المتابعون

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الشهيد عباس المسعدي

زوجة عباس المساعدي تكشف "لغز" اغتيال قيادي جيش التحرير

تخليدا للذكرى 58 لاغتيال عباس المساعدي، قائد جيش التحرير بالريف الشرقي الذي اغتيل بتاريخ 27 يونيو 1956، وفي محاولة لتسليط الضوء على مساحات الظل الكثيرة في حادث اغتيال المسعدي فتح كل من جمال الكتابي، الحقوقي المقيم بهولندا، وسعيد العمراني، الناشط اليساري المقيم ببلجيكا، ملف هذه التصفية اللغز من جديد.
واعتمد الناشطان في عملهما على شهادة السيدة غيثة، زوجة القيادي المغدور، وابنه الخليل الذي سخر حياته لجمع الوثائق والمعطيات التي قد تكون كفيلة بإعطاء شهادة وافية وموضوعية عن الذي حدث ذات صيف من فجر الاستقلال.
فيما يلي تقرير الكتابي والعمراني المنجز بعد زيارة آل المساعدي:
كثر الحديث أخيرا حول اغتيال الشهيد عباس المساعدي، خاصة بعد صدور الكتاب "عباس المساعدي، الشجرة التي تخفي غابة جيش التحرير..."، لمؤلفه محمد لخواجة، وإثارة اسمه في مذكرات المحجوبي احرضان، والتهم المتبادلة علانية حول من يقف وراء اغتياله.
ومن دواعي الغيرة على ذلك الرجل الكبير وتاريخه الكفاحي، ودوره البارز في قيادة جيش التحرير في الشمال الشرقي للمغرب، وبحثا عن الحقيقة، أجرينا تحرياتنا حول عائلة الشهيد وتمكنا من الالتقاء بها شهر مارس الماضي. وتحدثنا معها مباشرة حول شخصية عباس المساعدي وظروف اغتياله، وكيف؟ ولماذا؟ ومن كان وراء اغتال الشهيد؟
المساعدي والريف
يعد عباس المسعدي من أبرز مؤسسي جيش التحرير وقادتها إلى جانب الصنهاجي وآخرين. قبل التحاقه بالريف كان مناضلا بارزا بالدار البيضاء مما كلفه حريته، إذ اعتقل لمدة تفوق 22 يوما سنة 1953 وعذب عذابا أليما من طرف القوات الاستعمارية الفرنسية.
شجاعته وصموده أبهر جلاديه كما أثار إعجاب واعتزاز رفاقه لاسيما منهم الشهيد محمد الزرقطوني وابراهيم الروداني.
غادر عباس الدار البيضاء في اتجاه جبال الريف بعد أن اقتنع بأنه لا خيار سوى إيجاد إستراتيجية بديلة لمواجهة المحتل الغاصب تعتمد على حرب تحرير طويلة النفس، وضرورة تنظيم الشعب في الجبال والبوادي لاستنزاف قوات الاحتلال.
قرر عباس الالتحاق بجبال الريف وفلاحيه الفقراء ليستقر نهائيا بين أبناء الريف الكبير، ليربط مصيره بمصيرهم في بناء جيش تحرير الشمال والأطلس المتوسط من أجل إنجاز استقلال حقيقي للمغرب.
عباس جاء تاركا المدينة وماكريها بعد إقصائه من طرف هؤلاء من قيادة المقاومة المسلحة بالدار البيضاء مباشرة بعد اغتيال الشهيد الزرقطوني أحد ابرز قادة جيش التحرير بالبيضاء.
بتاريخ 5 يوليوز1955، وصل عباس المساعدي إلى الريف الشرقي حيث وجد هناك رجالا مسلحين شبه منظمين في مجموعات صغيرة لدى أغلبيتهم تجربة قتالية مهمة اكتسبوها إبان فترة مقاومتهم للاستعمار الاسباني بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي. كما لمس عند أغلبيتهم حساسية كبيرة اتجاه حزب الاستقلال و قيادته التي وقعت اتفاقيات إكس ليبان ضدا على إرادة جيش التحرير و غالبية الشعب المغربي.
بعد التحاقه بالريف احتك سريعا بالسكان الريفيين وتعلم لغتهم كما شرع في بناء التنظيم على خط الجبهة الممتدة من قبائل أيت يزناسن ،أيت صغروشن ،أيت وراين مرورا بالناظور ومثلث الموت مرنيسة ومطالسة. و اتخذ عباس من الناظور المقر المركزي لقيادة جيش التحرير.
فبالإضافة إلى تشنج علاقته عباس المسعدي ببنبركة، فان ديناميته و حركيته المتواصلة و سفرياته المتعددة والتقائه بزعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة عجلت إعلان ابتعاده، وبالتالي تقديم استقالته من حزب الاستقلال وذلك بالضبط يوم 16 ماي 1956 (وثيقة رسمية).
لعنة المكر هذه لحقته وإطالته حتى في الريف من مليشيات تابعة لحزب الاستقلال التي كانت تريد إلحاق جيش التحرير بالشمال الشرقي بحزب الاستقلال لو بالقوة.
عباس رفض ذلك العرض ولو تحت تهديد السلاح، معتبرا تلك الجماعة ب"الكارثة"، إذا سيطرت لوحدها على المقاومة ومن ثم السلطة.
وعند تعاظم دوره وشأنه تم تصفية عباس المساعدي في 27 يونيو 1956 ، وهذه المرة ليست من طرف قوات الاحتلال بل بنيران "صديقة" التي نفذت عملية الاغتيال في واضحة النهار.
وللإشارة فان هذا الاغتيال جاء في سياق الحملة الواسعة من الاختطافات و الاغتيالات التي شهدها شمال المغرب ككل و خاصة في شهري مايو و يونيو 1956 و التي زج بمناضلين بررة في المعتقل السيئ الذكر "دار بريشة" والتي أشرفت عليها عصابات حزب الاستقلال.
في بيت عباس
عباس المساعدي لم يكن يوما "مقطوعا من الشجرة"، كما يظنه الكثيرون، بل كان وراءه رجال أحرار يحبونه ويحبون المغرب و المغاربة، وكذا زوجة من طينة ناذرة، تحبه و لازالت تبكي على فقدانها له رغم مرور 58 سنة على اغتياله.
زوجة كغير الزوجات، مخلصة، وفية، صامدة، ثابتة رغم تقدمها في السن. امرأة مجاهدة جربت سجون الاستعمارين الفرنسي و الاسباني، وتفرغت طوال حياتها لتربية ابنيها وتكلفت بدراستهما حتى أصبح ابنها خليل (الابن الوحيد لعباس المساعدي) من أبرز المهندسين بالدار البيضاء اليوم.
لا نريد الدخول في تفاصيل العائلة احتراما لحرمتها، لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو كيف تنظر هذه العائلة إلى عباس المساعدي، وإلى تاريخه الكفاحي والقتالي و إلى اغتياله و قاتليه؟
يظل عباس المساعدي الخبز اليومي لعائلته الصغيرة. زوجة عباس، أم ذكية متعلمة تتحدث عن عباس المساعدي بكثير من الحسرة أحيانا، و بكثير من الفخر والاعتزاز، وتصفه بأنه "كان خليفة لعبد الكريم الخطابي في الريف"، على حد تعبيرها. إنها فقدت فيه كل شيء الرجل الإنسان والزوج ورفيق الكفاح الذي أحب وطنه المغرب وشعبه حب الجنون حتى يوم اغتياله.
ابنه خليل المساعدي، اغتيل أباه و هو طفل صغير جدا لا يتجاوز عمره آنذاك 7 أشهر فقط من عمره. بالرغم من ذلك، فيتبين أن له دراية كبيرة بملف اغتيال أبيه و يعرف عنه كل صغيرة و كبيرة و دون كل شيء في ذاكرته حول أبيه. و جمع أهم الوثائق بما فيها الرسمية (كبيانات جيش التحرير و مراسلات أبيه و وثائقه الشخصية ). ابن رزين مثقف و حذر يعرف ما يقول و لا ينطق عن الهوى.
خليل المساعدي متزوج بامرأة محترمة، يبدو أنها مثقفة جدا تابعت الحوار الذي أجريناه مع العائلة بتأن لم تنطق إلا قليلا، لكنها لم تتدخل في تفاصيل الحوار. لهما ابنان ذكر و أنثى. الولد سماه ب "عباس" وفاء وامتنانا منهما للشهيد عباس المساعدي.
عباس الحفيد شاب يافع ذكي يحترم الضيوف، ويخاطبنا ب "عمي". كان يسمع بهدوء استجوابنا لجدته غيتة وأباه خليل. فخور بانتمائه إلى عائلة المساعدي. شاب حركي كأبناء جيله مهووس بعالم الإعلاميات ودروس الروسية.
حضر اللقاء أيضا أخت خليل من أمه وزوجها بناني اللذان تابعا أطوار الحوار بحذر وكثير من الثقة في النفس.
الجلسة مع العائلة كانت مطولة ودارت حول مختلف حيثيات اغتيال عباس المساعدي.
استقبلتنا عائلة المساعدي بحفاوة كبيرة واحتضنتنا كما أنهم يعرفوننا منذ زمان فبالرغم من الحذر (الذي هو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات. وخاصة أنهم عائلة ليست كالعائلات نظرا لانتمائها لرمز من رموز الكفاح الوطني في المغرب)، لكن سرعان ما وضعت فينا ثقتها الكاملة وفتحت لنا صدرها وبدؤوا يتحدثون إلينا بتلقائية مع وضع النقاط على الحروف طبعا.
شهادة الزوجة
سنقتصر في هذا المقال الأولي/ أو ما يمكن أن نسميه ب"إعلان اللقاء مع عائلة عباس المساعدي"، على رواية غيتة المساعدي/ زوجة الشهيد عباس و شهادتها حول زوجها، وكيف عاش وكيف تم تصفيته ومن هم المتهمون؟
غيتة من مواليد فاس وأبوها كان عالما في القرويين، ومقاوما حرا، و أجدادها من مدينة الشاون (من بينهم الكولونيل علوش الذي تم تصفيته إبان أحداث الصخيرات سنة 1971).
تحكي غيتة بان زوجها كان مطاردا من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية، وسبق أن تم اعتقاله عدة مرات من طرف السلطات الاستعمارية. مما جعله يتوجه إلى الريف ليتخندق في جبالها الشامخة و يعيش بين أبناءها بعد أن احتضنه أبناء الشمال بصدر رحب. فبعد تركيست و تطوان استقر عباس المساعدي سرا بالناظور و نواحيها. كان يتقن اللغة الريفية ويخاطب المقاتلين بالريفية، وهو من أيت سيدي مساعد تزارين بناحية ورززات.
وجد عباس ضالته في الريف لتنظيم المقاومين هناك. وبغية التحاق غيتة بزوجها (عباس)، أرسل لها هذا الأخير مقاومة اسمها "فاطمة التاغزوتية" إلى فاس، وفي خضم رحلتهما الصعبة إلى الشمال عبر جبال الريف اعتقلتهما السلطات الفرنسية وقضتا (غيتة و المقاومة فاطمة التاغزوتية) شهرين في سجون الاحتلال وبصمودهما جعلتهما تنجوان من حكم كان قد يكون قاسيا.
كانت غيتة المساعدي تحمل اسما حركيا و هو "خديجة"، وكذبت على المحققين مصرحة لهم بأنها كانت مجرد خادمة عند عائلة في فاس (تقصد عائلتها). و أن أهل فاس كثيرا ما يغيرون أسماء شاغلتهم. مما جعلتهما تخرجان من السجن بالبراءة دون أن يتنبه الجيش الفرنسي أن غيتة كانت هي الزوجة الشرعية لقائد جيش التحرير بالشمال عباس المساعدي.
وبعد خروجهما واصلا طريقهما إلى تاركيست (مقر سكنى عباس آنذاك)، لكن تم توقيفهما مرة أخرى من طرف السلطات الاستعمارية الاسبانية عند الحدود الفرنسية الاسبانية (الحدود التي رسمها المستعمرين الاسباني و الفرنسي في المغرب) لكن هذه المرة لم يقضيا إلا ليلة واحدة عند سلطات الاحتلال الاسبانية و أطلقت سراحهما بعد تدخل احد المقاومين له صلة بعباس على حد تعبيرها.
أخيرا تمكنت غيته هذه المرة من التقاء زوجها، بطل جيش التحرير في تاركيست الريف (و بكت كثيرا بفرحة لقاء زوجها. فرح ممزوج بالخوف من جراء المصير المجهول الذي كان ينتظرهما).
أخد عباس زوجته إلى تطوان، وبعد أيام قليلة عاد إلى الريف الأوسط و بالضبط في مدينة الناظور للاستقرار هناك في بيت سري جدا، بعيدا على أعين السلطات الاستعمارية الاسبانية والعملاء.
غيتة تحكى كيف كانت تساعد زوجها و أعضاء جيش التحرير و كانت إلى جانب نساء ريفيات أخريات تحضرن بسرية الخبز و المأكل لعشرات المقاتلين من جيش التحرير.
تروي غيتة قصة الباخرة "دينا" التي أفرغت سلاحها يوما في شواطئ الناضور، وكان جزءا من ذلك السلاح مخبأ في المنزل الذي تقطنه.
عباس، بن بركة والخطابي
تصف غيتة زوجها بأنه كان طويل القامة قوي الشخصية شديد الصرامة مع خصومه كثير الحركة والسفر.
تحدثت عن خطاباته القوية الموجهة لأعضاء جيش التحرير و قدرته الفائقة على التأقلم مع المتغيرات السياسية و التنظيمية. كما تحدثت عن سفرياته و خاصة سفره إلى مصر و التقائه بمحمد بن عبد الكريم الخطابي و بصراعه المعلن و العلني مع المهدي بن بركة.
تصف علاقة عباس بالمهدي بالمتوترة جدا. ذات يوم انزل عباس المهدي من المنصة في "اكنول" عندما كان يخاطب أعضاء جيش التحرير وخاصة بعد أن أراد أن يربط في خطابه جيش التحرير بحزب الاستقلال. بل و صل به الأمر إلى توجيهه صفعة للمهدي أمام الملأ، من ثم اعتقله لساعات.
وتم الإفراج عنه بعد تدخل بعض قادة حزب الاستقلال. كما تحدثت عن طرد المهدي بن بركة من اجتماع انعقد بمدريد أمام أعين علال الفاسي، معتبرا "أن المهدي كان ضد المقاومة المسلحة ولا علاقة له بجيش التحرير".
عباس المساعدي زار القاهرة و التقى بالقائد و الأب الروحي للثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي و وقف عبد الكريم لتحية عباس و قال لعباس "كيف لا أقف لأحيي خليفتي في الريف" على حد تعبير غيتة الزوجة.
وشاية بلافريج
تتذكر السيدة غيتة ان السلاح كان يأتي إلى جيش التحرير من مصر بحرا و شيكوسلوفاكيا (عبر روما). تحدتث غيتة عن الباخرتان "دينا" و "أطوس" المملوءتان بالسلاح اللتان قدمتا من مصر و افرغتا حمولتهما بشواطئ الناظور. أما الباخرة الثالثة فتم إلقاء القبض عليها و حجزها في المياه الدولية المحاذية للجزائر من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية. و هنا تتهم العائلة مباشرة احد قادة حزب الاستقلال بإخبار السلطات الفرنسية بموضوع السلاح.
بالنسبة لغيتة المساعدي فان كل شيء تغير بعد التقاء عباس المساعدي بعبد الكريم الخطابي بالقاهرة. فمنذ ذلك التاريخ رفض المصريون تسليم المساعدات لعلال الفاسي، و قرروا التعامل مباشرة مع عباس المساعدي، مما دفع بعض الاستقلاليين و تذكر بالاسم "بلافريج" بالاتصال بالسلطات الفرنسية لإخبارها بقدوم الباخرة الثالثة المحمولة بالسلاح من مصر، مما أدى إلى احتجاز الباخرة المصرية عند عبورها للشواطئ الجزائرية و طاقمها الذي كان يقوده "إبراهيم النيال السوداني" و الذي لم يفرج عنه إلا بعد استقلال الجزائر.
تحدثت غيتة عن اجتماعات قيادات جيش التحرير وحزب الاستقلال كانت دائما تنتهي بالتشنج و انعدام الثقة. فمثلا في تجمع اكنول عباس سيطرد المهدي بن بركة و تكرر نفس الأمر في اجتماع بمدريد.
اغتيال المساعدي
تعترف غيتة المسعدي أن اغتيال المساعدي جاء في إطار الأجواء المشحونة التي صاحبت "استقلال المغرب". كما تعترف بأنه كان هناك تحريض معلن من طرف بعض قادة حزب الاستقلال ضده. فمثلا تقول بان يوما كان لعباس المساعدي لقاء مع الملك محمد الخامس في قصره لكن قبل وصوله سبقه علال الفاسي وحذر الملك من عباس و قال له "رد بالك من عباس إنه جمهوري". و عند عودته إلى المنزل قال عباس لزوجته: أتعرفين ما قاله بولحية (يقصد علال الفاسي) للملك؟
قالت له: ماذا قال؟
أجاب المساعدي: في لقائي مع محمد الخامس قال لي إن علال الفاسي حذره مني بالقول "رد بالك من عباس، انه جمهوري".
بالنسبة لعائلة عباس ليس هناك أدنى شك بأن عباس المساعدي تم تصفيته من طرف بعض قادة حزب الاستقلال، وتستند إلى عدة معطيات أبرزها العلاقة المتوترة جدا بين المهدي بن بركة وعباس المساعدي. بل تقول بأن المهدي و من معه (تذكرهم بعضهم بالاسم) هم من خططوا لمؤامرة الاغتيال من ألفها إلى يائها.
وتقول العائلة بأن المسمى الغزاوي، مدير الأمن آنذاك، هو الذي نفذ الأوامر لتصفية عباس المساعدي.
عباس المساعدي تم دفنه في المرة الأولى في فاس، و بعدها تم إعادة دفنه من طرف أعضاء جيش التحرير (رغم ٱعتراض حكومة بلفريج ) في أجدير باكنول وقبره يوجد إلى يومنا هذا في أجدير باكنول بالريف الكبير.
خلاصة أولية
يمكن اعتبار ملف الشهيد عباس المساعدي من أخطر ملفات الاغتيال السياسي بالمغرب، ويعد ملفا ملغوما وخطيرا بكل ما تعني الكلمة من معنى، يصعب الوصول لخلاصات حاسمة بالسهولة المطلوبة. و هذا ما يتطلب تعاملا حذرا مع الموضوع و العمل على جمع كل المعطيات و الشهادات. نعتبر أن شهادة العائلة ليست مهمة فحسب بل ضرورية و حاسمة في العديد من جوانب الملف، لكن لا يمكن أن نعرف الحقيقة الكاملة حول جريمة اغتيال عباس المساعدي، إلا بعد أن يتكلم القتلة الأحياء منهم و الموتى و رفع الدولة يدها على سرية الملف.
إن الدولة تعرف كل الأسرار فهي التي تبقى عاجزة إلى يومنا هذا أن تصرح بأسماء القتلة و من يقف ورائهم و تقديم الأحياء منهم إلى العدالة لترتاح العائلة و يرتاح طلاب الحقيقة جميعهم.
العائلة متيقنة من أن القتلة هم بعض قادة حزب الاستقلال و من خلالهم كل من كان له مصلحة في تصفية جيش التحرير.
يصعب تحديد دور الحسن الثاني، ولي العهد آنذاك الذي تعاظم نفوذه في تلك المرحلة، في جريمة الاغتيال، تقول العائلة، لكن حضوره كان لافتا إبان فترات التحقيق، وهو الذي أمر بالإفراج عن منفذي الجريمة. هذا الأمر يمكن تفسيره بالعلاقة الجيدة مع أستاذه المهدي بن بركة.
هل كان على علم بخطة اغتيال الشهيد المساعدي؟ سؤال يحير العائلة لكنها متأكدة بان الحسن الثاني كان يعرف كل شيء حول الحدث المؤلم و لم يقم بأي شيء لمعاقبة القتلة.
العائلة ظلت صامتة إلى يوم زيارتنا. فبعد التقائنا بها، خرج خليل المساعدي لأول مرة عن صمته و أجرى حوارا مطولا مع جريدة "المساء" كرر فيه نفس الحقائق التي عبر عنها إبان لقائنا غير أن الموضوع يستحق أكثر من مقال و يتطلب بحثا دقيقا و مفصلا و استجماع كل المعطيات و الشهادات الممكنة و خاصة من الذين عاشروا وعايشوا عباس.
الزعيم اليساري بنسعيد ايت يدر، الذي يحظى باحترام العديد من المغاربة، متهم اليوم علانية بالتورط في اغتيال عباس المساعدى. نعتقد انه آن الأوان لكي يدلي هذا الرجل بشهادته كاملة حول الموضوع و بكل تفاصيلها و يفصح عن كل ما يعرفه حول هذا الملف بعيدا عن "قوالب السياسة"، لكي لا يدينه التاريخ ويسيء لنفسه، خاصة أن الرجل متهم اليوم ليس من طرف أحرضان فقط، بل من طرف عائلة الشهيد نفسها.
أما فيما يخص المحجوبي احرضان، فعائلة المسعدي تنفي أن يكون لهذا الرجل أي دور في جيش التحرير وأما حديثها عن رفيق دربه الخطيب فتلك قصة أخرى
......................
 

مقتطف من كتاب “موريس بوتان” محام عائلة الشهيد في قضية اختطاف “بن بركة”: قضية عباس المسعدي



كلما طفت قضية اختطاف المهدي بن بركة وقبلها نضاله ضد الاستبداد ومن أجل الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، إلا وطفت معه قضية اغتيال “عباس المسعدي”، المتهم فيها المهدي بن بركة.
نقدم مقتطفا من كتاب “موريس بوتان” محام عائلة الشهيد في قضية اختطاف “بن بركة”، عنوان الكتاب “الحسن الثاني… ديغول، بن بركة. ما أعرفه عنهم”.
يقدم الكتاب الحجج التي تبرئ ذمة المهدي في هذه الجريمة وتضعها على عاتق المتحكم آنذاك في الجهاز القمعي، أي ولي العهد “الحسن، وأهم هذه الحجج هي:
* كان المهدي متفقا مع المسعدي حول رفض إلحاق جيش التحرير بالقوات المسلحة الملكية ومتفقين أيضا على ضرورة مساعدة الثورة الجزائرية.
* الطرف الوحيد الذي صدر عنه اتهام بن بركة باغتيال أو التدبير لاغتيال المسعدي هو الحسن الثاني، دون تقديم أدلة.
* المستفيد الوحيد من الناحية السياسية والأمنية من هذا الاغتيال هو الحسن الثاني.
عنوان المقتطف من كتاب “بوتان” هو “قضية عباس المسعدي” (صفحات: 52- 53- 54)
**************
قضية عباس المسعدي
اغتيل عباس المسعدي، واسمه الحقيقي أحمد الناصري الطويل، وفي 27 يونيو 1956، في ظروف غامضة لم تتكشف أسرارها بعد. ولم يكشف أحد حتى اليوم عن الجهة التي كانت وراء عملية الاغتيال، ما عدا الحسن 2 نفسه الذي لم يتردد في القول إن المهدي برن بركة هو من يقف وراءها! يقول الحسن الثاني  “أراد المهدي بن بركة سنة 1956 تسييس جيش التحرير أيضا (…) كان يهدف إلى جعل 9 أو 10 آلاف شخص من هذا الجيش يخضعون لسيطرة حزب يسعى إلى التحول إلى حزب وحيد. كان من نتائج هذه التطورات اختطاف وتصفية أحد القادة المؤسسين لجيش التحرير المغربي، واسمه المسعدي… وبمجرد وصولي إلى القاهرة، أرسلني أبي إلى فاس… قضيت أياما وليالي برفقة وزير الداخلية إدريس المحمدي. وهو رجل صارم، نتفاوض حول اندماج جيش التحرير هذا في القوات المسلحة الملكية. كنا نبحث عن شخص اسمه كريم حجاج متهم بقتل المسعدي… وقد اعترف مباشرة بعد إلقاء القبض عليه بكونه القاتل، وأضاف: “قتلته بأمر من المهدي بن بركة”… وابتداء من ذلك الوقت، لم أعد أكن له الاحترام الذي كنت أكنه لأستاذي”
لكن هذا لم يمنع الأمير، بضعة أشهر بعدها، من أخذ صورة إلى جانب بن بركة الذي كان حينها رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري…
في نظري هذه “المعلومة” التي يكشف عنها الحسن الثاني مشكوك في صحتها. صحيح أن هناك بعض المغاربة الذين يرددونها. ولكن هل من قبيل الصدف أن ترد على لسان مؤسسي الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب؟ يذهب هذا الأخير حد ادعاء أن حزب الاستقلال اغتال المسعدي بقرار من اللجنة التنفيذية للحزب في تلك الفترة. استفسرت قاسم الزهيري وهو عضو متنفذ في الحزب حينها، فأجابني: “لا أعرف أي شيء عن هذا الاغتيال. هذه القضية حسب علمي لم تطرح أبدا داخل أجهزة الاستقلال
لنتوقف مليا عند الوقائع. المهدي بن بركة يحل بالريف في ربيع 1956 في إطار بحث ينجزه لصالح جريدة “الاستقلال”، ساعيا في الوقت نفسه إلى استقطاب أكبر عدد من المقاومين كي يلتحقوا بالحزب. ويبذل أيضا أقصى الجهود ليمنع انصهار جيش التحرير المغربي في القوات المسلحة الملكية, فقد يتحول بإشراف من حزب الاستقلال يوما ما إلى نواة جيش مغربي صرف، ليلتحق إضافة إلى ذلك بقوات جبهة التحرير الوطني لتحرير كامل تراب المغرب العربي. وإذا كان المسعدي متفقا مع بن بركة حول النقطة الثانية، فإنه كان يخالفه الرأي حول التحاق المقاومين بحزب الاستقلال. وقرر المهدي الالتقاء بالمسعدي بفاس لمناقشة الأمر، والحال أن هذا الأخير اغتيل وهو في طريقه إلى فاس!… ويرى البعض أن هذه الجريمة ليست في الحقيقة سوى “خطأ”، فالمسعدي لم يكن يريد الذهاب إلى فاس. ولكن شخصا اسمه حجاج أرسله المهدي لإقناعه هدده بمسدس كان مع الأسف محشوا بالرصاص. هكذا انطلقت رصاصة نتيجة حركة غير محسوبة… أما البعض الآخر، فيرى أن لا شيء من ذلك وقع، فالمسعدي كان فعلا متجها إلى فاس ، لكن قوة خاصة هاجمت السيارة التي كانت تقله وقتلته. وهذه القوة الخاصة أنشأها مدير الأمن محمد الغزاوي خلال الموعد، بأمر من الحسن الثاني الذي كان يريد منع الزعيمين من الاجتماع معا، وفي الوقت نفسه توظيف عملية الاغتيال. وحسب شهادة حسن الأعرج، أحد قادة جيش التحرير المغربي، فمولاي الحسن هو من قرر إرسال قاتل مأجور لتنفيذ العملية.
تبدو لي هذه الفرضية أكثر احتمالا. فالمهدي بن بركة كان نشر للتو مقالين هامين حول جيش التحرير المغربي لم يروقا للحسن 2 الذي رغب في وضع حد لهذه التحركات، وقال في هذا الصدد: “يجب أن يكف عن الاهتمام بشؤون هذا الجيش الذي لا دخل له فيه”. والمسعدي الذي كان ضد اندماج جيش التحرير في القوات المسلحة رغب في الاحتفاظ بالسلاح لمساعدة المقاومين الجزائريين. فلماذا إذن سيأمر المهدي بن بركة باغتياله
حسب رواية الحسن الثاني فإن حجاج اعتقل بعد الحصول على مجموعة من الاعترافات التي تدينه. من أدلى بهذه الاعترافات؟ وفي أي ظروف؟ غادر حجاج السجن ثلاثة أيام بعد اعتقاله، دون أن يتابع بأي تهمة! أكان مجرد عميل استأجرته الشرطة؟ إضافة إلى ذلك، فلم لم يتابع بن بركة، مع أنه هو المسؤول (المزعوم) عن الجريمة. بل على العكس من ذلك، اختاره العاهل المغربي خمسة أشهر بعد ذلك رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري!
ويبقى السؤال: أي الرجلين، بن بركة أم مولاي الحسن، سيعيث تقتيلا في الريفيين بعد سنتين بعدها؟ يبدو أن الأمير أشار بأصابع الاتهام إلى بن بركة حينها بكونه وراء هذا الاغتيال، وإن لم يصرح بذلك جهارا نهارا. وعندما سيعتلي العرش، سيجاهر هذه المرة بالتهمة نفسها، بعد “اختفاء” المهدي. ولكن لنتساءل من المستفيد من الجريمة؟ أول مستفيد هو مولاي الحسن، فإصرار المسعدي على مواصلة المعركة إلى جانب جيش التحرير المغربي، ورفضه الاندماج في القوات المسلحة الملكية، لا بد أنهما لم يروقا لرئيس الحرب العامة لهذه القوات، إن لم نقل إن ذلك أثار قلقه. وهو باتهام المهدي بن بركة، يلعب ورقة رابحة، بحيث يستغل الحدث لبث الشقاق في صفوف الحركة الوطنية، وهو هدف يتحرق رغبة إلى تحقيقه. فرق تسد، وإن عن طريق الاغتيال… أمر لا يزعجه بتاتا، خاصة في محاولته الحثيثة منذئذ لتلطيخ سمعة بن بركة…
************
[1] – بعد أن شاهدت أسرة الزعيم المغربي فيلم سيمون بيتون Simone Bitton الرائع حول “بن بركة”، أحسست بالقلق، فهي تريد أن تحفظ ذاكرة المهدي ضد التقولات والإشاعات المغرضة، أو ببساطة ضد التلميحات التي لا تستند إلى أدلة حول ما وقع.
[2] – الحسن الثاني، ذاكرة ملك، مرجع مذكور، ص 51.
[3] – في رسالة وجهها إلى كاتب.
[4] – لتهدئة حماس بن بركة ذهب المسعدي حد الأمر إلى اعتقاله واختطافه لبضعة أيام. وسيقيم البعض علاقة بين هذه الخلافات ومقتل المسعدي، ويرون أن المهدي أراد الانتقام لنفسه. ولكن، ألم تتم عملية الاغتيال أسابيع بعد ذلك؟.
[5] – لقاء مع عبد اللطيف جبرو في ربيع 2003
[6] – لم يكن المهدي يفكر في حمل السلاح ضد القصر. فمن جانب أول، فإنه كان يحظى بثقة محمد الخامس الكاملة، والعكس صحيح. ومن جانب ثان، كان يعرف أن جيش التحرير لن يصمد كثيرا أمام القوات الملكية المسلحة التي تساعدها القوات الفرنسية نفسها! بل إنه راهن دائما على الوصول إلى السلطة بطريقة قانونية وعن طريق الانتخابات. والحسن الثاني نفسه يعترف: “كانت هناك انتقادات توجه إلى الملكية، ولكن لا أحد شكك يوما في ضرورتها، وإلا فإن المغرب برمته سيشتعل”. الحسن الثاني، ذاكرة ملك، ص 57
[7] – في رأي الكولونيل طويا Touya “يعود أصل القطيعة النهائية بين من سيصبح ملك المغرب وذلك الذي سيتحول يوما ما إلى أحد زعماء العالم الثالث إلى هذه الفترة. ومحمد الخامس حاول تدارك الأمر وإصلاح ذات البين، بحدسه وطبعه الحذر، فعين المهدي بن بركة رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري..”. من رسالة 14 نونبر 1966، بأٍرشيفات وزارة الشؤون الخارجية.
[8] – اغتيل في نفس الفترة أيضا مقاومون آخرون خلال الأسابيع التالية لعلى اغتيال عباس المسعدي. وضمنهم بعض مناضلي حزب الشورى والاستقلال، ممن كانوا ينتصرون لإقرار الجمهورية أكثر من تحمسهم لعودة السلطان، وخاصة وأنهم بعد الاستقلال عارضوا فكرة الحزب الوحيد التي نادى بها حزب الاستقلال، ومنهم عبد الواحد العراقي بطنجة أو والد حميد برادة. وفي صيف 1956، ستوزع أيضا بالريف منشورات على يد حزب الشورى والاستقلال، يحركه من وراء الستار مولاي الحسن، مكتوب عليها عبارة تندد بالمهدي بن بركة “قاتل عباس المسعدي”.
........................

بكثير من الخجل أتناول اسما بهذه القامة المديدة في تاريخ المقاومة المغربية . اسم حتى وإن كانت شاهدة قبر هناك بمقبرة الشهداء بأجدير كتب عليها : هذا قبر الشهيد عباس المسعدي الذي توفي سنة 1956 ، فان الشهيد مفضل عند الله عمن قضوا تفضيلا  ، خاصة وأن المسعدي لم يقتل إلا بنيران أخوية  بعد أن أتم مهمته التاريخية وهو القيادي المحنك في صفوف المقاومة بتازة .

وبغض النظر عن الخوض في قصة اغتياله  إلى حين يتمكن التاريخ من إنصافه وهو رميم ، فإن الأستاذ الصبار زار قبر الشهيد رفقة ابن لمسعدي المهاجر في أوروبا وابنته القاطنة بأكادير وأعضاء من جمعية تازارين الذين قدموا من الجنوب مسقط رأس لمسعدي الذي قاده القدر المبجل إلى أجدير ليبلو البلاء الحسن إلى جانب رجال المقاومة في معارك شهد الأعداء بضراوتها وفن إدارتها الحربية ولو بأبسط الأسلحة التي كانت في أغلبها من نوع بندقية ذات الطلقة الواحدة .

كان ذلك في سنة 2010 حيث ظل لمسعدي يرقد مطمئنا على استقلال بلاده إلى جوار طائفة من الذين استشهدوا في ساحة المعركة وأشرف بنفسه على مراسيم دفنهم التي كانت كثيرا ما تقام ليلا ، في قبر مجهول لم يسأل أحد عنه لأكثر من خمسة عقود خلت ، ولو لم تكن ذاكرة المقاومة النبيلة التي لازالت تصون كل حدث كان صغيرا أو كبيرا من أحداث المقاومة لعاد الأستاذ الصبار وأبناء لمسعدي دون أن يتعرفوا على القبر بمقبرة الشهداء بأجدير .

زيارة الصبار( ليس السيد العامل السابق لتازة ، وإنما الصبار الحقوقي قبل تعيينه في المنصب الحالي ) لمقبرة الشهداء بأجادير تمت بتنسيق مع قلة قليلة من المناضلين بتازة تولى الدكتور توفيق ادر كان إدارة برنامجها الزمني ، وكان الحدث بمثابة حية تسعى بين منعرجات أكنول وأجدير، خلق يومها استنفارا شديد الحساسية لدى العديد من (السياسيين) في المنطقة نظرا لما يحمله من عمق رمزي لقبر مقاوم فذ جيء بجثته بعد الاستقلال من عين عيشة بتاونات  محمولة في شاحنة يسوقها أنذاك ازرايدي محمد الشاوي المزداد سنة 1900 ببويسلي إقليم تازة  الحامل لبطاقة المقاومة رقم 003718 قرار اللجنة الوطنية رقم 5696 التي توصل بها في سنة 1965 وتوفي بعدها بعامين ولم يستفد أبناؤه الخمسة من التعويضات إلى يومنا هذا كما صرح لنا بذلك مصدر مطلع زودنا بنسخة من بطاقته ننشرها كوثيقة اعتمدنا فيها على الشهادة الشفهية لإثبات معلومة نغني بها البحث التارخي إن كانت تفيد الباحثين المدققين الذين ربما يدحضون حجتنا أو يزكونها .

 
................

بمناسبة الذكرى 58 لاغتيال الشهيد عباس المسعدي سينشر سعيد العمراني تحقيق يحمل اخبار لاول مرة تنشر









توصلنا بخبر من المناضل الحقوقي سعيد العمراني انه سيعمل على نشر للاول مرة تحقيق حول حيثيات اغتيال شخصية تاريخية معروفة بالشمال الشرقي الا وهو الشهيد عباس المسعدي، قائد جيش التحرير بالشمال الشرقي للمغرب، الذي اغتيل بتاريخ 27 يونيو 1956 في ظروف غامضة ومن طرف عناصرمجهولة.


و بمناسبة الذكرى 58 لاغتيال الشهيد عباس المسعدي سيعمل المناضل سعيد العمراني على نشر ملف التحقيق الذي اجراه كل من المناضل الحقوقي جمال الكتابي (هولندا) والمناضل الحقوقي  سعيد العمراني (بلجيكا)  الذي ثمرة مجهود عمل وتحقيق  حول موضوع الشهيد عباس المسعدي حياته، دوره، تنقلاته، عائلته و لماذا تم تصفيته و من طرف من؟


ويضيف الخبر ان الملف يحمل اخبارا تنشر لأول مرة و سينشر على نطاق واسع قبل ليلة 27 يونيو الجاري (ذكرى اغتياله) فانتظروه...

عن سعيد العمراني و جمال الكتابي

الناشر:
http://yahayamin.blogspot.com/2014/06/58.html#ixzz3tNXWlEan
...............

الخبر:المقاوم والوطني التهامي نعمان.. يفضح كذب احرضان وخفايا قضية قتل عباس المسعدي....
(الأقسام: كتاب و أراء)
أرسلت بواسطة admin
الخميس 13 مارس 2014 - 22:17:46

التهامي نعمان, رجل غير عادي في قصة المقاومة المغربية وجيش التحرير، حيث يرد اسمه مركزيا دوما ضمن قادة المقاومة، بشهادة كل رجالها الثقاة ممن قيض لي الجلوس إليهم ومحاورتهم في مناسبات عدة. يكفي هنا أن أذكر منهم فقط المرحوم الفقيه البصري والأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. كان رجل ميدان بامتياز ورجل ثقة رفاقه في المهام التدبيرية التنسيقية بالشمال والدارالبيضاء والناظور. وبمناسبة عودة قضية الوطني الكبير والمقاوم عباس المسعدي إلى الواجهة بعد صدور الجزء الأول من مذكرات المحجوبي أحرضان وإشارته إلى أن قاتل المسعدي حي بالدارالبيضاء، وأنه كان عضوا بالمقاومة، ولمعرفتي من خلال تقاطعات شهادات عدة أن علاقة هذا المقاوم والوطني الكبير، التهامي نعمان، القوية والشخصية والمباشرة بعباس المسعدي، اتصلت به لتوضيح حقيقة الأمر من وجهة نظره، كشهادة للتاريخ، فكان هذا اللقاء القيم، الغني بمعلومات تكشف لأول مرة.

-سي التهامي نعمان، من موقعكم كواحد من قادة المقاومة وجيش التحرير، أود أن تطلعوا الرأي العام الوطني، كشهادة للتاريخ، عن حقيقة ما نشره المحجوبي أحرضان بخصوص أمرين مهمين: الأول حول حقيقة انتمائه للمقاومة وجيش التحرير، والثاني حول حقيقة ما جرى للمقاوم المغربي الكبير عباس المسعدي. ولنبدأ، إذا سمحت بالشق الأول: ما حقيقة علاقة أحرضان بالمقاومة، وهل انخرط فعليا فيها كما أعلن ذلك؟
-لا علاقة لأحرضان لا بالمقاومة ولا بجيش التحرير. وكل الحكاية، أنه حين بدأنا نباشر تنفيذ القرار بإنشاء جيش التحرير المغربي، سنة1954، قررت قيادة المقاومة وجيش التحرير، ضمن البحث عن مصادر السلاح، أن تربط الإتصال بالسلطات المصرية لدعمنا بالسلاح، فاقترحوا علينا أن يبعثوا إلينا ضباطا مصريين متخصصين في تنظيم وتدريب الجيش للمساعدة، لكننا اعتذرنا عن قبول ذلك المقترح، وأكدنا لهم أننا نتوفر على العنصر البشري الكافي والكفء، وأن حاجة ملحة للسلاح. استجابوا لطلبنا، فشرعنا من جهتنا نبحث عن عناصر مغربية لها تدريب عسكري في الجيش الفرنسي، فاقترح اسم المحجوبي أحرضان من بين أسماء أخرى، بسبب أنه أنهى مهامه العسكرية منذ سنوات وأنه لم يعد يتحمل أية مسؤولية إدارية كقائد بوالماس بعد تقديمه استقالته إثر نفي محمد الخامس. والعنصر الذي كلف بالإتصال به، هو المقاوم الوطني سعيد المانوزي (شقيق الحاج علي المانوزي الذي توفي منذ أسبوع). اتفق معه على لقاء مشترك بالدارالبيضاء مع عناصر القيادة المتواجدة بها، وانتظرنا يوم اللقاء ولم يحضر الرجل. بعد أسابيع جدد سعيد المنوزي الإتصال بأحرضان، فادعى أنه جاء فعلا إلى الدارالبيضاء، لكنه أحس أنه مراقب من البوليس الفرنسي، فعاد من حيث أتى. طلب منه اللقاء مجددا، لكنه تراجع وقرر مغادرة المغرب صوب فرنسا لوحده، فانقطعت أي صلة لنا به.
هناك في فرنسا، سيظل محتجبا عن الأنظار، حتى لحظة وصول الملك الراحل محمد الخامس عائدا من منفاه بمدغشقر، فتقرب من الدكتور الخطيب، وعبره تقرب من الأمير مولاي الحسن (ولي العهد حينها)، فنجح في نسج علاقات معه، مكنته من أن يعين عاملا على الرباط بعد الإستقلال. والقصة وما فيها، أن الدكتور الخطيب لم يكن يقيم بسبب عدم توفره على مسكن خاص حينها، سوى في بيت أحرضان العامل على العاصمة. بالتالي، فحين كانت عناصر جيش التحرير والمقاومة تأتي للقاء الخطيب، لم تكن تلتقيه سوى في مكان تواجده (وسكناه المؤقتة) وهي بيت أحرضان. فأصبح الرجل من حينها يدعي أنه في جيش التحرير والحال أنه لا علاقة به إطلاقا.
بعد فشل المحاولتين الإنقلابيتين ضد الملك الراحل الحسن الثاني في بداية السبعينات من القرن الماضي، استدعانا الحسن الثاني رحمه الله، كأعضاء في المقاومة وجيش التحرير (كنا حوالي المئة، كلف الخطيب بتجميعنا عنده في القصر)، وقال لنا بالحرف: "أنتم في الحقيقة أخطأت في حقكم. ميزتكم أنكم لا تخونون، أو تغدرون، لكنكم تواجهون". وهو بذلك يلمح لتاريخ المواجهات بين جيش التحرير ورجال المقاومة والسلطة منذ نهاية الخمسينات، أي منذ اعتقال الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي سنة1959، ثم اعتقالنا نحن بعدهم بأسبوعين بتهمة محاولة اغتيال ولي العهد مولاي الحسن. ثم اعتقالات يوليوز1963، ضد الحركة الإتحادية، ثم اعتقالات نهاية الستينات وبداية السبعينات. وقبل أن أفصل القول في حقيقة هذه المواجهات، فإنه ونحن أمام الملك في ذلك اللقاء، حتى دخل أحرضان للحضور معنا، فسرت همهمة بين الحضور، تطورت إلى إبلاغ الخطيب أننا نرفض حضور أحرضان معنا، لأنه لا علاقة له بجيش التحرير أو المقاومة. أحرج الدكتور الخطيب، لكنه بادر إلى التوجه صوب الملك وهمس له باحتجاجنا ورفضنا حضور أحرضان، فكان رد الحسن الثاني، أن أحرضان لن يحضر سوى لحظة الإفتتاح. وفعلا بعد حفل الإفتتاح طلب منه المغادرة وبقينا وحدنا مع الملك.
طيب، سي التهامي، ما قصة اتهامكم بالتخطيط لاغتيال ولي العهد مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني بعد ذلك)، من قبل السلطات الأمنية في نهاية الخمسينات؟ وكم كان عددكم؟.
-أولا عليكم أنتم جيل اليوم، أن تفهموا سبب اعتقال اليوسفي والفقيه كمسؤولين عن جريدة "التحرير". لقد ابتدأت القصة، حين أسس رجال المقاومة وجيش التحرير، بمبادرة منهم لا علاقة للدولة بها، جمعية أطلق عليها "جمعية رجال المقاومة وجيش التحرير" وانتخب كرئيس لها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، وهو الذي كاتبني وكلفني بالإشراف ضمن تلك الجمعية كمندوب على جهة الدارالبيضاء والجنوب. فكان يحضر إلي في مكتب فتحناه بشارع الفداء بدرب السلطان، كل النازحون من جيش التحرير، ونقدم لهم المساعدة سواء الطبية أو المالية. وحدث أن تعاظمت تلك الحاجيات والمطالب، فكان أن اقترحت على أولئك المقاومين التوجه إلى القصر الملكي بالرباط، بعد أن وفرت لهم الحافلات، ليعرضوا قضيتهم المستعجلة على ملك البلاد وطلب المساعدة. فعلا توجهوا إلى باب القصر، فخرج إليهم أوفقير وطردهم بعنف، متهما إياهم أنهم جاؤوا مهاجمين. بل إنه كلف قوات تحت إمرته بمراقبتهم وإخراجهم من الرباط، وبقيت معهم تلك القوات حتى بوزنيقة. المهم عادوا حانقين جدا وغاضبين من ذلك السلوك الذي خصهم به أوفقير. المهم التقينا بهم في مقر للمقاومة إسمه "الإقامة ? الريزيدونس" قرب جامع ولد الحمرا بالمدينة القديمة، فقمنا بتصوير تلك المجموعة واقفة. ونشرت تلك الصورة في جريدة "التحرير"، وتحتها تعليق يقول: "طردوا الإستعمار، فطردوا". فاقتنص ذلك التعليق مولاي أحمد العلوي، الذي كان ضمن فريق ولي العهد، تطوع لمتابعة شؤون الصحافة، ونقله إلى ولي العهد، فصدرت الأوامر بسرعة لاعتقال اليوسفي والفقيه البصري، ثم أسبوعين بعدها اعتقلت تلك المجموعة، وكنت ضمنهم.
كنا18مقاوما، أذكر منهم محمد بنسعيد آيت يدر، والسكوري والهاشمي لكحل والذهبي وسعيد بونعيلات والمدني لعور.. إلخ. بعد اعتقالنا حملنا إلى الكوميسارية السابعة بدرب السلطان، ثم حملت لوحدي إلى إدارة الأمن المركزية للدارالبيضاء بالمعاريف حيث استنطقني الكوميسير الشهير بلقاسم الوجدي، وأطلق في وجهي لأول مرة تهمة محاولة اغتيال ولي العهد مولاي الحسن، فنفيت ذلك جملة وتفصيلا. كانوا قد هيأوا شاهد زور ضدنا، لكنهم لم يتقنوا العملية كما يجب. كان ذلك الشاهد مقاوما فعلا، من الحي المحمدي، وكان واحدا من المقاومين الذين يأتون إلي في شارع جمعية المقاومين بشارع الفداء، بالدار التي كانت تعرف ب "دار المختار السوسي". كانت شهادة ذلك المقاوم تفيد أننا اجتمعنا نحن الثمانية عشرة، بمنزل المقاوم الميلودي بحي الوازيس وقررنا اغتيال ولي العهد. أجبته ضاحكا أنه حين كنا نقرر تصفية مقدم خائن في عهد الإستعمار، كنا نحرص على كل أسباب السرية، ولم يكن العدد يتجاوز ثلاثة عناصر على أكبر تقدير، فكيف الحال مع اغتيال ولي العهد، هنا أسباب السرية مفروض أن تكون عالية جدا جدا، وليس في منزل بحضور ثمانية عشر عنصرا كلهم يعرفون بعضهم لبعض. ثم سألت ذلك الشاهد، طيب صف لي شكل البيت والغرفة التي اجتمعنا فيها بحضورك، وأين كان كل واحد منا يجلس، وما شكل أثاث الغرفة، وأين يقع بابها وهل لها نوافذ. فصمت.
رغم ذلك تواصل اعتقالنا، وعذبنا ببشاعة. وأذكر أنني حملت ذات صباح إلى غرفة للتعذيب فوجدت مقاوما مربوطا إلى طاولة من كامل جسده وعليه آثار التعذيب، فقيل له: أعد ما قلته لنا عن كيفية تنفيذ عملية اغتيال ولي العهد؟. فأجاب متعبا أنهم قرروا تنفيذ العملية في ملعب الكرة وأن توضع القنبلة في علبة سردين. أجبته متسائلا: من سيهيئ تلك القنبلة الصغيرة، فنحن كنا نعرف جيدا شبكة تصنيع القنابل وأن الآلية كلها سرية وهذه المجموعة المكلفة بهذا الجزء لا تعرف شيئا عن المجموعة الأخرى المكلفة بالجزء الآخر من القنبلة وهكذا. ثم قلت لهم ضاحكا: شيئا من الجدية، هل تتصورون قنبلة في علبة سردين في ملعب لكرة القدم؟. بعدها نقلنا إلى سجن غبيلة (السجن المدني القديم بالدارالبيضاء)، وقدمنا أمام قاضي التحقيق، الذي حين قام بمواجهة كل واحد منا مع الشاهد المزور، اكتشف أن الرجل لا يعرف أغلب المعتقلين، بدليل أنه كان يطلق أربعة أو خمسة أسماء على نفس الشخص أملا منه أن يكون ذلك اسمه الحقيقي. فحمل القاضي الملف وأخبر رؤساءه أن الملف فارغ ومهزلة. رغم ذلك بقينا معتقلين أربعة أشهر حتى تدخل شيخ الإسلام بلعربي العلوي عند الملك محمد الخامس وأقنعه بضرورة إطلاق سراحنا. وكذلك كان.
- طيب سي التهامي نعمان، ما قصة المقاوم المغربي الكبير عباس المسعدي، الذي أصبح الكثيرون يتاجرون باسمه، والتي أسالت الكثير من المداد. وأود أن أتوقف معكم عند آخر ما خرج به أحرضان من موقف وتصريحه أنه يعرف قاتل المسعدي الذي لا يزال يقيم بالدارالبيضاء. مثلما أن البعض الآخر قد حاول مرارا إلصاق تهمة القتل تلك بالشهيد المهدي بنبركة. ما قصة الرجل، الذي لم يكن قائدا عاديا ضمن جيش التحرير المغربي، كما سبق وأكد لي مرارا الراحل الفقيه البصري؟. ففي حدود علمي، أنت أكثر من يستطيع التكلم عنه لقربك منه ومعرفتك اللصيقة به. فما الذي يمكن أن تفيد به الرأي العام الوطني، وعائلة الرجل، وتنصف به الحقيقة التاريخية؟
- قصة المسعدي طويلة ومثيرة. فعلا علاقتي به قوية، لسبب بسيط وهو أنني أنا واحد ممن عينوه في جيش التحرير بالشمال. وتعود معرفتي به إلى مدينة الدارالبيضاء، حين كان يعمل بشركة الشهيد إبراهيم الروداني، وهناك تعرفت عليه أول مرة، بعد أن غادر السجن لأسباب عائلية خاصة، قبل التحاقه بالمقاومة والعمل الوطني. شخصيته رحمه الله شخصية قوية، وميزته أنه جدي كثيرا، بسبب انحداره من منطقة تامكروت قرب زاكورة، فهو سليل الزاوية الناصرية، واسمه الحقيقي ليس "عباس المسعدي" (هذا اسمه الحركي)، أما اسمه الحقيقي فهو "محمد بن عبد الله الناصري". والتقيته في السجن بعد نفي محمد الخامس بعد أن اعتقلت في سياق واعتقل هو في سياق آخر، لكن يجمع بيننا جميعا العمل الوطني للمقاومة. أما قصة علاقته بالشهيد المهدي بنبركة، فهي قصة علاقة مناضلين كبيرين من أبناء المغرب الذين قاوموا ببسالة وإباء من أجل استقلال المغرب وحرية أبنائه وتقدمهم، ومن أجل بناء المغرب الكبير ونصرة الشعب الجزائري. ولقد وقع اختلاف بينهما، عادي، يحدث عادة بين أبناء الحركة النضالية الواحدة، حين التقيا معا في اجتماع ببيت الوطني المقاوم عبد الكبير الفاسي بالعاصمة الإسبانية مدريد، حيث قال له الشهيد المهدي: "أنتم رجال المقاومة ابتعدوا عن السياسة، لأنكم لا تدركون أحابيلها". وهو الجواب الذي لم يعجب عباس المسعدي، فخرج غاضبا.
ذات يوم، كنا مجتمعين بمقر جمعيتنا التي أسسناها لرجال المقاومة وجيش التحرير، التي يترأسها اليوسفي، بشارع الفداء بالدارالبيضاء، وهو الإجتماع الذي حضره في ما أذكر كل من الفقيه البصري، الدكتور الخطيب، المهدي بنعبود، الدكتور عبد اللطيف بنجلون، العمراني (صاحب محطة البنزين) والمحجوب بن الصديق. كنا مجتمعين، حتى دخل المرحوم المسعدي بذات اندفاعه، وطلب مني الخروج للحديث معه، فاستجبت لطلبه، فهمس لي أنه يود الجلوس معي أنا والفقيه البصري. فعلا ناديت على الفقيه رحمه الله، وجلسنا معه في غرفة مجاورة. شرح لنا وضعية جيش التحرير بالشمال، وما وصلت إليه الأمور هناك، مؤكدا لنا أنه قرر الإستقالة من مهامه هناك، وأنه يمنحنا فسحة زمنية بين 3 أشهر و6 أشهر لإيجاد من يستحق تحمل مسؤولية قيادة جيش التحرير هناك، وأنه سيجمع قادة المناطق، حينها، وسيخبرهم بقراره بعد أن نختار نحن من يعوضه، حتى يمتثلوا له. ورغم محاولاتنا إقناعه بضرورة التراجع عن قراره، بقي مصرا على موقفه، وعلى ضرورة توفير الدعم له للفترة التي طلبها حتى يصفي كل أمور مسؤولياته بالشمال. في النهاية اتفقنا معه على تحديد موعد للإجتماع بقادة المناطق في مدينة الناظور، وأن نعين فيه من سيحل محله.
كنت عمليا أسافر كثيرا إلى الناظور ضمن مهامي في قيادة المقاومة وجيش التحرير، منذ اختيارنا في لقاء بتطوان لقادة جيش التحرير في الشمال قبل انطلاقه (كنت أنتقل إلى تطوان عبر طنجة بجواز سفر مزور باسم محمد بن عبد القادر العروسي). وهو الإجتماع الذي نظم بعد تكليف الدكتور الخطيب بتعويض الوطني أحمد زياد، المنسق السابق للمقاومة بتطوان، والذي توجه إلى القاهرة بطلب منا لمساعدة علال الفاسي. وهنا أفتح قوسا لأقول بأن قرار بعثه إلى القاهرة، لم يكن فقط بغاية مساعدة الزعيم علال الفاسي، بل لإبعاده من تطوان بسبب عدم تسهيله لمهامنا في الشمال، بل أكثر من ذلك، سيعتقل بالقاهرة، وبعد حصول المغرب على الإستقلال طلبنا من اليوسفي التدخل لإطلاق سراحه بمصر. المهم في ذلك الإجتماع، والتدريبات الأولية انطلقت بتطوان، طرح علينا أمر اختيار من سيقود جيش التحرير بالشمال، خاصة بعد بداية وصول المساعدات العسكرية من مصر، فاقترحت عليهم اسمين هما عباس المسعدي وعبد الله الصنهاجي، فتدخل الحسين برادة، وقال أنا أدعم هذا الإقتراح، فوقع الإجماع عليهما. فتقرر أن يكون عبد الله الصنهاجي بالناظور، وأن يتكفل عباس المسعدي بالمناطق حيث تتوزع عناصر جيش التحرير بكامل الشمال. أي واحد قائد مركزي منسق بالناظور والآخر قائد ميداني وأن يكون التنسيق كاملا بينهما. وسبب زياراتي المتكررة إلى الناظور بتكليف من الفقيه البصري هو تليين المواقف بين الرجل، بسبب جدية المسعدي وصلابته، وطبيعة شخصية الصنهاجي المختلفة، فكان ذلك يتسبب في بعض الخلافات بينهما، خاصة على مستوى أسلوب التدبير ورؤية كل واحد منهما للشكل الأنسب لذلك. وللحقيقة فقد كلفت مرة من قبل الفقيه بضرورة إحضار الصنهاجي إلى الدارالبيضاء بسبب بعض التجاوزات، وتوجهت رفقة فريق من 8 أشخاص (بعضهم لا يزال على قيد الحياة) لتنفيذ المهمة، فهم الصنهاجي طبيعة مهمتنا فتوجس، لكنه امتثل لقرار القيادة، حيث سمح لي بإصدار قرار إطلاق سراح عدد من المقاومين كان يعتقلهم بالناظور.
إذن، ضمن مهامي تلك، كلفت بالسفر إلى الشمال وبالضبط إلى الناظور لتهييئ الأرضية لتنفيذ قرار عباس المسعدي كما اتفقنا عليه معه. وحدث أن كان في نفس الفترة الشهيد المهدي بنبركة بتطوان رفقة الفقيه البصري، فقررا التوجه من هناك إلى الناظور وزيارة وحدات جيش التحرير بالجبال. وحين وصلا إلى حيث يتواجد عباس المسعدي، فوجئ بمجيئهما، فقرر السماح للفقيه البصري بالدخول بينما رفض دخول المهدي بنبركة بسبب غضبه منه منذ لقاء مدريد. بقيت أنتظر رفقة 7 من قادة المناطق بالناظور وصول الفقيه لتنفيذ الإتفاق المسبق بين ثلاثتنا، لكن لا أحد منهما جاء، فقررت العودة إلى الدارالبيضاء. التقيت الفقيه رفقة بنسعيد آيت يدر واستغربت عدم حضوره كما اتفقنا، وعبرت عن عدم اتفاقي مع زيارته للمنطقة مع المهدي بسبب طبيعة الظروف السياسية حينها، لكنه أخبرني أنه كلف المقاوم حجاج بضرورة إحضار المسعدي إلى الدارالبيضاء لحل كل المشاكل العالقة. عدت بعد 3 أيام إلى الناظور فوصلتنا الأخبار أن حجاج قد قتل المسعدي.
- إذن، قصة علاقة حجاج بقضية المسعدي حقيقية؟
- نعم. لكن التأويلات التي أعطيت لها غير حقيقية. أولا اختيار حجاج لإقناع المسعدي بالحضور إلى الدارالبيضاء كان بسبب الثقة المطلقة بين الرجلين، وما جرى هو أنه حين وصل حجاج إلى فاس حيث بيت المسعدي رفقة ثلاثة مقاومين آخرين، نزل إليهم المسعدي وطلب منه حجاج الركوب معهم في السيارة، لكنه رفض. فتدخل اثنان من مرافقي حجاج وحاولا إرغامه على دخول السيارة، فالتفت عباس صوب حجاج وقال له: "ما هذا يا حجاج، هل تنوي الغدر بي؟"، فرد عليه حجاج، أنه لا ينوي به شرا أبدا، ويطلب منه تسهيل مأمورية نقله إلى الدارالبيضاء لحل كل المشاكل العالقة. لكن للأسف، واحد من تلك العناصر المساعدة لحجاج بسبب تهور غير مسؤول، كان يضع رأس مسدسه قرب رأس حجاج، وفي لحظة تجادب داخل السيارة انطلقت الرصاصة القاتلة، فقتل الرجل عبثا وبالخطأ. ارتبك حجاج ومن معه، فقرروا التخلص من الجثة بدفنها خارج فاس وعادوا إلى الدارالبيضاء. داع الخبر بسرعة، فانطلق مسلسل البحث عنهم واعتقالهم من قبل فرقة عسكرية عينها ولي العهد اختار ضمنها المقاوم ملال من جيش التحرير منحدر من منطقة فكيك.
تمكنت تلك الفرقة من اعتقال حجاج ومن معه وتم نقلهم إلى حيث دفن عباس المسعدي، فتم إخراج الجثة ونقلت إلى فاس لإعادة دفنها هناك. فنزلت رفقة عناصر كثيرة من جيش التحرير من الشمال ومن الناظور لحضور جنازته تلك، وبعد الإنتهاء من مراسيم الدفن تلقينا أمرا بالتوجه إلى القصر الملكي بالرباط، حيث قرر الملك محمد الخامس إلحاق كل عناصر جيش التحرير بالجيش الملكي. كانت تلك بداية حل جيش التحرير بالشمال، حيث قررنا إرسال جزء من رجاله للإلتحاق بالثورة الجزائرية (حوالي 700 عنصرا)، وجزء التحق بالجيش الملكي وجزء ممن رفض الإلتحاق بالجيش الملكي، نزل إلى الجنوب للإلتحاق بجيش التحرير في الجنوب لتحرير الصحراء وموريتانيا عبر محاميد الغزلان يقوده القائد بنحمو المسفيوي (من منطقة مسفيوة بالأطلس الكبير قرب مراكش). بينما بيقت أنا في الناظور 3 أشهر، لتصفية تركة جيش التحرير هناك.
- ما الذي جرى لحجاج بعد ذلك؟
- بقي معتقلا رفقة رفاقه الآخرين وهم محمد العبدي، لغزالي، ومبارك مرزوق. وآخر من توفي منهم منذ سنة هو لغزالي. بالتالي فجميعهم توفوا إلى رحمة الله. ولقد صدر في حقهم عفو بعد شهور من اعتقالهم.
- إذن سي التهامي نعمان، لا علاقة تجمع بين عباس المسعدي وأحرضان، مثلما لا علاقة للشهيد المهدي بنبركة بقتل المقاوم الكبير عباس المسعدي؟
- لا علاقة للمهدي بالقضية كلها، لأنها قضية داخلية بين أعضاء جيش التحرير تطورت إلى قتل بالخطأ. أما أحرضان فلا يعرف عباس المسعدي أبدا، ولم يلتقه قط في حياته، عكس الدكتور الخطيب الذي التقاه في الشمال وفي تطوان. وحين حضر أحرضان إلى جنازته بفاس فقد حضر فقط بصفته عاملا على الرباط مرافقا للخطيب لا أقل ولا أكثر. أما ادعاؤه أن قاتل المسعدي لا يزال على قيد الحياة بالدارالبيضاء فهو كذب، لأن المجموعة كلها توفيت والتي تتكون من الأسماء التي ذكرت لك. وأذكر في هذا السياق، أن منصبه ذاك كعامل هو الذي فتح له الكثير من الأبواب لحضور لحظات تاريخية، مثل لحظة نقل رفات الشهيد علال بن عبد الله إلى الرباط بأمر من الملك محمد الخامس. لقد كلفت بالبحث في المكان الذي قيل لنا إنه دفن به بمنطقة زعير خارج الرباط، بأمر من السلطات الإستعمارية، حيث كلف قائد مغربي من تلك المنطقة بالتخلص من الجثة فلم يجد بدا غير أن يكلف فقيها بدفنه بمنطقة نفوذه بزعير. المهم حضرت إلى القبر المعني رفقة زوجته وابنه الذي كان لا يزال صغيرا جدا وجاره الإسكافي الذي اعتقل بتهمة تهييئ السكين التي استعملها رحمه الله في ضرب بن عرفة (الملك الدمية في يد الفرنسيين) وبعد الحفر ظهر جلبابه الذي تعرفت عليه زوجته، ثم ظهر حذاؤه الذي صاح جاره أنه هو من أصلحه له، فتأكدنا أنها فعلا جثة الشهيد علال بن عبد الله. بالتالي حين قررنا نقلها إلى الرباط لإعادة دفنها بمقبرة الشهداء، كان يرافقنا المقاوم بلميودي وكان يرفض حضور أحرضان بسيارته ضمن موكبنا وكان يزاحمه بسيارته، فتدخلت لأقنعه بضرورة فسح المجال له، لأنه عامل الرباط وممثل السلطة المحلية. فكان ذلك مرة أخرى مناسبة لبروزه ضمن تلك المحطة الوطنية، التي لا علاقة له بها ضمن سياق المقاومة وجيش التحرير. والصورة الشهيرة هي تلك التي يحمل فيها علال الفاسي والفقيه البصري النعش وجواره أنا والمهدي بنبركة والمرحوم عبد الفتاح سباطة من مجموعة الرباط.

...................

هل فكت مذكرات أحرضان لغز اغتيال عباس المسعدي حقا؟

احرضان يقدم مذكراته احرضان يقدم مذكراته

أعادت مذكرات المحجوبي أحرضان المنشورة مؤخرا قضية مقتل عباس المسعدي إلى الواجهة بالمغرب، وطفت من جديد تلك الأسئلة العالقة منذ أزيد من 50 سنة، حول من اغتال حقا المسعدي ومن المستفيد من تصفيته.
 ويعود المؤرخ زكي مبارك إلى هذا الحادث الذي يلفه الكثير من الغموض مسائلا من جديد رواية أحرضان. و «أخبار اليوم» ننشر ورقته من باب المساهمة في النقاش، وليس لكونها تتبنى كل ما فيها.

  زكي مبارك

تشهد بلادنا في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة كتابة المذكرات السياسية والتاريخية تحت عناوين مختلفة. ويمكن أن نعزو ذلك إلى الهواء الجديد الذي أنعش قريحة ثلة من الوطنيين، ورجالات المقاومة وجيش التحرير، ومناضلين سياسيين، وحقوقيين، ومعتقلين، فتعاقبوا على كتابة وإصدار مذكراتهم.
كما لا يمكن إنكار مساهمة الصحافة المستقلة في تشجيع وانتشار هذه الظاهرة استجابة منها لإرضاء فضول ورغبة شريحة عريضة من مكونات المجتمع السياسي والثقافي لجيل الاستقلال والمسيرة الخضراء، الذي أخذ يبحث ويلح على التعرف والاطلاع على الأحداث والأسباب التي كان لها أثرها العميق في التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي تتحكم في مسيرة مغرب الزمن الحاضر.
لقد تعددت الآراء حول الأهداف والمقاصد التي كانت وراء كتابة وإصدار هذه المذكرات. كما تباينت التقييمات والتحليلات حول مضمونها وأسلوب كتابتها ومنهجية عرضها. ومع ذلك، فهي، ولئن اختلفت توجهاتها، وتباينت مقاصدها، وتسترت الغرائز الذاتية والشخصية التي أملت إصدارها، تُعد رصيدا معرفيا يشكل مادة خام لتدوين وكتابة تاريخ المغرب الحاضر، ونظرا لما يحتويه هذا الرصيد من معلومات وإفادات وتوضيحات قيمة، وشهادات حية يدلي بها من شاركوا في صنع هذه الأحداث، أو عايشوها من قريب أو بعيد. وبهذا، فهي تساعد الباحث والمؤرخ المسؤول والنزيه على عمليات التحقق والمقارنة والمقاربة والتصحيح والاستنتاج. فهل تندرج ضمن هذا السياق مذكرات أحرضان؟

1 – مذكرات أحرضان وبداية وعيه الوطني

يتناول الجزء الأول من مذكرات المحجوبي أحرضان حقبة تاريخية ساخنة من نضال الشعب المغربي ضد الوجود الاستعماري، تمتد من سنة 1942 إلى سنة 1961، تاريخ وفاة الملك محمد الخامس رحمه الله.
لقد اختار أحرضان سنة 1942 كانطلاقة لكتابة مذكراته، لأنها تمثل في نظره بداية تكوين وعيه الوطني، الذي تجلى في رفضه مقاتلة الشعب الفيتنامي، واتصاله بشيخ الإسلام مولاي العربي العلوي. كما تجلى هذا الوعي وتطوره لدى أحرضان في قيامه بالدعاية ضد الوجود الفرنسي بين الجنود المغاربة، وتعمق وعيه الوطني كذلك برفضه التوقيع على العريضة التي أعدتها سلطات الحماية الفرنسية لخلع السلطان محمد ابن يوسف، وبسببها أقيل أحرضان من منصبه كقائد على قبائل جهة والماس. وللتعبير عن إخلاصه ووفائه لملكه، عمل كل ما في وسعه للقاء به يوم 18 غشت 1953، يومين قبل نفيه. وخلال هذا اللقاء يقول أحرضان: «صرحت للعاهل المغربي بأنه الشعلة التي تُنير لنا طريق الكفاح وتهدينا إلى سواء سبيل النضال».
ولما أقدمت السلطات الاستعمارية على نفي الملك يوم 20 غشت، دعا أحرضان مجموعة من الضباط المغاربة المنخرطين في الجيش الفرنسي إلى اجتماع بمنزل القبطان أوفقير، وكان من بينهم: حسن اليوسي، أوبجة ميمون، عبد القادر لوباريز، عبد الغني القباج. وأضاف عبد الوهاب بن منصور إلى هؤلاء أحمد الدليمي، وذلك في كتابه «أعلام المغرب العربي».
لقد تعمدت الإشارة إلى هذه المبادرات التي قام بها أحرضان، لأنها تكاد تكون مُغيبة أو مُهمشة في أهم الكتابات التي تناولت مسيرته السياسية. أفلا يسعى أحرضان للتذكير اليوم بهذه المبادرات لتوجيه رسالة إلى المجتمع السياسي والثقافي لمغرب الحاضر ولأجياله يذكرهم بهذه المبادرات، ويرد على الجهات التي شككت في وعيه الوطني خلال هذه الحقبة، وفي نضاله المبكر الذي لا تُقيم له وزنا؟.

2 – اغتيال المسعدي: الملابسات والتداعيات

ما زالت الأقلام والأفواه تخوض في عملية اغتيال عباس المسعدي، وتتجادل في شأنها وفي مسؤولية ودور (المهدي) بن بركة و(محمد) الفقيه البصري و (محمد) ابن سعيد (أيت إيدر) وكريم حجاج. اليوم، وبعد صمت طويل يفاجئُنا أحرضان بتفاصيل ومعطيات جديدة حول ملابسات هذا الحدث، وذلك بعد استنطاق السيد كريم حجاج المتهم الرئيسي باغتيال عباس المسعدي في الاستنطاق الذي تم بحضور ولي العهد مولاي الحسن، وبحضور السيد الحمياني، مدير الشؤون السياسية بوزارة الداخلية، وبحضور المحجوبي أحرضان الذي أورد في مذكراته ما يلي: «صرح حجاج بأنه رفض الاعتراف بمشاركته في عملية اغتيال عباس المسعدي، نظرا للعلاقات الودية التي تربطه بهذا القائد. غير أنه – يضيف أحرضان- مورست عليه ضغوطات لتوجيه دعوة لعباس المسعدي لحضور مأدبة عشاء يقيمها المدعو الحاج بن علال بمنزله بفاس، ويحضرها كريم حجاج صديق المسعدي لاجتذابه كفخ، نظرا للثقة التي كان يحظى بها المسعدي من لدن كريم حجاج. ويضيف أحرضان بأن ابن سعيد حضر إلى عين المكان للإشراف على تنفيذ المهمة التي حددها كل من الفقيه البصري والمهدي بن بركة.
ويقول حجاج، إنه أرغم على جعل بعض رجاله رهن الإشارة قصد اختطاف عباس: «وقمت بهذا العمل رغما عني تاركا لابن سعيد مهمة تنفيذ العملية. فلما عاد رجالي سألتهم أين عباس؟ فأجابوني.. توفي ودفناه. وفي الحين توجهت رفقة ابن سعيد إلى الرباط لإخبار المهدي بن بركة بما آلت إليه المهمة، وتوجه ابن سعيد إلى الدار البيضاء لإخبار الفقيه البصري». يتضح إذا من هذه المعطيات الجديدة التي أوردها أحرضان في مذكراته الأخيرة، بأنه لم يكن في نيّة ابن بركة ولا ابن سعيد ولا الفقيه البصري اغتيال عباس، وإنما كانوا يسعون إلى اختطافه ونقله إلى الرباط لمقابلة المهدي بن بركة لإقناعه بالتخلي عن قيادة جيش التحرير لفائدة حزب الاستقلال. إلا أن عملية الاختطاف لم تتم كما كان مخططا لها، بحيث وقع تدافع واشتباكات بين عباس المسعدي ومختطفيه داخل السيارة التي رُمي بداخلها فانطلقت رصاصة طائشة من مسدس أحد مختطفيه توفي على إثرها عباس المسعدي، فدفنت جثته بـ «عين عيشة» بضاحية فاس.
هذا هو السيناريو الكامل عن اغتيال المسعدي كما يرويه اليوم أحرضان في مذكراته. ومن حقنا أن نتساءل ونسائله لماذا التزم الصمت حول هذه المعطيات أزيد من خمسين سنة مضت، ولم يُشر إلى هذه التفاصيل المهمة في استجواباته العديدة، وفي كتابه «الزايغ»، أو في كتاب موحا أو علي خنوش «Aherdan ou la passion de la liberté»(أحرضان أو شغف الحرية). في مذكراته كذلك يكشف أحرضان، ولأول مرة، عن قاتل عباس المدعو «ولد عبد الله» أحد أعضاء فرقة كريم حجاج. ولعل «ولد عبد الله» هذا يكون هو (م.ب) كما ورد في مذكرات الحاج حسين برادة، وعلال الفكيكي اللذين تابعا عن قرب عمليات الاستنطاق. بل إن أحرضان نفسه صرح مؤخرا بأن القاتل ما يزال على قيد الحياة، وقد يكون هو الضابط المتقاعد (م.ب). السؤال الذي نطرحه كذلك، ويتعلق بكريم حجاج الذي يقول أحرضان في شأنه بأنه بعد استنطاقه سجن لبضعة أشهر بدون محاكمة ودافع عنه ما استطاع، ولكنه بعد إطلاق سراحه حصل على امتيازات ودار للسكنى ورخص للنقل. 
فهل هذه المكافآت والترضيات التي تلقاها حجاج ثمن سكوته وعدم جهره بالحقيقة لتبقى تهمة ومسؤولية اغتيال عباس المسعدي لصيقة بالمهدي بن بركة لتشويه صورته والتقليل من نفوذه السياسي المتصاعد والمتنامي داخل المجتمع السياسي المغربي في هذه الحقبة التاريخية؟.

 قراءة في بعض وثائق عباس المسعدي

هذه نماذج من وثائق عباس المسعدي التي تؤرخ لمسار جيش التحرير المغربي، وتسجل أهم أحداثه ومحطاته ومصير رجالاته. وثائق متفاوتة الأهمية من حيث الشكل والمضمون، وتبقى مع ذلك مصادر ومراجع  سياسية لا محيد عنها للباحثين والمؤرخين، لافتقارنا الشديد -إلى حد الساعة- إلى وثائق مماثلة من هذا الصنف.
بطبيعة الحال، إن أي توظيف لهذه الوثائق وقراءتها وتحليل مضامينها يتطلب إخضاعها وجوبا إلى آليات المناهج العلمية القائمة أساسا على النقد الداخلي والخارجي للوثيقة، من أجل التثبت من صحتها وخلوها من كل تدليس أو تحريف أو تزوير، مع ضرورة وضع الوثيقة وقراءتها ضمن سياقها التاريخي والسياسي.
وتكشف هذه الوثائق ملامح شخصية عباس المسعدي، ومستوى وعيه السياسي الرفيع والمتقدم، وفكره النيّر، وتحليلاته الرزينة للأحداث، ومواقفه المبدئية، من خلال الأسلوب الذي حررت به، والعبارات التي استعملها للإدلاء بآرائه والتعبير عن خواطره. وإذا أضفنا إلى كل هذه الخاصيات شهادات رفاقه في الكفاح، وما كان يحظى به من تقدير فائق وإعجاب من طرفهم بحكم سلوكه الإنساني، وإخلاصه العميق لأهداف الثورة التحريرية المغاربية التي آمن بها كل الإيمان، عن صواب أو عن خطأ، أو حتى بدافع  من نزوات شخصية أو طموحات ذاتية، نجد أنفسنا أمام مناضل ومجاهد وقائد مثالي، تبوأ مكانة مرموقة في الساحة التحريرية المغاربية. 
وهذه المكانة رأت فيها زعامات سياسية أن صاحبها الذي خرج من صفوف الشعب، يشكل خصما سياسيا عنيدا ولدودا ينغص عليها مصالحها ويهدد طموحاتها ومشاريعها. ولهذا لم يتنفسوا الصعداء إلا بعد اغتياله في فجر الاستقلال، فكان عباس المسعدي من الشهداء الأوائل الذين دشنوا تاريخ الاغتيالات السياسية في مغرب الاستقلال.
  ...............

المقاوم محمد بربوش القريوح




 
تتفضل أسرة الفرع المحلي لجريدة الجسور بأحفير بالشكر الجزيل لكل المنابر الإعلامية و التي ستشارك معنا في نشر سلسلة سيرة مقاوم ، و التي ستهم مقاومي مدينة أحفير و تطلب الجريدة الإخوة الإعلاميين المساعدة على التعرف على باقي مقاومي مدينة أحفير حتى لا ننسى أبطالا لم يعد يتكلم عنهم أحد أبطال جاهدوا حبا لهذا الوطن حيث ستختتم هذه السلسلة شهو نونبر القادم في ذكرى عيد الإستقلال بحفل بهيج تكرم فيه عائلات المقاوميين و ذلك بحضور شخصيات وازنة و المزيد من التواصل لكم على العنوان الالكتروني التالي: weiss6@hotmail.fr
للاشارة فهذا النشاط ستشارك فيه مجموعة من الهيئات المحلية و الوطنية فمزيذا من الجد من أجل أبطال أحفير و مدينة أحفير. فنبدا الحلقة الاولى من مسيرة مقاوم، بالفقيد محمد بربوش :

ولد محمد بربوش و الذي كان يلقب بالقريوح سنة 1926 بمدينة احفير درس في الكتاب حفظ ما يناهز ثلاتين حزبا من القران، ينحدر من أسرة فلاحية ، تربى و ترعرع بمنطقة تريفة بالقرب من ما يسمى الوالي الصالح سيدي ميمون ، و يعتبر المقاوم الفد محمد بربوش بن عبد القادر من خيرة المقاومين التي أنجبتهم مدينة أحفير و دلك راجع لمواقفه البطولية و التي كان عنوانها الإخلاص للوطن مهما كلف ذالك
فقد ابتدأ هذا الرجل الخطوات الأولى من ثورته بتهريب السلاح من ما كان يسمى منطقة إسبانيا إلى جيش التحرير و الذي كان ينشط بمدينة أحفير و خلال تلك الفترة. تم إعتقاله بمعية إثنين اخرين فتم تعديبه أشد العذاب ليسجن بعد ذالك مدة تسعة أشهر رأى فيها الوطني المخلص أبشع أنواع التعديب.
و خلال تلك الفترة التي كان يقضيها الثائر البدوي بالسجن استطاع الفرار حيث تمكن خلالها من اختطاف السلاح من أيدي الحراس ملتحقا بذالك بجيش التحرير بقيادة المقاوم ميموني امبارك الرحماني(الملقب ب ميمون غورغو) خلال تلك الفترة عانت عائلة المقاوم محمد بربوش أشد العناء بسبب مواقفه المناهضة للإستعمار الغاشم حيث كانوا يتعرضون لمضايقات شبه يومية من طرف قوات الإحتلال و الخونة من بني جلدتنا و مما يحكى أن عائلة المقاوم محمد بربوش كانت تمنع من سقي الماء لأن إبنهم يرافق الفلكا( و هذا مصطلح كان يطلق على المقاومين من أعضاء جيش التحرير في تلك الفترة).
بالإ ضافة إلى شتى أنواع الترهيب التي كانت تتعرض لها عائلة بربوش من أجل تنيه عن مواقفه الوطنية و الحد من نشاط المقاومة لاكن حب الوطن لدى المقاوم الفد و لدى عائلته كانت أقوى من إبتزازات المحتل و خونة الوطن.
و استمر في أعماله الثورية و الفدائية في أماكن و مواقع مختلفة في جبال بني يزناسن فبعد عملية فدائية من طرف جيش التحرير في منطقة أحفير ردت قوات الإحتلال بعملية تمشيط واسعة استعملت فيها أسلحة ثقيلة من دبابات و طائرات و حوصر أعضاء جيش التحرير قرب عين المرجية و بعد قصف و مواجهات شرسة بين أبطال جيش التحرير و قوات الإحتلال إستشهد ثلاثة من رفاق المقاوم محمد بربوش من بينهم اثنين من أولاد بوصحابة و العتيكي و جرح الكثير منهم و من بينهم محمد بربوش.
و من بين ابرز الشخصيات التي إلتقى بها محمد بربوش خلال فترة المقاومة المقاوم المعروف الشهيد عباس المسعيدي و الذي كان رئيسا لجيش التحرير و قتل في السادس شتنبر من سنة 1956 بين مدينتي فاس و تاونات حيث رميت جثة الشهيد باحدى الضيعات و ما زالت لحد الساعة عائلة المقاوم محمد بربوش تحتفظ بصورة الشهيد عباس المسعيدي.

أنجب الفقيد أربعة أولاد و بنتين من خيرة الأطر و من بين الأحداث التي كان لها أثر عميق في نفسية الفقيد وفاة إبنه ميمون بربوش في يوم السبت التاسع عشر من نونبر 1977 على إثر حادثة سير وضع عليها أكثر من سؤال و هو الذي كان مهندسا بمطار محمد الخامس الدولي و الذي كان عمره لا يتجاوز 25 سنة.
توفي الفقيد يوم التاسع من مارس سنة 2006 بمصحة المغرب بوجدة و دفن بمسقط رأسه بمقبرة الرحمة بأحفير.

الصور المرفقة : الفقيد محمد بربوش و عباس المسعدي رئيس جيش التحرير
مقال يحتوي صورة المقاوم محمد بربوش نشرته عنه الاحداث المغربية

اعداد الاستاد ميمون بربوش 

.........................

لماذا تراجع بنسعيد ايت يدر عن تصريحاته

حميد المهدوي
طباعة
قبل سنة ونصف تقريبا، أجريت، بداخل مقر "الحزب الاشتراكي الموحد" في مدينة الدار البيضاء، حوارا مع "محمد بنسعيد آيت يدر"، الرجل الذي وشحه الملك يوم الخميس 30 يوليوز، بمناسبة عيد العرش.

وفي الحوار قال لي بأن الملك محمد الخامس مسؤول "مسؤولية سياسية" عن اغتيال عباس المسعدي، وابراهيم الروداني، بل والأخطر أن بنسعيد أكد بأن "الاغتيالات التي كانت تقع في تلك الفترة كانت تجري بعلم الملك وولي العهد الحسن الثاني".

عُدت من الدار البيضاء إلى الرباط فَرِحاََ مَرِحاََ بهذا السبق الصحفي، ومن فرط سعادتي بهذا السبق لم أنتظر حتى يُجهز الشريط داخل موقع "اليوتوب" بل سارعت إلى صياغة مادة "زلزلت" الصفحات الاجتماعية في تلك الفترة تحت عنوان: "بنسعيد يفجرها الملك مسؤول عن اغتيال عباس المساعدي وابراهيم الروداني".

لم يمض على نشري للخبر على الموقع الذي كنت اشتغل فيه سوى ساعات قليلة حتى سارعت يومية "المساء" إلى إجراء حوار مكتوب مع بنسعيد، بعد أن تابعت تداعيات المادة التي نشرتها في الموقع على الصفحات الإجتماعية، غير أن "المساء" جاء عنوانها ملطفا شيئا ما هكذا :"بنسعيد آيت يدر: القصر مسؤول عن اغتيال عباس المساعدي".

اتصل بي بنسعيد بعد أن كنت قد نشرت الجزء الأول من الحوار في انتظار نشر الجزء الثاني، وحاول نفي أن يكون قد قال ما نقلته عنه، فطلبت منه أن يصدر بيان حقيقة التزمت بنشره له على صفحات الموقع، على أن انشر مساء نفس اليوم الجزء الثاني حيث يقول بنسعيد بالصوت والصورة : "الملك مسؤول عن الاغتيالات، كل العمليات جرت بعلمه، كان عليه أن يوقف ذلك".

توصلت ببيان بنسعيد ونشرته كما التزمت معه بذلك، لكن مديرة الموقع رفضت نشر الجزء الثاني من الحوار، خاصة وأن هذا الجزء كان يتضمن قول بنسعيد عن إمارة المؤمنين حين سألته عنها: "حتا يكونوا عندنا مؤمنين بعدا"، ما جعلني أشك بشكل كبير وإلى اليوم بأن يكون اتصال بنسعيد بي ومحاولة نفيه لتصريحه لي وبعثه للبيان قد جاء باتفاق مع المديرة، لأني لم أستطع أن اقبل وإلى اليوم أيضا أن يغامر رجل بقدر بنسعيد ببعث بيان حقيقة وهو يعلم أني أملك تصريحا له موثق بالصوت والصورة، إلا إذا كان قد تلقى ضمانات بعدم نشر الجزء الثاني.

وطيلة أربعة أيام تقريبا وأنا بين المطرقة والسندان، لقد عشت لحظات عصيبة و أليمة لن أنساها ما حييت، خاصة عند مجيئ الليل، حيث كنت أبقى ساهرا طيلة الليل تقريبا، إلى أن ينبلج الصبح، دون أن أتوقف عن السؤال حول مستقبلي الصحفي بعد اليوم لكون المديرة رفضت نشر الجزء الثاني، في وقت التزمت فيه مع زوار الموقع بنشره؟ كيف سيتسقبل زوار الموقع عدم نشر الجزء الثاني من الحوار، وأنا وعدتهم به، خاصة وأنني أشعرتهم بتفاصيله المهمة؟ ألن يقول الزوار إن المخزن ضغط على المهدوي لعدم نشر الحوار؟ وإذا جاز قبولهم ذلك أي مستقبل صحفي بقي لي اليوم؟ كنت أطرح هذه الأسئلة، في وقت ظلت فيه مديرة الموقع مصرة على عدم نشر الجزء الثاني من الحوار، لدواعي لست مخولا للكشف عنها خاصة وأنها تعنيها بالأساس.

مر على اليوم الذي التزمت فيه بنشر الجزء الثاني من الحوار أربعة أيام، وفي اليوم الخامس، كان لي نقاش ساخن مع صاحبة الموقع، سعت فيه بكل جهذها إلى اقناعي بتجاهل هذا الجزء من الحوار والاستمرار في العمل، لكن كرامتي كانت فوق كل ضغط واعتبار، لأقرر في الأخير تقديم استقالتي من الموقع، مع احتفاظي بلحظات طيبة عن تلك التجربة وحتى تقدير لتلك المديرة بصرف النظر عن بعض التفاصيل التي قد تواجه الإنسان في كل تجربة مهنية.

ومنذ ذلك التاريخ لم يعد بنسعيد يشكل لي أي شيء ذا قيمة كبيرة، خاصة مع التبرير الذي برر به، مؤخرا، امتناعه عن توقيع عريضة تضامنية مع الصحفي علي المرابط، حيث عزا رفضه إلى مواقف الأخير من الملكية والصحراء، خالطا بين الموقف السياسي والموقف الحقوقي الانساني، لكن هذا لا يمنع تقديره على مواقف قديمة له، كامتناعه عن تقبيل يد الملك والمحن التي عاشها رفقة الوطنيين من أجل تحرير البلاد، دون أن تجعل منه تلك المواقف والمحن في أعيني أيقونة أبدية، وإلا جاز أن يبقى أحمد حرزني وعبد السلام بوذرار وأحمد اخشيشن وصلاح الوديع وعبد اللطيف المانوني ومصطفى الرميد وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد اليازغي ونوبير الأموي، أيقونات أبدية كذلك، بحكم مواقفهم السابقة، وربما يعلم الجميع في أي حضن ارتموا لاحقا.

واليوم أفاجأ كما فوجئ الجميع بتوشيح بنسعيد، وكان طبيعيا أن تغمر مخيلتي رزمة من الأسئلة منها: هل يريد الملك بهذا التوشيح مكافأة بنسعيد على دخول حزبه الانتخابات وعلى حرصه على تشبث قواعده بالملكية؟ أم يريد الملك أن يغيض زعامات سياسة يعتبرها عدمية ظلت مواقفها متحفظة من الملكية؟ ألا يكون الملك مصيبا في هذا التوشيح بتكريمه لرجل ساهم في إجلاء المستعمر الفرنسي؟ ثم أعود وأتساءل أليس هذا التوشيح مجرد قرار سياسي، إذ كيف يوشح الملك الذي يصر على تجميع كل السلط بين يديه، رجلا يريد أن يسحب منه سلطه في إطار مشروع الملكية البرلمانية، حيث الملك يسود ولا يحكم؟ كيف يعترف ملك تنفيذي بقيمة رجل يقضي المنطق بأن يكون عدوه الأول هو الحكم الفردي؟ كما تسائلت: هل يريد الملك بهذا التوشيح تنفير الناخبين من المرشحين اليساريين وعودة الإسلاميين في الحكومة المقبلة؟ ثم أستدرك بسؤال في اتجاه آخر: ومن قال إن بنسعيد يريد فعلا الملكية البرلمانية، ربما يكون مؤمنا بالملكية التنفيذية وإلا لما قبل كرمها اليوم؟ ثم تعود بي الذاكرة إلى ظروف حيازة بنسعيد لمقر "الحزب الاشتراكي الموحد" في الدار البيضاء وكيف اتصل البصري ببنسعيد وقايضه المقر مقابل موقف من الصحراء في لحظة كانت هذه القضية تمر فيها من منعطف حاسم؟

...........................................

رسالة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى الأمين العام محمد حسن الوزاني في قضية الاختطافات السياسية
أسيف نشر في أسيف يوم 04 - 05 - 2008

رسالة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي إلى الأمين العام محمد حسن الوزاني في قضية الاختطافات السياسية
بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الحمد لله وحده، وبيده الحول والقوةحضرة الأخ المحترم السيد محمد حسن الوزاني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعدفلقد وافانا كتابكم الكريم مع نسخة من التقرير الذي تقدمتم به إلى وزارة الداخلية يوم 19 من الجاري (يوليوز) مع أنه مؤرخ بتاريخ 23 يونيو ونجهل السبب في تأخيره هكذا.. كما ترون. ونظرا لأهمية المواضيع التي أشرتم إليها أسرعنا بالإجابة مع شكرنا وتقديرنا لاهتمامكم المتزايد بقضايا البلاد والأحداث التي جرت بها طيلة مدة السنوات الأخيرة. ونأمل أن يكون لاهتمامكم هذا.. نتائج مطلوبة ومرضية. كما نأمل أن يوفق الله المسؤولين لتلافي الأمر وإصلاح ما فسد، ويهديهم لرؤية الحق حقا والباطل باطلا، حتى يسترجع مغربنا الكريم كرامته وتاريخه العظيم هذا.. ولقد أفدتمونا بمعلومات تتعلق بالمختطفين والمعتقلين والمبعدين وأنكم قد عملتم وستعملون ما يجب، لإنقاذ الأسر المنكوبة في الأهل والأعراض والأموال.. وهو عمل تشكرون عليه. ولكن ينبغي ألا تكونوا منفردين بهذه المساعي والمجهودات من أجل تخفيف هذه المصائب، بل كان يجب على كل مسؤول أن يشارككم ويساهم بدوره بكل إخلاص وعزم واهتمام، حتى تحصل النتيجة التي تسعون إليها ويسعى إليها كل مؤمن وعاقل يحب بلاده ويؤمن بالله واليوم الآخرأيها الأخ المحترم إن ما وقع في بلادنا من الآفات والمصائب والكوارث والمآسي، تثير حتى عواطف الجمادات – إن صح هذا التعبير – ولكن مع الأسف رأينا القوم مروا ويمرون عليها مر الكرام ويعتبرونها كأنها لم تكن. وما رأينا منهم قط ما يدل على التأثر والاهتمام . بل رأينا الأمر بالعكس، يشتغلون بالسفاسف وإقامة الحفلات والمظاهر الفارغة التي تدل على الابتهاج أو بالأقل على اللامبالاة. ولا يعلمون أن مصدر هذه المصائب كلها ، وهذا الشقاء الذي عم أمتنا، شيء واحد، هو وجود العدو بالبلاد. والغريب أن القوم يعتبرون وجوده شيئا عاديا أو شيئا لا مفر منه ولا علاج له... ! وتلك هي المصيبة العظمى إن المسؤولية كلها تقع على الذين تولوا الحكم وزمام الأمر في البلاد. منذ أن ابتلينا لا بالاحتلال، ولكن بكلمة الاستقلال. فهل نرى اليوم الذي يدرك فيه المسؤولون هذه الحقيقة أو لا؟مع العلم بأن الشيء الوحيد الذي يجب أن يهتم به كل الاهتمام، هو الجلاء والجلاء وحده قبل كل شيء. فلا تدشين ولا احتفال ولا تعبيد الطريق ولا بناء القناطر ولا تأسيس المدارس ولا استرداد الأملاك المغصوبة ولا إنشاء مناصب جديدة، ولا تعديل في الوزارة ولا في القضاء ولا مستشفى، ولا ملكة جمال، ولا ملكة حب الملوك، ولا تفكير في إنشاء سفارات في أطراف المعمور. كل هذا هراء في هراء وعبث في عبث. إننا في غنى عن كل هذا ما دمنا لم ننجز قضية الجلاء. لتهبط درجة الحرارة من 41 إلى 37ذلك أن كل عمل دون الجلاء، رهين وسهل، ويعالج بأيسر الطرق، وعار على المغرب المشهور بالشجاعة وحب الحرية أن يقر له قرار، والمحتل المهزوم الضعيف يجول في ربوع البلاد مع أن أقل اهتمام وأقل عمل يريحنا من هذا الكابوس الهزيل الذي جثم على صدور أمتنا. والذي يحول بيننا وبين كل إصلاح . ويعوقنا عن تحقيق ما نصبو إليه من إنجازات ومشاريع وبناء وتشييد. هل فهم قومنا هذا وأدركوه على حقيقته أم لا؟ يا للعار... ! ويا للخسارة... ! ويا للخزي... ! ويا للأسف... ! إن لم يدركوه، ولم يفهموه أيها الأخ الكريم
إننا قد صارحناكم بكل ما نعتقده صوابا ومصلحة للبلاد والأمة، وأجزم أن كل مخلص صالح عاقل من أبناء أمتنا يعتقد معنا هذا الاعتقاد. فلا تفكير في غير الجلاء، ولا كلام إلا في الجلاء. ولقد كررناه بالقول والعمل دائما وإلى الآن وحتى هذه اللحظة لم نر رغما عن هذا من أولي الأمر في بلادنا ما يشعر بأننا سائرون بالجد نحو هذا الهدف السامي. بل لا نرى إلا الأقوال والتسويف ومجاملة المحتل ومسايرته في مراوغته وتسويفه ومماطلته التي يقصد منها البقاء في البلاد إلى الأبدأفيدونا يرحمكم الله إذا كنا أخطأنا في التقدير. أو في الظن؟أما فشو الخلاعة والزندقة والإلحاد والانحلال في الأخلاق الذي نراه من خلال الوقائع، فشيء تنفطر منه الأكباد، وشيء ينذر بالفناء والدمار والهلاك والتلاشي لأمتنا الكريمة. أصبحنا في وضعية لا ناهي فيها ولا منتهي، وقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا"وقال تعالى" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة"وقال جل من قائل تعريضا ببني إسرائيل" كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون"وقال تعالى" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر "وقال تقدست أسماؤه" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"إن ما أصابنا ويصيبنا وما نراه يحدث في بلادنا من المناكر والفحشاء ومن الاتجاه الذي تسير فيه بعض الطبقات من التقليد الأعمى والمروق من الدين الحنيف. منشأه عدم الاهتمام الذي يشاهد من الذين يعنيهم الأمر في الحقيقة. وعدم الاكتراث بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف الواجب على كل مسلم عاقل يريد الخير لأمته وبلاده. وهذا ما تشير إليه الآيات الكريمة التي أوردناها سابقا وما تشير إليه الأحاديث النبوية الشريفة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "ولا أخال إلا أن الأغلبية الساحقة في البلاد لا تخلو من خير ولا يرضون بهذه المناكر المتفشية. إلا أنه مع الأسف الشديد، هذه الأغلبية تقتصر على أضعف درجات الإيمان، وهي التذمر القلبي، مع أنه في استطاعتها أن تعمل الشيء الكثير لو اهتدت إليه، وأن تقضي على هذه المناكر التي تكاد تؤدي بالبلاد إلى الهاوية، إذا لم يتداركها الله بألطافه. ومن أعظم المناكر، الرضا والسكوت بوجود المحتل المعتدي في وسطنا، في عواصمنا، وفي كل أجزاء البلاد. مع أن كل من له أدنى إلمام بمجريات الأحوال يعلمون علم اليقين أن الذي احتل بلادنا وكان سببا في جميع الكوارث ضعيف هزيل. بل هو أضعف الضعفاء، لولا عكاكيزه ولولا أجراؤه، وبالتالي سكوت الباقي من أعيان الأمة على ذلكأيها الأخ العزيزكلنا يعلم أن المحتل لبلادنا لا يستطيع البقاء أبدا في تربتنا بقوة، بل انه بمجرد ما يشعر بأننا نعتبره ضيفا ثقيلا سيترك البلاد هاربا لا يلوى على شيء. وقد لاحظتم ذلك ولا شك في مناسبات كثيرة عندما تشتد الأزمات كيف يتودد وكيف يستعين بالدسائس والتفرقة. والحربان العالميتان ثم بعض الثورات المحلية تشهد بأنه كان على وشك الرحيل. لولا تمسك بعض المغرضين به، ولولا انخداع الأمة بالكلام المعسول الذي يقوم به هؤلاء المغرضون..؟ وأرى أنه لا حاجة إلى الزيادة في البيان. فإنكم تعلمون الحقيقة حق العلم..؟ إذن، فلماذا التمادي في هذا السكوت وفي هذا التخاذل والتكاسل والجبن الفاضح والرضى بهذه المخازي التي لا يرضاها رجل له كرامة؟ كيف نعتبر هذا تافها ؟ وكيف نقر هذه الأوضاع ..؟ وكيف لم نتعظ بما شاهدناه سابقا ؟ وكيف الصبر على ما وقع ويقع ويحدث في بلادنا من الاعتداءات المتكررة التي يقوم بها العدو على ممتلكاتنا وأهلنا، ويدوس حرماتنا، ويجعل بلادنا ممرا لجنوده، وجسرا لسلاحه الجوي الذي يسحق به إخواننا الجزائريين. ولقد وصلت بهم الجرأة إلى تحبيذ مفاوضة فرنسا التي تهدف أولا وأخيرا إلى استسلام المجاهدين الأبطال، في الوقت الذي كان يجب علينا أن نشجع إخواننا المجاهدين المناضلين ونمنع الخونة المتآمرين مع الفرنسيين من الجزائريين والتونسيين والمراكشيين. وفي نفس الوقت يجب علينا أن نقوم بعمل إيجابي فعال لطرد الفرنسيين من بلادنا ومن شمال إفريقيا كلها، كيف نسمح لأنفسنا أن نعيد تاريخ ( 1830) ونترك الجزائريين يقاتلون وحدهم. حتى نمكن الفرنسيين الغاصبين من هذا القطر الذي هو رأس القنطرة لابتلاع بلادنا بعدها. ألا سحقا للظالمين، وتبا للمنافقين، وخسرانا للمذبذبين، وهلاكا للانتفاعيين الذي داسوا كرامتهم وكرامة أمتهم، مفضلين الراحة والتمتع بالشهوات حتى فوتوا فرصة الدفاع عن بلادهم. وأوقعونا في النهاية في نفس الكارثة التي وقعت فيها الجزائر. أليس هذا هو التاريخ ؟ أليس هذا هو الواقع؟ أليست هذه هي الحقيقة المرة التي نعاني من جرائها الأمرين؟أليست مفاوضة إكس ليبان واتفاقية جي مولي - بورقيبة هي التي كانت في حقيقتها مؤامرة القضاء على البلاد. نجح فيها العدو وعملاؤه بتخدير الشعب التونسي والمراكشي حتى يطمئن للاستقلال المزيف. هذا الاستقلال الفارغ الذي يجب أن نطلق عليه "الاحتقلال" أما كفتنا أربع سنوات في عهد هذا "الاحتقلال" التي رأينا أثناءها كل أنواع العذاب والتمزيق والانحلال أدى إلى تشتيت الأمة إلى شيع وطوائف وفرق تتناطح وتتقاتل، حرصا على المنصب والكرسي حتى يتسنى للانتهازيين والانتفاعيين أن ينهبوا ويستغلوا الأمة من جهة ويمكن العدو من البلاد أكثر فأكثر؟ أما كفتنا هذه التجربة اللعينة، فنفكر في طرد العدو من البلاد قبل أن نفكر في أي شيء آخر؟ قبل أن نفكر في المناصب الزائفة والعيش ؟أيها الأخ الكريملقد ذهب منا كل شيء بسبب الأطماع الشخصية والغباوة المظلمة والجبن الفاضح والنفاق الأسود. ألم يئن لنا أن نقف هنيهة. لنتخذ طريقا ينقذنا من هذه الآلام التي نعانيها، لقد تيتمت أطفالنا، وانتهكت حرماتنا، وسلبت أموالنا، وعذب رجالنا، وملئت السجون والمعتقلات بعشرات الآلاف من المجاهدين والمجاهدات، وآلاف منهم قد أقبروا أحياء وتركوا هذه الدنيا ! ماذا ننتظر؟ أننتظر نزول ملك من السماء ؟ أننتظر أن تنبت الأرض من ينقذنا؟ كلا ثم كلا، إن الحل في متناول يدنا وحدنا. فلننهض ولنعمل بجد ولنطلب الموت. لتوهب لنا الحياة، الحياة السعيدة التي يرضاها كل كريم يريد أن يعيش حرا في هذه الدنيا. ولا ندع أمرنا للمعجزات أن تحدث، فالمعجزات بيدنا "أعقلها وتوكل" كما قال عليه الصلاة والسلامإن الذي يفكر الآن في المنصب أو نيل المال، يجب أن يعد من العجماوات، ويجب أن يمحى اسمه من سجل الإنسانية. فالأمر أخطر من المنصب، وأخطر من السعي وراء كسب المال. وبالتالي أخطر من أن نرجو الصلاح أو الإصلاح والعدو ببلادنا. يمزقنا ويلعب بمقدراتنا، لإبادتنا ومحقنا ومحونا من الوجود. تلك هي الحقيقة التي لا يصح لعاقل أن يجهلها أو يتجاهلهاإنكم مسؤولون يا أخي الكريم، وقد قمتم بواجبكم لما فهمتم هذه المسؤولية منذ زمن بعيد وساهمتم يوم أدركتم واجبكم مساهمة فعالة تشكرون عليها من كل أحرار بلادنا. بيد أن هذا التقاعس الذي طرأ على إتمام المساهمة فجأة أخذ يشككنا في صمودكم، ويوحي إلينا بتضعضعه إزاء المحن والأهوال والفواجع التي مرت بالبلاد منذإعلان هذا الاستقلال الموهوم ! مع أن الإمكانيات والفرص متوفرة الآن أكثر من ذي قبل. إذن، فما معنى هذا الوقوف في وسط الطريق؟ وما معنى ترك هذه الفرص الثمينة تمر ضائعة تنعي المتقاعسين، وتبكي المتكاسلين؟ أعتقد أن هذا التقاعس الذي لا مبرر له عقلا وشرعا ومنطقا جريمة في حق البلاد التي ألفت أن تنجب دائما من يدافع عن كيانها، وجريمة في حق الأمة التي وضعت ثقتها في رجالها. والجريمة في حق البلاد والأمة لا تغتفر إلا بالسير قدما نحو إنقاذ الموقف إنقاذا كاملا واضحا، وقديما قيل : " كل من سار على الدرب وصل"أما ما ذكرتموه في المذكرة التي قدمتموها إلى وزارة الداخلية بشأن المختطفين والمعتقلين والمبدعين مع قائمة إضافية بأسماء بعض المختطفين والمعتقلات التي أنشئت لتعذيب الأبرياء والأحرار من المجاهدين فلقد استغربت كثيرا كيف خفيت عنكم معرفة ذلك بالتفصيل، مكانا وزمانا، رغم وجودكم في البلاد، وتتبعكم بأنفسكم أحداث هذه المآسي التي كانت من أهداف هيئتكم السياسية. مع أننا قد استطعنا بواسطة استعلاماتنا الضئيلة، ووسائلنا القليلة، أن نحصل على الوثائق الصحيحة التي أفادتنا بكلما حدث في البلاد بالمكان والاسم والهدف والداعي، و الظروف والملابسات، سواء في ذلك قبل إعلان ما أسموه "الاستقلال" أو بعدهإننا قد حصلنا على معلومات دقيقة ومفصلة تفصيلا كافيا لكشف كل المؤامرات المصطنعة التي دبروها للمجاهدين والعاملين، مما جعلنا نأسف لحدوث ما شوه سمعة بلادنا، ومسخ تاريخنا وسود صحيفة وجودنا كأمة شريفة ذات التاريخ المجيد الوضاء السامي. وهي وثائق من الأهمية بمكان، نحتفظ بها عبرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. ومع كل هذا فإننا نعلم أن أس كل المصائب هو وجود العدو المحتل كما قلنا، أجل كما قلنا سابقا ونقوله الآن، وكما نكررها دائما وأبداوإليك بعضا من هذه المعلومات الدقيقة التي لا يتطرق إليها الشك أبدا (معلومات تحمل بين طياتها مآسي تفتت الأكباد وتذيب العقول وتشمئز منها النفوس وتقشعر منها الجلود وتحار لها العقول)أسماء المعتقلاتجنان بريشة بتطوان جنان الريسولي بتطوان دار الخمال بتطوان دار بشارع محمد الخامس... تواجه " كونتيننتال" بتطوان نقطة البوليس " بنيابة الأمور الوطنية سابقا" قسم المجرمين بتطوان دار بسفح جبل "غرغيز" تدعى " طريطة" بضواحي تطوان كهف " بالرينكون" في طريق تطوان – سبتة عزبة " بدار بن قريش" بضواحي تطوان عزبة " بوادي سيفلاو" في طريق شفشاون – تطوان عزبة بقبيلة بني أحمد السراق على الحدود بين المنطقتين سابقا كهف " بسبع ألويات" بقبيلة " غمارة" بمقاطعة شفشاون عزبة بضواحي " ترجيست" بمقاطعة الحسيمة المعهد الديني " بالحسيمة" بمقاطعة الريف الوسطى دار حارس الغابة بضواحي مدينة الحسيمة أجدير " حيث كانت إدارة دائرة قبيلة بني ورياغل" بمقاطعة الريف الوسطى أربعاء توريرت – في نفس إدارة بني بوعياش – ببني ورياغل بمقاطعة الريف الوسطى دار معروفة تقرب من المسجد بمدينة الناضور " بمقاطعة الريف الشرقي" عزبة بسفح جبل " أزغنغان" بضواحي الناضور بمقاطعة الريف الشرقي كهف " ببوسكور" حيث كان مركز جيش التحرير سابقا – بقبيلة مطالسة بالريف الشرقي تيزي أسلي – حيث كان مركز جيش التحرير سابقا – بقبيلة كزناية بمقاطعة تازة عين باردة بضواحي وزان عزبة في طريق سوق أربعاء الغرب – وزان دار بمدينة العرائش – كانت مكتبا لهيأة سياسية معروفة عزبة بضواحي العرائش.. لمواطن مغربي له سوابق معروفة دار معروفة كمكتب لتسيير شيء ما، بمدينة القصر الكبير عزبة في طريق القصر الكبير – عرباوة مركز معروف بقرية الخميسات عزبة تبعد عن قرية " تغلت" بمقدار 5 كلم دار عرفت كمكتب لتسيير شيء ما بمدينة القنيطرة عزبة تبعد عن القنيطرة في الجنوب الشرقي (12) كيلومترات تقريبا دار معروفة توجد قريبة من قرية " تمارة" بضواحي الرباط كهدف أو وكر " بدوار الدباغ" عزبة لمعمر فرنسي في طريق الرباط – بني ملال نقطة البوليس بالدائرة السابعة بمدينة الدار البيضاء نقطة أو دار معروفة بطريق عين مديونة عزبة لمواطن مغربي يتظاهر بالوطنية بضواحي خريبكة مركز معلوم ومشهور " ببرزح تمحظيت " في طريق قرية ميدلت دار معلومة بقرية " كولميمة" بمقاطعة تافيلالت الصحراء دار بالواد الذي يخترق مدينة صفرو شمال سيدي علي بوسرغين عزبة من ممتلكات القائد المشهور " رحو " بضواحي مدينة فاس دار بدرب الطويل بمدينة فاس دار مهجورة بحومة باب الخوخة بفاس عزبة لمعمر فرنسي في طريق فاس – مكناس عزبة قريبة بقرية " عين تاوجطاط " في طريق فاس – مكناس نقطة بوليس معلومة بدار الدبيبغ بالمدينة الجديدة بفاس عزبة لمعمر فرنسي معروف قريبة من ولماس عزبة لمعمر فرنسي ببوشرو بالزيايدة عزبة من ممتلكات مغربية تدعى عائشة المهروقية عزبة لمعمر فرنسي شرق جنوب غابة المعمورة. دار سرية
بقرية فضالة دار كمكتب بمدينة الصويرة دار لموظف معروف في قرية خريبكة دار من ممتلكات الباشا الكلاوي بمدينة مراكش عزبة بضواحي قرية " تنجداد " بالصحراء كهف سبق أن كان مركزا لجيش التحرير بنقطة المروج بضواحي تازة كهف معروف بضواحي قرية تافوغالت بقبيلة بني يزناسن نقطة بوليس معروفة بمدينة وجدة دار سبق أن كانت كفندق في مدينة وجدة عزبة بسهل أنجاد بضواحي وجدة دار لقائد معروف بقبيلة البرانس بضواحي تازة نقطة بوليس معلومة بمدينة طنجة فوق الصغير دار لأجنبي معروف في الرأس المواجه لمدينة طنجة شرقا وهناك في إقليم سوس (12) مركزا من مراكز التعذيب والتقتيل، ونعتقد أنكم تعرفونها ولا شكوبعد، فهذه بعض من الأماكن التي أنشئت خصيصا للتعذيب والتنكيل منذ ( 27 فبراير 1956) وفي هذه المعتقلات الجهنمية ذاق العاملون والمجاهدون والمخلصون كل أنواع التعذيب والتجويع مع العلم بأنها كانت متفاوتة في الشهرة – أي التشهير بالتعذيب – والمبالغة في السرية والكتمان. إذن جلها كانت معتقلات سرية احتفظوا بسريتها إلى أن فضحها المعذبون، وكشفها المهتمون. أجل، هذه هي المعتقلات التي عذبت فيها النفوس، وأزهقت فيها الأرواح البريئة، نتيجة لمؤامرات مصطنعة خلقها المغرورون بأنفسهم إرضاء للمستعمر الذي ظل ينتظرها ويترقبها ليحقق بها النكسة الكبرى التي حطمت معنويات العاملين، حتى أصابتهم خيبة الأمل. ولقد تحققت رغبة المستعمر مع الأسف الشديد، ومما يحز في قلوبنا أنها حدثت في وقت كنا في أشد الحاجة إلى التبصر والحكمة ولم الشعث. ولكن الطمع وحب الكرسي والمنصب أعمى البصيرة حتى حدث ما لم يشهده تاريخ بلادنا من المآسي والفواجع والأهوالأما المعتقلون فلقد بلغ عدد الذين عذبوا في هذه المعتقلات الجهنمية التي ذكرناها بالضبط والتدقيق (9672) كلها معروفة بالاسم واللقب والعمر والمهنة وحتى الحالة المدنية، لا يتسع المجال لذكرها في هذه الآونة. وأطلق سراح ( 6520) لغاية (26/02/1960) وجلهم مازالوا مشوهين ومبتورين من الأعضاء التناسلية أو الأرجل أو العيون أو الأذن، أما الباقي فما زال في غياهب السجون والمعتقلات المجهولة، على أن جلهم قد لاقوا حتفهم من جراء التعذيبففي تيزي أوسلي بقبيلة كزناية حشروا (82) ضحية في كهف يقع في طريق تيزي أوسلي – تالة مغيث، وواروا عليهم الكهف وهم أحياء بعدما عذبوهم وشوهوهموفي أجدير بقبيلة بني ورياغل بمقاطعة الريف الوسطى حشروا (75) ضحية وقتلوهم رميا بالرصاص بعدما عذبوهم وشوهوهم، وكانوا يدفنونهم تحت ستار الظلام في أماكن مختلفة، مبعثرين هنا وهناك ولكنها معروفة لدى المهتمين. ومما يجدر ذكره أن بعض أفراد ممن كانوا يحرسون من كان يقوم بتنفيذ الإعدام في هؤلاء الضحايا ما زال حيا يرزق، معروفين بالاسم والعمر، وهم يعترفون بذلك بكل بساطة وبدون مبالغةوفي أربعاء تاوريرت ببني بوعياش بقبيلة بني ورياغل بمقاطعة الريف الوسطى، حشروا (35) ضحية، قضوا فيها ثلاثين شهرا كلها تعذيب وتنكيل، وأخيرا قتلوهم عن أخرهم، وبالضبط نقلوهم من هناك ليلة ( 06/10/1958) وقتلوهم ليلة ( 07/10/1958) بغابة على شاطئ بقبيلة بقيوة، وكلهم من أبناء الجنوبوفي المعهد الديني بالحسيمة قتلوا (25) ودفنوهم في نفس المعهد ووضعوا عليهم البلاط في بيوت معروفة لدى المهتمين، وكلهم من الجنوب أيضاوفي جنان بريشة بتطوان الذي اعتبر في الدرجة الأولى من المعتقلات الجهنمية اغتالوا فيه ( 120) مجاهدا بعدما عذبوهم وشوهوهموفي بئر بضواحي مدينة الناضور بمقاطعة الريف الشرقية حشروا (30) ضحية وواروهم التراب، اكتشفهم الأحرار في شهر (02/1960)وفي كوميسارية الدائرة السابعة بالدار البيضاء قتلوا رميا بالرصاص (90) ضحية، ودفنوهم في ضواحي المدينة، وما زال بعض الحراس الذين شاهدوا ذلك بأعينهم يرزقون ويعيشون في مدينة وجدة ومكناس وطنجة والرباطوفي مكان معروف يبعد عن الرباط (Cool كيلومترات في طريق الرباط – تمارة أقبروا (92) ضحية أحياء بعدما حفروا قبورهم بأيديهموفي " كولمين" بسوس أقبروا (65) ضحية بعدما عذبوهم وشوهوهم وبتروهمومما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن مقبرة ضحايا " تمارة" ما زالت معالمها ظاهرة للعيان لحد الساعة. هذا.. ونحن نعلم سلفا، أن كل هذه المآسي حدثت يوم كان وزير الداخلية الحالي رئيسا للحكومة آنذاك، مما جعله يحيط بكل ما جرى وحدث إحاطة كافية لكشف الحقائق أمام الرأي العام المغربيأما المختطفات من بنات المغرب العزيز فلقد بلغ عددهن (235) ما بين المتزوجات والأبكار، ومن الشمال فقط اختطفت (75) حشروا منهن (25) في دار معروفة بحومة ( سانية الرمل) بتطوان، حيث ظلوا يترددون عليهن صباح مساء ليل نهار، لهتك أعراضهن، إلى أن اختفين نهائيا من الوجود. وفي عزبة معروفة على شاطئ وادي ورغة حشروا (15) لنفس الغرض والغاية، وهو هتك أعراضهن. وفي دار معروفة ومشرفة على مدينة الحسيمة بالريف الأوسط حشروا (15) لنفس الغرض، وقد استطاعت ثلاث منهن أن ينجين بأرواحهن إلى مدينة سبتة، وما زلن لحد الساعة هناك. وفي مدينة الناضور ونواحيه، فلقد وقع ما تشمئز منه النفوس، وتقشعر منه الجلود، في هتك الأعراض وسلب بكارة البنات والعذارىأما المساجين، فلقد بلغ عدد من دخل السجن، وزج به في غياهبه بدون أسباب معقولة، منذ إعلان الاستقلال الموهوم لغاية فاتح أبريل سنة 1959، نقول بلغ عددهم (80 ألف) وزعت على السجون المركزية في المدن والصحاري والقفار، منها في الشمال فقط (2342) ومن السخرية بمكان أن (95 بالمائة) منهم لا ذنب لهم أبدا، ولا جريمة لهم مطلقا، والدليل على ذلك أنهم لما كانوا يريدون أن يطلقوا سراحهم يأخذون منهم تعهدا بعدم إفشاء سر دخولهم للسجن، ويهددونهم بالرجوع إذا ما أفشوا سر تهورهم هذاأما مساجين حوادث الشمال في أوائل سنة (1959) فلقد بلغ عددهم (8420) أطلق سراح (5431) بعدما ذاقوا ما لا يوصف من أنواع التعذيب والتنكيل في المعتقلات العسكرية التي كانوا يحيطونهم فيها بالأسلاك الشائكة، وحكم على (323) بأقسى حكم سمعنا به لحد الآن، والباقي ما زال محتفظا به في السجون بدون محاكمة ولا إطلاق سراحهمأما المبعدون إثر حوادث الريف فقط، فلقد بلغ عددهم (542) موزعين على " إسبانيا وإيطاليا والجزائر وألمانيا وفي جهات أخرى معروفة" والمسجونات والمعتقلات فلقد بلغ عددهن (110) أطلق سراح (95) منهن فقط هذا، وليس معنى ما ذكرناه، أننا قد أفرغنا كل ما في جعبة معلوماتنا، التي تأكدت لدينا وإنما هناك ما هو أكثر خطورة وأكبر جسامة، ولكن توخينا ألا نذكرها الآن، عل وعسى أن تتبدل الأوضاع في صالح الأمة المغربية، فحينئذ نرى من الأحسن والأفضل ألا نبينها، محافظة على وحدة الأمة، وفي مقدمة تبديل هذه الأوضاع، إنجاز قضية الجلاءأيها الأخ الكريم لي ملاحظة أود أن أذكرها لكم هنا، ذلك أنكم طلبتم منا إرسال المعلومات وصور المختطفين.، إن هذا يصح لو كانت المصيبة محصورة في عدد قليل، لو كانوا بالعشرات مثلا، ولكن أنتم قد رأيتم أن الضحايا بلغت حدا فظيعا يحتاج للسجلات والأسفار، على أننا لا نهتم ببعض الأشخاص فقط، بل بمصلحة الأمة كلها. ولا يصح لأي مسلم مغربي أن يهتم بشخصه أو بمصلحته أو بمصلحة أقاربه فحسب. فكم من شهيد ذهب فداء للأمة المغربية، وكم من عامل مخلص غيور فقد كل ما كان يملكه من مال وأهل وأسرةأيها الأخ العزيزهذا قليل من كثير بالنسبة لما حدث في بلادنا من المآسي والمصائب منذ إعلان هذا الاستقلال الموهوم. ونحن إذا ما تصفحنا كل ما حدث أثناء هذه المدة، وقارناه مع ما حدث في عشرات السنين الماضية، نجد النسبة ضئيلة جدا. والغريب أن جل هذه الضحايا كانت في مقدمة العاملين الذين ساهموا بنصيب وافر في الجهاد ضد الاستعمار، ومن أجل تحرير البلاد من الاستعباد، وأخيرا كان جزاؤهم " جزاء سنمار"، ومن الغريب أيضا أن نرى الآن المسؤولين تجاهلوا حل هذه المشكلة التي تعتبر من أهم المشاكل التي تحقق الاستقرار وتوطد الأمن. وعلى هذا الأساس، فإني أدعوكم إلى العمل من أجل تحقيق هذين الأمرينأولا : إطلاق سراح جميع المعتقلين بدون استثناءثانيا : إنجاز قضية الجلاء الذي يحتل الصدارة في كل مشاكلناوبعد، يهمني أيها الأخ الكريم أن أذكركم باستئناف الجهاد والنضال حتى تطرد الجيوش الإفرنسية المعتدية على بلادنا. فسيروا على بركة الله، وشجعوا العاملين في هذا السبيل. ودافعوا ما استطعتم عن حق الشعب الجزائري المكافح. وبينوا للمتجاهلين أن تأييد المفاوضة في تقرير المصير المزعوم الذي يعرضه ديجول، معناه " الاستسلام " بعد ست سنوات من الجهادوفي انتظار ما يرد علينا من أخبار سارة عن نتائج مساعيكم، تقبلوا جميعا منا وافر الشكر سلفاوالسلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالقاهرة في 27 يوليوز 1960أخوكم المخلص محمد عبد الكريم الخطابي المصدر : كتاب دار بريشة، قصة مختطف للتجكاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق