد الله ابراهيم سكرتير الدولة في الانباء والسيد عبد الجليل مدير ديوان وزير الداخلية؛ والدكتور إدريس السلاوي مدير ديوان عامل الدار البيضاء والسيد عبد الحميد الزموري عامل ناحية الشاوية وعبد العزيز بناني؛ المحجوب بن الصديق الامين العام للاتحاد المغربي للشغل؛ الشرقاوي؛ الصديق محمد؛ الخلفان؛ أعضاء حزب الاستقلال على رأسهم الطاهر غلاب؛ ووفود من قدماء المقاومة؛ الخ...

    تأبين جريدة الطليعة :مات الوالد ابراهيم:

وبموته لم يفقد المغرب وطنيا عظيما ولا واحدا من بناة استقلاله فحسب بل فقد كذلك وبالأخص داعيا من دعاة التحرير لا التحرير الصوري المبهم؛ بل التحرير الحقيقي للإنسان سياسيا واجتماعيا.
انها شخصية مغربية قد توارت عن الأنظار؛ شخصية محبوبة وإنسانية كانت تمثل خير مثال هذا الشعب المغربي الطيب. فلقد اصبح الحديث عن حياة الوالد ونشاطه هو الحديث - نوعا ما - عن التطور المغربي؛ والكفاح الشعبي. لقد كان في جميع الميادين مبشرا ومتطوعا عرف كيف يطبع بتأثيره مختلف المراحل التي قطعتها بلادنا.
لقد اقتحم المعركة بحماس وقام بدور حاسم في بث الشعور الشعبي...كان يكره الظلم بقدر ما كان يحب اخاه الانسان فكان الداعي الى النهوض بالجماهير؛ لقد كان أول من فهم خطورة دور الجماهير الشعبية في الكفاح من اجل التحرير؛ ولئن اهتم بميادين التعليم والشبيبة؛ فان صدى نشاطه كان يتردد بالأخص في الأوساط الشعبية؛ فلقد كان شعاره خدمة الشعب لا استخدامه؛ لقد كان وطنيا وكانت وطنيته تتجاوز المرحلة العاطفية؛ لم يكن للاستقلال الوطني عنده قيمة إلا بقدر ما كان تحقيق هذا الاستقلال بالشعب ولفائدة الشعب؛ بيد أن مرماه ظل لا يفهم طويلا وكان محاربا في غالب الأحيان؛ ولكنه كان مؤمنا برسالته فأنصفته الحوادث؛ ذلك أن الجماهير الشعبية هي التي حررت البلاد فعلا؛ بعملها المباشر؛ غير ان هذه الجماعات لم تحرر البلاد إلا بقدر ما كانت محررة هي نفسها؛ وتلك بالذات الرسالة التي يحملها ابراهيم والتي ضحى في سبيلها بوقته وماله وأخيرا بحياته.
لقد كان ذا ثقة راسخة وإيمان مطلق في الإنسان أخيه؛ وكان يقينه انه يكفي ايجاد الجانب الطيب من الشخص لإنقاده وإقناعه؛ الشيء الذي تعاطاه بصبر وتبات؛ جديرين بالإعجاب فبعد ان انتصر على سوء تفهم اصدقائه وحارب الضغط الاجنبي سقط وهو الرجل المسالم صريع قوى الشر التي كان يريد ارجاعها الى الرشاد.
لقد سقط كما كان يتمنى وسط المعركة بشجاعة وقد أبى إلا يتخلى – ولو أمام الخطر المحدق- عما كان يعتقده واجبا ألا وهو اصلاح ذات البين ما بين المغاربة؛ وحتى في موته؛ قد خدم بلاده بقدر ما اشعرها بالخطر الذي يهددها. ولكن ابراهيم لم يمت بالنسبة للبلاد التي كان يعزها فما زال حيا بالأفكار التي بذرها وبالأتباع الذين كونهم؛ أما بالنسبة للمصابين كحالنا؛ أصدقاؤه وأبناؤه فان خير تقدير نقدمه لروحه هو تتميم العمل الذي شرع فيه معنا؛ تحرير الشعب من كل سيطرة.

3.     الانتقام  لاغتيال إبراهيم الروداني:

تردت الاوضاع الامنية جراء الاغتيالات المتبادلة بين الهلال الأسود والمنظمة السرية؛ وشعرت هذه الأخيرة انها تلقت باغتيال ابراهيم ضربة موجعة؛ سخط عارم وتوتر كبير بالدار البيضاء كانت هذه العبارات مفاتيح ومقدمات مقال نشرته جريدة العلم بتاريخ 31 يوليوز 1956 أوردت فيه  انه وأمام هذا الوضع تقرر انشاء قسم الأمن الخاص بالساتيام  للسهر على "الأمن والنظام ومتابعة  هذه المنظمة المفسدة وباشر هذا القسم أشغاله بحر هذا الأسبوع"؛ وكشف ذات المقال عن درجه الاحباط الذي اصاب المغرب جراء هذا الاحتراب؛ "لقد عم السخط وتكاثرت الشكايات والتذمرات وطغى جو من التشاؤم وخيبة الامل في النفوس بدل ما كان يجب ان يكون عليه السكان من تفاؤل وأمل بعهد الحرية والاستقلال" وتباينت المواقف بين من يجلد الذات وينسب المالات الى عدم "النضج السياسي للمغاربة وعدم تحكمهم في عواطفهم " وبين من يصب  "جام غضبه على إدارة الأمن" وبين متشف من "المغرضين والخونة " الذين يرون في الفوضى فرصة " للنيل من قدرة المغاربة على تسيير امورهم والسيطرة على الأمن الداخلي للبلاد".
يبدو من خلال الرواية الشفوية ان اولى العمليات التي قام بها هذا القسم الخاص  هي الانتقام لاغتيال ابراهيم الروداني عبر نصب كمين لقائد الهلال عبد الله الحداوي في طريق عودته من الرباط؛ وهذا غاية ما يصبوا مقال العلم اعلاه الوصول الى جعله بداهة من وراء كل تلك المقدمات التي ساقها؛ وبحسب رواية ذات الجريدة فان حادثة عين السبع لم "تكن إلا جزءا بسيطا "مما حققه  هذا القسم من نتائج اذ علم بوسائله الخاصة أن العربي السامي و عبدالله الحداوي  سيحضران اجتماعا بالرباط مع احد الشخصيات المهمة فأرسلوا من تعقبهم واخبرهم بموعد الرجوع وبرقم السيارة فوضعوا حاجزا في طريقها حتى اذا علم ركابها انهم واقعون لا محالة في الكمين المنصوب بادروا بإطلاق نار اسلحتهم على رجال الامن فأصابوا اثنين منهم واستطاع احد المفتشين المغاربة ان يصيب الأربعة بمدفعه الرشاش؛ وقد اتضح أن المدعو الحداوي هو رئيس عصابة الهلال الأسود وابن أخته العربي( السامي ) محمد المقتول الذي كان يشتغل في سيارة للتعليم؛ والحداوي احد خلفاء السرجان الذي قتل في 14 ابريل 1956؛ أما صاحب السيارة فهو المدعو البقالي من الرباط ووجدوا في سيارته بطاقتان احداهما تثبت انه استاذ والأخرى انه ترجمان ويقال بأنه الكاتب الخاص للشخصية الكبيرة المشار اليها انفا .
يؤكد  اضياضو حسن نجل الروداني ان هذا السد الذي ضرب على عبد الله الحداوي وجماعته العائدين من الرباط كان للانتقام لمقتل أبيه؛ والواقع  أن روايته تنطلق من أن عبد الله الحداوي كان ضمن الجماعة التي اغتالت والده في زنقة الموناستير؛ وانه فر هاربا مع اخرين وان الجمهور لم يقبض إلا على  شخصين؛" احدهم امسكه عمال معمل السكر والثاني قبض عليه قرب محطة للحافلات؛ أما الثالث ففر هاربا وهو الذي قتل بعدها في السد الذي ضربه  له اصحاب الوالد بعين السبع في طريق رجوعه من الرباط التي جلب منها السلاح؛ امسكوه هناك وأشهروا عليه سلاح ابي وقتلوه به وأتذكر انهم ارجعوا هذا السلاح الى أخي احمد؛ كانت الساعة تشير الى الرابعة صباحا عندما طرقوا باب المنزل وأعطوه المسدس وقالوا له هاك ها مسدس أبيك؛ لقد انتقمنا له؛ خذه الى الحاجة أمك؛ أتذكر انها كانت حاملة؛ على بعد 20 يوما تقريبا من يوم ولادة أخي الأصغر ابراهيم؛ اخذ المسدس وقدمه لامي وأنا انظر قال لها "هاك  شمي؛ قالت له " اش غنشم؛ عاقل عليها قدامي تنشوف فيها قاليها زعما راه نتقمنا للواليد".


*طالب مهتم بتاريخ المغرب الراهن
........................... 

عن المقاوم الشهيد ابراهيم الروداني

فسحة رمضانية رودانية:الحلقة(6)من أعلام تارودانت عن  المقاوم الشهيد ابراهيم الروداني
الشهيد إبراهيم الروداني
في ذكرى استشهاده 05يوليوز 1956
الجمعة 6 رمضان 1435ه /4/7/2014
في حلقة اليوم من فسحة رمضانية ارتأت جريدة تارودانت نيوز ،أن تقدم لقرائها شخصية و طنية كرست حياتها دفاعا عن استقلال الوطن ،وضد عملاء الاستعمار ،انه المقاوم الشهيد ابراهيم الروداني ،الذي قتلته يد الغدر يوم 05 يوليوس 1956م و التي رأت فيه مشروعا وطنيا مناهضا لأحلامها التبعية للمحتل الذي أخرجه الشهيد ورفاقه من الباب،وتسعى يد العمالة لإرجاعه من النافذة.
ازداد إبراهيم الروداني بدوار أيت علا قبيلة كطيوة بالأطلس الصغير حوالي 30كلم جنوب تارودانت سنة1912 تقريبا ،والتحق بالدار البيضاء في عنفوان شبابه عام 1932، وامتهن عدة مهن، من كتبي إلى بناء وميكانيكي وبائع “الخردة”، حتى وصل إلى إحداث معمل لبيع ماء جافيل، ومتجر لبيع اللحوم، في الحي الأوروبي، قرب ساحة بوندونغ بشارع محمد الخامس حاليا، وكان دكانه يزدحم بزبناء من مختلف الشرائح، من المغاربة والأوروبيين. استطاع أن ينسج علاقات متميزة مع الجالية الأوروبية، من خلال معاملاته التجارية والمهنية، وكان يتمتع باحترام كبير حتى في الأوساط الفرنسية ،بما فيهم عناصر الشرطة الفرنسية، والتي ساعدته كثيرا في نشاطه الوطني باستغلاله لهذه العلاقة لمعرفة ماذا تدبره الشرطة للوطنيين.
البداية
التحق الروداني بالحركة السياسية في وقت مبكر، وكان منزله في الحي الذي كان يسمى درب اليهودي، ملتقى لاجتماعات سياسية تنظيمية متواصلة، مع أصدقائه من أمثال عبد الرحمن اليوسفي، وعبد الرحيم بوعبيد، والهاشمي المتوكل، وحميدو الوطني، وغيرهم بكثير، ومحجا لفئات عريضة من شرائح والمقاومين العمال والحرفيين والطلبة وصغار التجار.
كان عنصرا نشيطا في صفوف حزب الاستقلال، إذ أصبح في وقت وجيز أحد أعمدته، إلى جانب حميدو الوطني، وإبراهيم التروست، وبوشتى الجامعي، وكنون العبدي، وغيرهم ممن كانوا يؤثرون بشكل قوي في الأوساط الشعبية، بينما ربط علاقة وثيقة مع صديقه في العمل المسلح الشهيد محمد الزرقطوني، تركزت على التخطيط في إطار العمل السري، وكانا الاثنان من المخططين والمنفذين للعديد من العمليات التي استهدفت القوات المستعمرة، في الدار البيضاء على وجه الخصوص.
 في خضم النشاط السياسي والتنظيمي الذي ميز السنوات الأولى للخمسينيات، وبعد إقدام القوات الاستعمارية على نفي المغفور له والأسرة الملكية إلى المنفى في غشت عام 1953، ازدادت وتيرة الكفاح في مواجهة المؤامرات الاستعمارية، أسفرت عن اعتقال العديد من النشطين ضدها، وكان من ضمنهم إبراهيم الروداني، الذي زج به، على الفور في سجن داركوم في درب اليهودي، قبل أن يقتاد بعد ذلك إلى سيدي بنور، ليخضع لإقامة محروسة عدة أيام.
كان أحد الوجوه التاريخية على مستوى العمل النقابي، إذ كان أحد مؤسسي الاتحاد المغربي للشغل، في مارس 1955، إلى جانب المحجوب بن الصديق، والطيب بن بوعزة، والحسين أحجبي، والتيباري، والمذكوري، وغيرهم. كان هو من دفع بن الصديق إلى الأمانة العامة للتنظيم وذهب الروداني الذي كان يسمى “الأب الصغير”، “ضحية مجهوداته الجبارة لتوحيد صفوف المقاومة”، كما قال عنه محمد بنسعيد أيت يدر.
«الأب الصغير» يشعل شرارة العمل النقابي
من منزله العائلي، كان يقود عشرات المناضلين النقابيين المنتمين، آنذاك، لثلاثة مركزيات نقابية فرنسية، حيث نظم بمناسبة الذكرى الأولى لنفى محمد الخامس (20 غشت 1954) إضرابا عاما في الدارالبيضاء لمدة أسبوع كامل، احتجاجا على السياسة الفرنسية الرسمية تجاه المغرب، وللمطالبة بعودة الملك الشرعي إلى بلاده.. فكانت النتيجة طرد العديد من الموظفين المغاربة من وظائفهم، ولا سيما في أقسام الحالة المدنية.. مما حتم على إبراهيم الروداني تقديم أموال هامة من جيبه الخاص لأسر الموظفين المطرودين.. وهو نفس الموقف النبيل الذي وقفه مع ضحايا عدوان الوحدات الفرنسية على المواطنين العزل بعد أحداث الاحتجاج على اغتيال الشهيد النقابي التونسي فرحات حشاد في 8 دجنبر 1952، وعلى أسر المعتقلين التي كانت تعد بالمئات.
بسبب نضالاته المبكرة، وفارق السن الملحوظ الذي كان يفصله عن قادة حركة المقاومة والعمل النقابي الآخرين.. كان الجميع يدعونه بلقب (الأب الصغير) le petit pere وسيستشهد رحمه الله عن سن 54 سنة، خلافا لباقي الاغتيالات السياسية التي جرت سنة 1956 في المغرب إذ اغتيل يوم 5 يوليوز 1956 بما يعني أننا نعيش خلال أيام الذكرى 54 لاستشهاده (الاتهام وجه للهلال الأسود).
ساهم مساهمة كبرى في تحضير أجواء تشكيل (الاتحاد المغربي للشغل) حيث استأجر منزلا لهذه الغاية في درب بوشنتوف (قريبا من شارع الفداء حاليا) حيث حضر ستون مندوبا نقابيا من مختلف أطراف المغرب إلى معمل ـ جافيل ـ بزنقة موناستير المملوك لإبراهيم الروداني قبل نقلهم إلى مقر المؤتمر التأسيسي، وذلك بتاريخ يوم الأحد 20 مارس 1955 في أجواء من السرية المطلقة، لم تستطع عيون المخابرات الفرنسية الانتباه إلى كافة مراحل تنفيذها.. قبل ذيوع نتائج المؤتمر على صفحات وسائل الإعلام الأجنبية آنذاك.
وللتوضيح، فإن عدم إيراد إبراهيم الروداني في قيادة الاتحاد المغربي للشغل رغم أنه صاحب كل التحضيرات وممول كل مصاريفها يعود إلى أنه لم يكن أجيرا، بل هو رب عمل، وكان عضوا قياديا في فرع حزب الاستقلال بالبيضاء، كما كان عضوا قياديا في شبكة منظمة المقاومة المسلحة، وسينتدب من بين مستخدميه بمعمل «جافيل» الشهيد عباس المسعدي كي يكون قائدا لجيش التحرير في الشمال. وتشاء الصدف أن الفارق بين اغتيال الشخصين معا لم يتجاوز أسبوعا واحدا، حيث اغتيل المسعدي في 27 يونيو 1956 بفاس وبعدها بستة أيام سيلتحق به قائده إبراهيم الروداني بالبيضاء.
image
الشهيد عباس المسعدي رفيق الشهيد ابراهيم الروداني
وقبل اغتيال إبراهيم الروداني بأيام، حضر لزيارته فجأة المدعو عبد الرحمان الثنائي (عبد الرحمان رزق) وهو أمين مال منظمات المقاومة بدرب الطلبة بإشراف الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وبونعيلات وحسن الأعرج، حيث أخبره بأن مَنْ بعثه لقيادة جيش التحرير بالشمال، أي عباس المسعدي، قد باع جيش التحرير لحزب الشورى والاستقلال بمبلغ 30 مليون سنتيم. فاستغرب الروداني، وقال له: «لو قام المسعدي بتسليم الجيش لهذا الحزب على أساس قناعات سياسية، فأنا لا أستغرب، ولكن أن يبيع ويشتري، فهذا شيء غريب علي في ما أعرفه على عباس المسعدي». وبعد أيام قليلة أطلق النار على إبراهيم الروداني بفاصل لا يتعدى أسبوعا واحدا بين مقتل المسعدي وقائده السابق إبراهيم الروداني.
أما الجناة فقتل أحدهم في العملية ذاتها، وألقي القبض على الثاني، ليحكم عليه بعشرين عاما سجنا، بينما الثالث، الذي تمكن من الفرار بعد العملية الشنيعة، فقتله أصدقاء الشهيد، وتحديدا حسن الصغير، بسلاح الروداني نفسه، بعدما ألقي عليه القبض قرب الرباط، كما يقول نجله حسن، الذي لم يتجاوز عمره آنذاك 12 ربيعا.
 تارودانت نيوز
إعداد أحمد الحدري
...........................

في ذكرى رحيل النقابي المقاوم إبراهيم الروداني الأب الروحي للاتحاد المغربي للشغل

في ذكرى رحيل النقابي المقاوم إبراهيم الروداني الأب الروحي  للاتحاد المغربي للشغل
محمد لومة بتصرف 03 يوليو 2015
تحل بعد غد الأحد الذكرى 59 لاغتيال النقابي المقاوم إبراهيم الروداني ـ الذي رحل الى دار البقاء في خامس يوليوز 1956، وللتعريف بهذه الشخصية الوطنية الفذة  نبشت " سكوبريس" في ذاكرة المقاومة المغربية وكان البو تريه التالي :
ولد إبراهيم الروداني سنة 1907 ـ حسب بطاقة عضويته في  المقاومة،بقرية آيت علا إكطاي جماعة بونرار قيادة تازمورت ـ دائرة تارودانت.واسمه العائلي: أضياضو أي بالأمازيغية تعني: سيعود" il viendra " كناية عن العودة المأمولة للسلطان محمد الخامس من المنفى.
تلقى تعليمه الأول في المسجد وفي المدارس العتيقة في قبيلته. وكان تعليما متواضعا على أية حال.
سافر الى الدار البيضاء في عنفوان شبابه، أي حوالي سنة 1932 ، حيث تعاطى عددا من المهن البسيطة كعامل في قطاع البناء ومساعد في إصلاح السيارات، وبائع خردة... وغيرها،وبفضل مواظبته وحسن سلوكه استطاع مراكمة رأسمال جيد ساعده لاحقا في شق طريقه في الحياة بشكل عصامي ملحوظ.
يؤكد الفقيه البصري بأن إبراهيم الروداني التحق بعد ذلك بفرنسا حيث اشتغل ثم انتسب لصفوف النقابة الفرنسية (C.G.T) لبعض الوقت قبل أن يعود للمغرب.. بينما تجهل عائلة الروداني هذا الأمر كلية.
امتلك معملا لتعبئة أكياس الملح بالبيضاء، ثم معملا لمادة (جافيل) في مدينة القنيطرة قبل نقله لعمارة في ملكية الحاج عابد السوسي بالدار البيضاء في زنقة (موناستير)، تلك العمارة التي كان يسكن بها في بداية خمسينات القرن الماضي ـ كما أكد ذلك مرارا المرحوم عبد الله إبراهيم ـ كل من إبراهيم الروداني وأحمد الطويل، فضلا عن عبد الله إبراهيم نفسه وزوجته، قبل أن ينجبا أطفالا.
بسبب نشاطه، الحزبي المبكر، كان رفاقه ينادونه بلقب ـ "بولكانين"، نسبة الى الرئيس السابق لمجلس السوفيات الأعلى بسبب حماسه وقدرته على الخطابةـ كما أخبرني المقاوم السابق أحمد أرباب بمدينة القنيطرة.
كما امتلك متجرا لبيع اللحوم بالتقسيط بالحي الأوروبي قرب ساحة باندونغ بالبيضاء، وبحكم نشاطه التجاري، نسج الرجل علاقات واسعة مع كافة شرائح المجتمع البيضاوي من مغاربة وأجانب، بما فيهم عناصر الشرطة الفرنسية، والتي ساعدته كثيرا في نشاطه الوطني باستغلاله لهذه العلاقة لمعرفة ماذا تدبره الشرطة للوطنيين.
في وقت وجيز، أصبح واحدا من الأطر النشيطة لحزب الاستقلال في الدار البيضاء، وفي (منظمة اتحاد الجنوب) التي يعتبر إحداثها نقلة نوعية في مسار حزب الاستقلال كحركة إصلاحية سياسية اعتقادا من أصحاب الاتحاد أن العمل السياسي استنفذ أغراضه بعد أزمة بين محمد الخامس والإقامة العامة عام 1951 حينما رفض توقيع 30 ظهيرا. ولكن حزب الاستقلال لما أحس بأهمية المنظمة بعث بالهاشمي الفيلالي وبوشتى الجامعي للقيام بتفكيكه، وهو ما حصل تفاديا لغضب القيادة السياسية، لكن الأساس بقي وكلفت القيادة السياسية الزرقطوني بمتابعة مهمة تفكيك الاتحاد. ولأن هذا الأخير شعر بصدق نواياهم انضم إليهم لتتشكل أول خلية فدائية برئاسته وعضوية كل من التهامي نعمان وحسن العرايشي وسليمان العرايشي وعبد السلام بناني ، إلى جانب عبد الله الصنهاجي وحميدو الوطني.. وغيرهم.. قبل تحول هذه المنظمة إلى منظمة فدائية تحت اسم (المنظمة السرية) برئاسة الشهيد محمد الزرقطوني.
زج به في سجن دار الكوم  بدرب اليهودي قرب شركة التبغ بعد أحداث 20 غشت 1953 لفترة قصيرة، ثم اقتيد إلى سيدي بنور حيث كان مجبرا على إقامة محروسة لعدة أيام لثنيه عن مواصلة نشاطه الحزبي والسياسي.
لقد كان عزم إبراهيم الروداني على إنشاء الاتحاد المغربي للشغل معللا ومبرزا في أنه كان يعتقد بضرورة فتح جبهة ثانية ضد الاستعمار الفرنسي وتشتيت قواه البوليسية للتعجيل بعودة السلطان الشرعي محمد الخامس من خلال الإمساك بعجلة الإنتاج الوطني في مختلف مرافقها من فوسفات ونقل وغيرها. بدليل أن أول إضراب عام لمدة أسبوع قبل تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة كاملة نظم (في 20 مارس 1945)، وهو الإضراب الذي خرج من بيت الروداني وأدى إلى طرد العشرات من الموظفين. وانتقل الروداني إلى مرحلة أخرى وثانية في تأسيس الاتحاد كجبهة ثانية لمواجهة المحتل وتفكيك قواه القمعية التي تكرست في اجتماع 20 مارس 1955 بدرب بوشنتوف.
وللتوضيح، فإن عدم إيراد إبراهيم الروداني في قيادة الاتحاد المغربي للشغل رغم أنه صاحب كل التحضيرات وممول كل مصاريفها يعود إلى أنه لم يكن أجيرا، بل هو رب عمل، وكان عضوا قياديا في فرع حزب الاستقلال بالبيضاء، كما كان عضوا قياديا في شبكة منظمة المقاومة المسلحة، وسينتدب من بين مستخدميه بمعمل «جافيل» عباس المسعدي كي يكون قائدا لجيش التحرير في الشمال. وتشاء الصدف أن الفارق بين اغتيال الشخصين معا لم يتجاوز أسبوعا واحدا، حيث اغتيل المسعدي في 27 يونيو 1956 بفاس وبعدها بستة أيام سيلتحق به قائده إبراهيم الروداني بالبيضاء.
وقبل اغتيال إبراهيم الروداني بأيام، حضر لزيارته فجأة المدعو عبد الرحمان الثنائي (عبد الرحمان رزق) وهو أمين مال منظمات المقاومة بدرب الطلبة بإشراف الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي وبونعيلات وحسن الأعرج، حيث أخبره بأن مَنْ بعثه لقيادة جيش التحرير بالشمال، أي عباس المسعدي، قد باع جيش التحرير لحزب الشورى والاستقلال بمبلغ 30 مليون سنتيم. فاستغرب الروداني، وقال له: «لو قام المسعدي بتسليم الجيش لهذا الحزب على أساس قناعات سياسية، فأنا لا أستغرب، ولكن أن يبيع ويشتري، فهذا شيء غريب علي في ما أعرفه على عباس المسعدي». وبعد أيام قليلة أطلق النار على إبراهيم الروداني بفاصل لا يتعدى أسبوعا واحدا بين مقتل المسعدي وقائده السابق إبراهيم الروداني. 
من منزله العائلي، كان يقود عشرات المناضلين النقابيين المنتمين، آنذاك، لثلاثة مركزيات نقابية فرنسية، حيث نظم بمناسبة الذكرى الأولى لنفى محمد الخامس (20 غشت 1954) إضرابا عاما في الدار البيضاء لمدة أسبوع كامل، احتجاجا على السياسة الفرنسية الرسمية تجاه المغرب، وللمطالبة بعودة الملك الشرعي إلى بلاده.. فكانت النتيجة طرد العديد من الموظفين المغاربة من وظائفهم، ولا سيما في أقسام الحالة المدنية.. مما حتم على إبراهيم الروداني تقديم أموال هامة من ماله الخاص لأسر الموظفين المطرودين.. وهو نفس الموقف النبيل الذي وقفه مع ضحايا عدوان الوحدات الفرنسية على المواطنين العزل بعد أحداث الاحتجاج على اغتيال الشهيد النقابي التونسي فرحات حشاد في 8 دجنبر 1952، وعلى أسر المعتقلين التي كانت تعد بالمئات.
بسبب نضالاته المبكرة، وفارق السن الملحوظ الذي كان يفصله عن قادة حركة المقاومة والعمل النقابي الآخرين.. كان الجميع يدعونه بلقب الأب الصغير" ـ le petit pere  ـ" وسيستشهد رحمه الله عن سن 54 سنة، خلافا لباقي الاغتيالات السياسية التي جرت سنة 1956 في المغرب إذ اغتيل يوم 5 يوليوز 1956 بما معناه أننا اليوم نعيش الذكرى 59 لاستشهاده وأصابع الاتهام وجهت لمنظمة  الهلال الأسود.
ساهم مساهمة كبرى في تحضير أجواء تشكيل (الاتحاد المغربي للشغل) حيث استأجر منزلا لهذه الغاية في درب بوشنتوف (قريبا من شارع الفداء حاليا) حيث حضر ستون مندوبا نقابيا من مختلف أطراف المغرب إلى معمل ـ جافيل ـ بزنقة موناستير المملوك لإبراهيم الروداني قبل نقلهم إلى مقر المؤتمر التأسيسي، وذلك بتاريخ يوم الأحد 20 مارس 1955 في أجواء من السرية المطلقة، لم تستطع عيون المخابرات الفرنسية الانتباه إلى كافة مراحل تنفيذها.. قبل نشر نتائج المؤتمر على صفحات وسائل الإعلام الأجنبية آنذاك. 
قام المؤتمرون برئاسة المسؤول عن اللجنة التحضيرية الطيب بن بوعزة بانتخاب اللجن.. ثم انتخاب اللجنة الإدارية للاتحاد من 27 عضوا.. قبل الانتقال لانتخاب أعضاء المكتب الوطني.. وهنا كانت المفاجأة.
فقد انتخب المؤتمرون بالإجماع الطيب بن بوعزة كاتبا عاما للاتحاد.. والمحجوبي بن الصديق نائبا له.. وهاشم أمين أمينا للمال وأعضاء آخرين كالصديق والتباري وغيرهما. لكن المحجوب بن الصديق ثار غاضبا.. مطالبا بإعطائه منصب الكتابة العامة للاتحاد باعتباره الأحق والأقدر للقيام بمهامها.. وذلك ضدا على إرادة المؤتمرين كلهم.
وحيث أن المؤتمرين رفضوا بعناد الاستجابة لرغبات بن الصديق.. فقد قبل على مضض أن يحرروا وثائق التأسيس على الآلة الكاتبة.. ثم عمد إلى تزويرها في مكتب رئيس تحرير maroc presse أنطوان مازيلا المملوكة لصاحب شركة لوسيور التقدمي الذي اغتيل على يد منظمة «الوجود الفرنسية» العنصرية عام 1955، في الدار البيضاء.. من خلال التشطيب على مضمونها لينسب منصب الكاتب العام إليه بشكل مخالف للقانون. لتصدر وثائق التشكيل بذلك المضمون.. الذي أثار زوبعة كبرى من الغضب والاستياء في صفوف المؤتمرين. لجأ بن الصديق إلى الأستاذ عبد الله إبراهيم، والذي سبق له أن نسج معه علاقة قوية في سجن القنيطرة المركزي خلال سنة 1945 ـ  1952-، وذلك لإقناع قادة النقابة. ولقد كانت حجة عبد الله إبراهيم أن المغرب مقبل على عودة الملك الشرعي محمد الخامس والحصول على الاستقلال وأنه من غير الأنسب والأليق طرح هذه المشاكل الشكلية في نظره، طالبا إرجاءها إلى ما بعد الاستقلال. غير أن بن الصديق ظل في منصبه إلى ان وافته المنية عام 2009.
وقد اعتمد بن الصديق على سماحة شخصية عبد الله إبراهيم وتدينه الشديد وصلابته النضالية وسمعته الطيبة لدى النقابيين المغاربة كافة، ليركب سلم سرقة منصب الكاتب العام للنقابة بدون سند شرعي وضدا على إرادة كافة المؤتمرين.
وحتى بعد أن حصل المغرب على استقلاله، انعقد اجتماع للمجلس الوطني للاتحاد المغربي للشغل في المدرسة المحمدية بزنقة موناستير بالبيضاء، حيث حاصر المؤتمرون المحجوب بن الصديق بشراسة وحاصروه لتفسير موقفه من سرقة منصب الكاتب العام. فلم يجد بدا من الاستقالة وانسحب لا يلوي على شيء. غير أنه سرعان ما التجأ إلى الأستاذ عبد الله إبراهيم، قبل ظهر نفس اليوم، أي قبل انتهاء الأشغال للتدخل ثانية من باب الشفاعة. لقد قال إبراهيم عبد الله :"إنني أعتذر نيابة عنه وأطلب منكم الحفاظ على صف الطبقة العاملة موحدا. إذ أننا على أبواب تحرير باقي المناطق المغربية المحتلة وتقعيد الدولة المغربية الحديثة على أسس دستورية وديمقراطية حديثة".
وقد حكي لي شخصيا المرحوم الفقيه البصري دقائق هذه المرحلة إذ أنه لم يكد يعود إلى الدار البيضاء (أي الفقيه) ويستقر في مكتب المقاومة في درب الطلبة مع رفاقه سعيد بونعيلات وحسن الأعرج ومحمد منصور والتهامي نعمان وغيرهم، ما كاد يفعل ذلك حتى كان الملف النقابي في قائمة جدول أعماله النضالية.
يقول الفقيه البصري في هذا الخصوص: «لقد أكد لي الشهيد إبراهيم الروداني، والذي كان له موقف صلب من شخص المحجوب بأن هذا الأخير مهما كانت دفوعاته في شأن المؤتمر التأسيسي للاتحاد، فإن تشبته بمنصب الكاتب العام له لا يعني سوى شيئ واحد، هو أن الرجل كان يبحث بقوة عن البيعة مهما كانت النتائج». ولذلك فإن المحجوب بن الصديق عندما حوصر على عهد الحماية بمجرد تأسيس الاتحاد المغربي للشغل من أجل التخلي عن منصب الكاتب العام، فقد لجأ لممارسة نوع من المساومة الرخيصة على رفاقه قائلا: "إما أن تقفلوا هذا الملف نهائيا لأبقى كاتبا عاما لكم، وإما سألجأ لمصالح البوليس الفرنسي لفضحكم وفضح تحضيرات تشكيل الاتحاد من الأساس".
وأضاف الشهيد الروداني قائلا للفقيه البصري -حسب روايته الشخصية لي- «إن الروداني بحكم تجربته السابقة في صفوف الكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا، فقد استنتج (أي الروداني) صعوبة خضوع القيادة النقابية للحزب ولخطه السياسي العام. فكيف سيكون الأمر لو تعلق الوضع بشخص بن الصديق».وأضاف الشهيد الروداني بأن "هذا الشخص خرج عن القاعدة الديمقراطية، وهدد باللجوء إلى البوليس الفرنسي، وقد سايرناه على مضض نظرا لحساسية المرحلة، غير أنه حان الأوان لحسم هذه المعضلة".
ويضيف الفقيه البصري قائلا في حواره معي: "وجدت نفسي منهمكا في الملف النقابي، فاتصلت بالأستاذ عبد الله إبراهيم الذي كان يشكل المظلة الحامية للمحجوب بن الصديق كما اتصلت بالمهدي بنبركة، غير أنني بحكم تجربتي السابقة ـ يقول الفقيه البصري ـ كنت أعرف أن القيادة السياسية في حزب الاستقلال كانت لها حساسية شديدة من نشاطات الفدائيين والنقابيين لدرجة أن أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال لم يترددوا عن وصف وضع القنبلة في السوق المركزي بالدار البيضاء في 24 دجنبر 1953 بـ "العمل الإرهابي" المرفوض، كما وصفوا مؤتمر 02 مارس 1955الخاص بتأسيس الاتحاد المغربي للشغل على لسان العضو البارز باللجنة التنفيذية محمد اليزيدي حيث وصفه بوصف "مؤتمر السلاكط" أو"مؤتمر الصعاليك".
ويضيف الفقيه البصري في حديثه معي : "إنني كنت مضطرا لعقد اجتماع آخر في دار الحوس بالبيضاء (خال المرحوم محمد بنيحيى) علما أن الحوس هو من قدماء المناضلين ضد النازية بفرنسا إلى جانب صديقه عبد العزيز ماسي. حيث حضر هذا الاجتماع كل من المحجوب بين الصديق والطيب بن بوعزة ومحمد الصديق الاسماعيلي والتباري.. وغيرهم، حيث وصل الأمر بعد مشادة عنيفة بين كل المجتمعين من جهة والمحجوب من جهة، أن قام الطيب بن بوعزة، وترجاني بأنه شخصيا يقبل بالتخلي لفائدة المحجوب عن منصب الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل إذا كان الهدف المنشود هو التفرغ لدعم جيش التحرير للانتقال إلى الجنوب من أجل تحرير باقي التراب الوطني وصولا إلى شنقيط وموريتانيا وتوات وغيرها من المناطق المحتلة".
و"لهذه الغاية قمت ـ يضيف الفقيه البصري - بتنظيم زيارة رفقة المحجوب بن الصديق إلى المغرب الشرقي (وجدة، بركان جرادة إلخ...) حيث كان للطيب بن بوعزة وجود نقابي مؤثر إبان الحماية ، والذي بسببه سُجن واعتقل ونُفي، وذلك من أجل إقناع القواعد النقابية بقبول التغيير الجديد، فكانت المهمة في قمة الصعوبة.
وعندما عدت من هذه المهمة عملت على تمكين الاتحاد المغربي للشغل من الستينية الخاصة (السرايا) للتهامي الكلاوي بمراكش كي تكون مقرا للاتحاد المغربي للشغل بهذه المدينة، وكذا تمكين نفس الاتحاد من مقر الإقامة العامة الفرنسية قرب السقاية بالمدينة القديمة بالدار البيضاء لتكون مقرا لنفس الاتحاد، فضلا عن بناية أخرى في المحمدية"
"كما قمت ـ يقول البصري ـ بتعبئة المناضلين النقابيين كي يجمعوا تبرعات لجيش التحرير بالجنوب لدعم نضاله من أجل استكمال تحرير باقي المناطق المحتلة. غير أن مسار هذا "الفرعون الصغير" المدعو المحجوب بن الصديق، ظل سادرا في غيه، إذ أنه تنكر لجميل عبد الله إبراهيم على مساره النقابي والسياسي، وتنكر لخدمات الفقيه البصري، ليربط تحالفات مشبوهة مع دار المخزن ومع اليهودي الأمريكي الشهير رئيس الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ذات الكراهية الشديدة لنضالات الطبقة العاملة في العالم الثالث ضد أنظمة الاستبداد والتمييز العنصري والصهيونية عبر العالم. كما قام بتفجير اللجنة السياسية لحزب الاستقلال باعتبارها آنذاك أعلى هيأة تقريرية في الحزب بتغيبه الممنهج رفقة مساعده محمد عبد الرزاق عن اجتماعاتها حيث ساهم في تفجير الحزب وبالتالي انشقاقه، وفي ما ساهم في بعد إعاقة نضالات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كي يغدو قوة سياسية لا قيمة لها، وصولا إلى إبرامه للاتفاق الشهير مع أحمد رضى كديرة الموريسكي الشديد الكراهية للحركة الوطنية ولكل مكوناتها، والذي كان يحتل مناصب عجيبة وغريبة في لبوس غير مسبوق (المدير العام للديوان الملكي ـ وزير الداخلية ـ وزير الفلاحة)، وذلك كي يخلي الساحة الانتخابية أمام جبهة «الفديك» أي جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية من خلال إعلان الكتابة العامة للاتحاد المغربي للشغل بعد 02 مارس 1963 عن مقاطعة النقابة للانتخابات البرلمانية المقررة في نفس العام بعد ذلك بشهرين. وبأن الاتحاد المغربي لا يدعم ولا يزكي مرشحي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان المحجوب بن الصديق واحدا من أمنائه العامين إلى جانب عبد الله إبراهيم والفقيه البصري وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق