المتابعون

الأحد، 29 نوفمبر 2015

الشهيد أحمد الحنصالي



يوسف وهبي// ذكرى استشهاد أحمد الحنصالي: دروس من عمق تاريخنا..

ولد الشهيد أحمد الحنصالي بزاوية أحنصال شرق مدينة أزيلال، في إحدى سنوات العشرينيات من القرن الماضي. فرضت عليه ظروف اليتم والفقر التنقل بين عائلات المنطقة للاشتغال فلاحا (خماس) وراعي غنم مقابل أجرة عينية، عبارة عن بقرة.
وقد حصل مرة أن صاحب العمل رفض منحها إياه وفي الأجل المتفق عليه. وهو ما دفعه ليرفع بعد ذلك شكاية وتظلما للمخزني "سعيد أوخلا" الذي أيد ووقف بجانب الإقطاعي المتعنت. مما حدا بالشهيد الى تنفيذ أولى عملياته بحق المخزني الذي يعتبر أحد أذناب الاستعمار الفرنسي.
لقد كانت الأرض آنذاك ومازالت كوسيلة إنتاج. وما تنتجه يعد الركيزة الرئيسية في تحديد التناقض الكامن بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع المغربي. لقد شكلت هذه الحادثة، ذاك الوميض الذي سينير ويستوعب من خلاله الشهيد أحمد الحنصالي عمق الارتباط التي يجمع الإقطاع بالاستعمار الفرنسي. وسيتخذ قراره بعدها ليساهم في طرد المحتل من خلال عملياته الفدائية الجريئة. بعد حوالي الشهرين من تلك العمليات (وليس سنتين كما هو متداول في الأخبار والتقارير المنشورة) في شعاب وجبال منطقة تادلة سيتم إلقاء القبض عليه هو ورفيقه "ولد سميحة"، ليحاكما وينفذ فيهما حكم الاعدام يوم 26 نونبر من سنة 1953.
لقد شهدت سنوات الخمسينات من القرن الماضي وبمختلف المناطق المستعمرة عبر العالم تناميا مضطردا للوعي الوطني المقاوم. وتوسعت مواجهة الاستعمار مع تشكل الطبقة العاملة وعموم المأجورين بالمستعمرات، وكذلك التحولات الجيوسياسية التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية وأصداء النجاحات الباهرة لحركات التحرر الوطني والطبقي بمجموعة من البلدان المستعمرة. كل هذا، لم يستثن منه المغرب في كل من بواديه ومدنه الناشئة. لقد كان البطل أحمد الحنصالي بعملياته الفدائية النوعية، واستشهاده فيما بعد، وكذلك تجارب رائدة أخرى من بينها تجربة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، النبراس الذي اهتدى من خلاله المقاومون المغاربة لتشكيل أنويه المقاومة المسلحة المنظمة ضد المستعمر الفرنسي واذنابه العملاء.
ومنذ ذلك الحين، برز بوضوح الخطان السياسيان اللذان شكلا ثنائية المواجهة-الانبطاح مع فرنسا الاستعمارية. الأول تبنى طريق الكفاح المسلح. وخير مثال على ذلك ما قاله البطل الشهيد أحمد الحنصالي وعمل به وغيره من المقاومين المغاربة: "الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح، ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء (الجبناء) مع فرنسا". 
فيما كان الخط الثاني ينادي بالمفاوضات، بل والتواطؤ المكشوف مع المحتل الأجنبي. وخير معبر عنه السادة رموز ما يسمى ب "الحركة الوطنية"، الذين وضعوا حجر الأساس لمعاناة شعبنا المستمرة حتى الآن. ويا لمكر الصدف!! لقد تقاسم أحد هؤلاء الرموز (عبد الرحيم بوعبيد) بمعية الشهيد أحمد الحنصالي نفس الزنزانة بسجن "اغبيلة " بالقنيطرة. الأول تم تنفيد حكم الاعدام بحقه هو ورفيقه ولد سميحة، فيما الثاني توجه الى "ايكس-ليبان" المشؤومة، بل هو من تلا تقرير الوفد المغربي جاء فيه: "لقد وضعتنا فرنسا في مواجهة العالم، وبفضل فرنسا تأكدت شخصيتنا، وهذا يحتم علينا اليوم أن نكون أكثر انفتاحا على العالم وبمساعدة فرنسا نريد أن نكون دولة حرة ذات سيادة". وهو ما فهمه جيدا رئيس الحكومة آنذاك ادغار فو حين قال: "لقد استمعت بانفعال إلى كلامكم، وتأثرت بما قلتموه، وكونوا على يقين أن نفس الشعور يخامرنا، وإذا لم نتوصل إلى التفاهم مع رجال مثلكم، وإذا ما كان للحوار الفرنسي أن لا يستمر إلا بواسطة البنادق، فإنها المصيبة بعينها، كونوا على يقين بأن فرنسا قررت أن تتصرف وأن تأخذ القضية بيدها، غير أن ما تبدونه من تعلق ببلدنا يملي عليكم ألا تطلبوا منا ما يمكن أن ينال من سمعتنا". ويجذر التنويه بعدم مشاركة توجه المقاومة المسلحة في "جلسات استماع ايكس-ليبان"، بل تم التشهير بها من خلال رسالة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي وفضح غاياتها ومراميها: "وقد اقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرزت اتفاقية "إيكس-ليبان" إلى حيز العمل والتنفيذ، وأخذت تناور وتدلس وتغري الشعب المراكشي (المغربي) بالكلام المعسول. وهي سائرة في نفس طريق اتفاقية تونس وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح، بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في الهدوء، والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح (...) حين يتفرغ الأعداء للقضاء على الجزائر. فحذار من السقوط في الفخ المنصوب، وإننا على يقين من أن الشعب المغربي سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يخرج من بلاد المغرب بل من شمال إفريقيا كلها آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين".
لكن، كل ذلك الهدوء والحوار اللذين دعا إليهما أنصار المفاوضات/الانبطاح من أجل "الاستقلال"، تحولا بعد ذلك إلى عنف واختطاف وتصفيات جسدية بحق المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ليتسنى لهم الانقضاض كخدام أوفياء للاستعمار على مقدرات الشعب المغربي. وذلك ما نعيش تبعاته لحدود اللحظة.
إن الشهيد أحمد الحنصالي وغيره من المناضلين الأوفياء رموز لقضية الشعب المغربي من أجل تحرره واستقلاله الحقيقيين. ولا يسعنا إلا السير على خطاهم تكريما لمجهوداتهم الجبارة وعطائهم الخالد الذي لا ينضب، وذلك بما يتماشى ويستحضر شروط الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومعطيات الظرفية الراهنة.. وإنها مسيرة متواصلة حتى تقرير مصير شعبنا الذي يرزح تحت نير الاستغلال والاضطهاد الطبقيين..

25 نونبر 2015

............................
الاستعمار الفرنسي يقضي بإعدام أحمد الحنصالي وسيدي ولد سميحة ويوزع عشرات السنوات من السجن والنفي على باقي المعتقلين

نشر في المساء يوم 02 - 09 - 2011

«الثائر الهادئ»، كما وصفه عبد الرحيم بوعبيد، عايشه في زنزانة تضم 13 معتقلا بينما سعتها مخصصة لشخص واحد، كان مؤمنا بقضيته مرددا «الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح،
ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء «الجبناء» مع فرنسا»، في ساحة المعتقل توجه بشجاعة لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، قائلا « يا السي عبد الرحيم .. إلى اللقاء عند الله». من يكون هذا الذي كتب عنه أحمد معنينو واصفا «الشهيد أحمد الحنصالي الذي أعلنها بداية للثورة التي قادت البلاد إلى حصولها على الاستقلال»، هذا الذي جند له الاستعمار عشرة آلاف محارب وطائرات حربية، ووصفه ب«سفاح تادلة» و«اللص المسلح لتادلة»، وهللت الصحف الفرنسية بعد اعتقاله، شارك فتى يافعا في مقاومة المستعمر، وكان ضمن قبيلة لم تستسلم إلا في سنة 1933، أعاد إطلاق أول رصاصة ساهمت في اندلاع الثورة المسلحة، وأعقبها بتنفيذ عمليات نوعية أرعبت فرنسا، التي فشلت في اعتقاله، ليقدم الخونة المقاوم طمعا في نيل مكافأة مالية كبيرة، نعيد في هذه الحلقات رسم مسار قصة واحد من الذين لم ينالوا حقهم الكافي بالاعتراف بفضله في تاريخ المغرب، أسد تادلة ومفجر ثورة المغرب المسلحة.
كان يوم الاثنين 16 فبراير 1953 يوما مشهودا في تاريخ محاكمة البطل أحمد الحنصالي ورفاقه، فقد صادف اليوم السادس من المحاكمة دون توقف في جلسات صباحية ومسائية، أرهق فيها المعتقلون والمحامون في انتظار ما ستسفر عنه هذه المحاكمة، رغم أن جل المتتبعين كانوا يتوقعون أحكاما جاهزة نظرا لتوقيت المحاكمة مع الظروف المحيطة بها.
كانت مرافعتا عبد القادر بن جلون، محامي سيدي ولد سميحة، وشارل دوغراف، محامي أحمد الحنصالي، آخر مرافعتين ستشهدهما المحاكمة، فيما كانت الجلسة الصباحية ليوم الاثنين هي الجلسة الحادية عشرة من جلسات المحاكمة. انطلقت الجلسة في حدود التاسعة صباحا بمرافعة الأستاذ عبد القادر بن جلون، التي استغرقت أزيد من ثلاث ساعات، وقف خلالها على ما أسماه أدلة كافية لبراءة سيدي ولد سميحة من المشاركة في أي عملية فدائية من العمليات التي نفذها أحمد الحنصالي. واستعان المحامي عبد القادر بن جلون بشهادة سوزان شانطو، الناجية من عملية واد أمرصيد، التي لم تتعرف على سيدي ولد سميحة، موضحا أن الذي اعترف بتنفيذه العمليات هو أحمد الحنصالي ولم يذكر معه أحدا آخر. وأفاد المحامي بن جلون المحكمة أن الاجتماعات التي قيل إنها اجتماعات سياسية كانت مجرد اجتماعات للأكل وشرب الشاي. كما طالب بإعادة البحث في القضية، خاصة أن أدلة مشاركة سيدي ولد سميحة لم تكن قوية، بل بنيت على مجرد استنتاجات استندت على الصداقة القوية، التي كانت تجمع البطل أحمد الحنصالي بموحى والحسين الملقب بسيدي ولد سميحة، وهو الطلب الذي أرجأت المحكمة البت فيه إلى حين المداولة قبل أن تعود الهيئة وتعلن عن رفض طلب المحامي عبد القادر بن جلون إعادة البحث في القضية، وتعلن عن رفع الجلسة الصباحية في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال.
وعادت هيئة المحكمة لتعلن عن انطلاق الجلسة الثانية عشرة والأخيرة من جلسات محاكمة البطل أحمد الحنصالي ورفاقه مساء الاثنين 16 فبراير 1953، وأعطيت الكلمة لشارل دوغراف، محامي أحمد الحنصالي، الذي أقر بصعوبة المهمة في الدفاع عن البطل أحمد الحنصالي، خصوصا بعدما اعترف بتنفيذه كل العمليات. وكشف أنه تردد كثيرا في الدفاع عن أحمد الحنصالي في قضية اعتبرها ميؤوسا من كسبها، لكنه أوضح أنه لا يشاطر المحامي عبد القادر بن جلون خلاصته أن الحنصالي قام بعملياته وحيدا، ولكنه كان اليد التي تضرب. وقال المحامي شارل دوغراف إن المسؤول الأول عن هذه العمليات هو مارسيل لامورو، وأن المسؤول الثاني هو فرنسا بما أظهرته من الضعف والتسامح في بلاد المغرب، وطالب في الختام بأن يحول الحكم على الحنصالي من الإعدام إلى المؤبد، ليكون الحكم رسالة للجميع أن فرنسا تتسامح مع أمثال أحمد الحنصالي.
وطلب رئيس الهيئة من المعتقلين تقديم اعتراضهم على الحكم قبل صدوره، لكنهم نفوا أي اعتراض، قبل أن يعلن عن رفع الجلسة في تمام الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، للمداولة وإصدار الأحكام، وأخرج المعتقلون بعد ذلك من القاعة .
استمرت المداولات حوالي أربع ساعات أجابت خلالها هيئة المحكمة عن الأسئلة التي قدمت خلال جلسات المحاكمة، قبل أن تعود وتصدر الأحكام في حق المعتقلين حوالي الساعة الثامنة إلا ربع من مساء الاثنين 16 فبراير 1953. وقد قضت هيئة المحكمة بإعدام البطل أحمد الحنصالي وصديقه موحى والحسين سيدي ولد سميحة، فيما قضت بمجموع 31 سجنا، وبالنفي 60 سنة موزعة على خمسة متابعين في القضية، هم: المعطي اليوسفي، الذي حكمت عليه المحكمة بالسجن ثمان سنوات، والنفي خمس عشرة سنة، والشيخ السابق محمد ولد موحى والحسين، الذي حكمت عليه بالسجن خمس سنوات والنفي عشر سنوات، وبالحبس ثلاث سنوات والنفي خمس سنوات على موحى وصالح أوعلي الملقب بالبقالي. كما أصدرت حكما غيابيا على حوسى أوبناصر، رئيس فرع حزب الاستقلال بمدينة القصيبة، مدته عشر سنوات، وبالنفي عشرون سنة وبغرامة مالية قدرها 240 ألف فرنك فرنسي، فيما برأت هيئة المحكمة كلا من بوعزة نايت ميمون المعروف ببوعزة وزايد أوموحى، وإبراهيم بن سعيد بن حدو الملقب بالزروقي، لعدم وجود أدلة مادية ضدهما. وأعلن رئيس هيئة المحاكمة أن للمعتقلين حق نقض تلك الأحكام في أجل أقصاه أربعة وعشرون ساعة، لكن مدعي الحكومة الفرنسية فلوري سيعلن لاحقا أن ملتمسات النقض رفضت، واعتبرت الأحكام نهائية لا تقبل النقض أو الاستئناف. كما رفض طلب العفو، الذي تقدم به شارل دوغراف، محامي أحمد الحنصالي، وعبد القادر بن جلون، محامي سيدي ولد سميحة، اللذان انتقلا إلى باريس لتقديم طلب العفو لرئاسة الجمهورية الفرنسية عن البطلين اللذين حكم عليهما بالإعدام. عاد أحمد الحنصالي ورفاقه إلى سجن «اغبيلة»، فيما أفرج عن اثنين منهما بعدما برأتهما المحكمة.
رجع الحنصالي قلقا إلى الزنزانة التي كان يوجد بها أيضا عبد الرحيم بوعبيد وآخرون. وكان مصدر قلقه أنه لا يعلم بأي طريقة سينفذون فيه حكم الإعدام.

........................
رئيس الجلسة يرهب سيدي ولد سميحة رفيق الحنصالي قبل الاستماع إليه رفقة المعطي اليوسفي

نشر في المساء يوم 25 - 08 - 2011

«الثائر الهادئ»، كما وصفه عبد الرحيم بوعبيد، عايشه في زنزانة تضم 13 معتقلا بينما سعتها مخصصة لشخص واحد، كان مؤمنا بقضيته مرددا «الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح،
ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء «الجبناء» مع فرنسا»، في ساحة المعتقل توجه بشجاعة لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، قائلا « يا السي عبد الرحيم .. إلى اللقاء عند الله». من يكون هذا الذي كتب عنه أحمد معنينو واصفا «الشهيد أحمد الحنصالي الذي أعلنها بداية للثورة التي قادت البلاد إلى حصولها على الاستقلال»، هذا الذي جند له الاستعمار عشرة آلاف محارب وطائرات حربية، ووصفه ب«سفاح تادلة» و«اللص المسلح لتادلة»، وهللت الصحف الفرنسية بعد اعتقاله، شارك فتى يافعا في مقاومة المستعمر، وكان ضمن قبيلة لم تستسلم إلا في سنة 1933، أعاد إطلاق أول رصاصة ساهمت في اندلاع الثورة المسلحة، وأعقبها بتنفيذ عمليات نوعية أرعبت فرنسا، التي فشلت في اعتقاله، ليقدم الخونة المقاوم طمعا في نيل مكافأة مالية كبيرة، نعيد في هذه الحلقات رسم مسار قصة واحد من الذين لم ينالوا حقهم الكافي بالاعتراف بفضله في تاريخ المغرب، أسد تادلة ومفجر ثورة المغرب المسلحة.
الجلسة الصباحية ليوم الأربعاء 11 فبراير تم استماع في بدايتها للمعتقل يدي موحى ولد الحسين، الملقب بسيدي ولد سميحة، وكان من أكبر المعتقلين ضمن المجموعة، بالإضافة إلى البقالي، الذي كان يتجاوز 60 سنة لحظة محاكمته. وقد شرع رئيس هيئة المحكمة في الاستماع إليه بعدما أوضح أن لديه معلومات سيئة وخطيرة عن ماضي سيدي ولد سميحة استقاها، حسب قوله من خليفة القائد محماد المعوني الذي يعرفه معرفة جيدة. وكشف رئيس هيئة المحكمة أن خليفة القائد أخبره بأن سيدي ولد سميحة «من أكبر المحرضين على ارتكاب الجرائم وله ماض غير مشرف في ناحية تاكزيرت».
كان هدف رئيس الهيئة التأثير على سيدي ولد سميحة باستحضار شهادة الخليفة محماد المعوني أولا. ولتجنب الخروج بما شهدته الجلسة السابقة من قوة وهدوء وثبات أحمد الحنصالي، شرع الرئيس بعد تلك المقدمة في استفسار سيدي ولد سميحة عن تاريخه وعن التحاقه بسك الجندية، ليؤكد المعتقل أنه فعلا انخرط في سلك الجندية في فرقة «الكوم»، لكنه غادرها بعد أسبوعين، قبل أن يكشف أنه تعرض لتعذيب شديد باستعمال الصعقات الكهربائية لانتزاع أقوال منه دونت في محاضر التحقيق معه. وهنا تدخل المحامي عبد القادر بن جلون، الذي أكد واقعة تعرض سيدي ولد سميحة للتعذيب بواسطة الكهرباء واستند إلى شهادة طبية سلمها طبيب القصيبة دو جاردان، فكان رد النائب العام أن لا وجود لآثار التعذيب بالكهرباء على جسد سيدي ولد سميحة، فأجابه المحامي بن جلون بأن التعذيب بالكهرباء لا يبقي أثرا ظاهرا بعد أيام قليلة فكيف بمن قضى قرابة سنتين في انتظار المحاكمة، وهي ملاحظات أثارت جدلا وسط قاعة المحكمة، خصوصا بعد إشارة سيدي ولد سميحة إلى بعض آثار التعذيب التي ما زالت بادية على أنحاء من جسده، مما دفع رئيس هيئة المحكمة إلى توقيف الجلسة والمطالبة بإعادة تلاوة صك الاتهام من جديد. لم يسعف التهديد المبطن الذي وجهه رئيس الجلسة في البداية إلى سيدي ولد سميحة في زحزحته عن أقواله، فانتقل إلى محور ثان يتعلق بماضيه السياسي وعلاقته بمارسيل لامورو، المناضل الشيوعي في قصبة تادلة في الأربعينيات، الذي كان وراء عمليات إحراق أزيد من 110 من الحقول الفلاحية التابعة للمعمرين بمنطقة تادلة في أقل من شهرين، ليؤكد سيدي ولد سميحة بأن ما هو مدون في المحاضر نسب إليه بعد تعذيبه، أما الحقيقة فهي ما يقر به أمام هيئة المحكمة. وكان من طرائف الجلسة ما تقدم به الكومندان سيمونين، الذي أشرف على التحقيقات وقام بتعذيب المعتقلين، عندما قال بداية دون أن يوجه إليه السؤال: «لقد اعترف المتهمون بتلك الاعترافات طواعية ودون تعذيب، بل كنا نقدم لهم مشروب «جيدور» كلما شعروا بالعطش».
رفعت أشغال الجلسة الثالثة في صباح الأربعاء، وبعد استراحة الغداء أعلن عن افتتاح الجلسة الرابعة زوال الأربعاء. كان شارل لوكران أول من تكلم في الجلسة، مذكرا بما سبق أن طلبه من استدعاء ثلاثة شهود، وهو ما عارضه المحامي فيينيي، وكان مثيرا خلال الجلسات النقاش الحاد بين محامي المتهمين، الذين كان بعضهم يريد تبرئة موكله على حساب اتهامات جديدة يوجهها إلى المعتقلين الآخرين، بناء على استنتاجات من الجلسة، خصوصا المحامي فييني. وبعد جدال كبير بين المحامين، نادى الرئيس على المتهم الثالث .
كان ثالث الذين استمع إليهم رئيس هيئة المحكمة هو المعطي بن الحاج صالح الشهير بالمعطي اليوسفي. كان في عقده الخامس، وكان مصابا في عينه اليسرى، لذلك لقب أيضا بالمعطي الأعور. والمعطي العطار من الصحافة الاستعمارية آنذاك، وقد وجه إليه الرئيس تهمة التآمر مع أحمد الحنصالي على القتل، وتهمة المس بأمن الدولة الخارجي، فأنكر المعطي اليوسفي كل التهم الموجهة إليه، قائلا: «إنني انتمي إلى الحركة الشيوعية، لكنني لا أضمر أي عداء لممثلي فرنسا بالمغرب. لقد ألقي علي القبض وسألني رجال البوليس إن كنت أنتمي إلى حزب الاستقلال، فأكدت لهم أنني شيوعي، وعند البحث في منزلي عثروا على ثلاث صور لستالين وروزفيلت وجيرو». فقاطعه اليوسفي: «وبعض أوراق الانخراط في الحزب الشيوعي». وهنا سأل الرئيس أحمد الحنصالي وسيدي ولد سميحة عن معرفتهما بالمعطي اليوسفي، فأنكرا ذلك مستدلين بأنه عربي لا يتكلم الأمازيغية، فيما هما أمازيغيان .

.......................
 رئيس الجلسة يرهب سيدي ولد سميحة رفيق الحنصالي قبل الاستماع إليه رفقة المعطي اليوسفي


أسد تادلة أحمد الحنصالي - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=x1Ffy8QTwUQ
15‏/05‏/2012 - تم التحديث بواسطة mohamed zerktouni
الفيلم المغربي أسد تادلة عن الشهيد أحمد الحنصالي. ... أسد تادلة أحمد الحنصالي_. mohamed zerktouni. SubscribeSubscribedUnsubscribe 3131.
..........................



Re: رواية الشهيد أحمد الحنصالي( أسد تادلة)


البطل الشهيد أحمد الحنصالي : القصة الكاملة


«الثائر الهادئ»، كما وصفه عبد الرحيم بوعبيد، عايشه في زنزانة تضم 13 معتقلا بينما سعتها مخصصة لشخص واحد، كان مؤمنا بقضيته مرددا «الاستعمار لا يمكن قتاله إلا بالسلاح،
ويجب وقف تعامل بعض المغاربة الضعفاء «الجبناء» مع فرنسا»، في ساحة المعتقل توجه بشجاعة لتنفيذ حكم الإعدام في حقه، قائلا « يا السي عبد الرحيم .. إلى اللقاء عند الله».
من يكون هذا الذي كتب عنه أحمد معنينو واصفا «الشهيد أحمد الحنصالي الذي أعلنها بداية للثورة التي قادت البلاد إلى حصولها على الاستقلال»، هذا الذي جند له الاستعمار عشرة آلاف محارب وطائرات حربية، ووصفه بـ«سفاح تادلة» و«اللص المسلح لتادلة»، وهللت الصحف الفرنسية بعد اعتقاله، شارك فتى يافعا في مقاومة المستعمر، وكان ضمن قبيلة لم تستسلم إلا في سنة 1933، أعاد إطلاق أول رصاصة ساهمت في اندلاع الثورة المسلحة، وأعقبها بتنفيذ عمليات نوعية أرعبت فرنسا، التي فشلت في اعتقاله، ليقدم الخونة المقاوم طمعا في نيل مكافأة مالية كبيرة، نعيد في هذه الحلقات رسم مسار قصة واحد من الذين لم ينالوا حقهم الكافي بالاعتراف بفضله في تاريخ المغرب، أسد تادلة ومفجر ثورة المغرب المسلحة.


المرفقات
a.hanssali.jpg

 .........................

الرواية الكاملة لثورة أسد تادلة الشهيد أحمد الحنصالي ضد الاحتلال الفرنسي

من تأليف الأستاذ عيسى العربي. يعرض المؤلف في المحور الأول للظروف والملابسات العامة والخاصة لثورة الشهيد أحمد الحنصالي.
أما المحور الثاني فقد خصصه المؤلف لمجريات محاكمة الشهيد ورفاقه والأجواء التي واكبت جلسات المحاكمة واستنطاق المتهمين والاستماع للشهود ومرافعات المحامين.


المؤلف: ذ.عيسى العربي.
الناشر : المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
سنة النشر: 2005
...................................

هناك تعليق واحد:

  1. ففي بداية 1950 بدأت تظهر أعمال فردية استهدفت المصالح الاقتصادية الاستعمارية. وفي 12دجنبر 1950 شهد مجلس شورى الحكومة مشادة كلامية بين أعضاء المجلس الوطنيين والجنرال جوان المقيم العام آنذاك. على إثر ذلك أقدم هذا الأخير على طرد محمد الغزاوي وتبعه باقي الأعضاء تضامنا معه. وازدادت الوضعية تأزماً في فبراير1951حينما جنّد الجنرال جوان عشرة آلاف من فرسان القبائل الذين هددوا بإحتلال القصر. آنذاك ظهر نجم فلاح ثائر من جبال الأطلس، حمل سلاحه وأخذ في تصويبه نحو المعمرين الغاصبين. وهكذا أردى قتيلاً أندري سوفينيون والزوجان جويت وغيرهم. وبدأت الصحف والإذاعة تتحدث عن "سفاح تادلا" وتجند الجيش الفرنسي للبحث عنه وخصص مليون فرنك آنذاك لمن يلقي القبض عليه.

    وبعد أسبوع من المطاردة لجأ الحنصالي إلى أحد البيوت بحثاً عن الطعام. وبعد ضيافته استغفله أهل الدار فأوتقوه وسلموه للسلطات الاستعمارية. وبعد شهرين من اعتقاله نفذ في حقه بمعية صديقه محمد سميحه حكم الإعدام.

    ردحذف