المتابعون

الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

الشهيدعمر بن جلون

جنازة الشهيد عمر بنجلون - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=U8w7eFSQDDc
12‏/12‏/2012 - تم التحديث بواسطة hassan benzalla
جنازة الشهيد عمر بنجلون وقصيدة أحمد عبد المعطي حجازي الرثائية في حقه.
..............

عمر بنجلون

عمر بنجلون (26 نوفمبر 193618 ديسمبر 1975) محامي ونقابي وسياسي يساري مغربي. ترأس جمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا بين 1959-1960. في يناير 1975 انتخب عضوا في المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، قبل أن يتم اغتياله في نفس السنة.

حياته

ولد عمر في قرية بركم بعين بني مطهر نواحي جرادة بالقرب من مدينة وجدة، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى وجدة،[1] إلى أن حصل على القسم الثاني من البكالوريا. التحق بالتنظيمات الحزبية للشبيبة المدرسية بوجدة. وفي أكتوبر 1955 وقف إلى جانب بعض زملائه لإبلاغ احتجاجهم إلى المسؤول الفرنسي عن بعض التصرفات.
انتقل بعدها إلى كلية الحقوق بالرباط، لينتقل بعدها سنة 1957 إلى باريس، بموازاة دراسته بكلية الحقوق في السنة الثالثة والمدرسة العليا للبريد والمواصلات. صادف حلول عمر بنجلون في فرنسا تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. أصبح رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا لسنة 1959-1960 ، وهي السنة الجامعية التي حصل فيها على الليسانس ، ودبلوم المدرسة العليا للبريد.
عاد إلى المغرب في يونيو 1960 ، وأسندت له مسؤولية جهوية في البريد بالدار البيضاء ، وانغمس كليا في العمل النقابي في جامعة البريد التابعة للاتحاد المغربي للشغل. فاصطدم مع قيادة الاتحاد المغربي للشغل، واختطف لدوره وحضوره المكثف داخل جامعة البريد.
انتقل سنة 1962 إلى العمل بالمديرية الجهوية للبريد بالرباط ، مواصلا نشاطهه في جامعة البريد ، وفي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعاد في نفس السنة إلى باريس لاجتياز امتحان دبلوم الدراسات العليا في القانون العام. في ماي 1962، أصبح عضوا في اللجنة الإدارية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، بعد انعقاد مؤتمره الثاني.

المواجهة مع النقابة

في يناير 1963 انتخب عمر بنجلون مندوبا إلى المؤتمر الثالث للاتحاد المغربي للشغل. في مدخل مقر المؤتمر اختطف واحتجز وعذب في قبو لمدة يوم كامل ، إلى جانب آخرين من جامعة البريد.
شارك في الحملة الانتخابية التشريعية في مايو 1963 ، في كل من الدار البيضاء ووجدة. عاد مرة أخرى إلى وجدة في يوليوز 1963 ، بمناسبة إعداد الانتخابات البلدية والجماعية ، وتم اعتقاله يوم 16 يوليو في اجتماع اللجنة المركزية الموسع بالدار البيضاء ، واتهم على إثره بتحضير مؤامرة ضد النظام . صدر ضده حكم بالإعدام في مارس 1964، بتهمة تسريب أسلحة من الجزائر إلى المغرب . بعد سلسلة اتصالات بين الحسن الثاني و عبد الرحيم بوعبيد حول الأزمة التي كانت تهب على المغرب ، أفضى الحوار إلى العفو يوم 14 أبريل 1965 على عدد من المحكوم عليهم ، ومنهم عمر بنجلون ، ثم تعرض للاعتقال مرة ثانية يوم 16 مارس 1966، وأمضى في السجن مدة سنة ونصف ، وأطلق سراحه في 21 شتنبر 1967.
اشتغل بنجلون كمحامي، وعمل إلى جانب عبد الرحيم بوعبيد ومحمد الصديقي في الإعداد لمحاكمة مراكش في صيف 1971 ، والتي بدأ الاستعداد لها منذ يوليو حتى سبتمبر 1970 ، عندما راسل عدد من المعتقلين في السجن العسكري بالقنيطرة ، عبد الرحيم بوعبيد للدفاع عنهم.

محاولة الاغتيال

كان من بين المعتقلين في السجن العسكري أحمد بنجلون ، الأخ الأصغر لعمر ، الذي اختطف مع سعيد بونعيلات من مدريد أواخر يناير 1970 ، وبعد انطلاق حملة الاعتقالات التي مست نشطاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، منذ 16 ديسمبر 1969.
يوم 13 يناير 1973، توصل بطرد ملغوم في ليلة عيد الأضحى، وهي عمليتي اغتيال ضد كل من عمر بنجلون ومحمد اليازغي، فنجا بنجلون من الاغتيال ، في حين انفجرت القنبلة الأخرى في وجه اليازغي، في نفس اليوم الذي تم إعدام الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب الثانية. وفي نفس الشهر وإلى غاية شهر مارس اندلعت حوادث مسلحة في مدن الدار البيضاء ووجدة ، وتأججت بالمواجهات المسلحة بين عناصر الجيش وخلايا التنظيم السري التي تسرب جزء منها من الحدود الجزائرية المغربية ، فأعلن بلاغ حكومي في شهر أبريل 1973، عن توقيف أنشطة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وتم اعتقال عشرات الناشطين وأغلبية الأطر الحزبية ، في حين تمكن بعضهم من اللجوء إلى الخارج ، بينما اعتقال عمر بنجلون يوم 9 مارس 1973 ، وأدى هذا إلى محاكمة الحزب والناشطين في محاكمة القنيطرة في صيف 1973، وبعد يناير 1975 ، عند إطلاق سراح الأطر الحزبية ، تسلم عمر بنجلون إدارة جريدة المحرر يوم 23 نوفمبر 1974 ، مباشرة بعد خروجه من السجن.[2]

الاغتيال

في يناير 1975 انتخب عمر بنجلون عضوا في المكتب السياسي، نظمت عملية اغتيال للرجل أمام بيته ظهيرة 18 ديسمبر 1975 ، بواسطة عناصر يشتبه بانتمائها إلى الشبيبة الإسلامية، الأمر الذي فسره البعض محاولة لإعطاء صبغة الاغتيال كمجرد تناحر بين الاتحاد الاشتراكي وتنظيم الشبيبة الإسلامية. حيث تم اعتقال إبراهيم كمال واتهام عبد الكريم مطيع، وتم تبرئت كمال بمنطوق الحكم الذي أصدرته غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 18 سبتمبر 1980.[3]
......................................

ملف الشهيد عمر بنجلون لازال مفتوحا 

  إدريس ولد القابلة
الحوار المتمدن-العدد: 1129 - 2005 / 3 / 6 - 11:26
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية  

 
مات عمر...
شعر:(الشاعر المعطي حجازي)


مات عمر... ونحن كلنا عمر... وسنظل عمر
قال الشاعر المعطي حجازي في تأبين الشهيد
عم مساءاً عمر
يستطيع الآن أن ينهض ابن جلون
وأن يجوب العالم
بدون جواز سفر
عم مساءاً عمر
يستطيع الآن أن ينهض ابن جلون
وأن يفلت من أعين المخبرين
عم مساءاً عمر

هات عمر... لكن خسر أعداء الديمقراطية خسارة كبيرة لأنه إذا كان المتآمرون قد اغتالوا عمر...
" فكلنا عمر..." هكذا كان جواب الشباب المغربي



هو عمر...


عمر إنسان اختار صف الشعب وقواه الحيّة. لذلك كان على الدوام هدفاً لأجهزة القمع وآليات الإرهاب والترهيب. وهذا ما أذكى إصرار استمراره على الدرب مرتفع الرأس شامخ الهامة.
عمر...
رجل مفكر وقائد نقابي وسياسي وصحفي متميز، ربط دوماً القول بالفعل
عمر... الصمود
بالرغم من القمع والتنكيل والإرهاب والترهيب ظل صامداً على الدرب يسير
تعرض للخطر والموت والاغتيال أكثر من مرّة، ولم يزده ذلك إلا إصراراً على السير قدماً في الدرب
حُكم عليه بالإعدام رفقة الفقيه البصري سنة 1963، وكانت محاولة الاغتيال بالطرد الملغوم سنة 1973. أما الاعتقالات، فهي كثيرة... لقد عاين عمر جل معتقلات زمانه واستضافته الكثير من زنازين السجون
عمر... والموت
كم من مرّة صاحب الموت الشهيد عمر بنجلون، وكم من هُيئت المكائد ضده، لكنه ظل على الدرب سائراً
عمر... أحرج رفاق الأمس
عرفت سنة 1961 إضرابات واسعة المدى وكانت جامعة موظفي وعمال البريد قد أعلنت عن عدم موافقتها على إلغاء الإضراب المقرر. وبالفعل قررت خوض الإضراب في دجنبر 1961. وفي ليلة انطلاقه عملت عناصر من الجهاز النقابي (الإتحاد المغربي للشغل) على اختطاف الشهيد عمر بنجلون ومارسوا عليه التعذيب في دهاليز بورصة الشغل باعتباره مسؤول حزبي داخل النقابة. لاسيما وأنّه عرف بنشاطه الدءوب والمستدام في توعية العمال واستقطابهم إلى صفوف الحزب وتنظيمهم ضمن خلايا كمناضلين ثوريين.
عمر... هكذا نعتوه
عمر بنجلون كان مثله مثل المهدي بنبركة في جملة من الجوانب والصفات فقد لقي ذات النهاية، وكان يتوفر هو كذلك على القوّة والقدرة المتميزتين والتنظير والإيمان الراسخ بحتمية التغيير وضرورة تفعيله وإعمال آلياته.
عمر... رمز النضال الديمقراطي الذي لا يهادن
عمر... ضحية من ضحايا الغدر بهذا الوطن
عمر... شهيد صحافة الإتحاد الاشتراكي، الأب الروحي لك. د.ش، رأس الحربة في مقاومة البيروقراطية النقابية ومهندس نقابة البريد خارج الإتحاد المغرب، ومن ثمة كانت بداية أخرى أضيفت إلى البدايات الماضية واللاحقة.
عمر... الرجل الهائم في حبّ وطنه وشعبه حتى الموت وهذا ما كان عندما صاح الشباب المغربي آنذاك وبصوت واحد: خذوا تيجان العالم وأعيدوا لنا عمر.
عمربنجلون... سيظل الشهيد ـ الرمز.


لقطة حادثة الاغتيال


يوم الخميس 18 دجنبر1975 حوالي الساعة الثالثة والنصف زوالاً يعود عمر بنجلون من مقر الجريدة... تقف سيارته رونو 16 البيضاء غير بعيد من منزله الكائن برقم 19 زنقة كامي دي مولان (شارع المسيرة الخضراء الآن) بالدار البيضاء. لقد أتى خصيصاً لمرافقة والدته لقضاء إحدى المآرب.
نزل عمر بنجلون من سيارته... اقترب منه شخص... مدّ له عمر يده للمصافحة... لكن شخص آخر ينهال عليه من الخلف بقضيب حديدي سميك على رأسه... ثم يباغته مصافحه بطعنة خنجر غاذرة في اتجاه القلب... سقط الشهيد عمر قرب سيارته البيضاء والدم ينزف من صدره.
في تلك الأثناء كان يمر بالمكان رجل أمن ممتطياً دراجته النارية... تعرف على الشهيد عمر ملقياً على الأرض والدم ينزف من صدره... وقبل ذلك وهو آت عاين الجريمة النكراء كما عاينها بعض المارة...
انطلق الجناة فارين فلحق بهم بعض المارّة... وزاد رجل الأمن من سرعة دراجته لملاحقة أحد المنفذين... وتمكّن من إلقاء القبض عليه على بعد مسافة قليلة من مكان الجريمة النكراء.
هكذا... وفي رمشة عين خسر الشعب المغربي المناضل الكبير عمر بنجلون صاحب المواقف الجذرية فيما تعلق بالنقاش الديمقراطي والحريات والغد الأفضل.
ويحضر إلى عين المكان مفتش الشرطة سعيد مصطفى من المقاطعة الثانية للأمن رفقة نائبه نحرجاوي ووضعا يدهما على أحد المنفذين الذي حاصره رجل الأمن صاحب الدراجة النارية بمعية بعض المواطنين.
التحق الشهيد عمر بنجلون بالرفيق الأعلى على إثر طعنة قاتلة في قلبه بالشارع العام وفي عز الظهيرة.
… على التو انتشر الخبر.
" تعرضت جماعة من المجرمين إلى تعبئة نفسية ودينية ضد الشهيد، وتم تحديد خطة لتنفيذ العملية. تتبعت تحركا ته مدّة ليست بالقصيرة قبل القدوم على اغتياله".
وظلت الحقيقة في هذه القضية رغم مرور ما يناهز 3 عقود على حادثة الاغتيال الشنيع غامضة. وظلت الحقيقة الوحيدة التي لم تستطع أي جهة نكرانها، حتى قبل صدور الأحكام، هي أن المعتقلين الماثلين أمام العدالة هم مجرد منفذين. وظل السؤال ملحاً: من قتل عمر؟؟؟؟؟



انكشاف الأمر منذ البداية


في ذات اليوم الخميس 18 دجنبر 1975 انتشر الخبر كالهشيم في مختلف أرجاء البلاد وخارج حدودها ومنذ الوهلة الأولى كان الرأي الغالب هو ذلك الرأي الذي يوجه أصابع الاتهام لأجهزة الدولة ورغم بالإعلان عن اعتقال أحد منفذي الجريمة ظل هذا الرأي هو الغالب

أياد ملطخة بدماء أبناء هذا الوطن الأبرار عبأت جهزت عاطلا واسكافيا وخياطا للنيل من الشهيد عمر بنجلون بضربة غادرة قاضية

ومما يؤكد أن المعتقلين كانوا مجرد أداة تنفيذ تم العثور على لائحة تضم عشرات الأسماء المرشحة لنفس المصير الذي لقاه الشهيد عمر ومن ضمنهم 70 إطارا سياسيا في صفوف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

وفي الحصص الأولى للتحقيق وردت أسماء عدة شخصيات وأشير ضلوعها في جريمة الاغتيال إلا أن هذه المحاضر كلها اختفت بقدرة قادرة ودفعة واحدة من ملف المحكمة

وبجانب كل من تربطهم صلة واضحة بالشعبة الإسلامية أثيرت وذكرت وكشف أسماء أخرى لشخصيات وازنة لها يد في عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون

لذلك ستظل القضية مؤجلة إلى أن تحضر الإرادة والشجاعة للكشف عن الحقيقة كل الحقيقة ولاشيء إلا الحقيقة ولكن يقفل الملف طال الزمن أم قصر إلا بكشف الحقيقة وتقديم المجرمين المتستر عليهم للمساءلة ومساءلة بعضهم قد بدأت فعلا لكن من طرف أبنائهم ودويهم


عناوين صحافية ظلت عالقة في الأذهان


لقد تابع الشعب المغربي خبر اغتيال الشهيد عمر بنجلون ومراحل التحقيق والمحاكمة ومختلف الآراء المعبر عنها في هذا الصدد عبر وسائل الإعلام، لاسيما الصحافة.
كان كل الصحف الجادة، غير العملية ولا الموالية، جعلت من قضية اغتيال الشهيد عمر بنجلون موضوعها المحوري والأساسي على امتداد ردح من الزمن.
وقد عنونت مقالاتها بعناوين ظلت عالقة في الأذهان نسوق منها هذه العينة:
ـ من قتل عمر؟... القضية لم تُغلق
ـ عمر بنجلون كان زعيماً قادماً بخطوات ثابتة، لا يُساوِم فتمت تصفيته
ـ شهيد... رحل قبل أوانه
ـ رغم بداية المحاكمة... الجريمة ثابتة... والتحقيق لم يكتمل
ـ ملف اغتيال عمر بنجلون مازال مفتوحاً
ـ المحاكمة الحقيقية ستجرى في وقت آخر
وما هذه إلا عيّنة... وكل هذه العناوين انكشف مدلولها الآن بشكل مفضوح، وليس بعد الوضوح إلا الإقرار بالحقيقة، كل الحقيقة ولا شيء إلا الحقيق




ماذا قالوا عن عمر


الفقيه البصري


في حديثه مع جريدة كازابلانكا –العدد 18 -22-29 مارس 2002- تحدث الفقيه البصري عن الشهيد عمر بنجلون وصرح بما يفيد أن حياته في خطر ورغم ذلك ظل وفيا لمبادئه سائرا على الدرب بثبات

لقد قال الفقيه البصري أمه كان دائما يعتبر أن سبعينات القرن الماضي لابد وأن تنال نصيبها من الضحايا وآنذاك بعث بإشارة إلى الشهيد عمر بنجلون يقول عبرها إن تلك المرحلة ليست بمرحلته

واقترح عليه مغادرة المغرب أو على الأقل المكوث في الظل والاختفاء من الصفوف الأمامية ومن خط المواجهة
وبعد هذه الإشارة توجه الشهيد عمر للالتقاء بالفقيه البصري لكن هذا الأخير رفض اللقاء بدعوى أن لقاءه به سيكون سببا لتصفيته جسديا

وقد أكد الفقيه البصري أنه كان على يقين بأن أعداءه يرغبون حثيثا في تصفيته والتخلص منه لهذا نصحه بالابتعاد عن جريدة المحرر وقد كلف كل من اليازغي والمهدي العلوي وآيت قدور والخصاصي بتبليغه هذه الرسالة وذلك باعتبار أن المرحلة ليست مرحلته وأنه رجل المرحلة الموالية مادام ما كان يجري ويدور آنذاك بالمغرب بعد المحولتين الانقلابيتين الفاشلتين كان مجرد تكتيكا مكشوفا ومحاولة لربح الوقت فقط أي أنه كان أبعد ما يكون عن نية حقيقية أكيدة وصادقة لتحقيق الديمقراطية والإقرار بالمؤسسات وسيادة الشعب




عبد الرحمان بنعمرو

لقد اعتبر عبد الرحمان بنعمرو أن العفو على منفذي عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون لم يكن موضوعيا باعتبار أنه شمل بعض المحكوم علهم في جرائم اغتيال وإن كانت جرائم اغتيال سياسية بامتياز ولم يشمل معتقلين آخرين اتهموا وحوكموا بنفس طبيعة الجرائم

وبخصوص اغتيال الشهيد عمر مازال الملف لم يفتح بعد ولازالت حقيقته غائبة ولامناص من فتحه



محمد عابد الجابري

يؤكد محمد الجابري أن أولى إرهاصات الإرهاب هي تلك التي انطلقت في الثالثة من زوال يوم 18 دجنبر 1975 أي يوم اغتيال الشهيد عمر بنجلون وهو اغتيال استهدف من خلال الشهيد عمر الاتحاديين بعد المؤتمر الاستثنائي 1975



عبد الحميد جماهري

لقد قال في حقه عبد الحميد جماهري كان عمر خارجا من زمن من حديد من اعتقالات لم تكف ولم تهن لكنه كان شجرة تطول في الوضوح وتفعيل اليقين النضالي والاقتناع بالتربية السياسية ليصوغها في خطة عمدها دمه لحظة لاستراتيجية النضال الديمقراطي في جسده وفكره انتهى زمن ومنها انبثق زمن آخر








الأجهزة الأمنية واغتيال الشهيد عمر بنجلون


إذا كان أحمد سعد ومصطفى خزار قد أكدا أن عناصر المجموعة ذات العلاقة بتنفيذ تصفية عمر بنجلون تلقت التعليمات من عبد عبد العزيز النعماني فإن أحمد البوخاري، أحد أعضاء "الكاب"، صرح بصريح العبارة، دون لف ولا دوران، أن حادث اغتيال عمر ينجلون كان من تخطيط "الكاب" ومن تنفيذ من الشبيبة الإسلامية.
وقد أكد البوخاري أن المخطط الأصلي هو تصفية الشهيد عمر دون ظهور أي مسؤول أمني في الصورة طيلة إعداد العملية. كما أوضح أن القار اتخذ سنة 1975.
فحسب تصريحات البوخاري، كانت عناصر أمنية على اتصال مباشر بمنفذي عملية الاغتيال الذين وعدهم مسؤول من مديرية المحافظة على التراب الوطني "الديسطي" بالحماية الكاملة، كما أنهم تلقوا التعويض المالي المتفق عليه مع قيادتهم. وبعد تنفيذ العملية ظل التحكم في الملف في مختلف مراحله بداية من تحقيق الشرطة القضائية وقاضي التحقيق والمحاكمة. وداخل السجن استفاد المعتقلين في إطار ملف الاغتيال جملة من التسهيلات.
وأضاف أحمد البوخاري أن ملف "الكاب" الخاص بالشهيد يعتبر من القضايا الكبيرة والكبيرة جداً. إلا أنه مازال لم يبح بأي شيء بخصوصه مدعياً أنّه بصدد إعداد كتاب بصدده للنشر. ولم يكشف إلا معلومة جزئية مفادها أن محمد العشعاشي كان في مركز هذا الملف وكذلك صاكا والمسناوي وآخرون.
إن ما توصل إليه "الكاب" هو أن الشهيد عمر بنجلون هو زعيم المستقبل. وكان يليه في تحليل "الكاب" محمد اليازغي. آنذاك في 1996-1968 ظهرت تيارات إسلامية أصولية أبرزها الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع الذي توطدت العلاقة بينه وبين "الكاب". وباعتبار أن هذا الأخير اقتنع أن عمر بنجلون بدأ يراكم بجلاء ملامح القائد والزعيم من عيّار المهدي بنبركة تقررت تصفيته الجسدية، وهو قرار نفذ من طرف "الكاب" بواسطة قيادات التيار الأصولي آنذاك.
فحسب أحمد البوخاري هناك ملف خاص بقضية الشهيد عمر بنجلون كان في حوزة "الكاب" وإلى حدود 1967 كانت كل الأرشيفيات بمقره. وهي الأرشيفيات الخاصة بمكافحة التخريب ومكافحة التجسس وأرشيف الشؤون العامة وخزانة حديدية خاصة بأفقير وأخرى خاصة بالدليمي وثالثة خاصة بمحمد العشعاشي. إلا أنه في غضون سنة 1967 تقرر تغيير مقر "الكاب: بشكل مفاجئ وعلى وجه السرعة، وترحيله بفيلا بحي السويسي والتي أصبحت مقر مديرية المحافظة على التراب الوطني. وخلال عملية الترحيل استحوذ محمد العشعاشي وفريقه على كل أرشيف "الكاب" وتم نقاه إلى الفيلا المذكورة حيث ظل هناك إلى غاية 1973 حيث تم تحويله بالكامل وجملة إلى مديرية مراقبة التراب الوطني. وللإشارة فمنذ مدّة تم إحراق أرشيف هذه المديرية بفعل فاعل.
وهو الحدث الذي أقام ضجة كبيرة على صفحات مختلف الجرائد الوطنية وجملة من وسائل الإعلام الأجنبية.
ودفاعاً على صحة تصريحاته طالب أحمد البوخاري بالحق في الشهادة حتى ولو أدى الأمر لمحاكمته بخصوص المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الجرائم السياسية الجسيمة والتي يعتبر نفسه شاهد عييّان بصددها.
وبهذا الخصوص صرح أكثر من مرّة انه على علم بتفاصيل دقيقة حول اغتيال الشهيد عمر بنجلون إلا أنّه حجم على ذكرها وذكر المخططين لها أو الذين أصدروا الأمر بالتخطيط وإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، معتبراً أن وقت الكشف عنها لم يحن بعد. وهذا ما صرح به كذلك، وبنفس الصيغة تقريباً، كل من أحمد سعد ومصطفى خزار بعد الإفراج عنهما. وفي هذا ما يدعو إلى أكثر من تساؤل؟.







قيل أنها المحاكمة...
"مسرحية بإخراج وسيناريو رديئين جداً"

قبل البدء...

من الأمور التي دعت إلى جملة من التساؤلات قبل بداية المحاكمة، كون التحقيق التفصيلي توقف لمدّة سنتين تقريباً، كما تم تغيير قضاة التحقيق ثلاث مرّات.
وانطلقت المحاكمة بالرغم من أن إجراءات التحقيق الفعلية للكشف عن الحقيقة لم تكن قد بدأت بعد.

مسرحية من ثلاثة فصول...

انطلقت المحاكمة في 22 يونيو 1979، وذلك بعد أن تعاقب على التحقيق في ملف النازلة ثلاثة قضاة: محمد الأنصاري الفيلالي ومحمد الهرابلي وأحمد الكسيمي.
وكان الجميع ينتظر من المحاكمة كشف النقاب على حل ملابسات جريمة الاغتيال. إلاّ أن القائمين على الأمور اعتمدوا خطة رامت حصر عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون في إطار جريمة عادية بغية إسقاط البعد السياسي والتآمري للجريمة.
وبذلك قُدِّم المعتقلون للعدالة دون أدنى إشارة للشخصيات التي دبّرت الاغتيال والتي وردت أسماؤها خلال مجريات التحقيق سواء عند الشرطة القضائية أو أمام قاضي التحقيق. ومنذ تلك اللحظة أجمع رفاق الشهيد عمر بنجلون على أن الذين قُدموا للمحاكمة ما هم في واقع الأمر إلا كباش فداء لإسدال الستار وبسرعة على إحدى أكبر عمليات الاغتيال السياسي التي عرفتها البلاد.
وكل المحامين، فريق الدفاع المدني، وكل متتبعي القضية أجمعوا على أن المدبرين الحقيقيين للاغتيال لن تطالهم العدالة آنذاك وسرعان ما بدأت الأحداث تؤكد هذا التوجه. علماً أنه سبق للشهيد عمر بنجلون في غضون شهر يناير 1973 أن توصل عبر البريد بطرد ملغوم بغية النيل منه، لولا أنّه فطن إلى الأمر. ولا داعي للتأكيد أنّه من تحصيل حاصل القول بأن التقنية المعتمدة في إعداد الطرود الملغومة هي تقنية دقيقة آنذاك وتحتاج لخبرة ومواد لم تكن متوفرة في ذلك الوقت إلا عند جهات معلومة ومعروفة. وهذا ما كشفته بالواضح تصريحات أحمد البوخاري.
انعقدت الجلسة الأولى يوم 22 يونيو1979 وترأسها يحيى الصقلي ودامت ساعتان وانتهت بتأجيل النظر في القضية. وخلالها كشف الأستاذ محمد الناصري عن اختفاء وثائق أساسية ومستندات هامة ومصيرية من ملف النازلة الذي هو بحوزة المحكمة وتحت مسؤوليتها.
وبتاريخ 10 دجنبر1973 انعقدت الجلسة الثانية التي أبانت بجلاء أن مسار التحقيق التفصيلي كان في واد وحقائق عملية الاغتيال في واد آخر، ولا مجال للالتقاء بينهما بحكم أنهما خطان موازيان لا يلتقيان. وهكذا انكشف بجلاء أن المحاكمة انطلقت بدون تحقيق فعلي في النازلة. هذا التحقيق لم يكن قد بدأ بعد. وقد قدّم الأستاذ عبد الرحيم برادة ملتمساً واضحاً وشافياً في هذا الصدد أحرج بشدة القضاء الجالس.

المتهمون... حضور للديكور فقط

عرف الجميع أن منفذي عملية الاغتيال تم إلقاء القبض عليهم. لكن الجميع كذلك عرف أن مدبري الجريمة تم التستر عليهم. وهذا ما عبّر عنه وضوح بيان المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي في الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد عمر بنجلون. إذ جاء فيه: ".... إن الحقيقة في قضية اغتيال عمر بنجلون لا يمكن أن تظهر إلاّ إذا وضعت القضية في إطارها الحقيقي، إطار الجرائم السياسية. فما دامت القضية لم توضع في هذا الإطار، فإن الحقيقة ستُعد مبتورة".
ولعلّ يكفي القول، كما أكدت على ذلك جريدة "المحرر" في أحد أعدادها، " أن عدم مثول عبد العزيز النعماني أمام المحكمة يشكل عرقلة ويجعل من هذه المحاكمة في شكلها الحالي محاكمة صورية" وبامتياز.

الوثائق المختلسة من الملف... دليل للتواطؤ المفضوح

لقد تم السطو على وثائق أساسية ومستندات مركزية من ملف القضية وهو بحوزته المحكمة. وهذا أمر لم يكن ليحدث إلا بتواطؤ مكشوف من طرف كل الأطراف المتورطة منها للبث في النازلة. لأن تلك الوثائق والمستندات المختلسة كفيلة بتوريط بعض الشخصيات الوازنة والبارزة في تدبير الجريمة. وكان من الطبيعي أن ترفض هيئة المحكمة ملتمس دفاع الحق المدني والذي طالب بإعادة إحضار الوثائق والمستندات المختلسة. وطبعاً لم يكن من المستحيل إحضارها مادام أن أغلبها يتعلق بمحاضر أعدّتها الشرطة القضائية وتحتفظ بنسخ منها. ويتعلق الأمر بالخصوص بمحضر التفتيش والحجز ومحضر الاستماع الخاصين بإبراهيم كمال. علماً أن قاضي التحقيق تسلّمهما في 7 يناير1979. ورغم مطالبة هيئة الدفاع المدني الحثيثة بإحضار تلك الوثائق من لذن الضابطة القضائية التي أجرت البحث والتفتيش وأشرفت على الاستنطاق، رفضت هيئة المحكمة للمستندات المطلوبة، وهذا تصرف غني عن أي تعليق.
وبخصوص هذا الاختفاء تقدم دفاع الحق المدني بطلب فتح تحقيق حول عملية اختفاء تلك الوثائق والمستندات وذلك من طرف عميد قضاة التحقيق. إلا أن هذا الأخير قضى بعدم فتحه. كما أن غرفة الاستئناف أيدت، وبسرعة فائقة، موقف عميد قضاة التحقيق بعدم فتح أي تحقيق حول الاختفاء. وهذا تصرف غني، هو كذلك عن أي تعليق.

شهود رفضت المحكمة استدعائهم

لقد طالب الدفاع المدني باستدعاء:
ـ مدير الأمن الوطني ورجال الشرطة المكلفين بالبحث والاستنطاق في ملف النازلة
ـ الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف
ـ قاضي التحقيق الأول
ـ وزير الداخلية
ـ وزير العدل
ـ الوزير الأول. وذلك كشهود. لماذا؟
بخصوص مدير الأمن الوطني لاستفساره عن كيفية تمكن عبد الكريم مطيع من مغادرة البلاد رفقة إبراهيم كمال بكل اطمئنان بعد ثلاثة أيام فقط من ارتكاب الجريمة (وهذا ما أكدّه إبراهيم كمال نفسه). علماً أن الشرطة كانت تعلم منذ 18 دجنبر1975 صرح به المتهم أوزوكلا.
وكذلك لاستفساره حول سبب عدم تقديم عبد العزيز النعماني للعدالة رغم إلقاء القبض عليه. أما فيما يتعلق برجال الشرطة المكلفين بالتحقيق، فقد تمت المطالبة بإحضارهم كشهود لاستفسارهم عن سبب عدم تقديمهم لنسخ المحاضر وهي ذات المحاضر التي اختفت من ملف القضية الموضوع على أنظار المحكمة. وبخصوص الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف لاستفساره حول اختفاء الوثائق المتعلقة بإبراهيم كمال منذ تاريخ 7 يناير1976. وعن سبب عدم الاستجابة لطلب قاضي التحقيق المؤرخ في 13 أكتوبر1978 الرامي إلى تسليمه نسخاً من محاضر الشرطة المختفية من ملف القضية.
وبالنسبة لقاضي التحقيق التي تكلّف بالملف في المرّة الأولى لاستفساره عن سبب اختفاء تلك الوثائق وعن فحواها وعن الدوافع التي جعلته يخرق مقتضيات الفصل 167 من قانون المسطرة الجنائية الذي يمنع على قاضي التحقيق أن يسند للشرطة مهمة استنطاق منفذي الجريمة الملقى عليهم القبض في حالة تلبس، وبعد أن وجّه لهم تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لم يأمر بإيداعهم في السجن كما ينص القانون على ذلك ليقوم هو بنفسه بمتابعة التحقيق التفصيلي، وإنما أرجعهم للشرطة بعد إعطائها انتدابا عاماً لمتابعة عمليات التحقيق التي شرع فيها.
وبخصوص وزير الداخلية لاستفساره عن أسباب عدم تقديم عبد العزيز النعماني حين كان في حالة اعتقال، وكذلك عن كيفية تمكين كل من عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال من مغادرة البلاد.
وبخصوص وزير العدل لاستفساره حول سبب عدم الأمر بإجراء تحقيق حول إخفاء عبد العزيز النعماني وعدم تقديمه للعدالة، وكذلك عن عدم الأمر بإجراء تحقيق بشأن اختفاء المحاضر المتعلقة بإبراهيم كمال من ملف القضية.
وبخصوص الوزير الأول لاستفساره عن سبب عدم طلب الحكومة المغربية من الحكومة السعودية تسليم المتهم عبد الكريم مطيع للقضاء قصد محاكمته. وطبعاً، فإن غرفة الجنايات برئاسة محمد بوعسرية آنذاك، رفضت رفضاً قاطعاً استدعاء هؤلاء الشهود.
إذن لم تعر هيئة المحكمة أي اهتمام لمطالب وملتمسات الدفاع المدني ورفضتها كلها جملة تفصيلاً. وكانت تلك الهيئة مشكلة كالتالي: بوعسرية رئيساً وبن عمر والعبدلاوي وواعزيزي وزاكو والحمزاوي، النيابة العامة في يوم 18 شتنبر1980 أصدرت أحكامها وكانت كالتالي: سعد أحمد ومصطفى خزار، الإعدام، وخشان عبد المجيد وحليم عمر وجابر حسن وكندي حسن وعمر أوزوكلا وشعيب أحمد ومستقيم وكلهم في حالة اعتقال وعبد الكريم مطيع وعبد العزيز النعماني.
وحكمت بالبراءة على إبراهيم كمال والعمري أحمد وشوقي محمد.


إبراهيم كمال
اعتبره البعض انسل من القضية كالشعرة من العجين


إبراهيم كمال هو من مواليد الدار البيضاء سنة 1931 متزوج بامرأتين وكان يمارس مهنة التدريس ألقي عليه القبض بعد عودته من الديار الأسبانية في إطار رحلة قام بها بمعية عبد الكريم مطيع

ومن خلال التحقيق معه تبين للشرطة القضائية أنه بمعية عبد الكريم مطيع قررا استعمال جمعية الشبيبة الإسلامية لمواجهة شخصيات سياسية يتهمانها بالتزويج لمشاعر غير إسلامية وتغذيتها

وأدى حادث اغتيال الشهيد عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975 إلى اعتقال إبراهيم كمال وكان نائبا لرئيس تنظيم الشبيبة الإسلامية عبد الكريم مطيع الذي تمكن من مغادرة البلاد

وبعد ذلك بخمس سنوات أدانت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء عبد الكريم مطيع وحكمت عليه غيابيا بالسجن المؤبد وبرأت نائبه إبراهيم كمال

وهكذا حسب الكثيرين اعتبارا لتورط شخصيات وازنة والأجهزة الأمنية في عملية اغتيال الشهيد عمر بنجلون تمكن إبراهيم كمال بفضل التواطؤ الانسلال من القضية كما تنسل الشعرة من العجين



انسحاب هيئة دفاع الحق المدني بعد انكشاف اللعبة

لما انسدت مختلف الأبواب أمام دفاع الحق المدني وبعدما ووجهت كل ملتمساته الرامية للكشف عن الحقيقة برفض هيئة المحكمة جملة وتفصيلاً، اضطر إلى الانسحاب احتجاجا على المسار الذي أُريد أن تسير فيه المحاكمة الصورية وأصدر بلاغاً. وقد بيّن هذا البلاغ أن الجريمة في حق الشهيد عمر بنجلون ارتكبت لإسكات صوته كمدافع عن الديمقراطية والاشتراكية في العالم الثالث. وهي جريمة نُفذت من طرف مجرمين مسخرين من طرف من لهم مصلحة في ألاّ يسلك المغرب أبداً طريق الديمقراطية؟
وأضاف البلاغ أنّه كان من الممكن أن تبرز المحاكمة حقائق الأمور إلاّ أن سلوك المسؤولين عرقل بصفة دائمة السير نحو كشف الحقيقة، كل الحقيقة. فالسلطات الحكومية المختصة لم تقم بتقديم متهمين أساسيين للعدالة. كما رفضت إرجاع الوثائق والمستندات المختلسة من ملف النازلة رغم إمكانية ذلك باعتبار أنها تتضمن اتهامات خطيرة ضد شخصيات بارزة ووازنة.
أما بالنسبة للسلطة القضائية، فقد رأى البلاغ أنها كرّست هذا المسار تكريساً وبذلك ساهمت بقوّة في تفويت الفرصة لإقامة محاكمة عادلة تكشف الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء إلا الحقيقة. وبالتالي خلص البلاغ إلى أن المحاكمة صورية بكامل المواصفات والمعايير ولا يمكن للدفاع المدني أن يذكيها بحضوره، مادام أن الرغبة الأكيدة هي عدم محاكمة المدبرين الحقيقيين لهذه الجريمة. وانتهى البلاغ كالتالي:
"... فإنّه من المؤكد أنكم لن تحاكموا المدبرين الحقيقيين لهذه الجريمة فإنها ستجري في وقت آخر وسنلتقي يومئذ بالمسؤولين الحقيقيين عن ارتكابها. لكل هذا فإن الطرف المدني يعتبر بأن الملف الحقيقي لقضية الشهيد عمر بنجلون لم يفتح بعد"



الدكتور الخطيب والقضية


حسب بعض مصادر الشبيبة الإسلامية حاول الدكتور الخطيب بإيعاز من جهات وازنة استيعاب عبد الكريم مطيع والشبيبة الإسلامية غير أنه لم يفلح في ذلك

وفي سنة 1999 نشرت جريدة الحياة اليومية التي كان يصدرها المحامي زيان وزير حقوق الإنسان السابق مقالا تحت عنوان "التاريخ المعاصر للمغرب بدأ ينكشف... حقائق اغتيال عمر بنجلون –قادة الشبيبة الإسلامية في محاولة للرجوع إلى المغرب –إدريس البصري كان ينسق عملياته مع الدكتور الخطيب"( الحياة اليومية عدد143 بتاريخ 8 أكتوبر 1999 )

و قد قام الدكتور عبد الكريم الخطيب بمتابعة هذه الجريدة بالقذف في حقه

وفي واقع الأمر لم تفعل جريدة الحياة اليومية إلا بنشر بلاغ صادر عن محسن بناصر الأمين العام بالنيابة للشبيبة الإسلامية والذي جاء فيه أن الدكتور الخطيب سبق له وأن استضاف لمدة سنة تقريبا عبد العزيز النعماني المتورط في ملف اغتيال الشهيد عمر وذلك بمزرعته الكائنة بين الدار البيضاء والمحمدية وقد اعتبر الدكتور الخطيب ما نشر مجرد ادعاء يمس بسمعته وشرفه وتاريخه النضالي والكفاحي ولا أساس له من الصحة

علما أن المحامي أحمد بنجلون –شقيق الشهيد عمر بنجلون الأصغر –سبق له أن صرح أمام الملأ أن الدكتور الخطيب وصف قتلة عمر بنجلون بالمجاهدين غداة الحادث وأن الحقيقة لم تنجل في المحاكمة رغم صدور الحكم في 18 شتنبر 1980 على المتورطين في جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وتكوين عصابة إجرامية بعقوبات متفاوتة بين الإعدام والسجن المؤبد في حق المعتقلين والغائبين وبراءة بعضهم أمثال كمال إبراهيم

كما سبق لشقيق عمر هذا أن صرح أكثر من مرة أن ملف القضية وهو بين يدي القضاء تعرض لعملية سطو واختفاء وثائق هامة وحيوية وهي عملية كانت ترمي إلى التستر على بعض الجهات الخفية الكامنة وراء تدبير هذا الاغتيال السياسي بامتياز وبكل المواصفات والتداعيات



أحمد بنجلون و حرقة فقدان شقيقه الأكبر


سبق لأحمد بنجلون الشقيق الأصغر للشهيد عمر أن الشهيد استقبله يوم الجمعة 12 دجنبر 1975 أمام باب السجن المركزي بالقنيطرة بعد قضاء 6 سنوات به تنفيذا لنصيبه من العقوبات التي وزعتها شمالا ويمينا محاكمة مراكش الكبرى على المتهمين ورافقه بمعية ثلة من المناضلين إلى منزل جواد العراقي بالقنيطرة ثم إلى مقر سكنى عبد الرحيم بوعبيد بالرباط وبعد ذلك مكث أحمد بنجلون مع شقيقه عمر بالدار البيضاء ثلاثة أيام ليعود إلى الرباط يوم الاثنين وتبادلا الشقيقان المناضلان نقاشات طويلة خلال هذه الأيام الثلاث همت طبيعة المرحلة وعمل الحزب وتطور آلياته وتنظيماته وموافق أشخاص ومساراتهم


فبعد 6 سنوات وراء الأسوار العالية وخلف القضبان الحديدية السميكة للسجن المركزي بالقنيطرة قضى أحمد ثلاثة أيام فقط مع شقيقه عمر ليفاجأ يوم الخميس 18 دجنبر 1975 بالفاجعة الكبرى وبالخبر الصاعقة اغتيال عمر


وبعد العفو الملكي صرح أحمد بنجلون قائلا إن أحمد سعد ومصطفى خزار كانا مجرد أدوات استعملا لاغتيال عمر وتصفيته نحن لسنا انتقاميين ولا نريد لهما أن يقبعا مدى الحياة في السجن إن القتلة الحقيقيين لازالوا في حالة فرار وعلى قيد الحياة فإن التاريخ سيحاكمهم وسيسميهم


ومنذ البداية ظل أحمد بنجلون شقيق عمر يعتبر أن الشخصين المعفى عنهما لم يكونا إلا مجرد أداة لتنفيذ مؤامرة سياسية كبرى في حق أبناء المغرب الأحرار وأجياله وهي مؤامرة دبرها وشارك فيها شخصيات وازنة في جهاز الدولة
وهذه الجهات والأشخاص ذكرت في محاضر التحقيق عند الشرطة قبل السطو عليها واختلاسها من ملف المحكمة
واعتبر أحمد بنجلون أن العفو على منفذي عملية الاغتيال يقوي أكثر القناعة القائمة مند البدء وهي أن المحاكمين كانوا مجرد أدوات لا أقل ولا أكثر


كما يعتبر أحمد بنجلون أن قضية الشهيد عمر هي أكبر من هيئة الإنصاف والمصالحة وتتجاوزها علنا أن الأشخاص الذين شاركوا بشكل أو بآخر في المؤامرة معروفون ومعلومون وملف القضية لازال قائما ولن ينتهي إلا بإجلاء الحقيقة كل الحقيقة لاشيء إلا الحقيقة


ومن المعروف أن أسماء هؤلاء الشخصيات المتورطة في المؤامرة ذكرت أسماؤهم في المحاضر المختفية بقدرة قادر كما أن الدفاع المدني عرضها على المسؤولين ولكن بدون نتيجة


ورغم كل ما يقال فإن أحمد شقيق الشهيد عمر بنجلون لا يظن أن ما ستفعله اللجنة الإدارية للإتحاد الاشتراكي بالنسبة لهذه القضية سيكشف الحقيقة كل الحقيقة باعتبار أنها قضية كبيرة و كبيرة جدا خصوصا وأن المسؤولين على المآسي التي عرفها أبناء الشعب المغربي الأحرار مازالوا يصولون ويجولون كأن شيئا لم يحدث وهذا أمر لا يمكن أن يقبله أمرؤ أبي




في انتظار الخلاصة...


كانت المحاكمة سريعة، ولم تعرف إلا ثلاث جلسات الأولى في 1979/6/22 والثانية 1979/12/10 و1980/8/15.
وعلى امتداد الجلسات الثلاث قوبلت كل طلبات الدفاع المدني بالرفض من طرف هيئة المحكمة، الشيء الذي أدى به إلى إصدار بيان وضح فيه الخروقات التي لازمت المسطرة القانونية ثم انسحب من القاعة.
وكانت الخلاصة التي أجمع عليها الرأي العام على أن الشهيد عمر بنجلون أُغتيل على يد مَنْ لم تتم محاكمتهم بعد، ولازالت هذه القضية قائمة إلى إشعار آخر.






المؤامرة الكبرى
ـ مذكرة متتبع ـ


* 12 دجنبر1975:
خروج أحمد بنجلون (الشقيق الأصغر للشهيد) من السجن المركزي بالقنيطرة بعد قضاء ست (6) سنوات به على إثر محاكمة مراكش الكبرى استقبله الشهيد أمام باب السجن ضمن وفد كان يضم ثلة من المناضلين من بينهم جواد العراقي الذي استقبل الجميع بمنزله بالقنيطرة.

* 15 دجنبر1975:
مغادرة أحمد بنجلون منزل شقيقه الأكبر عمر بعد قضاء ثلاثة (3) أيام معه مباشرة بعد خروجه من السجن.

* 18 دجنبر1975:
الثالثة والنصف زوالاً وقفت سيارة بيضاء، رونو 16 بشارع المسيرة (حالياً)، نزل عمر بنجلون... انهال عليه قضيب حديدي سميك من الخلف على رأسه، ثم وُجِّهت إليه طعنة خنجر في صدره... فسقط شهيداً
عاين شهود عيان بمعية رجل أمن كان ماراً صدفة على متن دراجته النارية.
ملاحقة أحد منفذي الجريمة (أحمد سعد) وإلقاء القبض عليه على بعد 100 متر من مكان الواقعة.

*19 دجنبر1975:
اعتقال باقي أعضاء الخلية التي ينتمي إليها المجرم أحمد سعد.

* 20 دجنبر1975:
كانت الشبيبة الاتحادية قد قرّرت تنظيم ندوة حول الصراع الطبقي في المغرب بحضور عمر بنجلون على الساعة السادسة والنصف بمقر حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالدار البيضاء.

* 22 دجنبر1975:
بداية التحقيق مع المتهمين من طرف الضابطة القضائية


* 7 يناير1976:
إلقاء القبض على إبراهيم كمال نائب عبد الكريم مطيع رئيس الشبيبة الإسلامية.

* 16 يناير1977:
نشرت جريدة المحرر خبر إلقاء القبض على عبد العزيز النعماني.

* 19 يونيو1979:
عبد الكريم مطيع يوجه من المملكة السعودية رسالة إلى رئيس المحكمة الجنائية يعتذر فيها عن عدم مثوله أمام هيئة المحكمة لأسباب صحية.


* 22 يونيو1979:
بداية المحاكمة، الجلسة الأولى ـ التأجيل قصد استدعاء بعض الشهود الذين لم يتوصلوا بالإستدعاءات
وبدأت المحاكمة بعد أن تعاقب على التحقيق 3 قضاة تحقيق: الأنصاري، الفيلالي، محمد الهرابلي، أحمد الكسيمي.

* 25 يونيو1979:
صدور قرار عميد قضاة التحقيق برفض فتح تحقيق حول اختفاء الوثائق والمستندات من ملف المحكمة.

* 10 دجنبر1979:
المحاكمة ـ الجلسة الثانية ـ مطالبة الدفاع المدني بإيقاف النظر في النازلة إلى حين إرجاع الوثائق والمستندات المختفية من الملف وتقديم عبد العزيز النعماني للعدالة والتحقيق معه وإصدار أمر دولي بإلقاء القبض على عبد الكريم مطيع ومطالبة الحكومة السعودية بتسليمه للمغرب.

* 12 دجنبر1979:
صدور مقال: هؤلاء منفذو جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون، فأين مدبروها؟ بجريدة الإتحاد الاشتراكي.

* 14 فبراير1980:
مطالبة الدفاع المدني باستدعاء المدير العام للأمن الوطني وجميع رجال الأمن المكلفين بالتحقيق والوكيل العام لدى محكمة الاستئناف وقاضي التحقيق الأول الذي تكلف بالملف في البداية ووزير الداخلية ووزير العدل والوزير الأول كشهود.

* 15 إلى 18 غشت 1980:
المحاكمة ـ الجلسة الثالثة ـ مناقشة ـ المداولة

* 19 شتنبر1980:
صدور بيان المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للتنديد بالمحاكمة الصورية.

* 18 دجنبر1980:
صدور الأحكام

* 1985:
الإعلان بفرنسا عن اختطاف عبد العزيز النعماني في باريس وترحيله إلى المغرب.

* 1999:
الدكتور عبد الكريم الخطيب يقاضي أسبوعية الحياة اليومية ومديرها زيان بعد نشرها لبيان الناطق الرسمي باسم الشبيبة الإسلامية المتضمن لتورط الدكتور في علاقة مع منفذي عملية الاغتيال.

* 7 يناير2004:
العفو الملكي عن منفذي اغتيال عمر بنجلون
ويظل السؤال مطروحاً: من قتل عمر؟


جريدة " فلسطين"


أمس الشهيد عمر بنجلون جريدة فلسطين في أكتوبر 1968 واستمر صدورها إلى غاية مايو1971، حيث وصلت إلى عددها وكان الشاعر محمد الوديع الأسفي مديرها.
وقد أصدر هذا الأخير سنة 1992 كتاباً تحت عنوان: "عمر بنجلون... الإنسان المتفتح كما عرفته".



الشهيد عمر بنجلون.... لابد من جلاء الحقيقة


في ليلة باردة قصدت الأستاذ محمد الخطاب بمكتبه لاختطافه وإبعاده عن ملفاته لاستنطاقه حول قضية تهمه، رغماً عنه، كمواطن وكمناضل حزبي وكمناضل حقوقي وكرجل قانون، وأساساً كإنسان يحمل همّ الغد الأفضل منذ ردح من الزمن، إنها قضية الشهيد عمر بنجلون التي ظلت حاضرة بامتياز منذ زوال 18 دجنبر1975.
والأستاذ محمد الخطاب، محامي ومناضل في حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

• ماذا يشكل بالنسبة إليكم اسم "عمر بنجلون"

أولا بالنسبة للشهيد عمر بنجلون، بمجرد إثارة هذا الاسم كمناضل يثار عمر الإنسان، عمر المناضل، عمر المنظم، عمر المفكر، عمر الصحفي، عمر الحقوقي، عمر النقابي... وهذه العناوين كلها في نهاية المطاف هي رمز لشيء واحد وهو المثقف المنخرط في عملية التغيير لبنية المجتمع وهياكله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية. فعمر بالفعل، وبشكل عام، بالرجوع إلى حياته، سنجد أن الشهيد عمر قد رفع فعلاً من شأن الفكر والنظرية والوعي في أية ممارسة سياسية أو حزبية تبتغي هدم المفاهيم المتكلسة والذهنية التقليدية المتحجرة. وعمر بنجلون بمجرد إثارته تثار بطبيعة الحال مرحلة الغموض التي كان يعيشها الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، مرحلة سياسية الخبز داخل الإتحاد المغربي للشغل، مرحلة الاعتقالات والمحاكمات والاختطافات والتصفيات الجسدية.عمر بنجلون فعلاً مارس سياسة القرب داخل الحزب، عمر لم يكن يقتصر على تنظيم البرجوازية الصغيرة بقدر ما كان يركز في التنظيم الحزبي على العمال والفلاحين الصغار، على الفقراء على المواطنين المهمشين. بهذا التنظيم استطاع عمر بنجلون أوّلاً أن يعطي زحماً تنظيمياً وأن يساهم بشكل كبير في الوضوح الفكري وكذلك في إرساء أسس التنظيمية لكل عمل حزبي يساري ولا أدل على ذلك مذكرته التنظيمية سنة 1965 التي وضعت أسس التنظيم العلمي. وجعلت أن التنظيم الحزبي ليست مجرد عملية تقنية فقط بقدر ما هو عملية تقنية تروم إيصال الوعي لمختلف الفئات التي من مصلحتها البحث فقط على المناصب. فبشكل عام هذا هو الشهيد عمر بنجلون. وطبعاً تكوينه الفكري وأصوله من المنطقة التي ترعرع فيها، والتي هي منطقة مهمشة والتي لا يمكن أن تنتج إلا مناضلين من طينة عمر بنجلون، لا من حيث فكره، لا من حيث تجدره، لا من حيث مقاومته جميع وسائل الإرهاب. وبالتالي الشهيد عمر بنجلون يشكل نقطة مضيئة في تاريخ العمل السياسي والحزبي المعاصر، سواء كمثقف، كمنظر، أي كمثقف عضوي مارس قناعاته ودوّب الفارق المختلف بين المثقف السياسي والمناضل القاعدي.

• أنتم كمحامي وملتزم تحملون قضية ويسكنكم هم حقوق الإنسان والتغيير من أجل غد أفضل. وقلائل الناس هم الذين جمعوا بين صفة المحامي والصحفي وكلاهما مهنة المتاعب، فهل في نظركم جمعهما من المؤشرات لزعماء المراحل التاريخية الحاسمة؟


الصفتان هما نتيجة التكوين، نتيجة اختيار، نتيجة قناعة، التكوين القانوني، التكوين الحقوقي، التكوين السياسي، وكل هذا تحت إمرة صفة المناضل الحزبي. فبالنسبة للمحامي ملزم بالسر المهني، الصحفي ملزم باحترام مصادر الخبر ولا يمكنه الكشف عنها مهما كانت الظروف والقائد السياسي والحزبي ملزم طبعاً بأمانة القيادة نحو غد أفضل. ولربما هذه الصفات الثلاثة تعطي جانباً من شخصية عمر بنجلون. وهذا علاوة على الصفات الأخرى التي تميز بها من تضحية ونكران الذات والصمود المستميت على الدرب. وعمر بنجلون كان دائماً يقول أنه يبحث عن الوضوح وأن التضليل هو أخطر أشكال التعذيب. وبالتالي، فإن كل هذه المعطيات ساهمت في أن يكون عمر بنجلون فعلاً مناضلاً بذلك المستوى، وأن اغتياله ترك فراغاً كبيراً، رغم أن المناضلين المتشبثين بالفكر الاشتراكي ظلوا يستنيرون بأفكاره وممارساته وكتاباته وإسهاماته المتعددة.
وعمر بنجلون كصحفي، أعطى لجريدة المحرر مصداقية وأصبحت بفضله تلعب دور المنشور الحزبي (بمثابة منار ومصباح) في تمرير التوجيهات الحزبية وتوحيد المواقف.


• الفقيه البصري سبق أن نصحه بالدخول في الظل باعتبار أن المرحلة ليست مرحلته، كيف تنظرون إلى ذلك؟

أوّلاً كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقاً، في تلك المرحلة كان هناك غموض في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وبالتالي كانت هناك العديد من التنظيمات، وأقول التنظيمات وليس التيارات داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. كان كل من يختار توجها معيناً إلا وله أهدافاً معينة. بطبيعة الحال كانت للفقيه توجهاته داخل الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول أنه كان خارج هذا الحزب. والشهيد عمر كان له توجهه وفكره وقناعات معينة، وبالتالي الخروج من مرحلة الغموض كانت ستشكل ضربة للعديد مِن مَن كانوا يبحثون عن التحكم في زمام الحزب، وعن الحديث باسم الحزب مع ملاحظة وهي أنه دائما الإتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يعرف صراعات، وكانت الشبيبة الاتحادية تلعب دوراً أساسياً في فرض جملة من المواقف المتقدمة، في فرض جملة من التحليلات، في طرح الفكر العلمي داخل الحزب، وبالتالي في هذا الإطار كان اختيار عمر بنجلون هو الاستمرار في خط الوضوح.
وهذه أكبر هدية قدمها لمناضلي هذا الحزب. وهكذا يتبين أن تلك المرحلة لم تكن سهلة، باعتبار أنها كانت مرحلة غموض ومرحلة مخاض (أحداث 23 مارس 1965، فهذه المرحلة كانت تحمل كل المتناقضات والشهيد عمر استطاع بفكره وبوضوحه وبقدرته على التنظيم وعلى المواجهة أن يساهم في وضع الإتحاد الوطني للقوات الشعبية على الطريق الصحيح.

• من المعروف، وهذه القضية تأكدت أكثر من مرّة، وحولها إجماع على أن الشهيد عمر كان دائماً يربط فكره وتفكيره بالممارسة العملية على أرض الواقع، هل هذه العلاقة بين الفكر والممارسة هي التي تشكل قوّته وجعلته يتميز بين الذين حاولوا التنظير في تلك المرحلة؟

إن الشهيد عمر كسر الحجاب المصنع ما بين المثقف والسياسي من جهة والجماهير من جهة أخرى. إنه لم يكن يقول سننزل إلى المواطنين والمناضلين بل كان يمارس من داخلهم (طلبة، عمال، فلاحين...) والمنطقة التي ترعرع فيها جعلته ابن هذا الواقع وينطلق منه، وقد كان ممتلكاً لأدوات التحليل كمنهج ووسيلة لمعرفة الواقع من أجل تغييره. وهذا في وقت كان البعض يحفظون عن ظهر قلب مقولات ماركس وانجلز ولينين وغيرهم ولكن موقعهم كان يتحكم في تحليلهم. وبالتالي الموقع والقناعة وهَمُّ تغيير هذا الواقع هي التي تتحكم وبالتالي الشهيد عمر كان أميناً وصادقاً مع قناعاته التي أصلته إلى ما أوصلته من تحليل ملموس للواقع الملموس.

"مات عمر... نحن كلنا عمر..."
ماذا تعني بالنسبة إليكم؟

بالفعل بعد اغتيال الشهيد في 1975 بعد المؤتمر الاستثنائي، تجب الإشارة إلى التقديم الذي قدّم به عمر التقرير الإيديولوجي في هذا المؤتمر كان تقديماً متقدماً عن التقرير. من هنا جاء شعار القواعد الحزبية على أننا كلنا عمر، يعني كلنا فكر عمر، كلنا استمرار لفكر عمر، وفِعلا استطاع المناضلون أن يجسدوا هذا الشعار ولا داعي للتذكير بما حدث في الإتحاد الاشتراكي من 8 مايو وتأسيس حزب الطليعة الذي لازال يرفع هذا الشعار اقتناعاً على أن فكر عمر لازال حاضراً في التحليل سواء على المستوى الإيديولوجي والمستوى النظري أو التحليل السياسي للظرف وبالتالي مناضلو حزب الطليعة يعتبرون أنفسهم كلهم عمر.




عمر الغائب... لازال حاضرا و بقوة

لقاء مع لحسن أخطار الكاتب الإقليمي لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي

لحسن أخطار من الفعاليات السياسية بمدينة القنيطرة عايش مرحلة المخاض التي تألق خلالها الشهيد عمر بنجلون، الإنسان، المناضل السياسي و النقابي، المفكر الموجه، المؤطر و القائد المحنك... الحامل لهم التغيير نحو غد أفصل. و لحس أخطار هو الكاتب الإقليمي الحالي لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي بالقنيطرة، فاعل حقوقي مند سنوات و عضو الهيئة المحلية لتجمع اليسار الديمقراطي
ماذا يشكل بالنسبة إليكم اسم عمر بنجلون؟
لحسن أخطار (ل.أ)
في الواقع اسم عمر بنجلون يشكل بالنسبة لمناضلي حزب الطليعة الشيء الكثير. يعني بالنسبة إلينا رجل المواقف، و رجل المبادئ، و رجل إصلاح الذات الحزبية. و يعني لنا الفكر الثاقب و النظرة الواسعة و الشمولية لمجموعة من القضايا الحيوية، إنه يعني بالنسبة إلينا مرجعية سياسية و نقابية و فكرية لازلنا نغترف من ينابيعها. إنه بكلمة مناضل الميدان و ليس منظرا فقط
لماذا رفع الشباب شعار إذا مات عمر... نحن كلنا عمر ؟
ل.أ
عندما اغتيل عمر بنجلون في 18 دجنبر 1975، كنا آنذاك تلاميذ في الشبيبة الاتحادية، و مباشرة بعد اغتياله انعقد المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية و آنذاك رفع شعار إذا مات عمر... فكلنا عمر. وقتئذ كان يشكل عمر بنجلون بالنسبة للشباب المناضل المتميز داخل قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
خصوصا بعد ما حصل في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي و دور الشبيبة الاتحادية الحاسم في جملة من القضايا. و لولا الشهيد عمر بنجلون لما تم التغلب على الفكر الإصلاحي بخصوص جملة من القضايا الأساسية، خصوصا و أن الفكر الإصلاحي كان سائدا في الحزب. و بذلك استطاع المؤتمر أن يخرج بمجموعة من المواقف المتقدمة و الفضل يرجع بالدرجة الأولى إلى الشهيد عمر بنجلون الذي كنا نرى فيه الرمز و المثال، و بالتالي كنا كشباب كلنا عمر، نسير في الخط الذي رسمه و الذي ناضل بمرارة من أجله داخل الحزب و في الهيكل النقابي، الاتحاد المغربي للشغل آنذاك و الذي عانى فيه الشهيد الكثير، و هو ذات الخط و التصور الذي ناضل من أجلهما الشهيد في المجتمع المغربي
و كان رفع شعار إذا مات عمر فكنا عمر من أجل استمرار فكر الشهيد عمر بنجلون رغم غيابه جسديا
هل أفكار الشهيد و تصوراته المرتبطة بإشكالية التغيير و من أجل مجتمع أو غد أفضل مازالت حاضرة الآن؟
ل.أ
فعلا، الشهيد عمر بنجلون كان يناضل داخل الحزب و بشكل كبير من أجل تثبيت تبني الحزب للاشتراكية العلمية كمنهجية للتحليل. و بالتالي الآن بالنسبة لهذه القضية بالذات ثبت و رغم ما حصل بالمعسكر الشرقي و انهياره و التلويح بالعولمة و تخريجات فوكوياما، أقول ثبت أنه لابد من الرجوع إلى الفكر الاشتراكي. و الآن بدأ التفكير في تجديد الفكر الاشتراكي و في تجديد التعامل مع هذا الفكر لجعله يتماشى مع تطورات العصر
كما ناضل الشهيد عمر بنجلون من أجل إصلاح الذات الحزبية، و كان قد تبين له أن داخل الحزب هناك أناس سكتوا في المؤتمر رغم الإقرار بتبني الاشتراكية العلمية كمنهج للتحليل و لم يكونوا يؤمنون بهذه المسألة. و كان الشهيد في صراع شديد مع هؤلاء و هذا و ما أكدته بجلاء المسيرة إلى حد الآن. و هذا ما حصل كذلك في المجال النقابي. فكان الشهيد عمر بنجلون يصارع الفكر البرصوي داخل الاتحاد المغربي للشغل. و فعلا عانى الشهيد الكثير منه. حيث كما اعتقله و اختطفه المخزن كذلك فعل في حقه القائمون آنذاك على الاتحاد المغربي للشغل حيت اعتقلوه و احتجزوه في قبو البرصة بالدار البيضاء و مارسوا عليه التعذيب و التاريخ لازال شاهدا و بامتياز على ذلك. كما أثبت التاريخ الصراعات القائمة داخل ا.م.ش و جاءت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل كتصحيح لمسار العمل النقابي بالبلاد. و هذا يرجع فضله للبنات النضالية التي أرساها الشهيد عمر مهندس الثورة على الاتحاد المغربي للشغل إذ كانت نقابة البريد تحت قيادته أول من ثارت على الجهاز البرصوي
و فيما يخص العمل الشبيبي، كان الشباب متعلقين بالشهيد عمر بنجلون و بفكره و نهجه و نضاله و استماتته فيه
و بخصوص جملة من القضايا، من ضمنها قضية الصحراء، كان الشهيد عمر بنجلون قد بلور موقفا بصددها و قد أكد التاريخ مرة أخرى تقدم موقفه. و كناك قضايا متعددة تثبت و بجلاء أن الشهيد عمر بنجلون لازال حاضرا
لماذا اغتيل الشهيد عمر بنجلون؟
ل.أ
بخصوص هذا السؤال لابد من الإشارة إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد الآن بخصوص ما يسمى بطي صفحة الماضي. الآن تحبك مسرحية إعطاء مهمة طي صفحة الماضي لهيأة الإنصاف و المصالحة. لكن من الملفات التي يجب البحث عن الحقيقة بصددها و التي لا يطرحها إلا القليل جدا، هو ملف اغتيال الشهيد عمر بنجلون
و هناك مفارقة غريبة جدا، فرغم أن عميل المخابرات أحمد البخاري كشف على بعض جوانب الجريمة البشعة لم يبادر الاتحاد الاشتراكي بطرح ملف الشهيد عمر بنجلون و رغم أنه يسميه شهيد الصحافة الاتحادية في حين كان شهيد الشعب المغربي بالدرجة الأولى و شهيد الصحافة من طينة جريدة المحرر. و لم يطالب الاتحاد الاشتراكي بالحقيقة رغم انكشاف الإقرار بجملة من الحقائق التي كانت معروفة سلفا، لماذا؟
الحقيقة لم يرد لها أن تعرف و محاكمة منفذي الاغتيال سارت في مسار خاطئ مما جعل الدفاع ينسحب و ظلت تلك الحقيقة عند المدبرين الحقيقيين للجريمة البشعة في حق الشعب المغربي قاطبة. فحتى الأسماء المذكورة من طرف المنفذين، عبد الكريم مطيع و إبراهيم كمال و عبد العزيز النعماني، لم يكونوا إلا مجرد وسيطة. و من الأكيد أن هناك أطراف كثيرة ساهمت بشكل أو بآخر في التخطيط للجريمة الشنعاء و لامناص من أن التاريخ سيكشفهم مهما كان موقعهم الحالي. و قد تكلم البعض عن هذه الأطراف و قد أثار عابد الجابري أكثر من إشارة بصددها كما تكلم عنها الصحفي محمد باهي و كذلك الفقيه البصري و غيرهم. هؤلاء بشكل أو بآخر وجهوا أصابع الاتهام بالدرجة الأولى للمخزن الذي كان يعتبر الشهيد عمر بنجلون سيصبح زعيما لقوة سياسية سيخلف الزعامة التي ذهبت مع اغتيال الشهيد المهدي بنبركة. و في الدرجة الثانية أعداء عمر حتى داخل الحزب و الذين صمتوا لفترة طويلة و لم يحركوا ساكنا، و هذا طرف ثاني له يد في النازلة. و هناك طرف ثالث و هو الفكر الظلامي آنذاك الذي سخر لتنفيذ عملية الاغتيال. و فوق كل هذا هناك الإمبريالية الأمريكية التي كانت تشجع الحركات الظلامية من أجل محاربة المد الشيوعي و الاشتراكي و التحرري. كل هذه الأطراف لها يد بشكل أو بآخر في اغتيال الشهيد عمر بنجلون
و رغم أن هيأة الإنصاف و المصالحة ظلت ساكتة على ملف الشهيد، فهذا لا يعني النهاية، لأن ملف الحقيقة و الإنصاف سيظل مفتوحا إلى أن تنجلي كل الحقيقة و يقدم الجناة للعدالة أراد من أراد و كره من كره، و تسن قوانين حتى لا يتكرر مثل هذا الفعل. و لا يمكن كشف كل الحقيقة إلا باللجوء إلى العدالة النزيهة و المستقلة فهي الكفيلة بتكميل الكشف عن الحقيقة
عمل الفقيه البصري جاهدا على إيصال إلى الشهيد عمر بنجلون رسالة مفادها أن عليه أن يدخل في الظل لأن المرحلة ليست مرحلته، فهل تعتبرون أن تلك المرحلة لم تكن مرحلة الشهيد عمر بنجلون؟
ل.أ
ورد فيما كشفه الفقيه البصري جملة من القضايا همت مصير الشعب المغربي، و عموما بخصوص سؤالكم، فالفترة التي جاء فيها الشهيد عمر بنجلون كانت مرحلته بامتياز إلا أن الظرف كان صعبا للغاية و كان العديد من المناضلين المخلصين في غياهب السجون آنذاك. مما جعل المؤتمر ينعقد في غياب المساندين للشهيد عمر بنجلون و بالتالي كانت أجنحته مقصوصة شيئا ما ( فهناك منهم من كانوا رهن الاعتقال أو مختطفين و منهم من لم يسمح لهم بالمشاركة في المؤتمر) و مع ذلك قبل الشهيد عمر بعقد المؤتمر على أساس تصحيح المسار من داخل الحزب. و هذا ما يجعلنا نطرح أكثر من تساؤل و أكثر من علامة استفهام
و رغم أن الفترة كانت قصيرة عندما تشكل المكتب السياسي، و كان الشهيد عمر بنجلون عضوا فيه، وكان أصغر أعضائه سنا و أكثرهم إنتاجا و كتابة و حركية و أكثرهم سيولة في الفكر و الاجتهاد و أكثرهم إلقاء للعروض و اتصالا بالقواعد الحزبية و تأطيرها، و أكثرهم تحركا و بروزا على مستوى الممارسة في الميدان، فكنت تجده بوجدة و طانطان و فكيك و الرباط... الشيء الذي بدأ يزعج خصومه في جميع الاتجاهات و على مختلف المستويات. لا سيما و آنذاك كان في طور التأسيس لجملة من القضايا المستقبلية للحزب، و التي استقاها منه الشباب (الذين نعتوا أنفسهم نحن كلنا عمر بعد اغتياله). إنها لبنات ساهمت في حسم الصراع داخل الحزب في مجموعة من القضايا السياسية الحيوية و الأساسية
ما هي علاقة الشهيد عمر بنجلون بالقضية الفلسطينية؟
ل.أ
هذه السنة تزامنت الوقفة التضامنية مع الشعب الفلسطيني و العراقي بمناسبة الذكرى الأربعينية للفقيد ياسر عرفات مع الذكرى 29 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون الذي كان من الأوائل الذين اعتبروا القضية الفلسطينية قضية وطنية. و كان يخصص لها حيزا كبيرا من كتاباته (المحرر، جريدة فلسطين، مجلة أنفاس...) و قد اعتبرته الحركة الفلسطينية شهيد القضية الفلسطينية و عمل الفلسطينيون على إحياء ذكراه لسنوات عديدة. و كان الشهيد عمر بنجلون دعامة كبيرة للقضية الفلسطينية في وقت كان الحكام العرب يحيطونها بالتعتيم
لقد أدرك الشهيد عمر بنجلون مبكرا أن ما يجري في الشرق الأوسط هو بفعل التحركات الصهيونية كحركة عنصرية و تهدف القضاء على الثورة الفلسطينية. كما أكد على أن الحركة الفلسطينية جزء من الحركات التحررية العالمية و هنا يلتقي الشهيد عمر بالشهيد المهدي بنبركة. علما أن عدم ذهاب الأنظمة العربية و حكامها إلى أقصى الحدود في دعم الشعب الفلسطيني كما كانت تطمح الشعوب العربية قاطبة لأن تلك الأنظمة و حكامها كانت محرجة لم تكن ترد للثورة الفلسطينية النجاح و الانتصار لأنها كانت ستؤدي إلى قيام دولة ديمقراطية و متحررة
هل من كلمة أخيرة؟
ل.أ
بعد مرور ما يناهز ثلاثة عقود على استشهاد عمر بنجلون، كل ما أتمناه هو، كل من مازال يعتبر أن الشهيد عمر بنجلون شهيد المجتمع المغربي من أجل غد أفصل و من أجل تحرره و انعتاقه و تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي، أن يناضل من أجل إظهار الحقيقة بخصوص هذا الملف
ثانيا الإثبات لأعدائه الواضحين و المستترين ( الذين ما زالوا لم يفضحوا بعد) الاستمرار في النضال وفق فكره و إثبات للذين عملوا بشكل أو بآخر من أجل تنحيته و تصفيته إما بالمساهمة في التخطيط و التدبير في الجريمة أو بالتواطؤ، أنهم إذا كانوا تمكنوا من تصفية عمر بنجلون جسديا فإنه لازال حاضرا و مستمرا في الحضور فكرا و ممارسة
......................

جريمة اغتيال عمر بن جلون
في "ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية"
محمد العمري
امتدت يد الحقد الأعمى لتغتال الشهيد عمر بن جلون على الساعة الثالثة والنصف من يوم الخميس 18 دسمبر 1975. تولى تنفيذ الجريمة أعضاءُ خلية من الخلايا العمالية للشبيبة الإسلامية التي أسسها عبد الكريم مطيع أوائل السبعينيات. كانت هذه الخلية واحدة من الخلايا التأديبية التي كانت الشبيبة الإسلامية تعتمدها في الاعتداء الجسدي على خصومها، على نمط تنظيم الإخوان المسلمين المصري الذي استنسخه مطيع مرجعياتٍ وتنظيما. كان أكثر أعضاء الشبيبة يسمعون بوجود هذه الخلايا، ولكنهم يدعون الآن أنهم لا يعلمون عنها شيئا، إذ كان اتصالها المباشر برئيس الحركة. (هذا ما يقولونه، والحال أن وظيفة لخلايا ظلت تنجز حتى بعد حل الشبيبة الإسلامية حيث شاهدنا الصُّناع والحرفيين يهاجمون الطلبة في الحي الجامعي بفاس و وجدة، ويعتدون على الطلبة حتى أواخر العقد الثامن وأواخر التاسع من القرن الماضي بمساهمة خلايا العدل والإحسان) .
 تتكون الخلية التي اغتالت المرحوم عمر بن خلون من: سعد أحمد، ومصطفى خزار، وعمر أوزوكلا، ومحمد حليم، وآخرون. كان محمد حليم مسؤولا عن هذه الخلية إلى أن حان موعد اغتيال عمر بن جلون فأخَّره عبد الكريم مطيع ووضع مكانه رجلَ ثقته عبد العزيز النعماني. يقول العربي العظم، وهو الذي كان مسؤولا عن القطاع العمالي للشبيبة الإسلامية: "لم يكن عبد العزيز النعماني خاضعا تنظيميا لأحد، فقد كان تابعا لعبد الكريم مطيع فقط. ولا أحد كان يعرف العلاقة الخاصة التي كانت بينه وبين مطيع". (ذاكرة 2/52).
ويفهم من كلام آخر للعربي العظم أنه ليس وحده الذي لم يكن يعلم بتدبير الجريمة، بل لم يكن يعلم بها حتى الرجل الثاني في التنظيم، أي إبراهيم كمال، بدليل أن مطيع تظاهر بعزل النعماني عن تسيير الخلية أمامه وعاد فنصبه في غيبته. (نفسه). غير أن هناك ما يشير إلى عكس هذا الاستنتاج، من ذلك أن مطيع استطاع إلجام إبراهيم كمال و"قطع لسانه وشل حركته" إلى الآن بمكالمة تلفونية واحدة عندما أحس أنه سيحل محله وهو في منفاه، فهذا يدل على أنهما "دفناه معا"، كما يقول المثل؛ بين الرجلين سر تقطع له الرقاب، ولذك لزم الرجل داره.
يقول العربي العظم: عندما أسندت مهمة قيادة خلية الاغتيال للنعماني "بدأت عملية الشحن ضد اليساريين، وضد عمر بن جلون بشكل خاص. ولما تمت عملية الشحن جاءت تعليمات لتنفيذ العملية. وظلوا شهرا كاملا يترصدون عمر بن جلون. فكان، كما حكى لنا بعض" الإخوة بعد خروجهم من السجن، كالرجل المصروع: يتكلم وحده طوال اليوم، ولا يفتر عن الحركة. فيجلس إليه عشرات الاتحاديين في المقهى، فينصرف فوج ويأتي فوج. وكان لا يمل من الحديث والتعبئة والتأطير". (3/53).
نترك للقارئ اللبيب مهمة استنتاج ما يريد استنتاجه من كلمة "الإخوة، ونتساءل: ما هو محتوى الشحن الذي تعرضت له الشبيبة الإسلامية لدرجة إقدامها على قتل الزعيم الاتحادي بتلك الطريقة البشعة في الشارع العمومي؟ الجواب من ذاكرة الإخوة أنفسهم.
عندما سئل عبد الجليل الجاسني ـ من نشطاء  الشبيبة ـ عن أثر خبر اغتيال عمر بن جلون عليه وعلى من معه، قال:
"في تلك الفترة كان الصراع مع اليسار محتدما... والنفَس الذي كنا نُغذى به، في تلك المرحلة، هو الدفاع عن الفكرة الإسلامية ضد اليسار الذي كان شرسا في مواجهته للإسلام..." (ذاكرة 1/12).
وعندما أعيد عليه السؤال قال: "في البداية الأولى لم نُشغل بحادث قتله، كنا نظنه من اليسار الذين يواجهون الدين...".
هكذا كان الانتماء إلى اليسار تهمةً تبررُ القتل بعد أن توصم بوصمة مواجهة الدين. ولكي يستحق اليسار بدون استثناء هذه الصفة وذلك الجزاء قُرن بتهمة اليهودية، فهو نتاج يهودي. وهنا يتم القفز من الاتحاد الاشتراكي، إلى حركة 23 مارس، إلى حركة إلى الأمام "الكفر ملة واحدة". يقول الأمين بوخبزة: "..لم نكن نشغل أنفسنا بموضوع الاغتيال، بل بالعكس، في فترة من فترات الشبيبة الإسلامية، كانت هناك محاولة لإقناع المنتسبين .. بأن الخطر الداهم ضد الحركة الإسلامية، وضد العمل الإسلامي، وضد تنظيم الشبيبة الإسلامية، هو التنظيم الشيوعي الماركسي اللينيني. وخاصة منظمة إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، فهؤلاء كنا نعتبرهم مؤطَّرين من طرف اليهود (إبراهيم السرفاتي، وليفي أشكول، وأبراهم ليفي (كذا) ) ... كانت عملية إقصائهم من الساحة، والعمل على استئصالهم، شيئا مستساغا بالنسبة إلينا، هكذا كُنا نُشحن..". (ذاكرة 2/23).
وفي هذا الإطار الديني المتطرف، وداخل هذه الوصمة، بدأت الأساطير التحريضية المناسبة لشحن الجمهور الغيور على الدين. بدأ الحديث عن تدنيس المساجد، وإهانة المصحف، وهتك حجاب الأخوات... والظهور بمظهر المظلوم الغاضب لله، إلى آخر المنظومة. يقول ع. الجاسني: "كنا دائما في موقع الدفاع ضد الشيوعيين الذين كانوا يقتحمون المسجد، ويتغوطون فيه، ويدنسون المصحف، ويعتدون على الأخوات، وينزعون حجابهن...". (ذاكرة 1/13).
لم أتردد في نعت هذا الادعاءات بالأساطير لأنني عايشتُ مثلَها وخبرته في جامعة فاس. اعتنيت بتلك الأساطير، وحققت فيها من موقعي النقابي والسياسي، واهتمامي الصحفي، فلم أجد غيرَ السراب. قد يقع حادث فردي يتيم في مكان ما من شخص مختل، ولكنك كلما اقتربت من مصدر الأول للخبر كلما تهت في الظلام. وأنا أعلم بانشغالي الخطابي، وتتبعي لحجج الأصوليين أن الكثير من شيوخهم، في المشرق قبل المغرب، يصنعون أساطير وأخبارا وينتحلون روايات ويفتعلون وقائع يدعمون بها ما يريدون تبليغه، ولا يرون في ذلك حرجا ولا إثما، خاصة إذا استعملت ضد "أعداء الإسلام"، وهم كل من يختلف معهم، أو يهدد مصالحهم. ولماذا نذهب بعيدا ألم يفتعل المرشد العام للجماعة (مطيع) نفسُه وقائعَ من هذا القبيل معطيا المثال للمسترشدين به؟ يقول محمد الفقيه النايت، وهو من الستة الذين حلوا محل مطيع في تدبير شؤون الجماعة عند هروبه: "كان شغل مطيع الشاغل هو اليسار، وكأن الشبيبة الإسلامية لم تؤسَّس إلا لمحاربة اليسار، حتى إنه أمر سنة 1974 أحد الأتباع بإحراق حصير مسجد ثانوية محمد الخامس إحراقا جزئيا، ثم ألصقَه باليسار، ودعا إلى إضراب عام اختبر به قوة التنظيم الوليد، ومدى استجابته له. وقد تلت هذا الحادث اعتقالات محدودة في صفوف الإخوان". (ذاكرة 3/124). وقد أجمل محمد الفقيه النايت ما يميز المرشد بقوله: "إن أهم ما يميز عبد الكريم مطيع...هو المكر والدهاء والخداع والكذب والحقد، وحب الرئاسة والميكيافيلية التي لا حدود لها". (ذاكرة. 3/118). لله دره! لقد استخلص جِماع صفات طائفة من المكيافليين، غُلْفِ القلوب، المتاجرين بالدين؛ وكأنهم لا يخشون عاقبة ولا يرجون معادا.
ذلك هو التفسير الذي سوغَ لأعضاء الشبيبة الإسلامية الملتزمين بخطها طعنَ عمر بن جلون بالسكين وشدخ رأسه بقضبان الحديد حتى الموت، وهو الذي سوغ لإخوانهم في القناعة.
هذا هو التفسير الواقعي كما يتذكره أعضاء الشبيبة، ولكنه لم يكن مقنعا لفئات أخرى من المجموعات الإسلامية القريبة من الفكر السلفي السني، مثل جماعة التبليغ التي كانت بمثابة مشتل تزرع فيه الأغراس قبل نقلها إلى الميدان الحركي، كما يسمونه. كان أعضاء الشبيبة محرجين أمام شركائهم غير المتورطين معهم في جريمة القتل، ولذلك كان لا بد من البحث عن الشيطان ليتحمل عبءَ ما اقترفه الإنسان الظلوم الجهول. حين يُحرج المغربي ولا يجد تبريرا لجُرمه يقول: لعب بي الشيطان، لعنة الله على الشيطان.
كانت المهمة سهلة، ذلك أن الشيطان كان يقبع في الغرفة المجاورة يراه المخططون ويَسمعونه، ويستشيرونه. ولأنه قال لهم: "إني بريئ منكم.." ولم يف بوعوده في التستر عليهم، فقد لزم كشف أوراقه ولعنه أمام الملأ. هكذا هكذا كُشف النقاب عن دور المخابرات، لا كشريك بل كبديل يحمل الأوزار وحده. يذكر عبد الله بها أنه تحفظ في الانتماء إلى جمعية مطيع "نظرا لما كان يروج عن صلة الشبيبة الإسلامية بمقتل عمر بن جلون"، غير أن محاوره الذي سعى إلى استقطابه أقنعه بأن الأمر يتعلق بمؤامرة حاكتها المخابرات للتخلص من الحركة. (ذاكرة 2/53). وهكذا أدى الشيطان دوره.
وقد عبر عبد الناصر التيجاني عن مدى الحرج الذي سببه اغتيال عمر بن جلون للجماعات الإسلامية غير المنتمية للشبيبة بقوله: "بعد أن وصلَنا خبر اغتياله بواسطة خلايا إسلامية، كما تردد في جريدة المحرر، أُحرجنا أمام الرأي العام الذي كان اليسار في ذلك الوقت هو ضميرَه العام الشعبي، فاليسار هو الذي كان يدافع عن الشعب، وكان يمثل القيم النبيلة، ويدافع عن الحقوق، ولذلك كان اغتيال عمر بن جلون ضربةً قوية للحركة الإسلامية. أما عن العلاقة مع الشبيبة فلم تكن لنا وقتئذ بها أية علاقة". (ذاكرة1/82).
وكان مطيع قد جرب، قبل كشف دور المخابرات، تقديم ضحية تنوب عنه وعنها، ولكنها تجاهلت عرضه. لم يكن كبشُ الفداء المقترح غيرَ مجموعة أخرى من الإسلاميين لا دخلَ لها في الموضوع. يقول الأمين بوخبزة، ولم يكن وقتها منتميا للشبيبة الإسمية: "وتم اغتياله، للأسف، بتلك الطريقة اللاأخلاقية. وأَعطى عبد الكريم مطيع تعليماته لبعض الشباب أن ينسبوا ما حصل إلى الآخرين، فسعوا إلى توريط مجموعة من الإخوة (الأستاذ إبراهيم بخات، والأستاذ محمد العربي الناصر، وغيرهم، والأستاذ أحمد الريسوني، والأستاذ محمد الدكالي، والأستاذ عبد اللطيف المراكشي). فتم اعتقال هؤلاء جميعا، وقد وقع البحث عني في تلك الفترة بحكم أني كنت أتردد على هؤلاء". (ذاكرة 2/19).
وقد تضررت "جمعية الدراسات الإسلامية" التي كان ينتمي إليها حين اعتُقل أفرادها بسبب ما نُسب إليهم من توزيع مناشير تبرر اغتيال عمر بن جلون.
بعد فشل محاولة توريط الإخوة الأعداء تم التركيز على دور المخابرات دون أن يتم التبرؤ من القتلة، وهذه جزئية ينبغي تذكرها.
الواقع أن الإعلان عن دور المخابرات لم يكن أكثرَ من قناع يسمح للمحرجين بالاستمرار في النظر في وجوه الآخرين المترددين والحديث إليهم بغض استقطابهم، وإلا فإن ممارسة أعضاء الشبيبة بكل أطيافهم، إلى تاريخ الانفصال سنة 1981، تدل على اقتناعهم بما فعلوا. ولذلك حزموا أمرهم للقيام بمهمتين: أولاهما، دعم القتلة، والوقوف بجانبهم أثناء محاكمتهم، والثانية، الهجوم على الإتحاد الإشتراكي بشراسة لا حدود لها:
1ــ ففي دعم القتلة المجرمين يقول عبد الجليل الجاسني: "كانت المحاكمات تجري في [حي] الحبوس، وما كانت تمر محاكمة إلا ونحضرها، فيكون هناك تجمع كبير، ونتابع ما يجري ونشارك إذا ما دعت الضرورة، ونرفع شعارات، إلى أن جاءت مظاهرة 1980 التي قادها عبد الإله بنكيران" (ذاكرة.1/14).
وقد نظمت هذه المظاهرة بعد صدور الحكم على عبد الكريم مطيع بالمؤبد. ضمت مابين ألفين وأربعة آلاف حسب تقديرات المشاركين. توافد أعضاء الجمعية للمشاركة فيها من الرباط وفاس وغيرهما. انطلقت من المسجد المحمدي مارة بجانب القصر الملكي وصولا إلى بنجدية حيث توجد دارُ مطيع. ولا شك أن عبد الإله بنكيران كان في غاية الحماس كعادته، إذ بُحَّ صوتُه قبلَ أن يَفرغ من كلمته. يقول الجاسني: "ولم يُعتقل، بحمد الله، أحدٌ من مجلسنا التربوي...". (ذاكرة 1/15). الحمد لله واجبٌ على كل حال، ولكن لا بد أن يستعمل المرءُ عقلَه ليفهم ما وقع، سنحاول.
2ــ أما الهجوم على الاتحاد الاشتراكي فقد بلغ لأوجه سنة 1977 بمناسبة الحملة الانتخابية التشريعية، فتعبأت الشبيبة الإسلامية ومن يدورُ في فلكها من الشيوخ الخُطباء للحملة ضد الاتحاد الإشتراكي. يقول محمد العربي بلقايد: "أعطيت لنا تعليمات للخروج في الحملة الانتخابية ضد الاتحاد الاشتراكي. وكان التوجيه الذي وصلنا يقول: إن الاتحاد الاشتراكي فيه قوم يفطرون في رمضان، ويسبون الله ورسوله، ولذلك فقد وجب الوقوف ضده".(ذاكرة. 2/117).
وقد استُعملت المساجدُ في هذه الحملة تحت سمع السلطة وبصرها. يقول بلقايد: "أذكر أنني في هذه الحملة الانتخابية تحدثت في المسجد الكبير في الحي الحسني، بعد صلاة الظهر أو العصر، في الموضوع... أذكر أنني رفعت الورقة الزرقاء، وكانت رمزا لحزب الاستقلال، وقلتُ لهم: صوتوا على هذا الحزب بدلا من التصويت على حزبٍ يسبُّ بعضُ أفراده اللهَ ورسولَه، ويفطرون في شهر رمضان جهارا". (نفسه).
يُرجع بلقايد هذا السلوك إلى ضعف الوعي السياسي، وتنفيذ أوامر قائد الحركة عبد الكريم مطيع. يبدو أن مطيع لم ييأس من شركائه في الجريمة، أقصد المخابرات، ولذلك سعى، في المرحلة الفاصلة بين الاغتيال والمحاكمة، إلى تقديم خدمات لها علها تثمر ولو براءة شخصية، وربما كان تشغيلُهم له من أسباب تأخير المحاكمة كل تلك السنوات، وتخفيف اليد في معاقبات تجاوزات أتباعه. إن الرجل يتحدث عن الخيانة في خطبة طويلة على موقعه، دون تحديد الجهة. وعندما صدر الحكم عليه بالمؤبد علم أن لا فائدة من الاستمرار في الخدمةٍ تغيرت استراتيجية الحركة، صارت تهاجم النظام نفسَه، وصار حال مطيع ينشد قول أبي فراس:
معللتي بالوصل والموت دونه   إذا مت ظمآن فلا نزل القطر
 يقول الأمين بوخبزة: "لم يكن الحديث إطلاقا عن النظام السياسي بشكل مباشر، ولم يقع هذا إلا في حدود 1980 لما حوكم عبد الكريم طيع بالإعدام في قضية بنجلون، وقتها سيتغير توجهه"(ذاكرة 2/23).
كان الهجوم على الاتحاد الاشتراكي ــ وأوراقُه محروقة مع النظام ــ مضمونَ العواقب: النظام ساخطٌ، والاتحاد يضمد جراحه استعدادا لجولة أخرى، ولذك ساهمت في الحملة ضده كل الأجهزة السرية والعلنية من الحركة: شيوخها وشبابها، من على منابر المساجد وفي أقسام الثانويات ثم في مدرجات الجامعة وأحيائه السكنية. فالحركة كانت حركة معلمين وخطباء، تلاميذ وطلبة، مع امتدادات عمالية حرفية. حركة فعالة ولكنها هشة مكشوفة أمام النظام.
ولذلك فحين اختار مطيع، دون استشارة أحد، مقارعةَ المخزن صار يهدد هذه البنية غير الجاهزة لأداء الثمن الذي تعودت حركة اليسار على أدائه عن رضى وطواعية نظرا لخروجها من رحم المقاومة وجيش التحرير. وقد صدق عبد الإله بنكيران عندما صرح مرة قائلا: نحن لسنا الاتحاد الاشتراكي، أو لا نريد أن نكون كما كان الاتحاد الاشتراكي، فهذا قول حق، التاريخ لا يسمح بذلك.
يقول الأمين بوخبزة معبرا عن التساؤلات التي فرضها التوجه الجديد لرئيس الحركة: "ما الذي يريد مطيع منا؟ وهل يريد أن يدفعنا إلى المجهول؟ فقد استعديْنا اليساريين، واستعدينا النظام، واستعدينا العلماء، واستعدينا الجميع".(ذاكرة. 2/25).  وقتَها "تنادى الإخوان فيما بينهم"، واستدعوا "الشيوخ، وعلى رأسهم الشيخ محمد زحل، والشيخ برهون، والحاج علال العمراني، رحمه الله، .." (نفسه). وتوالت الاجتماعات والاتصالات بمطيع لتنتهي بالانفصال عنه، والشروع في انتقاد مسلكه قبل الانتقال لتقويم شخصه.
ويرد مرشد الجماعة بتخوين أعضاء شبيبته، فيتهم بعضهم بالاختلاس، ويتهم أكثرهم بالعمالة لأجهزة الأمن.
من العناصر الخفية التي ظنت بها ذاكرة الإسلاميين عموما في المرحلة المذكورة، خاصة الشبيبة والدعوة والتبليغ، قضية التمويل الأجنبي. وإنما ظهرت مؤشرات ذلك في لحظة الخصومة وتبادل الاتهامات، فمطيع يتهم عبد الحميد أبو النعيم بحجب المساعدة الموجهة إلى مجموعة فاس (ذكر ذلك عبد الرحمن اليعقوبي, ذاكرة. 2/131). كما اتهم مجموعة فاس نفسها بالاستيلاء على مليون سنتيم كانت مرصودة لشراء آلة لنسخ المنشورات السرية. (ذاكرة. 2/134).
يرى عبد الرحمن اليعقوبي أن مطيع تعامل في قضية المليون بخبث، فهو يعلم أنه وضعهم في مأزق: إما أن ينكروا أخذ المال، وهو ثابت في حقهم، وإما أن يكشفوا أنفسهم للبوليس. ويُعقِّب على ذلك: "وكان هذا في الحقيقة من مكر مطيع ودهائه، لكنه أيضا من عدم تورعه، وعدم خوفه من الله". (ذاكرة. 2/134).
 يسمون تلك الأموال "أموال الدعوة"، لأنهم يأخذون طرفا منها تحت هذا البند من دول الخليج، وقد علمت كيفية ذلك عند عملي في الرياض. ومن هذه الأموال تسدد بطاقات السفر والحجوزات في الفنادق...الخ. وهناك طرف آخر يؤخذ تحت الطاولة من أجل مهمة محددة، خاصة من ليبيا. وكان مطيع في حاجة إلى تبرير تلك الأموال بالظهور في ساحة النضال. يقول محمد النايت: "كان يريد أن يقدمنا قرابين لمخططه الجهنمي، فنُعتقل نحن أو غيرُنا، ولا بأس أن يُقتل البعض منا، فمطيع بحاجة إلى شهداء يتغنى بهم، ومعتقلين يدافع عنهم في المحافل الدولية، ويبتز بهم الأموال الطائلة من الجهات الإسلامية المشرقية التي كانت تعطف عليه حتى يثبت للسلطات المغربية أنه ذو وزن على الساحة لا يستهان به، وأنه رقم يصعب تجاوزه". (ذاكرة. 3/126).
***
 هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح على قارئ شهادات المجموعات الإسلامية في سياق اغتيال عمر بن جلون وما تلاه من تحولات في بنية تلك الجماعات، وهو تعامل أجهزة الأمن معها. فبالمقارنة مع القسوة التي عوملت بها الحركات اليسارية الماركسية، وما وقع من الأخذ بالشبهة والتكييف المتعسف لأمور بسيطة، بل طفولية أحيانا، من النطق بعشرات السنوات من السجن، يلاحظ تساهلٌ وتسامح لا حدود لهما مع التنظيمات الإسلامية السرية فيما تقوم به من توزيع للمنشورات وما تنظمه من مظاهرات. وقد كان ذلك يتم بقرار من الجهات العليا. يقول محمد الزروالي، من جماعة التبين: "انكشف أمر التنظيم، وأدركت السلطةُ أن الأمر يتعلق بإطار تنظيمي له رؤاه وهيكلته التنظيمية، وله مسؤولوه. وقد كان مقررا أن نحال على المحكمة، لكن اُستُبقي علينا في انتظار صدور أوامر وتعليمات من السلطات العليا للبلاد. وهكذا تم الإفراج عنا بتاريخ 16 شتنبر 1985" (ذاكرة. 3/102).
 وكان مما جاء في أدبيات هذه المجموعة مما حجزته السلطة: "إن الدولة المغربية هي الوجه الثاني للاستعمار". (نفسه. 3/101). وقد مرت كل الاعتقالات على هذه الشاكلة، وحمد الإخوانُ الله على الرفق بهم، في جميع الحالات. ولا شك أن هذا الحمد ناتج عن مقارنة النتائج المحصلة بالمقارنة مع اليساريين الذين سبقوهم إلى نفس المسار. ولسنا في حاجة للمقارنة مع المتابعات الحالية للتنظيمات السرية في إطار قانون الإرهاب.
التفسير القريب لهذا السلوك هو أن "الجهات المعنية" بتطبيق القانون كانت تقوم بعملية تحقيق التوازن الطبيعي، فلا تجتث كل الأعشاب الضارة من الحقل ولا تبيد كل ما تعتبره حشرات طارة، آملة أن يقمع بعضها بعضا. كان مطيع بمكيافليته صالحا لضرب اليسار ميدانيا بعدما عجز فكريا، ثم صار المنشقون عنه صالحين لضربه هو وما تبقى معه من جماعته بعد أن قلب ظهر المجن للدولة وعوض الكتاب الأسود بالكتاب الأخضر، وشحن الأسلحة نحو المغرب بعد التمهيد بمجلة "المجاهد" التي طبعت في مطابع الكتاب الأخضر، كما استنتج بعضهم.
ذهب مطيع بدون رجعة، ولكن مهمته لم تنته، كانت الدولةُ في حاجة إلى خِدمة تكميلية في الجامعة، لذلك يسرت السبيل لمن أراد القيام بها، وفي هذه اللحظة اكتشف مطيع علاقةَ بنكيران بالخلطي، وبنى عليها مقالة مقولاته في العمالة والخيانة. ولا اعتقد أن هناك عمالة ولا خيانة، بل هناك التقاء مصالح، كما وقع بين الإسلاميين والأمريكان في أفغاستان. وقد عشنا ذلك بالملموس في حرم جامعة محمد بن عبد الله بفاس حيث حوصر الحرم الجامعي ذات يوم من جهاته الأربع بحوالي 1600 من أعضاء الجماعات الإسلامية حسب تقرير قدم في اجتماع مجلس الكلية ومجلس الجامعة. حاصروا الحرم الجامعي بعد أن صلوا صلاة الفجر بظاهر باب فتوح، قبالة ظهر المهراز، تحت سمع وبصر كل أجهزة الدولة. كان هؤلاء المهاجمون قد توافدوا على المدينة من كل جهات المغرب، من وجدة والراشدية ومن أبعد منهما، واستقروا في البيوت في أحياء فاس جماعات؛ يدخلون ويخرجون ويتبضعون أمام أجهزة الأمن. أحكموا الطوق على الجامعة حتى لا يُفلت أحد من قبضتهم، في حين كانت قوات الأمن ترابط بالمداخل والمخارج. ثم هجموا، فشتتوا الطلبة تشتيتا. وحين تأكدت قوات الأمن من أنهم أدوا المهمة المنوطة بهم، وأَخرجوا المبحوثَ عنهم من مخابئهم تحركت وراء الفارين من اليساريين لاعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة. وفي هذه اللحظة وجدوا مجموعة صغيرة بظهر كلية الآداب تؤدي ركعتين شكرا لله قبل أن تذبج الطالب جرير أحد المبحوث عنهم، وكانوا قد شوهوا وجهه بأدواتهم الحربية. هذه هي الرواية الرسمية التي قُدمت في مجلس الكلية من طرف مسؤول كبير كان يرقب الوقائع من بالكون منزله في الطابق الثالث. وقد ذكر من حضر تلك اللحظة أن المغيرين على الجامعة تركوا في الميدان سيوفا لا يُصدق ما ذُكر من طولها وتنوع أشكالها، منها سيف برأسين.
في هذا السياق شَدخت مجموعة من طلبة العدل والإحسان رأس الطالب المعطي بوملي بجامعة وجدة سنة1991 بعد أن اقتادوه من قاعة الدرس على مرأى ومسمع من أستاذه وزملائه الطلبة، وقد احتفلت بهم الجماعة بعد خروجهم من السجن سنة 2009 احتفال الأبطال. وقد كتبتُ بعد الحادثة مقالا تخييليا في الموضوع بعنوان: محالمة الشاقور في رثاء طالب بِ"القدس الغربي"! نشر بجريدة الإتحاد الاشتراكي يوم18/02/1992.
جئت إلى كلية الآداب بفاس يوم الهجوم عليها حوالي الثامنة إلا ربعا صباحا، كان مدخل الجامعة خاليا من المارة على غير عادته. عندما اقتربتُ من باب الحي الجامعي انتصبَ ضابط من الأمن بجانب الطريق مشيرا علي بالتوقف، حسبت أنه مجرد نوع من التحرش بالأساتذة والجسارة عليهم كنا قد رفضناه، فتجاهلته ومضيت، وعندما وصلت المدخل الخلفي لكلية الآداب، باب المكتبة، وجدت نفس محاطا بكتيبة الملشيات حوالي تسعة أفراد عصبوا رؤوسهم بحزام أبيض كتبت عليه عبارة الله أكبر، إلا وحدا فكانت بلون مغاير أسود أو أصفر، لا أذكر. لعله أميرهم. اعتصمت بسيارتي مناورا ووليت الأدبار.
***
خاتمة
استفدنا مادة هذا العرض من شهادات مجموعة من المنفصلين عن الشبيبة الإسلامية، ومَن كانت لهم بها صلة أو اتصال قبل القطيعة مع مطيع كما جاءت في الحوارات التي أنجزها بلال التليدي ونشرت في جريدة التجديد. وقد وضع بعضهم مسافة من الأحداث، خاصة من لم يكونوا منتمين للحركة حين ارتكاب الجريمة. وهذه المسافة منعدمة عند المنفذين للجريمة وعند من بقي مع مطيع، ولذلك لا فائدة من الاهتمام بكلامهم. خاصة الروبوت المدعو خزار. الذي يعترف بممارسة القتل ولا يجد اللسان الذي يعتذر به لعائلة القتيل رغم إلحاح من استجوبوه. وهو لا يتحدث لا عن مخابرات ولا عن غيرها. وهو يبدو الآن كحشرة جافة عالقة بشجرة ميتة. ويرى أن الاتحاد الاشتراكي ضخم المسألة، فعمر بن جلون كان سيموت ولو بحادث سيارة مثلا. وبهذا المنطق فإن كل الناس الذين يركبون السيارات أو يسيرون في الطرقات التي تمر منها مباحون له.
أذكر أن ظروف الاعتقال سنة 1979 حكمت بأن تكون زنزنتنا نحن النقابيين مقابلة لزنزنة هؤلاء القتلة في الحي الأوروبي بالسجن المدني. التقينا بهم مرة أو مرتين؛ هم عائدون من الاستراحة ونحن خارجون لها، وكان واحد منهم جالسا بكنبة في الرواق، قيل إنه مريض، لعله شيخهم كمال إبراهيم. وكان أحدهم يلصق فمه بثقب الباب ويؤذن، فكان يرد عليه أحد الإخوة، القرني، رحمه الله، وكان يعاني من مرض عضال: "وا ما خصكم غير الصلاة ألمجرمين! ومرة قلد معه الأذان قائلا: الللله يلعن..."، فجاء صوت الحارس متوعدا للطرفين، فكف عنهم.
وعندما ذهبت مرة إلى مصحة المستشفى بسبب إسهال حاد وجدت أحدهم هناك، فتقدم نحوي قائلا: الأخ من النقابيين...؟ رددت بالإيجاب في غير اهتمام. قال: "المحامون ديالكم رفضوا الدفاع عنا،... هذه هي الديموقراطية.. أو هذه هي العدالة؟"، شيء من هذا القبيل. قلتُ له، وهذا أتذكره جيدا: "لو كنتُ مكانك لما فكرتُ لا في الدفاع ولا في المحاكمة، سأفكر في اليوم الذي ألقى فيه وجه الله، فيسألني عن قتل نفس بغير حق، من أنتم قضاة؟ ...الخ. نظر إلي مشدوها مليا، ثم انصرف. كان وجهه أبيض ممتلئا، وحنكه منتفخٌ بسسب التهاب ضرس.
المراجع:
ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية. إنجاز بلال التليدي. طوب بريس. 2008. مجموعة حوارات، في ثلاثة أجزاء.
موقع الشبيبة الإسلامية على الأنتيرنيت. 
..................
الشهيد عمر بنجلون .. مثال نكران الذات والانضباط الحزبي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 12 - 2013

الحديث عن أمثال عمر بنجلون يقتضي استحضار عدة مقتربات، وكل مقترب يستلزم شتى الاعتبارات، وكل اعتبار ينحو مناح دون الإلمام بتشعباتها خرط القتاد ?كما يقال- ثم أن الحديث عنه وعن أمثاله سهل وصعب في ذات الوقت، سهل لأن أمثاله قلة، وصعب لأنهم على قلتهم أفراد ازدحمت في هويتهم عدة كينونات والتأمت في شخوصهم كم من قيم، وتقاطعت في سيرة حياتهم وقائع وأحداث، وتباينت بشأن سيرهم أحاديث وكتابات، ذلك لأنهم رجال عظام بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف أو حتى الخلاف معهم، وهنا تكمن صعوبة الحديث عن عمر بنجلون، ومع ذلك، كان من حقه علينا تذكره بمناسبة أو غير مناسبة، تذكر أنه استشهد وهو يناضل من أجل حق شعبه في الحرية والعيش الكريم، ومن أجل حق فلسطين في الخلاص من الاحتلال الاستعماري الصهيوني، ومن أجل حق الشعوب المضطهدة في التحرر والانعتاق. ثم تذكر أنه استشهد وهذه الحقوق لم تنل بعد، وأن رفاقه عاهدوه على الاستمرار في درب النضال حتى النصر... هذا أقل آية من آيات الوفاء لهذا المناضل الشهيد...
أول لقائي بالمرحوم عمر بنجلون في صيف 1959 عندما حل بوجدة قادما إليها من «بركنت» عين بني مطهر حاليا، وكان آنذاك يزاول دراسته الجامعية بفرنسا، وفي نفس الوقت يقضي فترة تكوين كإطار من أطر وزارة البريد، كان لقاؤنا بمقر الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال في شارع مراكش، كنا جماعة نتداول في شأن من شؤون الحزب الجديد الذي أسس أو على الأصح انشق عن حزب الاستقلال، وبما أن أغلب الحاضرين لم يكونوا يعرفونه فإن الذي تولى أمر التقديم هو المرحوم الراشدي بنعامر من مناضلي الحزب في قرية «بركنت» عين بني مطهر، وبعد التقديم وجه إلينا أسئلة في شأن وضعية الحزب من حيث الإقبال، والتنظيم والمشاركة، كان معظم حديثه باللغة الفرنسية وخاصة عندما يتعلق الأمر بمصطلحات سياسية لم نعهد سماعها من قبل، لأن أغلبنا لم يكن يتقن الفرنسية، وبدون مقدمات انساب حديثه إلى قضايا وطنية ودولية بعربية دارجة تتخللها مصطلحات وعبارات بالفرنسية كنا نفهم بعضها، ونجهل أكثرها، ولكن المهم أننا قضينا معه وقتا ممتعا، هو مزيج من الجد، والنكت، وهو جانب رافق المرحوم إلى آخر رمق من حياته...حدثنا عن نشاط الطلبة المغاربيين في فرنسا حيث كان إذاك رئيسا لاتحاد طلبة شمال إفريقيا، وحدثنا عن الإقبال الذي شهده الحزب في فرنسا، وعن قضايا عربية كانت وقتها مثار نقاش خاصة الوحدة بين مصر وسوريا وهذه هي النقطة التي أثارت جدلا بين المرحوم وبين بعض الإخوة الحاضرين.
لم يكن عمر ضد فكرة الوحدة، ولكن ضد الطريقة والكيفية التي تمت بهما، كان رحمه الله متأثرا بأدبيات اليسار الفرنسي الذي كان له موقف خاص من القضايا العربية ولاسيما الناصرية، وكان جلنا إن لم أقل كلنا ناصريين مما أفضى إلى نقاش حاد لم ينهه إلا وفود الأخ الزبير وهو الأخ الأكبر لعمر وإخباره بأن موعد العودة إلى بركنت قد حل، وافترقنا على أساس أن يعود مرة أخرى لإتمام المناقشة...
وما أن غادرنا المرحوم حتى انهالت الملاحظات من لدن الإخوان عما سمعوه ولاسيما ما يتعلق بموقفه من الناصرية، ومع ذلك كان ضمننا من التمس له العذر لكونه مازال متأثرا بما يروج في الديار الفرنسية عن طريق المعاشرة ووسائل الإعلام...
ولم يمض أسبوع حتى فاجأني بزيارة في المنزل مصحوبا هذه المرة بأخيه الزبير والذي كان من مسؤولي فرع الحزب ببركنت "عين بني مطهر" ومن البداية سألني عما إذا كان حديثه في اللقاء السابق قد "جرح" أو "اغضب" الإخوان، فأجبته بالعكس، فإن الأخوان اختلفوا معك، وأبدوا بعض الملاحظات بعد انصرافك، ومع ذلك فإن الانطباع الذي خرجوا به هو أنك "مهدي صغير" مع فارق سيزول عندما تعود إلى المغرب إنشاء الله. ولقد ازداد هذا الانطباع لدى غالبية المناضلين الذين رافقوا الشهيدين في الحقل الحزبي.
تبسم عمر وقال "هيهات، إن المهدي من الرجال الذي لا يتكرر وجودهم" قالها بالفرنسية وأعادها بالدارجة، فماركس لن يتكرر، كما لا يتكرر أشخاص من عينات ماركس كلينين وتيتو، وماو... وقاطعته: وعبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي، وعبد الناصر وأكد هذا بقوله وهؤلاء أيضا، ولما لاحظ أني زكيت رأيه أضاف: وكيف تعتقد أن المهدي سيتكرر؟ هذا مستحيل، قالها بالفرنسية، فاستدركت: على كل حال إن فيك ملامح من صفات المهدي وهذا لا يعني أنك نسخة طبق الأصل من الرجل...
ومازلت أتذكر بعض الإشارات التي كان يتضمنها حديثه كلما تعلق الأمر بالحديث عن شخصية وطنية، إشارات تنم عن سلامة طويته ونبل أخلاقه، ومما لازال عالقا في ذهني هو تعليقه بشأن هجوم بعض الإخوان على علال الفاسي في اللقاء المذكور، فقد قال لي: إياك يا السي محمد والنيل من سيرة الرموز الوطنية مهما يكن اختلافك معهم، مثلما سمعته في اللقاء السابق من بعض الإخوان، فعلال مثلا يبقى زعيم الحركة الوطنية وإن اختلفنا معه اليوم. وكمثال على ذلك فإن المارشال دوكول محرر فرنسا بالنسبة لكل الفرنسيين مهما تباينت توجهاتهم، وحتى إذا انتقدوا سياسته فلا يجرؤ أحد على تجريده من زعامة المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني. ولم يفته في هذه الزيارة أن ينصحني بالمزيد من تعلم الفرنسية فالمناضل لا غنى له عن هذه اللغة للاطلاع على أمهات المؤلفات في علم السياسة وروافدها.
ومضت سنة قبل أن ألتقي به عندما عاد من فرنسا لقضاء عطلته كعادته كل سنة، وفي هذه المرة كانت الجامعات المتحدة قد شكلت مع عناصر من حزب الشورى والاستقلال ومن الحركة الشعبية تنظيمات أطلق عليه اسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك في السادس من شهر سبتمبر 1959 (06/09/1959) وفي هذه المرة رجوته ألا يثير موضوعات قد تسبب مشاكل نحن في غنى عنها هذه المرحلة على الأقل، لأن الحزب في تركيبته الجديدة عبارة عن خليط من الناس وإن اتفقوا بشأن أهداف الحزب فإن وجهات نظرهم لا تلتقي بشأن قضايا أخرى، وبدل ذلك ننظم لقاءا تحضره أطر الحزب على أن يتم هذا في الأسبوع المقبل، ابتسم كعادته ووافق.
ولما كان مقر الحزب لا يتسع لهذا اللقاء تم الاتفاق على عقده في بورصة الشغل مقر الاتحاد المغربي للشغل (UMT) وأن يكون الموضوع بعنوان "العلاقة بين الحزب والنقابة"، وقد ساد الاعتقاد إذاك بأن تعليمات أعطيت للمسؤولين في الاتحاد المحلي من القيادة للتشويش على اللقاء أو على الأقل على إفشاله. ولم يتردد أعضاء المكتب المحلي في تنفيذ العمليات رغم أن عددا منهم كان ممثلا في الكتابة الإقليمية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولكنهم لم يمنعوا اللقاء ولكن مسلكهم كان أخطر من المنع، من ذلك أنهم لم يوجهوا الاستدعاءات إلى الأطر النقابية، ولم يساعدوا على تهيئ القاعة موضع اللقاء.
كان اللقاء ناجحا رغم ذلك بالنظر إلى موضوعه والنوعية التي حضرته، فقد استغرق الموضوع ساعتين تقريبا توج بنقاش حاد تمحور حول جوانب تتعلق باستقلالية النقابة وديموقراطيتها الداخلية وبدورها من التوعية السياسية وبضرورة انحيازها للأحزاب ذات التوجه التقدمي، لقد تناول المرحوم عمر بنجلون من جانبه الطبيعي من حيث أن نقابة العمال تمثل طبقة مستغلة (بالفتح) لا مناص لها من الصراع ضد الطبقة المستغلة (بالكسر) وبما أن الحزب الذي يناصر طموح الأولى لا يمكن إلا أن يكون تقدميا بينما الذي يعاضد الثانية على العكس من ذلك، والموقف المنطقي لنقابة العمال هو الانحياز للحزب التقدمي. إلا أن هذه الرؤية لم ترق بعض الأطر النقابية ممن كانوا ينتمون إلى أحزاب يمينية من استقلاليين وحركيين قبل ظهور التعدد النقابي، وقد حاول المرحوم إقناعهم ليس فقط برأيه، بل وأنهم ضد مصالحهم واعتبارهم كادحين مناصرين لأحزاب هي بالأساس في خدمة الطبقة التي تستغلهم... وإذا لم يرق هؤلاء انحياز المحاضر للتقدمية، فإن هناك من لم يعجبه ما جاء في حديثه من إشارات في شأن هيمنة البيروقراطية على العمل النقابي وانعدام الديموقراطية في اختيار المسيرين، ومن هنا كانت البداية، بداية دخول المرحوم عمر بنجلون في معترك المتاعب التي ستنتهي في آخر المطاف إلى اغتصابه والمغرب على أهبة الانتقال إلى مرحلة جديدة، ولعل المخططين لها تيقنوا أن العقبة التي "ستشوش" عليهم هي: المرحوم عمر. فليكن عمر إذن ضحية هذا الانتقال...
ولم تكن هذه النهاية بدون مقدمات، فمنذ استقرار المرحوم بالبلاد كإطار من الأطر العليا للدولة اختار أن يناضل إلى جانب الطبقة العاملة، فلم يغره منصبه كمدير إقليمي للبريد ولا الامتيازات التي يحظى بها أصحاب مثل هذه المهام، بل انخرط مباشرة في العمل الحزبي والنقابي مخططا وموجها ومكونا، مالئا بذلك، بعض الفراغ الذي أحدثه الغياب القسري للمرحوم المهدي بنبركة.
وكان حظ المنطقة الشرقية من جهود عمر رحمه الله وتضحياته متميزا لدرجة أن بعض الحزبيين صاروا ينعتونه ب"سفير الوجديين" لدى الكتابة العامة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفعلا كان الأمر ذلك بحيث كان لا ينفك عن زيارة وجدة لإنجاز مهمة حزبية، أو القيام بعمل مهني، أو زيارة الأهل والأقارب بمسقط رأسه بركنت... وفي كل هذه المناسبات كان يخصص وقتا للاتصال بمناضلي الحزب والنقابة بوجدة إما في اجتماعات مهيأة "رسمية" أو أخرى مفتوحة، أو سهرات خاصة كتلك التي كنا نقضيها في بيت من بيوتات المناضلين.
أما الاجتماعات "الرسمية" والمهيأة فكانت تخصص لتداول ما كلف المرحوم بتبليغه إيانا من طرف الكتابة العامة وغالبا ما كانت تتمركز حول جوانب تنظيمية وتوجيهية، والحق أننا -بحكم مستوانا في الثقافة والسياسة إذاك- لم نكن نتمثل بعض التفاصيل والخلفيات والأبعاد التي تتضمنها الموضوعات الموكل إلى المرحوم طرحها في الاجتماع بنا لولا حضوره وتوليه التوضيح والتعليق، وسوق الأمثلة تماما لو كنا أمام معلم أو أستاذ، كان بارعا في هذا الجانب، لدرجة أنني قلت له مرة: لماذا اخترت العمل في البريد؟ كان الأحرى بك أن تكون أستاذا فأنت تتوفر على الكثير من المواصفات المطلوبة في مهنة "الأستاذية"، ابتسم قبل أن يعقب على ملاحظتي "كنت أتمنى ذلك، لكن أتدري ما سبب عدم انخراطي في سلك التعليم؟" قلت: أخبرني، قال: "التحضير والتصحيح يوميا"، قاطعته: وماذا في ذلك؟ قال: "لقد اخترت طريقا للنضال لا يتلاءم مع الأعباء اليومية للمدرس، وذلك لأنها ستستغرق وقتي وتقيد من حريتي في التحرك، أفهمت؟" أجبت: تقريبا، ثم أردف: "وبيني وبينك لا أنوي الاستمرار في سلك الوظيفة، وإلا ما حملني على دراسة القانون؟" وهنا فهمت أن عمر ينوي احتراف السياسة، وأن المهنة الأكثر ملاءمة لهذا الاحتراف، هي: المحاماة... واستفهمته عما إذا كان له الحق في التخلي عن وظيفته كمدير إقليمي للبريد خاصة وأنه قد التزم بالعمل بها لمدة لا تقل عن ثماني سنوات، أجابني بسرعة: "المسألة ليست بهذه الصعوبة كما تعتقد، سأعرف كيف أجعلهم يستغنون عني بأسرع مدة". وهنا تأكدت أنني أمام إنسان طموح همه الأول أن يكون مناضلا سياسيا ونقابيا قبل أي شيء آخر، ليس هذا وحسب، بل وأنني أمام مناضل لا يهمه الموقع الذي يحتله في أجهزة الحزب أو النقابة، بل كل همه كان منصبا على التوعية والتنظيم والتوجيه أنى ما كان وحيثما كان، فإلى حدود المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية لم يكن مسؤولا في أي جهاز من أجهزته الإقليمية أو الوطنية بحيث لم يصبح عضوا في لجنته المركزية إلا ابتداء من هذا المؤتمر، ومع ذلك استطاع بفضل مستواه الفكري والسياسي، وقدرته الفائقة على التحليل والمبادرة، قبل هذا وتلك ما كان يتميز به من الحيوية والدينامية الدائبتين.
أما الجلسات المفتوحة فكنا نعقدها في مقر الحزب ويشترك فيها كل من وجد فيه حينها ولو لم يكن منتميا للتنظيم من المؤلفة قلوبهم ومن أصدقاء وزملاء... كان عمر معروفا لدى الكثير من أبناء المدينة ممن درسوا معه أو من موظفي وزارة البريد... وتعتبر هذه الجلسة مناسبة لإجراء حوار مفتوح، يتولى فيه مسؤولو الحزب وفي مقدمتهم عمر توضيح بعض القضايا التي كانت مثار نقاش تلك الفترة مثل سبب الانفصال عن حزب الاستقلال وموقف الاتحاد من الدين ومن الملكية، وعلاقة الحزب بالنقابة، وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بالوضع في البلاد إذاك، وكان لعمر صولات وجولات في النقاش تارة بعربية دارجة مشوبة بألفاظ وعبارات بالفرنسية، وطورا بالفرنسية وذلك عندما يلاحظ أن من بين الحاضرين "مفرنسين" لأن متعلمي الجهة الشرقية إما "معربون" مائة بالمائة أو "مفرنسون" مائة بالمائة، أما مزدوجو اللغة Bilingues فأقلية قليلة. ومن الملاحظ أن تفاهم عمر مع المفرنسين ومزدوجي اللغة كان أكثر من تفاهمه مع "المعربين"، وهم الأكثر تواجدا في الحزب، كان ذلك في السنوات الأولى من استقراره بالمغرب بعد إنهاء دراسته في فرنسا، كان رحمه الله يشتغل بالفرنسية حديثا وكتابة، كل كتاباته وتقاريره منجزة بالفرنسية التي كان يتقنها أكثر من الفرنسيين كما عبر له بذلك أحد زملائه. وكان أحيانا يحرر تقريرا أو مقالا باللغة الفرنسية، ثم يحيله على من يقوموا بتعريبه وهكذا إلى أن اعتقل يوم 16 يونيو 1953 إذ تمكن وهو في السجن من التعاطي للغة العربية التي لم يجد صعوبة في تحقيق تقدم ملحوظ سواء في الكتابة أو التعبير، اللهم إلا فيما يرجع للقواعد النحوية والإملائية، فهذا جانب كان يستعين بذوي الاختصاص بشأنه كلما توقف على ذلك... وما أن أطلق سراحه عام 1965 حتى أحرز تقدما هائلا في هذا المجال، فقد أصبح يعتمد على نفسه في تعريب كتاباته، بل وكثيرا ما كان يحرر تقارير ومقالات بالعربية.
ومما لازالت أتذكره بشأن هذا الموضوع أنني في إحدى الزيارات التي اعتدت القيام بها كلما حللت بالبيضاء كنت أقرأ جريدة بينما كان منكبا في ترجمة افتتاحية أول عدد من جريدة فلسطين (لا أذكر تاريخ اليوم) وإذا به يضرب بقبضة يده على الطاولة التي كان يكتب عليها، ولما سألته عن سبب ذلك، أجاب ألم أقل لك: إن العربية لغة متخلفة؟ فاستفهمته، وأجابني: إنني أبحث عما يقابل كلمة Compris باللغة العربية فلم أجدها، قلت: اسمعني العبارة فقرأها، قلت له: إنها تعني قاطبة، أو بما ذلك، فأخذ يردد قاطبة، بما في ذلك، إلى أن نطق بعبارة إن الشعب المغربي قاطبة يقف إلى جانب الثورة الفرنسية، ثم أردف: إذن الترجمة المناسبة للكلمة هي "قاطبة" ولما أنهى تعريب الافتتاحية بادرني قائلا: الواقع يا السي محمد أننا نظلم اللغة العربية حيث نتهمها بالقصور، والحقيقة أن أهلها هم المقصرون... "أعدك أنني سأبذل جهدي لتدارك نقصي فيها" وهذا ما وقع بالفعل، فقد تمكن من تحسين مستواه في اللغة العربية لدرجة أنه صار يحاضر ويكتب بطلاقة وسلاسة باستثناء بعض الهفوات النحوية والإملائية كما أشرت إلى ذلك من قبل.
وكل من عاشر عمر عن قرب يكتشف فيه الشخص المرح صاحب نكت ونوادر، وهذا ما كان يخص به أقرب معارفه، ففي الجلسات الخاصة التي تتم كما أسلفت في بيت من بيوت المناضلين أو الأصدقاء كنا نجد أنفسنا إزاء عمر آخر، فما شئت من نوادر ونكت، وما شئت من أهازيج وأغنيات، وفي هذا الصدد أذكر كمثال فقط بعض النكت التي رواها لنا: في إحدى مباريات كرة القدم سجل هدف، ووقع الاختلاف حول مشروعيته، والتف اللاعبون حول الحكم، فسألوا أحدهم عن رأيه فأجاب: "إلى زيت تسوف بيت" (أبدل الجيم زايا، والشين سينا باللهجة المكناسية) وما كاد يجيب حتى صاح في وجهه لاعب آخر "ماذا تقول؟" وهنا أجاب الحكم "أولى زيت تسوف ماشي بيت"(بالمكناسية أيضا)، وروى لنا نكتة أخرى مضمنها "أن مجموعة من المجندين حضرت إلى الثكنة، وفي الباب شرع أحد الضباط في المناداة عليهم للتأكد من هويتهم فنادى على اسم "بوعزة الدكالي" فأجاب: بريزا (وقالها حافية) وعلى اسم: بنيونس بن عبد القادر فأجاب: "Présent مال امك" وعلى اسم يعقوب بن شمعون فأجاب: "بريزا تعبي باسي"، وعلى اسم محمد ولد البهجة الذي أجاب: "بريزا انعام السي" ثم على اسم: عبد السلام برادة فأجاب: "بريزا او ما كان غيريزا، او ما جينا هنا غير باش تكونوا بريزا أو عاش الملك".
ومن النكت المروية عنه، أن رجلا كان مدينا لآخر، ومنذ أن استدان منه لم يره، ومرت شهور وسنوات دون أن يبدو له أثر، وذات يوم كان يسير في الطالعة الكبرى في الاتجاه الصاعد، فرأى غريمه آتيا من الاتجاه المعاكس في نفس الطالعة، ولما رآه عرج نحو زقاق متفرع منها، فجرى وراءه وهو يصيح "أولي استغفر الله واش اخباغك (اخبارك)".
والذين يعاشرون عمر بنجلون عن قرب أيضا يكتشفون فيه إنسانا عاطفيا ذواقا للموسيقى والطرب، ففي الجلسات الخاصة أيضا نجد أنفسنا أمام مقلد لبعض المغنين الفرنسيين مثل تنينو روسي، والعرب كفريد الأطرش وإذا نسيت أغاني الأول فلازلت أتذكر أغاني الثاني التي كان يغنيها في جلساتنا الخاصة ولاسيما أغنية "يا نسمة"، وأغنية "يا زهرة في خيالي"، وأخريات لا أذكرها، وهي كلها كانت توحي بأن عمر كان يستحضر لحظات عاطفية وهو يؤديها، أقول هذا عله يمحو ما علق في أذهان البعض من دعايات وإشاعات تهدف إلى النيل من نضالية عمر بنجلون وإنسانيته، فعمر رحمه الله نموذج للإنسان المتخلق المتأجج حنوا وعاطفة، ذي المشاعر المضمخة بالأريحية والنبل والمفعمة بالوفاء والمروءة، تتجلى هذه القيم في علاقاته مع معارفه، فمنذ تعارفنا إلى يوم استشهاده أي على مدى ست عشرة سنة لم يبدر منه ?على ما أعلم- إلا ما يؤكد أنه شخص على خلق كريم، وما كان يشدني إليه هو علاقته الوطيدة بأفراد عائلته، فرغم بعد الدار البيضاء حيث مقر إقامته لم يكن يتوانى على زيارة مسقط رأسه بركنت حيث كانت تقيم عائلته. كان شديد التعلق بأفراد عائلته وأمه على الخصوص، وكان وفيا لأصدقائه القدماء، ومخلصا لرفاقه في النضال، ومحترما للرموز الوطنية، وعلى علاقة ودية مع الفاعلين السياسيين من مختلف التوجهات، هذا ما عاينته من خلال مرافقتي، فعند زيارته لقرية عين بني مطهر لا ينسى أن يبحث عن أصدقائه القدماء وأحيانا يدعوهم إلى منزل عائلته فيقضي معهم طيلة مدة تواجده في القرية لا فرق بين عاليهم وسافلهم، عاملهم وعاطلهم، فالكل لديه سواء يكن لهم التقدير والاحترام يبادلهم الجد والهزل، ويذكرهم بأيام زمان، وكثيرا ما لاحظت عليه علامات التأثر لحال بعضهم، فيخرج من الحجرة ولا يعود إلا بعد فترة يتمكن فيها من مغالبة دموعه، ونحن في الطريق مغادرين "بركنت" يعبر عن شعوره نحو وضعية "هؤلاء المساكين" ثم يستغرق المسافة بين القرية ووجدة في أحاديث لا تخرج عن انتقاد الوضع السائد في البلاد سياسيا واقتصاديا... وهكذا إلى أن نصل إلى مقر سكناي حيث يتركني ويستأنف السفر متوجها إلى الدار البيضاء ولا أطمئن إلا إذا هاتفني ليخبرني أنه وصل بسلام.
كان عمر مراقبا من عدة جهات كما هو الشأن بالسبة لباقي مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وكثيرا ما لفت نظره وألححت عليه بعدم السفر وحده، ولكنه يجيبني دائما بعد أن يبتسم، ألا يقول محمد عبد الوهاب "اللي على الجبين لازم تشوفو العين"، فأجيب بلى، فيرد، "إذا فلم الخوف مادام هناك موتة واحدة"، فأعقب، وهناك مثل آخر يقول: "الحيطة من الفطنة"، فيرد: "لا تخف فهم يراقبونني وفي ذات الوقت يحرسونني"، فأقول: كن حذرا فاليوم حراسة وغدا قد يغدرون بك، إنه البوليس وأجرك على الله. ولكن كيف تقنع شخصا آمن بقضية، ولم يعد يبالي بأي محظور، لقد ملأ قلبه انشغاله بهموم شعبه وأصبح متفانيا في أداء رسالته شأنه شأن الصوفي لا مجال للخوف لديه، فقلبه مفعم بالاطمئنان ولهذا عاش مطمئنا إلى أن غادر الحياة مطمئنا بعد أن ترك بصماته في سجل التاريخ النضالي لحزب القوات الشعبية.
فمنذ عودته من الديار الفرنسية كما سبقت الإشارة إلى ذلك وهو منشغل بمجالين، المجال الحزبي والمجال النقابي، فبالنسبة للأول لازلت أتذكر بعض المحطات التي كان له فيها حضور متميز: المحطة الأولى، ومناسبتها الاستفتاء على الدستور الأول عام 1962 فمن المعلوم أن مسألة الدستور طرحت بحدة من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ابتداء من ربيع 1961 على ما أذكر، وذلك في اجتماع الكتاب العامين للحزب، ولازلت أستحضر وقائع هذا الاجتماع وخاصة العرض الذي تقدم به الأستاذ عبد الهادي بوطالب، وتعقيب الأستاذ أحمد بنسودة، والمناقشة التي جرت، والموقف الذي اتخذ بشأن الدستور. كان العرض والتعقيب رائعين جمعا بين منهجية الأستاذ عبد الهادي بوطالب وسخرية الأستاذ احمد بنسودة، وللحقيقة أشير إلى أنه لأول مرة استمعت إلى "شبه محاضرة" مفصلة عن الدستور ولربما نفس الأمر بالنسبة للكثير من الحاضرين في الاجتماع، ومما أثرى عرض بوطالب وتعقيب بنسودة ومداخلات بعض الحاضرين وخاصة المرحوم عمر بنجلون، لقد تميز تدخله رغم صعوبة التعبير بالعربية التي كان يعاني منها، بالوضوح والدقة، بتضمنه إضافات مهمة على ما جاء على لسان الأستاذين بوطالب وبنسودة، وأتذكر أن الموقف المتخذ في الأخير هو المطالبة بانتخابات مجلس تأسيسي لوضع الدستور، ثم عرضه للاستفتاء الشعبي، وكان لعمر وبعض رفاقه دور متميز في الدفع في هذا الاتجاه، وهذه أيضا محطة كان لها ما بعدها بالنسبة لمصير عمر... ويحدد موعد إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور يوم 7 دجنبر عام 1972 ويقرر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مقاطعته، ويتولى المرحوم عمر الإشراف على تنظيم عملية المقاطعة بالجهة الشرقية، ويتخذ من مقر مكتب فرع وجدة مركزا لتفعيل أجهزة الحزب وتعبئة أطره، ومما ساعد على إنجاح هذه العملية تنظيما وأداء هو أنه بمجرد الإعلان عن موقف الاتحاد من الدستور ومقراته وخلاياه بإقليم وجدة (كان إقليم وجدة إذاك ممتدا من بركان إلى فجيج على طول أربعمائة وستين كلم من الشمال للجنوب ومن وجدة إلى تاوريرت على طول مائة وعشرة كلم من الشرق للغرب)، بحيث كان على مناضلي الحزب أن يجوبوا مناطق متباعدة ذات المسالك الوعرة ويجتازوا هضابا وصحارى حيث لا طير يطير ولا وحش يسير، ليصلوا إلى قبيلة أو عشيرة قد لا يتعدى عدد المتواجدين بها أصابع اليد ? كما يقال- إضافة إلى قلة الوسائل وإكراهات أخرى ناجمة عن موقف السلطة من الاتحاد لاسيما في القرى والبوادي، ومع ذلك تمكن الحزب من تغطية أغلب مراكز المنطقة وذلك بفعل تعبئته لكافة أطره ومناضليه وحنكة المرحوم عمر بنجلون وحيويته، وإن نسيت فما نسيت تلك الحملة التي نظمها الاتحاد لمقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور. وإذا كانت سائر المحطات التاريخية للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ثرية بالعطاء والمبادرات والتضحية، فإن مناسبة الاستفتاء على مشروع الدستور عام 1962 تعتبر علاوة على ذلك محطة احتد فيها الصراع بين النظام والحزب من جهة، وأعلن عن تباين في الواقف بين هذا الأخير وقيادة الاتحاد المغربي للشغل، فكان على مناضلي الحزب أن يواجهوا قمع النظام من جهة ودعوة النقابة للتصويت بلا على الدستور من جهة أخرى، إنها بالفعل محطة امتحان لمدى قدرة أطر الحزب ومناضليه على المواجهة والصمود.
وبالنسبة لإقليم وجدة، لم نجد أي صعوبة في التنسيق مع النقابات، لأن معظم أطرها كانوا منتظمين في الاتحاد الوطني بل وكثير منهم كانوا مسؤولين إما في الكتابة الإقليمية أو مكاتب الفروع كما أن عددا من أطر الحزب كانوا مسؤولين في الأجهزة النقابية وهذا ما خلق انسجاما بين الأطر الحزبية والنقابية ما عدا بعض العراقيل من هذا أو ذاك لم يكن لها تأثير على سير الحملة في الظاهر على الأقل. من ذلك أننا عقدنا اجتماعات تنظيمية وتجمعات موسعة في برص الشغل بمساعدة الأطر النقابية المتحزبة منها على سبيل المثال التجمع في بورصة الشغل بوجدة ألقى فيه المرحوم عمر عرضا في موضوع الدستور خلص في نهايته إلى موقف الاتحاد منه. ومما لازلت أتذكره، سؤال وجه إليه من لدن أحد الحاضرين وهو من أعضاء الكتابة الإقليمية للاتحاد الوطني إذاك، فكان السؤال "ما هو الدستور الإسلامي؟" وبسرعة قاطعه عمر: الإسلام ليس له دستور، ولما كنت إلى جانبه قلت له همسا، قل القرآن، ولم يفعل وعندما بادره السائل: والقرآن؟ أجاب عمر بحدة "بنرفزة" القرآن ليس بدستور. وهنا غضب السائل وانسحب من القاعة وتبعه بعض الحاضرين، وتابعنا المناقشة وخلالها اغتنم المرحوم الفرصة لشرح معنى الدستور كمصطلح ليخلص إلى أن الفرق بين الدستور والقرآن هو أن الأول قانون وضعي يسري على الجميع كيفما كانت ديانتهم، بينما القرآن لا يخضع لأحكامه إلا المسلمون، وكانت "تخريجة" ذكية جنبت ما كان يمكن أن يترتب عن الجواب الأول من تأويلات وردود أفعال يستغلها خصوم الاتحاد وتثير البلبلة في صفوفه لاسيما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم، وما أكثرهم في تلك الحقبة! وقد كلفتنا هذه "الفلتة العمرية" وقتا طويلا لإقناع المنسحب وهو عضو له سمعة طيبة في أوساط معارفه وداخل الاتحاد كذلك، فعادت المياه إلى مجاريها كما يقال... وبقدر ما كانت هذه المحطة التاريخية مليئة بالمتاعب والمشادات بين أجهزة القمع والأحزاب الموالية للنظام المؤيدة للدستور من جهة، ومناضلي الاتحاد الوطني من جهة أخرى، كانت مدرسة للتعبئة واكتساب الخبرة النضالية، وللتكوين النظري من خلال الحلقات التي لم تنقطع طيلة فترة الحملة تنظيما وأداء، وبعدها تحليلا وتقييما، وكان لعمر رحمه الله الدور البارز في التخطيط لها وفي الشرح والتوضيح بل والتحريض وصياغة شعارات الحملة الدعائية ضد مشروع الدستور، إذ لم يترك فرعا من فروع الاتحاد في المنطقة الشرقية إلا وترأس فيه مهرجانا لفضح مثالب المشروع ومخاطره على مصير البلاد، مما زاد في تضخم "ملفه الأسود" لدى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وهذه محطة أخرى تنضاف إلى سابقاتها لتقوم مؤشرا على أن الرجل "رقم" لا ينبغي الاستهانة به في معادلة الصراع القائم بين المعارضة والنظام. ويفرض الدستور، ويحتد الصراع بين قوى التقدم والديموقراطية متجسدا في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبين الحكم الفردي الاستبدادي المسنود بقوى الرجعية ودعاة التخلف، ويبلغ هذا الصراع أوجه بمناسبة إجراء انتخاب أول برلمان في المغرب. إنها محطة كشف فيها كل طرف من أطراف الصراع أوراقه، كان يبدو من مقاطعة الاتحاد للاستفتاء على مشروع الدستور أنه سيقاطع الانتخابات التشريعية التي تجري في ظل تطبيق أحكامه وخاصة الانتخابات التشريعية، وهذا هو الموقف الطبيعي الذي استقر عليه رأي أغلبية المناضلين منذ الاستفتاء على مشروع الدستور بتاريخ 7 دجنبر 1962، كان فرع الاتحاد بالبيضاء يتوفر على مناضلين كبار أمثال عمر وباهي قبل انتقاله للجزائر، وعمر المسفيوي، البشير الفجيجي وعبد الله بومهدي ومبارك خليل، ومحمد الفاروقي، وبوشعيب الحريري، وأحمد شاكر... وهؤلاء كانوا علاوة على علاقتهم كحزبيين كانت تربطهم صلة الصداقة بكثير من المناضلين في الأقاليم، مما جعل منهم مجموعة مؤثرة ليس على سير الحزب بالدار البيضاء وحسب، بل وعلى سيره على الصعيد الوطني أيضا، وكان عمر بنجلون والبشير الفجيجي هما البارزان في هذه المجموعة إلا أن عمر كان أكثرهم حيوية والأوفى دورا في المجال التنظيمي وفي حقل المبادرات.
وبحكم علاقتي بعمر خاصة كنت كثيرا ما أصحبه لحضور لقاءات ينظمها أفراد هذه المجموعة على هامش الاجتماعات الحزبية. يتداولون فيها قضايا تهم سير الحزب ومواقفه، ومما أذكره أن آخر لقاء حضرته كان في شهر مارس عام 1963 وهو اللقاء الذي فهمت منه أن "المجموعة" تهيئ لإقناع أعضاء الكتابة الإقليمية بفكرة مقاطعة الانتخابات التشريعية، وفهمت أيضا أن هناك اتجاهين داخل الاتحاد يتبنى أحدهما المقاطعة انسجاما مع موقف الحزب من الدستور، بينما يحبذ الآخر المشاركة حتى لا يستغل الخصوم خلو البرلمان من الاتحاديين فيعبثوا بمصالح البلاد... وسيتضح ذلك في اجتماع اللجنة المركزية المنعقد في شهر أبريل 1963 على ما أذكر...
ولازلت أذكر أنني كنت من المؤيدين لفكرة المقاطعة وأن غالبية المناضلين بوجدة كانوا مقتنعين بنفس الموقف، وأذكر أنني وأنا أتهيأ للسفر إلى الدار البيضاء لحضور اجتماع اللجنة المركزية وكتاب الأقاليم في شهر أبريل عام 1963 بعد تحديد يوم 17 ماي 1963 موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية، اتصل بي المسؤول من فرع الحزب الشيوعي الذي كان محظورا إذاك الرفيق مصطفى العزاوي لمعرفة موقف الاتحاد بشأن هذه الانتخابات فأخبرته بأن الحزب لم يتخذ موقفا بعد، وفي هذا اللقاء تبادلنا الآراء واقترح علي قراءة كتاب "مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية" للاطلاع على موقف لينين بخصوص مجلس الدوما الروسي عام 1905. ولما أخبرته بأنني لا أتوفر على هذا الكتاب وعدني بتزويدي بنسخة منه... ولازلت أذكر أنني لما قرأت الكتاب أعجبت بمنهجية لينين في تناول المسألة، وقدرته الفائقة على دحض دعاوى من نعتهم ب"الشيوعيين اليساريين" وبجرأته وصرامته في مواجهة من يعتبرهم "يساريين طفوليين" ومما جاء في أطروحته "إنه من اللازم معرفة سبيل التراجع، وإن من اللازم حتما تعلم العمل العلني في أكثر البرلمانات رجعية...كما وأن أكبر البرلمانات العلنية مع وجود "برلمان" رجعي للغاية، تقدم أجل خدمة لحزب البروليتارية الثورية أي للبلاشفة" والمقطع الذي يقول فيه: "إننا لم ندع إلى مقاطعة البرلمان البورجوازي أي الجمعية التأسيسية، بل لقد كنا نقول رسميا باسم الحزب أن جمهورية بورجوازية مع جمعية تأسيسية، خير من مثل هذه الجمهورية بدون جمعية تأسيسية"، لم أتمثل أطروحة لينين في البداية لأن قراءتي لأدبيات المذهب الشيوعي كانت نادرة ربما لا يكفي لاستيعاب خلفياتها وأبعادها، ولكني رغم ذلك وكما أشرت أعجبت بمنهجيته وقدرته على المصارحة والدحض... والشيء الذي أرقني وأنا على متن القطار متوجها إلى البيضاء لحضور الاجتماع الذي ستعقده اللجنة المركزية للاتحاد بخصوص الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في ماي، ولكن ما إن أعدت قراءتها قبل أن أصل إلى البيضاء حتى استوعبتها بل واقتنعت بصوابها، وقد ازددت اقتناعا بذلك لما سمعت تقرير الكتابة العامة الذي قام بعرضه المرحوم عبد الرحيم.
افتتح الاجتماع الشهيد المهدي بنبركة بعرض تحدث فيه عن الوضعية السياسية بعد الاستفتاء معرجا على ما اتخذه المجلس الوطني للاتحاد الوطني المنعقد مباشرة بعد نتائج هذا الاستفتاء من قرارات، ومذكرا إياهم بما ينبغي القيام به من جهود في سبيل إحباط الخصوم الذين سيبذلون قصارى جهودهم لإقصائنا من الساحة، وسيعملون بدون هوادة لإخراجنا من المنافسة ليتأتى لهم الاستحواذ على البرلمان لتمرير قرارات لا يستفيد منها إلا خصوم الجماهير دون أن يجدوا معارضة داخل قبة البرلمان (وهنا مال عمر نحوي هامسا أفهمت السي محمد؟) وبعد هذا أحال المهدي الكلمة لعبد لرحيم بوعبيد الذي ألقى عرضا مسهبا تطرق فيه إلى الوضع في البلاد خاصة بعد إقرار الدستور وإلى ما طرأ من متغيرات كلها تصب في اتجاه تثبيت دعائم الحكم الفردي، والدفع بالمغرب إلى تكريس عوامل التخلف وخدمة المصالح الأجنبية، ثم حذر من أن يترك البرلمان لهيمنة أحزاب الإدارة وقد ربط هذه المسألة بوجهة نظر الكتابة العامة بخصوص الموقف من الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها والتي انتهى بشأنها إلى الإعلان عن اقتراح الكتابة العامة المشاركة حتى يمكن للاتحاد أن يتخذ من البرلمان منبرا من خلاله يمكنه فضح سياسة النظام اللاشعبية. ودون التطرق لما حدث في الاجتماع وكيف انتهى أكتفي بالإشارة إلى أن المرحوم عمر رغم معارضته الشديدة للمشاركة فإنه انبسط للقرار وكان من أكثر النشيطين لتطبيقه، ليس هذا وحسب، بل وأنه قام بمجهود جبار لإقناع عدد من المناضلين الذين لم يقتنعوا بقرار المشاركة وهذا لمسته بنفسي في مرحلة تنظيم الحملة الانتخابية التي أشرف عليها في إقليم وجدة.
ولم أعرف ما إذا كان موقف الاتحاد قد بني على تجربة المعارضة الروسية أو على أساس حسابات سياسية مملاة من الظرفية التي كان يجتازها المغرب إذاك، المهم أن الموقف اتخذ بناءا على معطيات وحيثيات تضمنها التقرير الذي تقدم به المرحوم عبد الرحيم والذي أثار نقاشا حادا كاد يعصف بالاجتماع لولا تدخل المرحوم المهدي بنبركة الذي تناول الكلمة موضحا بعض النقط التي وردت في عرض المرحوم بوعبيد بطريقة أكثر دقة وجرأة في إبراز ما اعتبره آراء صادرة عن عدم استيعاب طبيعة المرحلة، وتمثل خلفيات وأبعاد قرار الكتابة العامة التي اضطر إلى إبرازها بأسلوب جعل كل من في القاعة وكأن على رؤوسهم الطير... وبذكائه وفطنته وقدرته على الإقناع، وقبل هذا وذاك ثقة المناضلين في وجاهة رأيه، استطاع أن يعيد إلى الجلسة هدوءها ليسأل، هل من متدخل؟ فيتبادل الحاضرون النظرات ولا يجيبون ويعلن عن اختتام الاجتماع طالبا من كتاب الأقاليم موافاته للمكتب ليستلموا الوثائق. ولما دخلت المكتب سمعت المهدي يخاطب عمر بحدة وكانت العبارات التي سمتعها وكنت دائما أذكر بها عمر فيضحك هي: Sors moi d'ici ou je te casse les reins، فما كان منه إلا أن يمتثل ويخرج تاركا لي المجال لأستلم من المهدي الوثائق المتعلقة بالحملة الانتخابية، لما خرجت وجدته في انتظاري وغادرنا المقر وتوجهنا إلى بيته، وفيه عبر عن عدم موافقته على المشاركة ولكنه احتفاظا على وحدة الحزب مستعد للقيام بما يلزم لإنجاح الحملة الانتخابية ولو في فضح سياسة النظام وكشف التزوير الذي سيلجأ إليه لإنجاح المرشحين الموالين له... ثم وعدني بأنه سيتولى هو بنفسه الإشراف على الحملة في المنطقة الشرقية. وهذا ما وقع بالفعل، فبعد ثلاثة أيام على ما أذكر، حل بوجدة وبدأنا في التخطيط للحملة الانتخابية بما في ذلك تعيين المرشحين، وتوفير الآليات والوثائق، ولائحة المراقبين في مكاتب الاقتراع، ولجان الاتصال والدعاية وما إلى ذلك من مستلزمات الحملة، بل وأكثر من هذا فرض علي أن أترشح في دائرة فجيج ولم يسع لي إلا الانصياع لرغبته. وقد أظهر المرحوم براعته وخبرته في هذا الميدان. ودون الدخول في التفاصيل أكتفي بالقول أنه بالرغم من عدم فوز الاتحاد في أي دائرة من دوائر إقليم وجدة، فالذي تحقق هو ما بنت عليه الكتابة العامة قرار المشاركة والمتلخص في فضح سياسة النظام، ونشر أفكار الاتحاد في كل أنحاء المنطقة الشرقية، لقد كانت الحملة الانتخابية محطة حاسمة فيها حدثت القطيعة بين الاتحاد والنظام، وهذا ما أفصح عنه بلاغ الكتابة العامة بالمناسبة، كما كانت محطة فيها تيقن الحكم وأعوانه أن عمر وأمثاله، يجب أن يزاحوا عن الطريق.
ومما زاد في تأجيج نقمة النظام على الاتحاد قرار مقاطعة الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها صيف هذا العام. ولم يتردد في تنفيذ مخططه، وهذه المرة بتوجيه تهمة الإعداد لمؤامرة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي، كان ذلك يوم 16 يونيو 1963 حيث شنت حملة شرسة من الاعتقالات استهدفت جميع نشطاء الاتحاد، والذين مورست ضدهم أفظع وأقسى أساليب الهمجية والوحشية، وإن أنسى لا أنسى مشهدا لازلت لليوم كلما استحضرته إلا وتملكتني حالة من الكآبة لا أتخلص من وطأتها إلا بعناء، كنت من بين معتقلي دار المقري في هذه الحملة، وفي واحدة من جلسات الاستنطاقات، خاطبني أحد الحجاج (والحاج نعت كان يطلق على كل رجال الأمن المكلفين بالمعتقلين) حرفي، اسمع لقد تساهلنا معك في الجلسات Séances السابقة، لعلمنا أنك أستاذ تتفهم مثل هذه الواقف وأنت لست من الذين نلاقي معهم صعوبة، ثم إنك لا تتحمل ما يتحمله العامة، والآن من مصلحتك أن تعترف لنا بالتنظيم السري الذي كنت تشتغل ضمنه بموازاة التنظيمات الشرعية، إذن فكر جيدا وسنترك لك مهلة للتفكير إما أن تعترف، وإما ستتعرض لما تعرض له الشخص الذي أخرجناه من الغرفة قبل أن ندخلك إليها، واستدرك، آه نسيت أنت لم تتبينه لأنك "معصوب العينين" وهنا طلب من أحد "الججاج" أن يجعلني أرى هذا الشخص فقادني نحوه، ثم أزاح العصابة عن عيني برفعها إلى أعلى مستوى جبهتي، ثم أضيئت أرضية الرواق فوقع نظري على جثة، وهي لشخص ملقى على الأرض معصوب العينين يرتدي معطفا وسروالا مبتلين، حافي القدمين، ومن هول ما رأيت أصبت بالغثيان، وتراجعت قليلا وأنا أضع يدي على عيني لأخفي أثر الصدمة وتأثري لهذا المنظر المريع، لكن أحدهم أرجعني وهو ممسك بذراعي الأيمن ثم قال "تريث، إنك لم تشاهد شيئا، اقترب، أنظر، تأمل، أرأيت، أنظر إلى يديه" ففعلت وإذا بهما معقوفتين وكأنهما مصابتان بالشلل، ثم قلب الجثة إلى الجانب الآخر، ويكشف عن ظهره قائلا: "أنظر... وما إن وقع نظري على المشهد حتى أغمي علي إغماءة لم أستفق منها إلا بعد وقت لم أقدر مدته، وبعد أن تيقنوا أني عدت إلى حالتي أدخلوني إلى الحجرة فقال لي أحدهم: أعرفت صاحب الجثة؟ إنه عمر بنجلون، لم أشعر إلا وأنا أبادره، ماذا تقول؟ جثة عمر؟ أجابني وهل أكذب عليك، إنها جثة عمر، فقلت في نفسي ماذا يعني هذا؟ أيكونون قد قضوا عليه؟ ومما زكى هذا الظن في نفسي أن صاحب الجثة لم يتحرك: أعوذ بالله سأصاب بالجنون إن هلك عمر، ولم أشعر إلا وأنا أصرخ في وجههم، حرام عليكم يا ناس، ولم أكتف بذلك بل صحت: اقتلوني، ألحقوني به، وبدل أن يهدؤوا من روعي انهالوا علي ضربا ولكما وسبا وشتما، وهددوني بأنني سألقى نفس المصير، إن بقيت مصرا على عدم الاعتراف بالتهمة...
لم يفارق مشهد الجثة مخيلتي طيلة غياب عمر عن الحجرة التي حشرنا بها في دار المقري، ولم أطمئن إلا عندما أعادوه إليها، وتيقنت أنه على قيد الحياة (ومن بين المعتقلين الذين كانوا معنا في الحجرة، المهدي العلوي، محمد الماسي، محمد العكسة، وآخرون لم أكن أعرفهم...).
ورغم الحراسة المشددة التي كنا خاضعين لها، ورغم أحوالنا المؤلمة التي كنا نعاني منها من جراء التعذيب الجسدي والنفسي الذي كان يمارس ضدنا ليل نهار، علاوة على حرماننا من النوم فإن وجود عمر معنا كان بمثابة بلسم يخفف عنا من آثار ما كنا نعانيه من وحشية وهمجية على يد زبانية دار المقري، فعمر هو عمر في كل الأحوال، لا يفارقه جده أينما حل، ولا مرحه حيثما ارتحل، وكيفما كانت الظروف هنيئة أو قاسية، ومن حسن حظنا أن أحد "الحجاج" كان يتساهل في معاملتنا بحيث يغلق باب الحجرة وعندما يريد تفقدنا وحده أو بمعية آخرين يحدث حركة نسمعها من بعيد، فنسكت إذا كنا نتحدث أو نعيد العصابات إلى أعيننا، كان هذا "الحاج" فطنا حيث كان يفعل ذلك من تلقاء نفسه ودون أن يتفق معنا، لأنه بحكم خبرته المهنية كان يعلم أو يشك على الأقل، في أن بيننا "مندسا" يحصي تصرفاتنا وما قد نتبادله من معلومات تفيد "مضيفينا" في "زاوية المقري" ونحن بتجربتنا وخبرتنا بدسائس وأساليب هؤلاء "الحجاج" خارج دار المقري في مخافرهم الظاهرة والخفية كنا محتاطين وحذرين في مثل هذه الأزمات...
كان عمر يملأ فراغنا بتخمينات بشأن إقدام النظام على اعتقالنا، وتارة بموضوعات عامة تحلق بنا في فضاء ذكرياته عن طفولته وشبابه، وعن حياته بفرنسا، ولم يكن حديثه عن مراحل حياته ذا منح شخصي بقدر ما كان مرتبطا بشخصيات إما تتلمذ عليها أو ارتبط بها في مهنته أو عمله الحزبي أو بأحداث عاشها وهو تلميذ أو طالب أو موظف أو مناضل، والذي كان يعجبني فيه هو احتفاظه بالاحترام والتقدير لمعلميه وأساتذته وبالمودة والوفاء لأصدقائه ورفاقه وزملائه، وكان لا يتحدث عنهم إلا بخير، أما المخلصون منهم فكان لا يفوته ذكرهم كنماذج إما في الإخلاص والجدية إن كانوا معلمين أو أساتذة، وإما في التضحية والعطاء إن كانوا مناضلين، بقطع النظر عن كونهم متفقين معه أو لا. كان يجل قيم الإخلاص، والاستقامة والنزاهة والوفاء، وكان أشد كرها للانتهازية والنذالة والنميمة، زاره أحد أصدقائه، وكان من عادته دائما في مثل هذه المناسبة السؤال عن حال الأصدقاء والزملاء... لما سأل عن أحدهم أجاب: "دعنا منه... إنه كذا وكذا..." فقاطعه: "لقد سألتك عن حالته العامة، أما ما تقول الآن فأنا أعرف به منك، عرفته يوم كان يقوم صباحا ويخرج من منزله تاركا أفراد عائلته نياما ولا يعود إليه إلا بعد أن يكونوا شبعوا نوما... إنه قدوة في التضحية" فبهت النمام...
وكان المرحوم عمر يعمد إلى اختيار ما يسلينا ويخفف من معاناتنا، وفي نفس الوقت يطلعنا بتجارب الشعوب التي عانت مثلنا من عنت الإقطاع وقساوة الاستبداد. فقد حدثنا عن الثورة الفرنسية ومقدماتها وعن دور رجالات الأدب والفكر في التهيئ لها من أمثال هوجو وروسو، وحدثنا عن الثورة الروسية وآثارها على نشر الفكر الاشتراكي وعن الخلاف السوفياتي الصيني. كان المرحوم معجبا بالنموذج الصيني في تطبيق الاشتراكية، ومن الموضوعات التي حدثنا عنها تطبيق الاشتراكية في يوغوسلافيا القائمة على التسيير الذاتي والذي أخبرنا أن أحمد بنبلة يتبناه، والحق أن وجود المرحوم عمر بيننا كان رغم المصير المجهول الذي كنا ننتظره بمثابة بلسم يوضع على جراحنا ليخفف من آلامنا ويعيد إلينا الاطمئنان بأنه مهما قاسينا من محن، فإن ذلك لن يذهب سدى، وعندما يشعر المرحوم بتسرب العياء إلينا، ينتقل إلى النكت والطرب وفي هذا المجال حدث عنه ولا حرج، كنا نقضي لحظات مفيدة وممتعة لا ينغصها علينا إلا إخراج أحدنا للاستنطاق أو إعادته إلينا وهو في حالة أسوأ ما تكون وهذه حالما برفقة عمر في دار المقري، وفي الثكنة العسكرية التي حولنا إليها بعد انتهاء ضيافتنا بدار المقري تحت إشراف "حجاجها" وفي السيارة نحو قاضي التحقيق أو إلى السجن إلى أن تم عزله عنا ليودع في مصحة السجن بمعية مجموعة من الإخوان، ويودع باقي المعتقلين في جناح من أجنحة السجن المركزي بالقنيطرة سواء في سجن لعلو الذي كنا نزلائه خلال المحاكمة أو في قاعة المحكمة (مقر البرلمان حاليا) حيث كانت تتلى علينا صكوك الاتهام ونستمع إلى "الغراق" وهو يصول ويجول في توزيع مطالب بأشد العقوبات والتي كان حظ المرحوم عمر عدة فصول كلها تطالب بالحكم عليه بالإعدام، وأخيرا وهو محكوم عليه بالإعدام.
فطيلة كل هذه المراحل لم يفقد المرحوم عمر رجولته ولا روحه المرحة ولا أمله في انتصار "حركة التحرير الشعبية". سمعت أحد الأصدقاء يقول له وكنت إلى جانبه في مزار السجن Parloir عجبا، نزوركم لنخفف عنكم بعض ما تعانون داخل السجن فإذا بكم أنتم الذين تخففون عنا ما نعانيه خارجه... وقد بقي المرحوم محتفظا بمعنوياته العالية حتى وهو ينتظر في كل صبيحة تطبيق حكم الإعدام، علمنا أنه يقرأ بنهم ويدون ملاحظاته حول ما يقرأ ويفكر ويكتب، ومنذ صدور الحكم بالإعدام لم نعد نلتقي إلا في "المزار" parloir عند زيارة أحد المعارف. ودائما عمر هو عمر إلى أن تم إطلاق سراحنا عام 1965 بمقتضى عفو ملكي صادر بعد أحداث 23 مارس من نفس السنة بالدار البيضاء، فما أن استرد حريته حتى استأنف نضاله، حيث انصب اهتمامه على الجانب التنظيري والتنظيمي، ليس في إطار الاتحاد وحسب، بل تجاوز ذلك إلى القضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث شارك في إنشاء جريدة "فلسطين" وفي تأسيس جمعية لمساندة الكفاح الفلسطيني وقد أدى من أجل هذا ثمنا مس حريته مرة أخرى إذ تم اعتقاله عام 1967، كما تعرض للتهديد والاعتقال، ولمحاولات اغتيال عدة مرات، وكل هذا لم يثنه عن الاستمرار في كفاحه داخل حزب القوات الشعبية كقائد مقتدر، يمكن القول بكامل الصدق، بأنه بدأ "مهديا صغيرا" ولما اكتمل نضجه وأصبح "مهديا كبيرا" تم اغتصابه، وذلك ويوم 18 دجنبر عام 1975، في الوقت الذي كان حزبه وبلاده في أمس الحاجة إليه.
ومما أعتز به أن علاقتي الشخصية به ظلت ثابتة رغم اختلافنا وليس خلافنا بشأن ما حدث في 30 يوليوز 1972 والموقف من العمل النقابي، فقد استمرت زيارته لي كلما زار وجدة، وزيارتي له كلما حللت بالدار البيضاء. كان آخر لقائنا قبل خمسة عشر يوما من اغتياله، استفدت خلال هذا اللقاء بوجهة نظره في قضية الصحراء ولمست مدى إيمانه بمغربية هذه المنطقة وإني وإن كنت أعتبر أن "لو" أداة غير مشروعة في التاريخ ولكن ?والله أعلم- لو لم يغتصب المرحوم لكان مسار آخر لقضية الصحراء ولقضايا أخرى... أو لم يكن لغياب الشهيد المهدي بنبركة مضاعفات وتداعيات على الساحة الوطنية على الأخص فلم لا يكون لغياب الشهيد عمر بنجلون نفس التداعيات والمضاعفات؟ فإذا قيل عن أمثال عمر وهم قلة "إنهم هم الذين يعطون طعم الحياة، وأن العالم بدونهم يصبح شبه بركة ماء راكدة لأنهم لا يقدمون العظمة التي لم تكن موجودة قبلهم وحسب، بل يعرفون أيضا كيف يحافظون عليها" (فن الزعامة لأوجين جننجر ص 32) فإني أضيف "ولا يفرطون فيها بالمساومة والتنازل وينشئون عليها أتباعهم بالقدوة الحسنة والتشبث بقيم الإخلاص والاستقامة والوفاء والتضحية ونكران الذات، وتلك هي مواصفات عمر منذ التقيت به أول مرة إلى أن بلغني نبأ رحيله، وعند غيري ممن عاشروه الكثير مما ينضاف إلى سيرة عمر ومواقفه الوطنية والإنسانية... وأنهي حديثي ببيتين نظمتهما مباشرة بعد اغتياله:
نم قرير العين أيا عمر
ما ضاع نهج صغته أيا عمر
نم قرير العين يا عمر
ما تاه جيل قدته يا عمر
 
......

 نعيد النشر وفاء لذكرى الشهيد عمر بنجلون …


نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي في  18 / 12 / 2009

 تفاصيل الجريمة التي راح ضحيتها الشهيد عمر بنجلون



          وصل الخبر كالصاعقة، كقنبلة انفجرت، داخل جريدة «المحرر» يوم الخميس الأسود قبل أربع وثلاثين سنة، واهتزت لها أركان إدارة «المحرر»، ثم انتشر الخبر كالبرق، في أوساط المناضلين في الأقاليم، جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون الذي كان قبل الجريمة ببضع ساعات قد انتهى من كتابة ركن «بصراحة»، وهو الموعد الذي يغادر فيه مقر الجريدة بعد ظهر كل يوم.
          وقعت الجريمة يوم الخميس 18 دجنبر 1975، عندما كان الشهيد قد خرج من منزله حوالي الساعة الثالثة والربع بعد الزوال وتوجه نحو سيارته بشارع المسيرة الخضراء، حيث فوجئ بطعنة في ظهره وبضربة قوية على رأسه.
          تنظيم «الدفاع عن الإسلام»
          نفذت الجريمة في واضحة النهار وأمام منزل الشهيد، وأمكن القبض مباشرة على أحد المجرمين الذين شاركوا في تنفيذها، ثم اتسعت الاعتقالات لتشمل في نفس الليلة مجرمين آخرين، وبعد أسبوع قدمت المجموعة الأولى إلى المحاكمة حيث تم استنطاقها من طرف قاضي التحقيق بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء يوم 24 دجنبر 1975 وكان عددهم ثمانية، وبعد ستة اشهر اعتقلت مجموعة ثانية وهي توزع المناشير السرية، والتي تهجمت بكيفية قذرة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقادته، هذه المجموعة هي لتنظيم سري يدعى «الدفاع عن الإسلام»، وهو نفس التنظيم الذي وزع قبل ذلك منشورا يدافع فيه عن قتلة الشهيد عمر بنجلون.
          وكان من بين المعتقلين، الفقيه محمد الحمداوي، مدير مدرسة حرة بالدار البيضاء الذي سيطلق سراحه في 1976/07/09، رفقة بعض الشبان الذين اعتقلوا معه، وهم عم عبد الكريم مطيع، احد المسؤولين عن العصابة التي اغتالت الشهيد عمر بنجلون، وكان من بين المعتقلين في قضية المناشير التي هاجمت الاتحاد الاشتراكي بكيفية قذرة، بالإضافة إلى عبد اللطيف الحمداوي، وهو معلم بالدار البيضاء وذو قرابة عائلية مع عبد الكريم مطيع.
          كما قدم كمال إبراهيم إلى قاضي التحقيق، بعد اعتقاله في بداية سنة 76، عندما كان يحاول الفرار والخروج من المغرب عن طريق سبتة، ويعتبر من بين العناصر الأساسية في الشبيبة الإسلامية التي نفذت الجريمة، كما قدم إلى قاضي التحقيق جابر بن الحسن الذي وزع في بعض مدارس الدار البيضاء والرباط، وكذا بعض الكليات، منشورا مع ملصقات في نفس الموضوع لجمعية الشبيبة الإسلامية، المنشور يتحدث عن قتل عمر بنجلون وعن المتهمين في القضية وعلى رأسهم المسمى كمال إبراهيم الذي تم اعتقاله للتحقيق معه، وكذلك عن عبد الكريم مطيع الذي يقول عنه المنشور انه المرشد العام للشبيبة الإسلامية.
          لغز النعماني
          في شهر دجنبر 1977، الشرطة ستلقي القبض على محمد النعماني الذي كان في حالة فرار، وهو واحد من الجناة الذين ارتكبوا الجريمة الشنعاء ضد الشهيد عمر بنجلون، لقد لعب دورا كبيرا في تنظيم عملية تنفيذ جريمة الاغتيال، وهو الذي كان مسؤولا عن العصابة، وهو من أعطى الأوامر المباشرة، وهو من كان وراء عملية الاعتداء التي تعرض لها الأستاذ المنياوي بثانوية مولاي عبد الله، علاوة على عمليات أخرى. عبد العزيز النعماني هذا كان مسجلا بكلية الحقوق بالرباط بعد أن حصل على الباكالوريا المعربة عن طريق ثانوية لارميطاج «الأزهر».
          بدأت محاكمة منفذي جريمة الاغتيال يوم الجمعة 22 يوليوز 1979، بغرفة الجنايات التابعة لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في مقرها القديم الكائن بشارع فيكتور هوجو برئاسة السيد يحيى الصقلي، ومثل النيابة العامة السيد الأخضر أحمد.
          حسب قرار الإحالة، يتبين أن الأشخاص الذين توبعوا من أجل جرائم القتل العمد وتكوين عصابة هم:
1 – أحمد سعد  -2- مصطفى خزار  -3 – عبد المجيد خشان   -4- عمر أوزكلا  -5 – عمر حليم  -6– إبراهيم كمال – 7-  أحمد أوشعيب  -8- حسن جابر  -9- حسن كندي
          أما الذين توبعوا من أجل جرائم إعداد نزل لإخفاء مجرمين، والمشاركة في تكوين عصابة مجرمين فهم:
1 – أحمد العمري
2 – محمد شوقي.
          لقد تعاقب على التحقيق في القضية ثلاثة قضاة هم السادة: محمد الانصري الفيلالي، محمد الهرابدي، احمد الكسبيمي، كما أن الدفاع عن الطرف المدني طالب رسميا بالبحث عن اختفاء إحدى الوثائق الهامة من ملف القضية.
          استغرقت جلسة الجمعة 22 يوليوز 1979 زهاء ساعتين وانتهت بقرارين اثنين:
1 – تأجيل المحاكمة إلى أن يصبح الملف جاهزا
2 – رفض السراح المؤقت الذي طالب به دفاع منفذي الجريمة.
          ويظل أهم ما كشفت عنه الجلسة الأولى هي الحقائق التي أماط عنها اللثام دفاع الطرف المدني بلسان الأستاذ الحاج محمد الناصري، عن اختفاء وثائق أساسية ومستندات هامة من ملف القضية، وبالذات ملف المتهم كمال إبراهيم.
          آخر المعتقلين في هذه الجريمة النكراء، كما تمت الإشارة إلى ذلك، هو المدعو عبد العزيز النعماني الذي قبضت عليه الشرطة في شهر دجنبر 1977، وهو من هيأ للاغتيال ونفذ الجريمة يوم الخميس الأسود، متورط حتى النخاع في الاغتيال، استقر في إحدى المزرعات بين الدار البيضاء والجديدة حيث أقام سنة مختفيا عن الأنظار. في سنة 1976 استطاع عبد العزيز النعماني اجتياز مباراة الالتحاق بمركز تكوين الأساتذة، كما استطاع الحصول على وثائق إدارية من الكوميسارية التي كانت إعلانات البحث عنه وصوره معلقة على جدرانها، ولعل النقطة الأكثر إثارة للتساؤل والعبث، كما قال الفقيد السي عبد الرحيم بوعبيد، هي نقطة النعماني عبد العزيز.
          لقد كان هذا الاسم، اسم النعماني، محور كل أقوال المعتقلين، كما صدر الأمر بإلقاء القبض عليه ووزعت السلطات الأمنية صوره على كل مراكزها ومراكز الحدود، ولكنه اجتاز المباراة والملف في طور التكوين والبلاد تعيش على إيقاع الفاجعة!

          لماذا لم يقدم عبد العزيز النعماني للمحاكمة؟ لقد كتبت «المحرر» في هذا الصدد (12 دجنبر 1979): «هؤلاء منفذو الجريمة فأين مدبروها؟!»

           في ملتمس كتابي تقدم به دفاع الطرف المدني، تم التأكيد على حقيقة اعتقال عبد العزيز النعماني سنة 1977، وهو على أهبة مغادرة المغرب نحو اسبانيا، واستغرب الدفاع كيف لم يتم تقديم المتهم لقاضي التحقيق ولا للمحكمة، وحول هذا الموضوع وجه الفقيد السي عبد الرحيم بوعبيد رسالة إلى رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، يؤكد فيها: «اعتقال عبد العزيز النعماني من طرف الشرطة»، وتضيف الرسالة:»وقد أخبرت بهذا الحادث من طرف السلطات العليا في البلاد المكلفة بمتابعة المجرمين والسهر على أمن المواطنين». وفي بداية الثمانينات من القرن الماضي، ذكرت إحدى الأخبار أن النعماني تعرض لحادثة سير غامضة، لقي حتفه على إثرها، لكن شهر يونيو 2003 سيعرف نشر خبر عن اعتقاله وهو يحاول اجتياز أحد الحواجز الأمنية بالشمال، حيث ضبط لديه جواز سفر مزور، وحصل الاعتقال في إطار الاعتقالات التي طالت مجموعة من المتطرفين في سياق التحقيق في الحادث الإجرامي الذي عرفته مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003.
          اختفاء وثائق أساسية من الملف
          المحضر الإجمالي الذي حررته الضابطة القضائية على اثر اعتقال المسمى كمال إبراهيم، وتقديمه إلى السيد قاضي التحقيق بتاريخ 7 يناير 1976، يشير إلى أن من بين مرفقاته محضر للتفتيش والمحضر المتعلق باستنطاق المتهم. إلا أنه بعد 7 و8 يناير 1976، وبعد أن قدمت هذه الوثائق إلى قاضي التحقيق، تم اكتشاف اختفائها، وهي للإشارة وثائق تعتبر منطلقا من المنطلقات الأساسية للوصول إلى الحقيقة.
          كانت هيأة دفاع الأطراف المدنية تتكون من الأستاذين: محمد الناصري، عبد الرحيم برادة، والأطراف المدنية من عائلة الشهيد الصغرى، وعائلة الشهيد الكبرى، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. أماالشهود الذين حضروا في هذه المحاكمة فهم: لحفاظ علال بن صالح، حرشي ميلود، مصطفى القرشاوي، مصطفى القادري، ازيلا نزهة، بينما تغيب عن الحضور لعدم التوصل بالاستدعاء الشهود: السعودي عبد الله، بلملحمة بوشعيب، بن كيران عبد الرحيم. وكانت النيابة العامة ممثلة بالسيد أحمد الأخضر، وهيأة المحكمة تتكون من السيد يحيى الصقلي رئيسا، ومن السادة: الحرارفي، بن عمر، بن دريس، الغرباوي، الخمليشي، وكتابة الضبط السيد الحاج عبد الله أبو النعائم.
          استأنفت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء صباح يوم 10 دجنبر 1979 النظر في ملف الجريمة و شرعت غرفة الجنايات في مناقشة القضية حوالي الساعة التاسعة وخمس عشرة دقيقة من يوم 10 دجنبر 1979.
          في بداية الجلسة تقدم الأستاذ عبد الرحيم برادة باسم هيئة دفاع الطرف المدني بملتمس كتابي طالب فيه بتأجيل البت في جوهر القضية إلى أن يصدر قرار المجلس الأعلى في طلب النقض الذي تقدم به الدفاع المذكور إثر تأييد غرفة الاستئناف لقرار عميد قضاة التحقيق القاضي برفض فتح تحقيق حول اختلاس بعض وثائق الملف، كما طالب الدفاع في ملتمسه هذا بتقديم المتهم عبد العزيز النعماني الذي كان يوجد رهن الاعتقال والتحقيق معه، وإصدار أمر دولي بإلقاء القبض على المتهم عبد الكريم مطيع، وبعد المداولة قررت المحكمة تأجيل البت في جوهر القضية حيث رفعت الجلسة حوالي الساعة الثانية عشر والربع.

          مطيع والشبيبة الإسلامية

          عبد الكريم مطيع أسس جمعية الشبيبة الإسلامية سنة 1973 رفقة كمال إبراهيم على أساس مواجهة التيار اليساري التقدمي، وركزت الشبيبة الإسلامية في البداية عملها على المساجد والإعداديات والثانويات كأرضية لترسيخ خطابها السياسي.
          وأول عمل قام بتنظيمه هو تنفيذ مبدأ التكفير في حق مدرس من صفوف حزب التقدم والاشتراكية يوم 27 أكتوبر 1975، عندما تم الهجوم على الأستاذ عبد الكريم المنياوي بالسلاح الأبيض أمام ثانوية مولاي عبد الله بالدار البيضاء، حيث كان يدرس.
          عبد الكريم مطيع فر من عدالة المغرب، وهو محكوم عليه تارة بالمؤبد وتارة بالإعدام جراء تورطه في عملية إرهابية في كل من فندق آسني، بعد أن لطخ يده بدم الشهيد عمر بنجلون، وهو من أمر أعضاء الخلية التي كان يترأسها عبد العزيز النعماني بأن ينفذوا الأوامر الصادرة من النعماني، الشيء الذي استنتج منه أن عبد الكريم مطيع هو الذي أصدر الأوامر بتنفيذ الاغتيال بمشاركة نائبه في رئاسة الشبيبة الإسلامية إبراهيم كمال.
          وأشارت الشرطة القضائية بصفة خاصة في استنتاجاتها المضمنة في المحضر الإجمالي للقضية إلى أن جمعية الشبيبة الإسلامية قد أسسها إبراهيم كمال وعبد الكريم مطيع لغاية ظاهرة هي خدمة الإسلام، لكنها كانت تهدف في الحقيقة إلى التصفية الجسمانية للشخصيات السياسية والفكرية التي كان إبراهيم كمال وعبد الكريم مطيع يعتبرانها تحمل أفكارا مخالفة للإسلام، ثم إن هذه الجمعية قد توصلت منذ تأسيسها بدعم مادي ومعنوي مهم من شخصيات بارزة ومنظمات أجنبية لتحارب بالعنف المادي الأشخاص الذين يعتبرهم إبراهيم كمال وعبد الكريم مطيع ومساندوهما أعداء للإسلام. وقد أسست هذه الجمعية لهذه الغاية خلية عهد برئاستها إلى المسمى عبد العزيز النعماني بقصد تنفيذ جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون.محاكمة صورية
          شرعت غرفة الجنايات التابعة لمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء يوم 15 شتنبر 1980 من جديد في النظر في قضية المتهمين بتنفيذ الجريمة، غرفة الجنايات كانت مشكلة من السادة بوعسرية رئيسا وعضوية ابن عمر، العبدلاوي واعزيزي زواكو والحمزاوي عضوا احتياطيا، النيابة العامة مداح، كتابة الضبط أبو النعائم. ومثل أمامها في قفص الاتهام:
          أحمد سعد، مصطفى خزار، عبد المجيد خشان، عمر اوزكلا، عمر حليم، محمد مستقيم، أحمد العمري، محمد شوقي، إبراهيم كمال، حسن جابر، أحمد شعيب، حسن كندي (متهم في حالة فرار)، عبد العزيز النعماني (متهم في حالة فرار) عبد الكريم مطيع (متهم في حالة فرار) وكان المجلس الأعلى قد بت بصفة نهائية في مسألة اختفاء الوثائق، ونفى واقعة اعتقال المتهم عبد العزيز النعماني، كما اعتبر أن استدعاء بعض الشهود لا محل له، وأكد أن القضية جاهزة للحكم فيها.

   أما الطرف المدني فقدم ملتمسا حول

1 – استدعاء الشرطيين اللذين قاما بإجراء البحث قصد مقابلتهما مع المعنيين بالأمر، خاصة وان جلهم أنكر ما نسب إليه، أمام قاضي التحقيق.
2 – استدعاء المدير الإقليمي للأمن الوطني بالدار البيضاء قصد استفساره عن السبب الذي من أجله لم يستجب لطلب موافاة المحكمة بنسخ محاضر الشرطة المتعلقة بالاستماع للمتهم كمال إبراهيم.
3 – الاستماع إلى الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد الموجود بالجلسة في شأن توضيح الغموض الواقع في مسألة اعتقال النعماني في شهر دجنبر 1977. – وفي تصريحه، قال الأستاذ الناصري من هيئة دفاع الطرف المدني: «إن الجريمة سياسية، الغرض منها إسكات صوت أحد المدافعين البارزين عن الديمقراطية والاشتراكية في العالم الثالث، من طرف مجرمين مسخرين.»
          وقد أصدرت غرفة الجنايات التابعة لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء مساء يوم 18 شتنبر 1980 أحكامها على منفذي اغتيال الشهيد عمر بنجلون، وقرر الطرف المدني عدم تزكية المحاكمة، فأدلى الدفاع أمام الغرفة بتصريح يضع القضية في إطارها ويبين مسؤوليات السلطات الحكومية والقضائية التي لم تكن في خدمة الحق والعدالة، معلنا في الأخير انسحاب الطرف المدني وترك للمحكمة مسؤولية مواصلة المحاكمة دون مشاركة.
          وفي بلاغ له بتاريخ 19 شتنبر 1980، وضح المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي «إن محاكمة 18/15 شتنبر 1980 لم تكن سوى
محاكمة صورية»، وأكد «أن الاتحاد الاشتراكي الذي يهمه الوصول إلى الحقيقة والضرب على الأيدي المجرمة التي خططت ودبرت ونفذت
اغتيال الشهيد عمر بنجلون، لا يمكن إلا أن يعتبر ملف اغتيال عمر بنجلون مازال مفتوحا.»
............
 

كلمة الشهيد عمر بن جلون في افتتاحية المؤتمر الاستثنائي

مشاركةبواسطة حركة شباب الثورة » الأحد يونيو 12, 2011
نص الكلمة التي قدم بها الشهيد عمر بنجلون التقرير الإيديولوجي في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي. الدار البيضاء 10-11-12 يناير1975

أيتها الأخوات، أيها الإخوان، إن القرار بتحضير و عقد هذا المؤتمر الاستثنائي، كان تعبيرا عن اختيار جوهري و شامل. فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، و من وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة و المجهولة، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات و الاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973. و كانت الأعمال التحضيرية لهذا المؤتمر، انطلاقة فعلية في عملية توضيحية شاملة في المجال الإيديولوجي، و السياسي و التنظيمي، و يمكننا بكل اعتزاز أن نؤكد : بأن جميع المشاريع المطروحة على المؤتمر كانت ثمرة العمل الجماعي و النقاش الديمقراطي على مستوى القيادة و القاعدة. و بأن المؤتمرين ليس فقط منتدبين من القاعدة على أساس مقاييس نوقشت و حددت، و طبقت بصفة ديمقراطية، و إنما هم المعبرون عن آراء و ملاحظات جماعية كلفوا بتبليغها. و بأن مشروع التقرير المذهبي، الذي يحدد إطار استراتيجية الاتحاد و اختياراته الجوهرية، كان موضع نقاش في القاعدة منذ شهر. يمكننا أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر، بالرغم من أنه مؤتمرا مؤتمر استثنائي حضر و عقد في ظروف استثنائية، هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا. إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير و الأساليب، انه استمرار النضال و جدلية النضال، في ظروف اقتصادية و اجتماعية و سياسية في تغيير دائم. و القوات الاجتماعية المتصارعة هي نفسها تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال و ميادين الصراع اجتماعيا، و سياسيا، و إيديولوجيا. إن الاتحاد الذي يعيش الصراع، بل و يشكل محور الصراع عاش منذ تأسيسه تغييرات جذرية من حيث قاعدته الاجتماعية، و تنظيماته، و اختياراته المذهبية، و هذا إن على شيء، فإنما يدل على أن الاتحاد يشكل تجسيدا حيا للتطورات التي طرأت على المجتمع المغربي، و على مطامع الجماهير الشعبية من عمال، و فلاحين، و حرفيين، و مثقفين. و إذا كانت هناك تناقضات مازال الاتحاد يحملها في صفوفه، فإننا نعتز بها، لأنها تناقضات تحملها حركة تاريخية غير مختلقة، حركة تضمن استمرار و تقوية النضال التحريري الذي يخوضه شعبنا منذ 70 سنة، حركة يحضر مؤتمرها الفلاح الذي قاوم توغل جيوش الاحتلال في الربع الأول من القرن، و العامل الذي حمل السلاح للإطاحة بنظام الحماية، و الشباب الذي يناضل الآن من أجل التحرير و البناء الاشتراكي. فالذي يجمع بين هؤلاء، ليس مجرد اندفاع عاطفي، و لا مجرد وفاء لماضي قريب أو بعيد. إن الذي يجمع بينهم هو النضال الملموس الذي لا يتحقق بالكلام و الشعارات، و إنما بالتعبئة مع قبول كل التضحيات التي يقتضيها النضال الفعلي الملموس. إن الذي يجمع بين هؤلاء المناضلين، هو استمرار المسلسل الثوري الذي فجرته الجماهير، و الذي تم إجهاضه و تحريفه بحلول الاستعمار الجديد سنة 1956. إن الذي يجمع بينهم هو فكر و عزيمة مشتركة على أسس ثلاثة : 1- إرادة تصفية الهياكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الشبه الاستعمارية التي أطلق عليها لقب "التخلف". 2- الوعي بأن تصفية هذه الهياكل لا يمكن أن تتم إلا بالحل الاشتراكي، هذا الحل الذي لا يمكن أن يطبق إلا بالاعتماد على الجماهير، و بالتالي لا يمكن أن يطبق إلا بالتصميم الاشتراكي مع ما يقتضيه من مؤسسات ديمقراطية شعبية تحدد الاختيارات، و تسهر على تنفيذها بتعبئة الجماهير، و بجهاز دولة خاضع لارادة الجماهير على المستوى المحلي، و الجهوي، و الوطني. 3- بلورة هذه الإرادة و هذا الوعي في تنظيمات حزبية فعالة، قادرة على تعبئة الجماهير، تعيش و تنمو بممارسة مبدأ المركزية الديمقراطية و بكيفية تجعل منها أداة لتحقيق الأهداف، و كذلك نموذجا و مثالا للمجتمع الذي نعمل من أجل تشييده ببلادنا. هذه هي المنطلقات التي تجمع بين المناضلين بمختلف أصنافهم و سنهم. هذا الاتجاه هو الذي يعبر عنه مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة منذ شهر، و تعبر عنه استراتيجية الاتحاد في المرحلة الراهنة، و تعبر عنه التغيرات المقترح إدخالها على القانون الأساسي للاتحاد و التطورات التي عرفتها تنظيمات الاتحاد، و تعبر عنه كذلك مختلف التقارير الفرعية المعروضة على لجان المؤتمر و التي تطرح الحلول كما يراها الاتحاد في المدى القريب، في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي و الفلاحي، في ميدان الثقافة و التعليم و الشباب. أيتها الأخوات، أيها الإخوان، نعم، إن تحضير وعقد مؤتمرنا هذا، يشكلان انطلاقة حاسمة في عملية توضيحية تشمل جميع مجالات حياة شعبنا. عملية توضيحية شاملة تضع حدا لكثير من التساؤلات و تحبط كثيرا من مناورات التزييف و التضليل في هذا الظرف الدقيق الذي يعيشه شعبنا المهدد بالمجاعة في الشهور القليلة المقبلة، و الذي لم يبق لديه إلا الدعاء من أجل المطر. و في إطار هذه العملية التوضيحية، حررت اللجنة التحضيرية للمؤتمر، مشروع التقرير المذهبي الذي ناقشته القاعدة و الذي سوف تناقشه اللجنة الإيديولوجية للمؤتمر على أساس الملاحظات و الاقتراحات الواردة من الخلايا، و الفروع و الأقاليم. لذلك فلا حاجة في قراءته أمامكم، خصوصا و أن اللجنة التحضيرية حضرت وثيقة توضيحية مطولة أخرى في شكل دروس مفصلة سوف يتوصل بها كل إقليم لإقامة مدرسة تكوينية بمساعدة الإطارات الحزبية. إلا أن اللجنة التحضيرية ارتأت أن تكلف مقررها بأن يعرض أمام كافة المؤتمرين الاعتبارات التي وضعتها نصب أعينها عندما حررت مشروع التقرير المذهبي. فالاعتبار الأول : يتعلق بالأسباب و التساؤلات التي نحن ملزمون بالجواب الواضح عليها، كحركة اشتراكية تعمل من اجل تعبئة طاقات المستقبل في ظروف و في قطر يسود فيه انعدام المقاييس و تطغى عليه أساليب الخلط و التضليل. و الاعتبار الثاني : يهم منهجية و كيفية طرح المشاكل و الحلول، أي قضية المفاهيم و الأسلوب العلمي في التحليل، و نعني بذلك أسلوب التحليل التاريخي و الجدلي، الشيء الذي يلزمنا بتوضيح ما نسميه بالاشتراكية العلمية و التأكيد على أننا لا نرى تناقضا، بل نرى تكاملا مثمرا بينها و بين المبادئ و التقاليد التقدمية لحضارتنا العربية الإسلامية. و الاعتبار الثالث : المستخلص من الاعتبارين السابقين، يتعلق بضرورة رفع كل لبس و إبهام حول نوعية المجتمع الاشتراكي الذي نطمح إلى بنائه، و خصوصية هذا المجتمع، و الارتباط الوثيق بين التحرير، و النمو، و الديمقراطية، و البناء الاشتراكي كجوانب من استراتيجية واحدة شاملة، و كذلك الارتباط بين الأهداف و بين طرق و وسائل تحقيقها. هذه هي الاعتبارات التي يجب توضيحها بإيجاز لأنها لا تفسر شكل و مضمون و مشروع التقرير المذهبي فقط، و إنما تشكل منطلق جميع التقارير و المقترحات المعروضة على المؤتمر. الاعتبار الأول : ضرورة نظرة واضحة شاملة كمنطلق و إطار لجميع مخططاتنا الاستراتيجية و تصرفاتناالتكتيكية أيتها الأخوات، أيها الإخوان، إن الاتحاد لا يزعم الإتيان بإيديولوجية جديدة، أو باشتراكية خاصة قد يطلق عليها نعت من النعوت. إن الاشتراكية واحدة، كمنهجية و كهدف، قوامها الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج و التبادل، يتصرف فيها المنتجون بواسطة تنظيماتهم و جهاز الدولة الذي يكون في خدمتهم و تحت مراقبة تنظيماتهم الحزبية و المهنية. و كل ما عدا ذلك، ما هو إلا تضليل و خلط، باعتبار أن التضليل و الخلط يشكلان نوع أساسيا من أنواع القمع الذي تمارسه الرجعية و الطبقات المستغلة. إن التضليل لسلاح فعال لديها في مواجهة حركات التحرير الشعبية، سلاح يمكنها أولا و قبل كل شيء من إخفاء هويتها الحقيقية و دورها الحقيقي و من إخفاء الأسباب العميقة و القارة في قمع و مطاردة المناضلين. إن الاعتبار الأول هو، إذن، ضرورة التوضيح الشامل لطبيعة و خصوصية الصراع الاجتماعي و السياسي في ظروف ما يسمى بالتخلف، و محاربة التخلف، و النمو و غير ذلك من الشعارات التي فرضت نفسها على بلدنا مع الثقافة و المفاهيم التي غرسها، و مازال يغرسها، مفكرو الإمبريالية، فنيوها. إن هؤلاء المستشارين هم الذين يزودون الرجعيات المحلية بالشعارات و الوسائل التضليلية المختلفة، و يملون عليها الحلول المناسبة لكل ظرف، ليضمنوا استمرار المصالح الاستعمارية و الأساسية، و إبقاء أقطارنا مندمجة في نظام الاستغلال العالمي. و الآن، و قد دخل هذا النظام في طور الانهيار، بتفاقم أزمة الطاقة و التضخم المالي، و بفضل الضربات التي تلقاها من حركة التحرير الشعبية في القارات الثلاث، نرى المسؤولين في المغرب يدقون ناقوس الخطر، و ينبهون إلى عدم حرية التصرف الخارجي التي نسميها باسمها الحقيقي منذ 15 سنة، نسميها التبعية. و لكن الحلول التي يلجؤون إليها، ما هي إلا تدابير تابعة لتقلبات السوق العالمية كما هو الشأن منذ 1960، منذ أن أجهضوا محاولة التحرير الاقتصادي و أوقفوا تغيير الهياكل الاقتصادية، و أجهزة الدولة. هناك إذن إصرار على الاستمرار في خطة ما يسمى بالليبرالية و بالمغربة، أي تركيز الهياكل الاقتصادية الاستعمارية بتركيز أو خلق طبقة مغربية تحل محل الرأسماليين و المعمرين الأجانب. و في هذا الاتجاه، فإن التأميمات، و اتساع القطاع العمومي و الشبه العمومي، لا تعني رجوع قطاعات من الإنتاج و التبادل إلى الأمة. لأن جهاز الدولة ليس في خدمة الأمة، و إنما في خدمة الذين يركزون هياكل منافية لمصلحة و تحرير الأمة من الاستعمار الجديد. إن تولي الدولة قطاعات واسعة في الإنتاج، و التصرف، و المبادلات، يدل في الحقيقة عن عجز البورجوازية على تحمل مخاطرات الإنشاء و التصنيع و استعمالها الدولة و القطاع العمومي كأداة تسير تجارتها و منشآتها المتأخرة، و كوسيلة تضع رهن إشارتها أموال و ممتلكات الأمة. لذلك، فإن مشروع التقرير المذهبي ركز الانتباه على كل المفاهيم المتعلقة بما يسمى بالتخلف، و حلل طبيعته و مصادره الحقيقية بكيفية تزيل اللبس و الإبهام حول الحلول التي يقترحها الآن فنيو الإمبريالية أنفسهم مثل الإصلاح الزراعي، و التأميمات و العدالة الاجتماعية، مادامت طبيعة الإنتاج لا تتغير، و مادامت دواليب الإدماج في النظام الاستغلالي العالمي تتعزز، لأن التبعية لا يمكن إلا أن تتعزز. إن مشروع التقرير يهدف من خلال هذا التحليل إلى إبراز الوحدة الحتمية بين تعزيز دواليب التبعية، و بين تصاعد سرعة التدهور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي للجماهير الشعبية. و أمام هذه الحقيقة التي يعرفها و يعيشها الجميع، نرى المواقف منذ 15 سنة لا تعبر إلا عن الحسابات السياسية و التكتيكية. هناك من يسطر البرامج المتمثلة في قائمة الطلبات دون الربط بين الأهداف ببعضها و دون التعريف بالوسائل و الطرق التي يراها ناجعة لتحقيق هذه الأهداف. و هناك من لا يميز ببين الوطنية، و بين مغربة الاقتصاد، في حين أنه يطالب بالعدالة الاجتماعية. و هناك من يرفع منذ 10 سنوات شعار "التغيير الجذري للهياكل الاقتصادية و الاجتماعية لصالح الجماهير" دون أن يوضح المضمون العلمي هذا التغيير، لاسيما و أنه يرفض مسبقا أن تشارك الجماهير في انتخاب المؤسسات التي قد تحدد مضمون هذا التغيير و طبيعة الهياكل و الإصلاحات الجذرية المزعومة. و هناك من يكتفي بترديد نفس الشعار، و الإشادة بالدور الطلائعي التاريخي للطبقة العاملة، دون الكلام عن الكيفية العملية، و النضالات الفعلية التي قد تعطي مدلولا ملموسا لهذه الشعارات. و هناك من يدعو إلى الواقعية باسم الاشتراكية العلمية، واقعية تنتهي إلى تكرار نفس الشعارات و الخطط رغم تغيير الواقع و معه ظروف و معطيات الصراع الاجتماعي و السياسي. هكذا استمرت المواقف و البرامج و الشعارات المبنية على التحليل المجرد، على تفكير و استراتيجيات سياسية تحاول التكيف مع تغيرات الأوضاع السياسية العابرة. و الحقيقة أن هذا الخلط راجع في الأصل إلى انعدام المقاييس، و تعود القيادات السياسية منذ بداية الاستقلال على ممارسة الصراع السياسي في شكل البلاغات و التجمعات الإخبارية، و الاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري. و هكذا بقيت التوعية أسلوبا منعزلا عن النضال الفعلي بحيث ينتهي الأمر عمليا إلى تركيز أساليب برلمانية بدون برلمان، و إلى الكلام عن التمثيلية بدون مقاييس و مؤسسات تمثيلية. لكن مخزنة أجهزة الدولة استمرت في نفس الوقت بجميع نتائجها، مع جدلية الصراع الطبقي، و جدلية الأحداث و الواقع المادي الملموس الذي تعيشه الجماهير الشعبية و الذي لا يقبل التحليلات المجردة كانت نزيهة أو مغرضة. و من جملة الجماهير الشعبية، هناك الشباب بصفة خاصة، الذي لا يهمه الماضي، و نضال الماضي، و إنما يهمه واقعه و مستقبله الذي يراه مظلما. و الشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا، يرفض التعقيد و الغموض و الالتواء، و يطمح إلى الوضوح و إلى فكرة شاملة و منسجمة، فكرة لا تبرر الواقع و الإخفاق، و إنما تعبر عن الواقع، و عن الحلول الضرورية من اجل تغييره. انه متعطش إلى الانسجام الفكري، و يبحث عنه، بحيث نرى طاقاته تتجه : إما نحو نماذج اشتراكية مجردة و تقليد تجارب الشباب الأوربي الثائر، و ذلك باسم الماركسية اللينينية. و إما نحو البحث عن نموذج المدينة الفاضلة في عهد عمر بن الخطاب و الانغماس في الطرقية و الصوفية التي يصرف فيها يأسه و طاقته.
 ..................

رسالة من الشهيد عمر بنجلون الى المحجوب ابن الصديق...

مُساهمة من طرف منصور في الإثنين 22 يونيو 2015 -
الأخ المحجوب، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل

للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية.
الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة «الطليعة».
اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي. كان لابد لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار.
أقول شرف. لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب أن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية.
وهذه المرة، لا أستطيع للأسف، أن أتحدث ( تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسئولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة، وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى قبو.
تعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشية كثيرا ما تعرضت له السنة الماضية، لأن الأمر في المرة الأولى كان مجرد تهديد.
تصرف أخرق كذلك أصر على أن أحكي تفاصيله. أتوجه إليك بصفتك الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي انأ احد مناضليه، كما أنني أحد مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أنت احد قادته الذين رسموا «توجهه وعقيدته».
اسمح لي أن اعتبر بأن الأمر يتعلق بخطأ آخر يرتكب باسم الاتحاد المغربي للشغل والطبقة العاملة. وأن أذكرك بالأسباب العميقة التي تقف في رأيي وراء كل هذه الأخطاء. كل هذا التعبير عن «متمنيات» فيما يخص المستقبل (الذي يهمني بالمقام الأول).
اسمح لي أن أواصل الاعتقاد بأنك لم تشك أبدا في رغبتي الصادقة في خدمة الطبقة العاملة. طليعة الطبقات الشعبية في كفاحها ضد استغلال الفيودالية الاستعمارية.
اسمح لي أيضا أن آمل أنك سترى في هذه الرسالة، تعبيرا عن الألم الذي أحسه لأنني قدمت وعوملت كعدو للطبقة العاملة.
واسمح لي أخيرا أن أعتبر أن الصمت في مثل هذه الظروف، سيكون خدمة موضوعية تقدم للنظام الفيودالي، الذي استفاد من الصمت الذي أحاط منذ زمن بعيد بالأخطاء المتراكمة.
وإليك أولا تفاصيل الإحداث، ثم الأسباب العميقة وراء هذه الممارسات وأخيرا بعض الخلاصات و«المتمنيات» بالنسبة للمستقبل.

تفاصيل الأحداث
لا يمكن أن نعزل ما وقع لي عن الأحداث التي وقعت لك (أنت أو مساعديك) مع فيدرالية البريد.
منذ 25 دجنبر، تاريخ انتخاب 8 مندوبين من البريديين بالرباط للمؤتمر (ومن بينهم أنا) لم تتوقف الأحداث.
تشبثت بتعيين المندوبين إلى المؤتمر، كما هي العادة، عبر أشخاص معينين. وبعد عدة محاولات، وجه إليكم المكتب الفيدرالي والمكتب المحلي للرباط وسلا وفودا ورسائل وبرقيات تعبر كلها عن تشبثها بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى المؤتمر.
كل المندوبين القادمين من كل الفروع اجتمعوا يوم الجمعة ابتداء من الثالثة مساء ليقرروا في الموقف الواجب اتخاذه أمام صمت المركزية، وقرروا بالإجماع رفض تعيين المركزية للمندوبين والبقاء متضامنين مع الإخوة المنتخبين، خاصة معي شخصيا (بعدما أخبروا أن تواجدي انأ هو الذي يطرح مشكلا).
وكان آخر وفد معين قد عقد لقاء مع ممثلي المركزية (بينهم، عبد الرزاق، عواب وعمور)، وأخبر الوفد أنه فيما يخصني حتى وان كنت مندوبا، فإنني لن أدخل المؤتمر...
وقرر اجتماعنا الذي عقد بعد ذلك في الساعة العاشرة ليلا، بأن البريديين مجتمعين سيتوجهون إلى المؤتمر، وسيتحاشون الرد على أي استفزاز، وينتظرون حتى يتم قبولهم، كان مقررا أن نجتمع يوم السبت في الثامنة صباحا بالمقر المحلي للبريد بالدار البيضاء.
تجمع جزء من المندوبين، نبهت الإخوان، انه في انتظار وصول باقي الوفود، سأتوجه رفقة الاخ بلمليح لرؤية إن كانت الوفود قد بدأت دخول قاعة الاجتماع ، كانت الساعة حوالي 8 صباحا و20 دقيقة.
أوقفت سيارتي بشارع الجيش الملكي ومررت أمام قاعة الأفراح (دون أن أسير حتى فوق الرصيف). وعند عودتي الى سيارتي، وجهت التحية للاخ عمروق، وهو بريدي متفرغ بالمركزية، الذي بدأ يتهمني «بالتآمر» و«بالتشويش»... وصفع الأخ بلمليح.
كان رد فعلي الوحيد هو أنني أخذت الأخ بلمليح إلى السيارة عندما تلقيت عدة لكمات من طرف عنصر كان متواجدا جدا بجانب عمور (كاتب نقابة البتروليين، الذي تمت ترقيته الآن إلى عضوية المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل). وبيما كنت أتعرض للاستفزاز (وهو اختصاص يتقنه عمور) واصلت طريقي دون أن أرد بأي فعل. ومن بين الحاضرين تعرفت، الى جانب عمور وعمروق، على عواب (الشبيبة العمالية، المديوني (القطاع الخاص) وبوشعيب الريفي (الضمان الاجتماعي).
ولكن العنصر الذي هاجمني في المرة الأولى التحق بي مجددا وجرى نحو عمور، وأثرت انتباه هذا المسؤول الى ما كان يجري أمام عينيه. في هذه اللحظة بالذات، صدر الأمر بصوت مرتفع «أمسكوه»، حملتني عصابة من 6 إلى 7 عناصر نحو قبو قاعة الأفراح.
عند الوصول، كان «الأمر الصادر» هو عدم ضربي. ولكن بعد حوالي 20 دقيقة، وتحت اشراف شخص يدعى قويدر، تعرضت لمدة نصف ساعة للضرب بالأيدي والأرجل في جميع أطراف جسدي. كانت العملية تتوخى إجباري على «الاعتراف» بأنني أنتمي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وأمام إصراري، تم تقطيع ملابسي بآلة حادة وفي نفس الوقت كنت أتعرض للتهديد بتشويه وجهي.
هذه الحصة الأولى من التعذيب انتهت عندما جددت التأكيد على انتمائي الى فيدرالية البريد التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وأعلنت بوضوح أنهم لن يستطيعوا أبدا إرغامي على تأكيد الانتماء لا إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ولا إلى أي منظمة معادية للاتحاد المغربي للشغل.
تم اقتيادي إلى عمق القبو، وأعطي الأمر بعدم التحدث إلي، تلتها حصة أخرى من الضرب (كانت قصيرة) كانت الساعة تشير إلى حوالي 10.
«حراسي» جلبوا لي وجبة ساندويش وبعض الماء، بل إن أحدهم اشترى لي سجائر.
حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، حضر مسؤول نقابي صحبة اثنين من بين الحراس الذين ضربوني. أوضح لي أنه لولا تدخل المسئولين، لتم اختطافي وأوضح لي أنه لا يجب أن ألوم إلا نفسي و«الذين أرسلوني».
أجبت أنني لست مشاغبا، ورد علي بأن« شارع الجيش الملكي هذا اليوم في ملك العمال الذين لا علاقة لهم بالسياسة ولا يعرفون إلا الخبز، وأضاف أن العمال لا يعرفون لا البصري ولا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل يعرفون فقط المحجوب وما يقرره» ووصف مرجعياتي لفيدرالية البريد بأنها «تحليلات على طريقة الزيتوني» ورغم أنه يمكن لفيدرالية البريد أن تذهب إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب.
حوالي الثامنة والنصف ليلا، أخذوا مني أوراقي التي أعادوها إليَّ على الفور. ثم انطلقت حصة جديدة من اللكم والرفس والضرب بالهراوات. تمت سرقة النقود التي كانت معي وكذلك ساعتي. هذه الحصة من التعذيب كانت فيما يبدو لي، بمبادرة من أكثر الحراس وحشية، كان يريد الاستيلاء على حاجياتي.
بعد عشر دقائق، تم اقتيادي أمام باب القبو، ونصحوني بعدم التحرك. ولكن بعدما اكتشفت عدم وجود أية حراسة، انصرفت معتقداً أنني هربت، في الواقع فهمت فيما بعد بأنه:
ـ دقائق بعد ذهابي، تم استقدام بعض من طرحوا المشكل، إلى القبو «ليتأكدوا» بأنني لم أكن هناك.
ـ أصدقائي مندوبي البريد رغم أنهم ابتعدوا على الجانب الآخر من شارع الجيش الملكي، تعرضوا للهجوم بعدي حوالي 10 و 30 دقيقة، ولم ينجوا (حتى من تدخل الشرطة) سوى بانحسار مرور السيارات في الشارع.
ـ عراب قدمني أمام الملأ كعميل للأمريكيين جاء لنسف المؤتمر، وذلك لإذكاء حماس من كانوا يحملونني الى القبو (عراب الذي أكد شخصيا أنه كان متفقا معي إيديولوجيا).
ـ جميع رفاقي في البريد، قدموا للطبقة العاملة وللمندوبين الأجانب كعناصر استفزازية تابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وللشرطة كعناصر موجهة من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
ـ بعض المسئولين النقابيين كانوا يعطون الموافقة الأولية للشرطة (التي لم تتدخل في أية لحظة).
هذه هي الوقائع الثابتة. عنف لا اسم له مع حياد متواطئ من الشرطة ثم السب البذيء، وأخيراً السب الرسمي من طرفك أنت من منصة المؤتمر ضد فيدرالية البريد والحركات التقدمية في هذا البلد (وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)،الذي تنتمي أنت ونائبك عبد الرزاق لأمانته العامة.
وهذا العنف الذي مورس ضد البريديين ذنبهم الوحيد أنهم ظلوا متشبثين بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الذي تشكل فيدرالية البريد «حصنه» حسب قولك.
أود أن أنبه أنني أفضل عدم الرد على مزاعمك المتعلقة بعدد البطائق التي بيعت بالرباط والاشتراكات التي دفعت (هذا سيقودنا الى قضايا «شخصية») لماذا كل هذا؟
حتى وإن لم تعد بحاجة للبريديين (كما قلت)، حتى وإن كنت قد قررت الاستغناء عن «المدرعات» وكنت قد دخلت في مرحلة نزع السلاح، فإن ذلك لن يكفي لتفسير مثل هذه الأساليب غير السلمية.
لا أقول بأنك قررت شخصيا تنفيذ هذه العملية، ولكنها تمت بأمر وبحضور مسئولين في المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل الذين كانت لهم كل المبررات ليعتقدوا أن لهم الضوء الأخضر وواجب عدم ترك الفرصة تمر.
وسيكون من التفاهة تصديق تأكيداتهم السابقة (وهي تؤكد الطابع المتعمد للعملية) ولأن المستقبل هو الذي يهمنا يتعين استغلال هذه الأحداث لتحليل الأسباب العميقة للمرض.
في الواقع لم يكن حضوري في المؤتمر مرغوبا فيه، لم يكن مرغوبا في حضور البريديين الذين يقدمونهم موجهين من طرفي، لم يكن مرغوبا كذلك في حضور العديد من مناضلي فيدراليات أخرى للاتحاد المغربي للشغل أو بعض الاتحادات المحلية.
لم يكن مرغوبا في تواجد هؤلاء لأن هناك تخوفا من طرح وجهة نظر هؤلاء المناضلين الصادقين حول:
- الدور الطليعي الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة في حركة التحرير
-ضرورة ممارسة الديمقراطية الداخلية من أجل الحفاظ وتطوير وحدة الطبقة العاملة على أسس ثورية.
- خطر التحييد السياسي للطبقة العاملة والتقوقع البسيكولوجي والسياسي الذي يحاول البعض إقامته بين الطبقة العاملة وباقي الطبقات الشعبية.
- الخطر المحدق بوحدة وقوة الاتحاد المغربي للشغل، الخطر الناتج عن بعض الممارسات التي أضعفت كثيرا قتالية النقابات التي أصبحت في بعض الحالات هيئات للمنع الممنهج للإضرابات، أو فقط مجرد هيئات شكلية في خدمة بعض المصالح الشخصية.
تعرف جيدا وجه النظر هذه ومن يدافع عنها لمصلحة الطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل. لم تحاول أبدا أخذ ذلك بعين الاعتبار على العكس تعتقد أن ذلك موجه ضد شخصك كان لك دائما رد فعل دفاعي قادك إلى التغطية إن لم يكن تشجيع كل الذين كانت مصالحهم وارتباطاتهم تعطيهم كل الأسباب لمحاربة التقدميين.هذا العداء المتجذر والذي يتم تشجيعه وتنظيمه إلى أن يتحول إلى نسف من داخل الحركات التقدمية، خلق دوامة التضامن الواعي واللامشروط بين جميع هذه العناصر التي تلتقي مصالحها.ولكن كيفما كانت السوابق والمعرفة التي اعتقد أنني اكتسبتها عن الجهاز وأساليبه، لم أكن أتصور لحظة أن هذه الدوامة بلغت هذا الحد والى هذه الأساليب التي لا نستطيع حتى وصفها بالفاشية، أساليب موجهة ضد فيدرالية بأكملها.وربما هنا يكمن خطئي الحقيقي، هل علي ألا ألوم إلا نفسي؟ (كما أوضح لي ذلك المبعوث الذي حضر إلى القبو)،لا، لأن شخصي، في كل الأحوال، لا يهم في هذه القضية.
انأ انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) سياسة وعقلية سمحت تدريجيا بإقامة جهاز يتشكل من عناصر، اعتقد أن بعضهم لم تعد له أية روابط لا اجتماعية ولا إيديولوجية ولا عاطفية مع الطبقة العاملة.أن أنتقد (ونحن كثيرون في ذلك) أساليب لا تشرف منظمة عمالية أنتمي إليها، أساليب ما كانت لتقع إلا لأن لاشيء وقع من أجل الخروج من دوامة الممارسات المزدوجة، والغبية التي لا تشكل كلمات «عمال» ، «خبز»، «سياسيين» «متطرفين» «يساريين» سوى ذرائع تستعمل حسب ظروف ومصالح «النظام».
أنا انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) العداء المتواصل ضد الوطنيين والتقدميين الصادقين الذين أظهروا صلابتهم والسلاح في أيديهم ضد الاستعمار أو الذين هم مثلي مناضلون شباب التحقوا حديثا بالكفاح ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية (التي تخدم «الجهاز» و«الدوامة» التي ذكرت موضوعيا مصالحها. هذه هي الممارسات التي انتقدها.
أما مؤتمرك، مؤتمركم لن يحل شيئا في الجوهر، فتشكيلته، وتوجهه، وقراراته... كل ذلك ليس سوى نتاج جديد «للدوامة» التي يستفيد منها البعض ويكون البعض ضحيتها (مؤقتا).
فالدور الطليعي للطبقة العاملة حتمي، والتاريخ الكوني وبعض المؤشرات التي تظهر منذ مدة داخل الطبقة العاملة المغربية تؤكد ذلك.
وجهت إليك هذه الرسالة لأقول لك كل هذه الأشياء، هذا الحادث كان مناسبة لكتابتها بالحبر على الورق مع «متمنياتي» بالنسبة لسنة 1963 وهي كالتالي:أمل إلى ما أسمته خلاصاتي بالنسبة للمستقبل (الذي وحده يهمني)
- أتمنى أن يقوم كل واحد بالتصحيحات الضرورية بإعطاء المفاهيم الثورية كل محتواها الحقيقي، بدل استعمالها مناسباتيا كذرائع في خدمة التشهير والتجريح.
أتمنى أن تنتصر الحكمة والتبصر في آخر المطاف لتحاشي أن يصبح كل واحد سجينا لدوامة أطلقها بنفسه أو أن يستسلم أكثر فأكثر للأمر الواقع.
أتمنى بالخصوص أن تكون هذه الرسالة مساهمة في تصحيح بعض الأخطاء حتى لا يمنع أي شيء الطبقات الشعبية تحت قيادة الطبقة العاملة من التحرر من قهر الفيدرالية والاستعمار والانخراط بأسرع ما يمكن في بناء الاشتراكية.
أتمنى أخيرا ألا يكون كل ما سبق، مرة أخرى محسوب على ما يمكن أن يكون لدي (ولدى آخرين) من «انتهازية» و«تطرف» و«يسارية»... أو فقط «نذالة».
مع كل إخلاص لقضية الطبقة العاملة وللاتحاد المغربي للشغل ولكل الحركات التقدمية.

عمر بنجلون
..................

عبد الحميد أمين: الشهيد عمر بن جلون خاض صراعا قويا داخل الاتحاد المغربي للشغل ضد البيروقراطية




كشف عبد الحميد أمين، عضو الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل، التوجه الديمقراطي، أن الشهيد عمر بن جلون خاض صراعا قويا داخل الاتحاد المغربي للشغل، ضد البيروقراطية، ورغم ما تعرض له من تضييق وصل إلى حد التعنيف، أدخلوه "لا كاف" والسرداب وأشبعوه ضربا، ولم يفكر أبدا، في الانفصال، ولما ضيقوا عليه الخناق في نقابة البريد، لجأ إلى الأمر نفسه الذي لجأنا إليه، خلق نقابات تابعة للاتحاد المغربي للشغل، واستمر، ولم يقع الانشقاق إلا في 1979، حين تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، أي بعد خمس سنوات تقريبا، على استشهاده، مشيرا إلى أن الأمر نفسه سار عليه أعضاء الاتحاد المغربي للشغل التوجه الديمقراطي أسسوا نقابات لتدبير الصمود، من داخل الاتحاد.
وأوضح أمين أن بنجلون كان وحدويا، ويعرف قيمة الوحدة النقابية، وأنه كان يؤمن بالوحدة النقابية، مسترسلا "وأنا أيضا أعرف قيمة الوحدة النقابية، وما يشهده الواقع النقابي يؤكد أهمية الوحدة النقابية"، موضحا أن "هناك العجب المعجب في الاتحاد المغربي للشغل، هناك الاتحاد الدستوري وأيضا البام، ولم نكن مكتوفي الأيدي، وكنا نقاوم"، متابعا أن "استقلالية النقابة في تنوع مكوناتها، وشي حاض شي، هناك اليسار، من إلى الأمام، و23 مارس، والنهج الديمقراطي، والقاعديين، إلى جانب البام، والتقدم والاشتراكية، الاتحاد المغربي للشغل مستقلة مبدئيا، وحين يحضر المبدأ حينها يمكن الصراع من أجل تثبيته، الديمقراطية والاستقلالية، والتقدمية والجماهيرية، والوحدة والتضامن".
ولم ينف أمين أن هناك تأثير للمخزن، وتأثير الباطرونا، على الاتحاد المغربي للشغل، لكن يقول هناك أيضا، تأثير اليسار، وفي الأخير إن ما يفرز هو احترام المبادئ.
.....................



المتهم الرئيس في مقتل بنجلون يعتذر للشيخين مطيع وكمال

المتهم الرئيس في مقتل بنجلون يعتذر للشيخين مطيع وكمال
قدم مصطفى خزار، المتهم الرئيس في قضية مقتل القيادي النقابي عمر بنجلون والعضو في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، اعتذارا للشيخ إبراهيم كمال والشيخ عبد الكريم مطيع.
وقال مصطفى خزار في كلمته التي ألقاها مساء الجمعة 25 من ماي الجاري في حفل تكريم للشيخ إبراهيم كمال بالدار البيضاء، والذي نظمه حزب النهضة والفضيلة، " أوجه اعتذاري للشيخ إبراهيم كمال والشيخ عبد الكريم مطيع، لأنني تسببت لهم في محنة السجن بالنسبة للشيخ إبراهيم كمال ومحنة النفي خارج الوطن بالنسبة للشيخ عبد الكريم مطيع".
هذا ويشار إلى أن مصطفى خزار، المتهم الرئيس في قضية مقتل عمر بنجلون يعيش شللا جزئيا، بينما يعيش المتهم الثاني في نفس القضية، ويتعلق الأمر بـ "حليم عمر" شللا نصفيا بسبب الفترة التي قضاها في السجن.
........................

وأنا بتاونات يوم 19/12/1975أقتني جريدتي المفضلة يومها (المحرر) .. كانت الصدمة الكبرى ، على صفحتها الأولى الصورتين والخبر الفاجعة :




لابد من وقفة مع الحدث ..
وهل من حدث أكبر يومها ،غير جريمة اغتيال الشهيد عمر يومها؟
بم سأقف هنا ؟ ما ذا سأقول وأحكي ؟
وهل سأوفق ؟
في القراءة ..
ولضمان ذلك ولو بنسبة أقل ، سأبحث بملفاتي عما قد يسعفني وسأقتبس من هنا وهناك ، وها قد اخترت :
" إن اغتيال عمر كان ، و لو مرحلياً، ورقة مربحة في رهان قوى الظلم والظلام التي أثبتت الوقائع أنها لا تخاف الزعامات الرسمية والشكلية ، لأنه يسهل تدجينها من موقع حرصها الأجوف على الزعامة ، بقدر ما تخاف من الطاقات المنتجة النابضة بالحركة و الاصرار على الفعل والعطاء… "

1 – سيرة الذات أو فصل من سيرة الشبيبة.
قبل الأوان غادرنا طفولتنا ... بل حتى قبل أن نكون أطفالاً ...
لم نعرف من صبانا غير فقر آبائنا المسكون بكرامة مجهضة ... كنا نتابع خطواتهم المثقلة بمرارة دفينة : أفجأة كلها الأحلام تتهاوى ؟ كانوا يتساءلون . وعلى هدي من فقرهم كنا نسير ، فهم قرابين الفداء ، من دمهم أعطوا للوطن ، وحبا فيه أذابوا أجسادهم ، وفي منتهى المطاف تتصاعد من قمقم العذاب فجيعة بلون محلي أكثر شراسة من الفجيعة الشقراء القادمة من وراء البحار ، فنفاجأ ، ونحن نولد ، بعرينا المفضوح وبؤسنا المكشوف ... جائعين كنا نسأل آباءنا : لِمَ الجوع بطاقة لهويتنا ؟!... وجاهزاً كان الجواب : رزق العباد في السماء ... وبين الأرض والسماء والجوع كنا نبحث عن دلالة كل هذا " الرضى الممقوت ... كان فضاء العذاب يشكل نسيج انتمائنا المكاني : فأينما ولينا الوجه فثمة سلطة السيد عاشور1 تتناسل بحرية ، تفرخ تمظهراتها بين فقر المعدمين – ومنهم كنا – وعصا القيادة 2 التي تعلمنا أن لا حقيقة غير حقيقة المخزن : هو السماء في الأرض .. هو الكل في الجزء.. هو القَبْل والبَعْد ، وما عداه بدعة ، وكل بدعة ملآلها ، في شريعة القهر ، الخنق و الإبادة ...
بين " الروبلا" و " أليلي" و " السوق" 3 كانت طموحاتنا المطاردة تتمرد ضد جغرافية الحصار ، وبعنف السؤال كنا نخترق ما أُريد لنا السكوت عنه : لماذا العرق يسيل والحناجر تجف ، ووحده السيد تغرقه النعم والملذات في رحيله وترحاله ؟؟
- صـهْ ! قال فقيه القرية ، إنكم تلعبون بالنار !!!
- وهل من نار بعد هاته التي نحن فيها !؟
- أعوذ بالله من هؤلاء الشياطين ... يقرأون حرفاً ويفكرون في قلب ناموس الكون !!
ويبقى السؤال جارحاً تمتد به مساءاتنا ، وبه صباحلتنا تطول : لماذا هو ...؟؟ ولماذا نحن...؟؟
شيء ما في داخلنا كانة يتحرك و كنا في حاجة إلى من يفتت صخرة حيرتنا و يُسند أسئلتنا المزروعة بحماس الشباب المبكر ... كنا في حاجة لوعي / لغم فكري يفجر المكبوت فينا ليعري تناقضات الواقع ... وكان الانتظار ...



وذات زمان كانت بداية المخاض ، حين لفنا ذلك الصباح بآية الرحيل نحو مدينة علمتنا ملامح التوثب فيها أن لا مشيئة غير مشيئة التاريخ . و بتوجس مسكون بالدهشة وقعنا خطوات أولى في " شارع الشهداء" 4 حيث بدأ الأفق يتبلور بمفاهيم جديدة : المادية الجدلية ، المادية التاريخية ، الحركة الوطنية ، البروليتاريا ، الوعي الطبقي .... وبين كل مفهوم و مفهوم كانت تلمع أسماء و أسماء : ماركس ، غيفارا ، كرامشي ، المهدي ، عمر ... وبكل عطشنا المعرفي كنا نذوب في تلك الأسماء وبدأنا نعي لماذا كان السيد عاشور سيداً بلا رخصة ولا سابق إذن ! لماذا كان الفقر هوية آبائنا القانعين ! لماذا كانت شريعة القهر تتطاول على الأحلام قصد إجهاضها !!... و تلك كانت أسئلتنا الكبرى ، وتلك كانت علاقتنا الأولى بعمر.. ولم نكد نقيم في ذواتنا محراباً لعشق هذا الاسم حتى جاءنا الخبرذاك الصباح:لقد اغتيل عمر..!!

والقاتل؟
مصطفى خزار
2- سيرة الوطن أو فصل من سيرة التاريخ
أجل لماذا اغتيل عمر .. وما دلالة ذلك الاغتيال ؟؟
إنه السؤال الذي لا يجب التفريط في طرحع المرة تلو الأخرى ، لا لأن شبكة الأيادي الملطخة بوحل الطعن و الغدر مجهولة ، بل لأن التفكير في واقعة الاغتيال في حد ذاتها ، وكذا في خلفياتها و كل الحيثيات المحيطة بها، مهمة من المهام الأساسية المطروحة على أية حركة تاريخية تشق طريقها في ظروف مثل التي تركها عمر بعد استشهاده، وذلد قصد الاسترشاد بمنعطفات التاريخ و رصد ثوابت الواقع في جدلية تفاعلها مع متغيراته وفق نظرة تحليلية لا تعزل حلقات الأحداث بعضها عن بعض ، بل تنظر إليها في شموليتها أولا، وثانياً في ارتباطها بمكونات الصراع ومحركاته الأساسية .
إن اختيار عمر ، من طرف قوى الظلام والعدم باختلاف تلاوينها ، كهدف للتصفية لم يكن وليد صدفة عابرة ، بل إنه حلقة في سلسلة طويلة كانت و ما تزال وستظل إلى أن يحسم التاريخ لصالح قوى كرامة الانسان وحريته .
لقد كان عمر ، بفكره اليقظ و نشاطه الوثاب ، رأس الحربة في معركة التصدي لترسانة الطبقة التي تستمد نسغ بقائها واستمراريتها من تعميق الاستغلال و مضاعفة الاضطهاد. ولأنه كان يقف في صف الشرفاء الذين يرفضون تزييف التاريخ ويرفضون المساهمة في تضليل الجماهير،كما كان يقف ضد مقولة التحييد المؤت للصراع؛ ولأنه كان كذلك ،فلم يكن غريباً أن يكون مستهدفاً من طرف أكثر من جهة واحدة ، و بالتالي فإن واقعة اغتياله لا تمثل سوى التجسيد النهائي لكثير من المؤامرات التي كانت تحاك ضده ، و التي ، وإن كانت تختلف في منابعها و رؤاها ، فإنها تتساكن و بتواطؤ مفضوح ومسكوت عنه في نفس الوقت ، عندما يتعلق الأمر بالرغبة الهستيرية في تغييب رموز تختزل التاريخ في أبهى صوره وأكثرها إشراقاً كما هو الأمر بالنسبة لعمر .
و عليه فما من شك أن اغتيال عمر كان ، و لو مرحلياً، ورقة مربحة في رهان قوى الظلم والظلام التي أثبتت الوقائع أنها لا تخاف الزعامات الرسمية والشكلية ، لأنه يسهل تدجينها من موقع حرصها الأجوف على زعامتها بالذات ، بقدرما تخاف من الطاقات المنتجة النابضة بالحركة والاصرار على الفعل والعطاء ، لأنها طاقات تتجمع لديها، بحكم ذكائها الاستثنائي ونظرتها البعيدة للأمور ، خيوط التنظير للمستقبل . ولذلك بالضبط اغتيل المهدي وعمر وكرينة بنما بقي " كبار" آخرون يرفلون في نعيم الراحة وينتظرون المؤتمرات والكراسي والمناسبات لينشروا النضال يميناً و "يساراً" ، وكما كان عمر يقول عنهم ، يؤمنون بإمكانية خلق " الحماس الشعبي" تحت الطلب ...
و في مقابل هذه الحقيقة ، لا مفر لنا من الاعتراف أن اختفاء عمر يمثل خسارة لقوى النضال و التحرر ليس فقط لأنه كان مناضلاً مخلصاً و صامداً في اختياره النضالي ، بل لأنه كان من القلة القليلة التي كانت تدرك ، بعمق ، نافذ، طبيعة الصراع الذي تخوضه حركة التحرير الشعبية. و بالتالي كان واعياً بأن هناك منطلقات ىيستحيل إنجاز مهمة التحرير دون إيمان المناضلين بها والانطلاق منها في تسيير دفة الصراع .
ولعل أبرز ما كان يركز عليع عمر في هذا الصدد ما يلي :
1. الوضوح الجرئ في اتخاذ المواقف النضالية و تبنيها بمسؤولية واعية والعمل من أجل بلورتها في الواقع.
2. ضرورة توعية الطبقة العاملة و التركيزعليها في أي برنامج نضالي حتى تتخذ موقعها المنوط بها تاريخياً في معركة التحرير و البناء الاشتراكي.
3. التصدي للفكر الخرافي الغيبي الذي يقف عائقاً أمام فعالية الفكر النقدي العلمي الذي يجب أن يؤطر الاختيارات الايديولوجية المتبناة في الصراع.
4. النضال من أجل الديموقراطية الحقيقية التي تكون نابعة من الجماهير الشعبية و خادمة لها في نفس الوقت ، ورفض الديمقراطية النابعة من التراتبية الشكلية للمؤسسات ، ذلك لأن " الديمقراطية التي تنحصر في مؤسسات موازية لدواليب الجهاز لا يمكن أن تكون سوى غطاء يخفي المستفيدون وراءه هويتهم الحقيقية "
بهذه الشمولية ، وبهذه النظرة العميقة كان عمر يدرك طبيعة الصراع الذي يخوضه الحزب ، وكان يركز على إقناع المناضلين بأن أي " تصور تقدمي و ثوري للتاريخ لابد أن له أن يرتكز على اعتبار أن التاريخ الحقيقي هو تاريخ الشعوب ونضال الشعوب "
وكأن الشهيد عمر كان ، بهذا الإثبات النظري ، يهدف إلى خلق مناعة مبدئية لدى المناضلين ضد التسيب و التحريف ، حتى لا تتحول المبادئ إلى مجرد شعارات للإستهلاك المناسباتي توقع بها شيكات السمسرة و الارتزاق السياسي .
هكذا إذا ، وانطلاقاً من تجميع خيوط المعطيات السابقة يمكن أن نخلص إلى أن اغتيال عمر بنجلون يمثل لحظة من لحظات سيرة هذا الوطن و هو ينسج فضاء تاريخه الآتي ... إنه نقطة لها دلالتها ضمن دائرة أوسع في إطار الصراع الذي تخوضه طلائع التقدم و التغيير ضد قوى النهب و الاستغلال المدعومة داخلياً من طرف فلول الاقطاع ، وخارجياً من طرف الامبريالية المعادية لحق الشعوب في الحرية والكرامة .
واليوم ، إذ نتذكراستشهاد عمر بن جلون نكون مطالبين أكثر من أي وقت مضى ، بضرورة العمل من أجل تحصين الخط الذي من أجله استشهد عمر و قبله المهدي ، و ذلك من خلال التصدي المستمر لكل تحريف " يبشر " به سماسرة التضليل ، وكذا من خلال الوفاء لدرب الشهداء ...
إنها مسؤولية المناضلين الشرفاء أين ما وجدوا في الدفع بالتاريخ نحو الأمام وجعل قافلة التحرير تشق فعلاً طريقها بإصرار
..............
 مصطفى خزار قاتل اليساري المغربي بن جلون: الاغتيال كان مناسبة للتخلص من قيادة التيار الإسلامي
قال لـ«الشرق الأوسط»: أنا معتقل سياسي إسلامي.. ومن حقي الحصول على تعويض * لم أقدم خدمة للدولة ولم أتوجه أنا والأخ سعد إلى عمر بن جلون بنية قتله.3/1

حاتم البطيوي
صباح يوم الجمعة 18 ديسمبر (كانون الاول) عام 1975، توجه شابان مغربيان في بداية عقدهما الثاني هما مصطفى خزار وسعد احمد، الى الحي الذي يوجد فيه منزل عمر بن جلون، القيادي البارز في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقبعا ينتظران خروجه، ولما اهل بن جلون بادلاه اطراف الحديث، وبعد نقاش تحول الى مشادات دامت ربع ساعة تقريبا سقط بن جلون بعد ان طعنه خزار بمبرغ طعنة قاتلة يتمت اطفالا، وحزبا كان يستعد لخوض معركة سياسية جديدة في مغرب جديد. غيبت الطعنة القاتلة وجها بارزا كان منتظرا ان يكون لاعبا أساسيا في مرحلة الانفتاح السياسي، الذي قاده الملك الراحل الحسن الثاني، بعد تنظيم المسيرة الخضراء، واسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني، وهو الانفتاح الذي اصطلح عليه في المغرب بـ«انطلاق المسلسل الديمقراطي». لعب عمر دورا محوريا في صياغة التقرير المذهبي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي شكل قطيعة فكرية مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهو التقرير الذي انتقل بموجبه الحزب من تبني الخيار الثوري الى تبني ما سماه «النضال الديمقراطي». كان المغرب بالفعل يخطو باتجاه مغاير لحالة الالتباس والتصادم التي ميزت سنوات ما بعد الاستقلال. وفي مقابل ذلك كان هناك من يتربص عند مفترق الطرق للإجهاز على المسلسل ورموزه. مات عمر.. مات أمل الحزب ونجمه الصاعد. سال مداد الصحف كثيرا.. وزاد الاحتقان رغم بزوغ شمس الانفتاح. شارك الاتحاد الاشتراكي في انتخابات 3 يونيو (حزيران) 1977. واصل النضال في صفوف المعارضة وفي قلب مناضليه غصة غياب عمر وفقده. ما اشبه اليوم بالامس.. كان يوما حزينا وكئيبا زادته أجواء طنجة الملبدة بالغيوم كآبة، يوم سمعت من والدي خبر اغتيال عمر، وعمري وقتذاك تسع سنوات. آنذاك لم يخطر ببالي قط انني سألتقي قاتل عمر في يوم غائم، بعد مرور 29 سنة. اعتقدته انسانا جبارا.. فوجدته هزيلا نحيفا يمشي بصعوبة ويتحرك بشق الأنفس، ولولا العكاز الطبي لعُدّ من المشلولين.
كان سبب اللقاء به، قيام «الشرق الأوسط» بنشر الوثيقة (الرسالة)، التي بعث بها سبعة من المتورطين في عملية اغتيال عمر بن جلون، الى عائلة الضحية، قبل 17 سنة، وهي الوثيقة التي اعترف فيها المتورطون لاول مرة بانهم تلقوا تعليمات من عبد الكريم مطيع، زعيم منظمة الشبيبة الاسلامية المحظورة تقضي بتصفية بن جلون باعتباره من اكبر المناوئين للأصوليين في المغرب.
اتصل خزار هاتفيا بـ«الشرق الاوسط» نافيا ما تضمنته الوثيقة من اتهام للشبيبة الاسلامية، مشددا على انه بصفته مرتكب عملية الاغتيال، فانه إذن يبرئها من دم عمر، بل ويعتذر لها عما طالها وباقي الحركة الاسلامية من ضرر نتيجة اقحام الدولة لها في القضية، بسبب فعلته.
بعد ذلك، زار خزار مكتب «الشرق الأوسط»، فكان معه الحوار التالي الذي رفض فيه الاعتذار لعائلة بن جلون.. ولم يتزحزح عن موقفه هذا قيد أنملة، لانه يخشى ان يُستَغل اعتذاره سياسيا، ويُفهم منه ما يُفهم.. وهذا موقف لا يؤشر إلا على قساوة قلبه رغم سنوات السجن الطويلة.
* ما قولك في الرسالة (الوثيقة) التي أرسلها سبعة من المعتقلين على ذمة قضية اغتيال عمر بن جلون؟
ـ أنا لم أوقع الوثيقة، وما جاء فيها ليس صحيحا، ذلك انني لا أعرف عبد الكريم مطيع، او كمال ابراهيم، ولم يسبق لي ان التقيت بهما. وتصريحاتي امام الشرطة القضائية وقاضي التحقيق لم يرد فيها شيء من هذا القبيل.
* لكن سعد احمد الذي شاركك في جريمة اغتيال بن جلون، اتهم في الوثيقة الشبيبة الاسلامية بالوقوف وراء الاغتيال، فهو شخص متورط معك؟
ـ أنت تتحدث عن الاخ سعد. انا الذي امامك اسمي مصطفى خزار، المتهم الرئيسي في القضية، وأنا هنا أنفي نفيا مطلقا ما جاء في الوثيقة، وأبرئ الشبيبة الاسلامية مما نسب اليها. والاخ سعد نفسه تراجع عن ذلك الاتهام في تصريحات صحافية، وتراجع عما سبق ان قاله.
* وما هي في نظرك الاسباب التي جعلته يتراجع عما سبق له الإدلاء به؟
ـ ان للسجن بعض الضغوط، والانسان احيانا يبحث عن غطاء ما للخروج منه.
* لكن الرسالة أرسلت الى عائلة بن جلون وقتها؟

ـ اولا، انا لم يكن في علمي انها ارسلت ام لا. ثانيا، انا هو المتهم الرئيسي في القضية، وتصريحاتي سواء لدى الضابطة القضائية (الشرطة القضائية) او لدى قاضي التحقيق او تصريحاتي الصحافية، كلها تؤكد ان الشبيبة الاسلامية ليس لديها اية علاقة باغتيال بن جلون، بل اكثر من ذلك، واكرر القول، وانا أتحدث معك بتحرر من اي ضغوط، وانت تنظر الى حالي، لا أقوى على الحركة، وامشي بمساعدة عكاز، ومريض نتيجة اضرابات عن الطعام قمت بها اثناء سنوات سجني، اقول ان الدولة هي التي ارادت ان تقحم بشكل او بآخر الشبيبة الاسلامية في القضية. باعتبارها تيارا اسلاميا وحركة اسلامية لديها منظور جديد لإسلام شمولي، وخاصة قيادتها المتمثلة في عبد الكريم مطيع، ونائبه كمال ابراهيم. فعملية اغتيال بن جلون جاءت في ظروف ملائمة لها، فالأمر يتعلق بقيادي في اليسار هو عمر بن جلون قضى نحبه، وهي مناسبة للتخلص ايضا من قيادة التيار الاسلامي التي بدأت تظهر على الساحة السياسية. فالدولة اذن ضربت عصفورين بحجر واحد.
* بما انك تتهم الدولة بانها ضربت عصفورين بحجر واحد ألا ترى انك قدمت خدمة للدولة من خلال ضرب احد هذين العصفورين بقتلك لابن جلون؟
ـ انا لا أقول انني قدمت خدمة للدولة. كما انني والاخ سعد لم نتوجه الى عمر بن جلون بنية قتله بل من اجل تقديم النصيحة له.
* ما هي طبيعة هذه النصيحة؟
ـ أن يكف عن نشر ما كان يكتبه في صحيفة «المحرر»، ذلك ان توجهه كان مخالفا للاسلام. كان هناك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فتحول الى الاتحاد الاشتراكي من خلال التقرير المذهبي للحزب، فاذا به يتبنى الاشتراكية السوفياتية والاوروبية بشكل واضح. فهذه مسائل غريبة في بلد مسلم مثل المغرب.
* لكن يبقى لكل انسان الحق في تبني الافكار التي يقتنع بها؟
ـ انا متفق معك، لكل واحد الحق في ان تكون له افكاره، ولا إكراه في الدين. واكرر القول انني والاخ سعد توجهنا الى بن جلون لنصحه وليس للأضرار به، فتطورت الامور الى ما تطورت اليه. أما لو كان القصد، كما يشاع ويقال، باننا اردنا اغتياله، لتم الامر بطريقة اخرى وبوسائل اخرى. ولو كانت تقف وراء القضية حركة سياسية او الدولة لأخذت الامور مجرًى آخرَ. وهنا اتساءل كيف تمت عملية اختطاف واعتقال المهدي بنبركة؟ وهي عملية لا يعرف الشعب خباياها. فالدولة لها وسائلها الخاصة للقيام بذلك. فكيف لهذه الاخيرة ان تدفعني لارتكاب ما قمت به، وتعتقلني مدة 27 سنة دون ان توفر لي ولزملائي حتى المطالب الأساسية للتغذية في السجن، إذ لم نكن نتوفر عليها، وحالتي الصحية شاهدة على ذلك. فقد اصبت بالشلل، وسقطت اسناني، وقل نظري وسمعي، واصاب قلبي الوهن، فكيف يعقل ان يحرم هؤلاء الذين دفعتهم الدولة لارتكاب ما ارتكبوه، من ابسط متطلبات الحياة داخل السجن، ذلك اننا لم نتمتع ببعض الحقوق الا عندما توفي احد اخواننا في السجن واسمه عبد المجيد خشان، بعد ان أضرب عن الطعام.
* انت قتلت عمر بن جلون وتعترف بذلك، فهل تعتبر نفسك مجرما؟
ـ لا، يكفي ان بعض المنظمات اعتبرتنا معتقلين سياسيين، فما هو المعتقل السياسي؟ هو الشخص الذي يريد ان يصل الى هدف بفكرة او منظور او رؤية، فنحن لم نتوجه الى بن جلون من اجل سرقته او ابتزازه، فهناك تصارع في الأفكار، واختلاف في التوجهات العقيدية والمذهبية.
* لكن هناك قتل في نهاية الامر؟
ـ ولو، لكن ما هو الدافع؟ لانه (القتل) نتيجة لأسباب ودوافع، إذن ما هي دوافع هذا القتل التي أوصلتنا الى هذه النتيجة.
* لكن الاختلاف في الرأي ليس مبررا لقتل من تختلف معه؟
ـ انا اعيد واكرر القول انه لم يكن في نيتنا قتل بن جلون. ذهبنا اليه من اجل نصيحته، فاذا بالامور تتطور.
*حينما التقيتم عمر لأول وهلة ماذا قلتم له؟
ـ تحدثنا معه بخصوص ما كان ينشر في صحيفة «المحرر»، فاذا به يثور ويرغد ويزبد.. فوقع ما وقع.
* كم استمرت مدة الحديث والجدل الذي دار بينكم؟
ـ تقريبا ربع ساعة.
* وهل شاهد الناس ما جرى بينكم؟
ـ بن جلون كان يسكن في منطقة بالدار البيضاء تقل فيها حركة الناس، وحينما توجهنا اليه لم تكن هناك حركة بالفعل.
* قبل توجهكم الى بن جلون اكيد وضعتما تخطيطا معينا وحددتما وقتا معينا لذلك؟
ـ لم يكن هناك تخطيط، ولم تكن هناك دراسة، لان العملية تمت بشكل بسيط جدا، فنحن اناس لنا رؤية اسلامية وتصور اسلامي. رأينا ان هناك اشياء غير عادية وخارجة عن الطريق الصحيح فأردنا تقديم النصيحة للرجل وابلاغه ان ما ينشر في «المحرر» يخالف الاسلام. على هذا الاساس توجهنا الى بن جلون. ان الامر شبيه بمرور اي شخص في الشارع فيلاحظ وجود اشياء غير مستقيمة يقوم بها البعض، فيتوجه اليهم بالنصح لـ«إن الدين النصيحة»، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام.
.................
 مصطفى خزار قاتل اليساري المغربي بن جلون: الاغتيال كان مناسبة للتخلص من قيادة التيار الإسلامي
قال لـ«الشرق الأوسط»: أنا معتقل سياسي إسلامي.. ومن حقي الحصول على تعويض * لم أقدم خدمة للدولة ولم أتوجه أنا والأخ سعد إلى عمر بن جلون بنية قتله.
3/2
* الدين النصيحة وليس قتلا؟
ـ اكرر القول للمرة التريليون لم يكن في نيتنا قتل بن جلون.
* لكن كانت هناك اداة لارتكاب هذه الجريمة؟
ـ كان هناك مبرغ، اخذته من سيارة عمر، فنحن لم نتوجه اليه مسلحين.
* بالنسبة للمعتقلين الستة الآخرين، هل شاركوا في عملية الاغتيال أم حشروا في القضية؟
ـ الدولة ارادت ان تبرز ان هناك مجموعة او خلية فَحُشِروا في القضية.
* معنى هذا انه لم تكن لديك اي علاقة او اتصال بهم؟
ـ البعض منهم درس معي.. ولكن ليست لهم اي علاقة بقضية بن جلون. انما الدولة ارادت ان تضخم القضية، وتؤكد ان هناك جماعة او خلية حتى تعطي المصداقية لطروحاتها.
* إذن المعتقلون الستة في قضية بن جلون أقحموا في القضية ودفعوا ثمن جريمة ارتكبتها انت؟
ـ بالفعل.
*هل انت نادم على ارتكاب جريمة قتل بن جلون؟
ـ ما وقع وقع، ولم يكن في نيتي فعل ما فعلته، حتى انني فوجئت، ولكنني أومن بقدر الله، اذ وقع ما وقع، وقضيت بسبب ذلك عقوبة.
* إذن، انت لست نادما على اغتيال بن جلون؟
ـ لم اقل انني نادم. لقد قلت لك انني فوجئت بما وقع.
* المسألة بالنسبة لك مجرد قضاء وقدر؟
ـ نعم.
* ألا يؤنبك ضميرك انك بعملك هذا رملت زوجة ويتمت أطفالا وتركت أما مكلومة؟
ـ هذا قضاء الله، لان بن جلون كان ربما سيموت في حادثة سير. فقدره ان يموت في ذلك الوقت وبالطريقة التي مات بها، فكلنا سنموت بشكل او آخر.
* المفارقة انك اعترفت بارتكابك الجريمة، ولكن ليست لديك القدرة على القول إنك نادم او على الاقل تقديم اعتذار لعائلة بن جلون؟
ـ يجب ان اعتذر للحركة الاسلامية بكل فصائلها لأنها هي التي اصيبت بضرر من جراء مقتل بن جلون. واصبحت قضية مقتله سيف دمقليس المسلط عليها، واصبحت الحركة الاسلامية متهمة بالتطرف والإرهاب ولا تؤمن بالتعايش والديمقراطية وغير ذلك من المغالطات. والآن أجدد اعتذاري للحركة الاسلامية بعموم فصائلها سواء الشبيبة الاسلامية، او التوحيد والإصلاح، او العدل والإحسان، او البديل الحضاري، لانهم هم الذين أصابهم الضرر بما قمت به.
* لماذا أنت مُصِرّ على عدم الاعتذار لعائلة بن جلون؟
ـ لماذ اعتذر؟ لقد قلت لك ان ما وقع لم يكن في نيتي القيام به.
* لم يكن في نيتك هذا شيء آخر، ولكنك يتمت أطفالا ورملت زوجة وتركت اما مكلومة؟
ـ وقع الذي وقع، والأمر أمر الله. فانا لو اعتذر للعائلة سيعتبر ان هناك شيئا ما، وهذا الجانب أنا أتحوط منه.
* حينما خرجت من السجن ألم تتصل بعائلة بن جلون؟
ـ لا أبدا.
* ألا تخشى من انتقام أحد افراد العائلة؟
ـ لقد قلت لك إن الأقدار بيد الله. اذا كان مكتوبا لي ان اموت بطريقة ما، فلن يحول بيني وبين ذلك أي شيء، وأينما ذهبت، واذا كنت سأموت مقتولا فذلك قدر الله.
* كلنا سنموت، ولكن ألا تخشى الانتقام؟
ـ انا رجل سلمت امري لله.
* هل تقرأ صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»؟
ـ نعم، أقرأها في بعض الأحيان.
* حينما تقرأ الصحيفة وتنظر الى صورة بن جلون الدائمة النشر في الصفحة الاولى، ما هو الاحساس الذي ينتابك؟
ـ احساس عادي. لقد مرت 29 سنة على رحيله.
* معنى ذلك انها لا تحرك فيك اي ساكن؟
ـ المسألة اصبحت عادية. كان هناك شيء من هذا القبيل في البداية، على الرغم من أنني لم أكن أرغب في حدوث ما حدث.
* اصبحت متعايشا مع الأمر الواقع؟
ـ نعم.
* في الوثيقة التي نشرتها «الشرق الاوسط»، قالت المجموعة التي وقعتها، انه كان هناك اعتقاد ان بن جلون سيضيق الخناق على التيار الاسلامي. كيف كنتم تنظرون الى طبيعة تضييق هذا الخناق؟
ـ التيار الاسلامي هو وليد العقيدة الاسلامية، وهذه الاخيرة مصدرها الله تعالى ورسوله. إذن هي في حد ذاتها منصورة من قبل الله، وانت ترى الآن التوجهات الاسلامية تنتشر على مستوى العالم والعالم الاسلامي، وبالتالي لا أظن ان قوة سياسية كيفما كان نوعها، يمكنها ان تقف امام الاسلام لأن الشعب المغربي شعب مسلم، والدول التي تعاقبت على حكم المغرب كلها قامت على اساس الاسلام، حتى المقاومة في حد ذاتها كانت منطلقاتها الاولى اسلامية. ولنأخذ البطل عبد الكريم الخطابي، فهو انطلق في مقاومته للاستعمار في منطقة الريف من منطلقات اسلامية، ونفس الامر بالنسبة لموحا حمو الزياني وغيره.
* تقول الوثيقة إن عبد الكريم مطيع، امر عبد العزيز النعماني بتشكيل خلية لاغتيال بن جلون وان اجتماع الخلية عقد في منزلك؟
ـ ابحث في ملفي القضائي وستجد ان مثل هذا الكلام غير موجود البتة، ورغم التعذيب الذي تعرضت له، لم أقل قط ان عبد الكريم مطيع، او كمال ابراهيم، زاراني في منزلي، فلو كنت اعرفهما لكان ذلك شرف عظيم وكبير بالنسبة إلي، لأنني لا أعرفهما. والقول إني اعرفهما مثل القول إنني اعرف حسن البنا، او عبد الكريم الخطابي، ولكن للأسف لم التق بهم جميعا.
* الرسالة (الوثيقة) تقول ايضا انكم كنتم تعتزمون ايضا الاعتداء على استاذ اسمه عبد الرحيم المنياوي، فهل كنت تفكر ايضا في الذهاب اليه لتقديم النصح؟
ـ هذه اشياء لا اساس لها من الصحة. فالقضية فقط هي قضية بن جلون.
* المفارقة الكبرى في وضعيتك هو انك ارتكبت جريمة وخرجت من السجن بعفو ملكي، وتطالب ايضا بتعويض عن فترة السجن مثلك مثل اي معتقل سياسي. ألا تخجل من نفسك؟
ـ دعني اسألك يا أخي. ألا تعتبر انني كنت معتقلا سياسيا؟
* إننا أمام جريمة قتل؟
ـ ولو. انها تمت بدوافع سياسية وعقيدية وفكرية، وليس بدوافع مالية في حد ذاتها. يجب تناول الأمر من هذا المنظور، بمعنى يجب معرفة ما هي الأسباب التي تجعل المرء يقع فيما وقع فيه. اذن هناك دوافع، واقول هنا انه كانت لدي دوافع سياسية، اذن يجب ان ينظر الي من خلال هذه الدوافع التي قادتني الى ارتكاب ما قمت به.
...................
 مصطفى خزار قاتل اليساري المغربي بن جلون: الاغتيال كان مناسبة للتخلص من قيادة التيار الإسلامي
قال لـ«الشرق الأوسط»: أنا معتقل سياسي إسلامي.. ومن حقي الحصول على تعويض * لم أقدم خدمة للدولة ولم أتوجه أنا والأخ سعد إلى عمر بن جلون بنية قتله.3/3


* هل تؤيد مثلا أن أقتل شخصا بيني وبينه خلاف فكري وسياسي؟


مطيع الذي طال حزب بنكيران السماح له بالعودة ودون محاكمة..
واعتبر نفسي معتقلا سياسيا؟
ـ لقد شرحت لك انني لم اذهب لقتل بن جلون، وانما تطورت الامور وآلت الى ما آلت اليه. فانا معتقل سياسي.. وانت ترى حالتي الصحية كيف هي. وبالتالي من حقي على الاقل الحصول على تعويض.
* تعويض على جريمة؟
ـ انها (الجريمة) تمت بدوافع سياسة وليس من اجل السرقة. فما يكفي القضية هو دوافعها.
* نفيت في تصريحات صحافية سابقة انتماءك للشبيبة الاسلامية.. ولكنك في نفس الوقت تدافع عنها بحماسة منقطعة النظير وقدمت لها اعتذارا. فما سر هذه العلاقة العاطفية مع الشبيبة. هل يمكن وصفك بانك مناضل باطني وسري فيها؟
ـ لست مناضلا باطنيا ولا سريا ولا مدفوعا، انما اردت ان يعرف الرأي العام حقيقة ما وقع عام 1975 لاسيما ان هناك تراكمات صحافية، تركت في أذهان الرأي العام صورة ما، فانا بصفتي المتهم الرئيسي في القضية اعتبر ان لدي دَيْنا إزاء الشبيبة الاسلامية وذلك إحقاقا للحق.
* الغريب انك متحمس للاعتذار الى الشبيبة الاسلامية؟
ـ (مقاطعا) والحركة الاسلامية كلها.
* وتنأى بنفسك عن الاعتذار لعائلة الضحية؟
ـ أخاف ان يستغل اعتذاري.. ويُفهم منه ما يُفهم.
* كيف ذلك؟
ـ مثل ان تستغلها اطراف سياسية وتلعب به. وهذا ما لا أقبله. فانا لا اريد ان ادخل في هذا الباب حتى لا أجد نفسي امام شيء آخر.
* انت تخاف من استغلال اعتذارك سياسيا، ولكن من يسمع ما تقوله يستغرب من قساوة قلبك؟
ـ الأمر ليس كذلك، وما وقع قدر مكتوب.
* كيف استقبلت احداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة؟
ـ لا توجد معطيات كثيرة بشأنها. وهناك من يتهم «الموساد» الاسرائيلي بالوقوف وراءها.
* لكن تنظيم «القاعدة» وزعيمها اسامة بن لادن اعلنا تبنيهما لها.
ـ لكن هناك تحليلات اخرى تقول ان الموساد يقف وراء ذلك. وانا هنا اطرح علامات استفهام كثيرة. واتساءل، من يقف وراء العملية، لانه كما وقع لقضيتنا وأولت، ممكن ان يقع في مثل ما حدث في 11 سبتمبر.
* لكن القاعدة وبن لادن تبنيا ما سمياه غزوة نيويورك وغزوة واشنطن امام الرأي العام الدولي؟
ـ ذلك شأنهما، وانا لا دخل لي في اختياراتهما. وفي حالة ما اذا كان ذلك صحيحا اشك في صحة ذلك. فذلك اختياره (بن لادن)، وليتحمل مسؤوليته، وإن كنت اضع علامات استفهام وتعجب، لان كثيرا من الاحداث تأول، فبينما يكون لونها احمر يصبح بفعل التأويل ازرق. فكثير من الاحداث لم تعرف حقيقتها بعد.
* طيب، ماذا تقول عن احداث 16 مايو (ايار) 2003 في الدار البيضاء؟
ـ هناك من اتهم المخابرات بالوقوف وراءها. لكن هل وراءها اسلاميون.. لا يمكنني ان اجيب عن هذا السؤال لانني لا أتوفر على معطيات اكيدة، وبالتالي لا يمكنني ان اتهم اي طرف.
* بالنسبة لسعد احمد، شريكك في قتل بن جلون، هل انت على اتصال دائم به بعد خروجكما من السجن؟
ـ نرى بعضنا بعضا بين الفينة والأخرى.
* كيف هي علاقتك معه؟
ـ علاقة عادية.
* بعد خروجك من السجن كيف ينظر اليك الناس خاصة سكان الحي الذي تقطن فيه والذين يعرفون انك قتلت بن جلون؟
ـ ينظرون إلي نظرة عادية بل اكثر من عادية، ثانيا المجتمع السياسي هو الذي يهتم بهذه القضية. أما الناس العاديون فلهم اهتمامات اخرى مثل البحث عن لقمة العيش.
* قبل وقوع عملية اغتيال بن جلون ما هي الكتب التي كنت تقرأها، وأثرت في مسارك وجعلتك على ما أنت عليه الآن؟
ـ كنت اقرأ كتبا اسلامية مثل كتب الاخوان المسلمين جميعهم، المصريون منهم والسوريون واللبنانيون، وقرأت بعض كتب أبي الأعلى المودودي أيضا.
* قبل اغتيال بن جلون من كان مثلك الأعلى؟
ـ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته وباقي العظام الذين تركوا اثرا في التاريخ مثل عبد الكريم الخطابي، موحا حمو الزياني، الامام حسن البنا، ومصطفى السباعي (سورية)، ابو الاعلى المودودي، وغيرهم فهؤلاء جددوا نظرة الناس للاسلام.


مطيع
* خلال فترة السجن هل واصلت قراءة الكتب؟
ـ نعم، كنت اقرأ. فالسجن في حد ذاته كان فترة قراءة، فما دام الانسان قابعا في السجن فمن الأفضل له ان يستغل وجوده هناك لتثقيف نفسه وتكوينها.
* هل كانت ادارة السجن هي التي تزودكم بالكتب؟
ـ لا، عائلتي هي التي كانت تزودني بها. كما ان السجناء كانوا يتبادلون الكتب فيما بينهم.
* تعرف مناطق كثيرة من العالم حالة عنف وارهاب. ما هو موقفك من العنف والارهاب؟
ـ العنف لا يولد إلا العنف، فكثير من احداث العنف يجب ان تقرأ في محيطها وبيئتها. لماذا وقعت؟ وكيف وقعت؟ وما هي الدوافع التي ادت الى وقوعها؟ اذن فكثير من احداث العنف يجب ان تدرس بعمق. وبالتالي لا يجب اتهام الحركة الاسلامية جزافا وإلصاق التهم بها.
* ماذا تعني لك السلفية الجهادية؟
ـ توجه اسلامي له اجتهادات.
* هل تتعاطف مع هذا التيار؟
ـ انا لست منتميا للتيار السلفي، ولكني اتعاطف مع علماء أجلاء معتقلين مثل، ابو حفص الكتاني، والفيزازي وغيرهما، استغلالا لحادثة ما. وإني اشك ان يكون هؤلاء وراء تلك الاحداث. فكما وقع لنا نحن، وقع لهما.
* ماذا تقصد بـ«نحن» انت أم الشبيبة الاسلامية؟
ـ اقصد انا.. نحن المغاربة نتحدث دائما عن انفسنا مستعملين «نحن».
* لكنك اعترفت بانك ارتكبت جريمة قتل بن جلون بدون قصد، وبالتالي فلا مجال للمقارنة بينك وبين هؤلاء، وعموما كانت هناك تفجيرات وضحايا في الدار البيضاء؟
ـ اريد ان أوضح لك انه مثلما استغلت قضيتنا نحن وتم إلصاقها بالشبيبة الاسلامية، فان تفجيرات الدار البيضاء قد تكون استغلت بدورها، وانا هنا ليست لدي معطيات دقيقة.
* ماذا يعني لك حزب العدالة والتنمية؟
ـ هم اناس ناصرونا كمعتقلين اسلاميين، جازاهم الله عنا خيرا كما ناصروا جميع المعتقلين الاسلاميين. ومن هذا المنبر اشكرهم.
* الآن، انت تعتبر نفسك معتقلا اسلاميا سابقا؟
ـ نعم انا معتقل اسلامي سياسي سابق، فهم ناصرونا في وقت تخلى فيه الجميع عنا، وخافوا من القضية ومن تداعياتها، فموقفهم من قضيتنا هو موقف تاريخي.
* ما رأيك في الدكتور عبد الكريم الخطيب مؤسس حزب العدالة والتنمية؟
ـ شخصية لها ماض معروف في المقاومة.
* الشيخ عبد السلام ياسين؟
ـ شيخ له توجه اسلامي وجماعة اسلامية، والله سبحانه وتعالى يبارك في اعماله واعمال الجماعة الاسلامية. قرأت كتبه، وجميل ما يكتبه.
* أي جماعة إسلامية ضمن الجماعات الموجودة حاليا في المغرب تفضل ان الانخراط فيها؟
ـ أنا الآن غير منخرط في اي جماعة اسلامية.
* ألا تفكر في خوض غمار العمل السياسي؟
ـ ربما مستقبلا، اما الآن فلا أعتقد، ذلك ان الانسان له رؤية وتصور، ويجب ألا يكتفي بمشاهدة ما يدور حوله.
* هل من الممكن ان نراك مرشحا في الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها عام 2007؟
ـ (ضاحكا)، الامر يتطلب حصولي على تزكية من حزب سياسي.
* حينما خرجت من السجن هل اتصلت بعبد الكريم مطيع؟
ـ لا أعرفه.. وشرف عظيم لي ان اتصل به وأتعرف عليه، تنتابني سعادة كبيرة لو التقي به، وهذا شرف لم أنله حتى الآن.
* كم كان عمرك حينما دخلت السجن؟
ـ تقريبا 22 سنة.
* ما زلت حتى الآن أعزب؟
ـ نعم
* اتفكر في الزواج قريبا؟
ـ انا عاطل عن العمل، واعيش مع أخي، فكيف اتزوج وانا على هذه الحال.
* قتلت بن جلون وعمرك 22 سنة معناه ان رأسك كان وقتها ساخنا جدا؟
ـ (ضاحكا) اسأل كل الناس الذين كانوا يعرفونني قبل الحادثة. لو كان رأسي ساخنا لوقعت مشاكل عدة. اسأل مثلا موظفي السجن الذي كنت معتقلا فيه عن سلوكي وتعاملي مع السجناء. فسيحكون لك الواقع، بل اكثر من ذلك ان بعض موظفي السجن حينما كانوا يرونني للمرة الاولى يتساءلون هل هذا هو خزار (قاتل بن جلون). معتقدين انني...
* جبار؟......................

عميل المخابرات محمد الخلطي يتحدث عن الشبيبة الإسلامية وعلاقة مطيع ببنكيران…

سبق للزميلة «الأيام» أن أجرت حوارا مع عميل المخابرات محمد الخلطي حول اغتيال الشهيد عمر بنجلون ومساهمة عبد الكريم مطيع زعيم الشبيبة الإسلامية في عملية الاغتيال. وقد تحدث عميل المخابرات عن الظروف التي تلت العملية وكيف تفككت حركة مطيع وخروجها إلى العمل السري، كما تحدث عن انفصال بنكيران عن مطيع إثر خروجه من الاعتقال بعد التحقيق معه، وكيف اختار هو ورفيقه باها تأسيس جمعية الجماعة الإسلامية التي كانت تشتغل على وفاق تام مع الدكتور الخطيب، وعلى وجه الخصوص مع الحسن الثاني الذي كان يهدد أحزاب الحركة الوطنية بإمكانية تسليط الإسلاميين عليهم
  هل توافق الذين يقولون إن محطة اغتيال عمر بنجلون سنة 1975 كانت هي بداية مرحلة المواجهة الأمنية للحركة الإسلامية بالمغرب؟
* نعم، هذه هي الحقيقة، فمباشرة بعد حادثة اغتيال عمر بنجلون قرر المسؤولون عن جهاز الأمن الوطني تأسيس فرق مختصة يكون بوسعها مكافحة التطرف، سواء منه التطرف الماركسي اللينيني أوالتطرف اليميني. هكذا تأسست فرقة بالرباط، وكنت مسؤولا عنها، وثانية بالدارالبيضاء، وثالثة بفاس، ورابعة بوجدة، وخامسة بمراكش، وسادسة بخريبكة. وقد تلقينا تدريبات خاصة من أجل مباشرة مهامنا على أحسن وجه. تلقيتم هذه التدريبات بداخل المغرب أو خارجه؟ كانت التدريبات الأولى سنة 1975 بالمغرب، لكن بعد سنتين توجهت بصحبة عميد آخر إلى فرنسا حيث تدربنا على مكافحة تطرف اليسار وليس الإسلاميين. أعود إلى قضية اغتيال عمر بنجلون لأوضح لك أن الذين اعتقلوا في إطارها، تم اعتقالهم أساسا بالدارالبيضاء، أما بالنسبة للرباط فكانت توجد خلايا صغيرة جدا، وكان المسؤول عنها هو بن الأدهم الذي ألقي عليه القبض بداية في الدارالبيضاء قبل أن يطلق سراحه ويلتحق بالرباط من أجل مواصلة دراسته. وصراحة، كنا نجهل آنذاك كل شيء عن حركة الشبيبة الإسلامية، سواء تعلق الأمر بطريقة عملها أو بمناضليها. وكان المسؤولون الأمنيون يعتبرون أن كل ذي صاحب لحية متطرف، فلم يكونوا يفرقون بين المنتمين إلى الشبيبة أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو السلفيين… كل ملتح فهو متطرف.. لهذا السبب عمت الفوضى، وبدأنا نشهد استنطاقات في كل جهة..
أفهم أنك باشرت مهمتك دون أن تتوفر على أي أرشيف يهم هذه الخلايا الإسلامية؟
* لم نكن نتوفر على أي أرشيف، ولم نخضع حتى للتكوين الديني الذي يمكنك من التمييز بين الصوفية والسلفية وحركة الإخوان المسلمين.
  وكيف استطعت أن تفرق بينهم؟
  * استطعت فعل ذلك بحكم اجتهادي الخاص، خاصة وأن تكويني الديني منذ الصغر ساعدني على ذلك. فقد درست منذ السنة الخامسة في الكتاب، وتربيت في أحضان الزاوية التيجانية حيث كان والدي مقدما، والذي درس سنتين في القرويين قبل أن يعينه المغفور له محمد الخامس طيب الله مثواه قائدا بالقصر الملكي بفاس خلفا لجدي إثر وفاته.. هكذا حفظت بعض السور من القرآن الكريم، والألفية، والأجرومية، والأذكار على الطريقة التيجانية، وتابعت دراستي بثانوية مولاي ادريس بفاس. وبعد تعييني رئيسا لمصلحة محاربة التطرف السياسي والديني عزمت على التفقه ولو قليلا في الدين، فقرأت بعض كتب تفسير القرآن، وجواهر البخاري في شرح القسطلاني، و»في ظلال القرآن» و»معالم في الطريق» للسيد قطب، وكتاب الشيخ حسن البنا و»الإخوان المسلمون» للدكتور رؤوف شلبي، ودرست كذلك كتبا في الصوفية، والسلفية، والبهائية، والقاديانية، واهتممت كذلك بدراسة المسيحية، ولاسيما النحل المتطرفة ك»شهداء يسوع» لأن المغرب كان يعرف منذ السبعينات حملة تنصيرية في صفوف الشباب الذي كان يفكر في الهجرة إلى أوربا عن طريق التنصير، وفي هذا الصدد أشير إلى أنني أثناء مزاولة عملي لمحاربة التطرف نجحت في إقناع بعض المغاربة الذين اعتنقوا الوهابية أو النصرانية بالرجوع إلى دينهم الإسلامي الحنيف، وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة بدل تقديمهم إلى المحاكمة كما وقع بالدارالبيضاء والمحمدية في التسعينيات، الأمر الذي جعل منظمات حقوقية أوروبية وأمريكية تشن حملة دعائية ضد المغرب من خلال اتهامه بخرق حرية التدين. ومتى بدأت مباشرة اعتقال هؤلاء النشطاء الإسلاميين بمدينة الرباط؟ أولى الإعتقالات كانت سنة 1977. أتذكر أنه بعد صلاة الفجر اتصل بي هاتفيا ضابط المداومة السيد بنعلي، وقال لي إن جماعة من الشباب قد صلوا بمجسد حكم بحي المحيط ووزعوا مناشير تحمل إسم الشبيبة الإسلامية، وكانت هذه أول مرة نعثر فيها على توقيع الشبيبة الإسلامية، وحين طلبت منه أسماء هؤلاء الشباب، ذكرها لي، وقال لي إن واحدا منهم إسمه بن الأدهم كانت معه حقيبة ولا علاقة له بهم، فهو كان يستعد للسفر.. فنبهته أن هذا الشاب هو مسؤول الشبيبة الإسلامية بالرباط… وبعد ذلك تولت فرقة الشرطة القضائية التحقيق معهم، وكان آنذاك تنافس كبير بين الأقسام، فاتفق الشباب العشرة الذين اعتقلوا على توجيه التهمة إلى شاب إسمه بخات، والذي لم تكن تربطه أي علاقة بالشبيبة الإسلامية.
 ولأي جماعة كان ينتمي بخات؟
* كانت له جمعية ثقافية لا علاقة لها بتنظيم مطيع، وإنما تضم مغاربة وسوريين من جماعة الإخوان المسلمين الذين جاؤوا للاستقرار بالمغرب.
وتم اعتقاله رغم كونه لا ينتمي إلى الشبيبة الإسلامية؟
  * نعم، اعتقلته الشرطة القضائية، والمشكل أنه بعد خضوعه للتعذيب بدأ يقول إن مجموعة خططت لاغتيال مسؤولين سياسيين وحكوميين، وذكر منهم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ومدير الأمن الوطني ربيع.. ووقعت اعتقالات على صعيد المغرب كله، وكان من ضمنهم الدكتور أحمد الريسوني الذي استجوبته في هذا العدد من جريدتكم، والأستاذ گديرة رئيس المجلس العلمي للرباط حاليا، والذي كان مفتش تعليم وقتها..
وكيف عرفت أن بن الأدهم لم يكن عضوا بالشبيبة الإسلامية ولا علاقة له بالمناشير التي وزعت؟
لقد اطلعت على التقرير الذي أنجزته فرقة الشرطة القضائية وأرسلته إلى المدير الذي أمر بالاعتقالات، ورأيت أنه تم الوقوع في خطأ، حيث لم يتم تفتيش منازل هؤلاء الشباب حتى نعرف أين طبعت المناشير. كنت أعلم أن ابن الأدهم هو المسؤول، فنسقت مع الشرطة القضائية وتوجهنا إلى منزله بحي التقدم، فوجدنا فعلا المنشورات وآلة الطباعة. والغريب أن هؤلاء الشباب الذين كانوا ينتمون إلى الشبيبة الإسلامية انحرفوا بعد إطلاق سراحهم بسبب الكذب الذي رأوه في مسؤولهم الذي كان يعلمهم وجوب المحافظة على الأخلاق وما يأمر به الدين الإسلامي.. والذي تسبب في تعذيب بخات.. وبعد هذه القضية.. هل تمت اعتقالات أخرى في صفوف الشبيبة الإسلامية بالرباط؟ القضية الثانية ارتبطت بعبد الإله بنكيران، الذي كنا نشك في أنه من تحمل المسؤولية بالرباط بعد بن الأدهم، وقد كان على اتصال دائم بمطيع، لدرجة أنه سافر إلى فرنسا من أجل اللقاء به. وقد اعترف لي بهذا فيما بعد، وقال لي إنه كان قد ضرب موعدا مع مطيع للقاء به بأحد الفنادق لكنه لم يأت، وغير مكان اللقاء، وحين سأله لماذا هذه المراوغة؟ أجابه أنه لا ينبغي له أن يضع ثقة حتى في زوجته.. المهم، بعد سنة 1977 لم نستطع أن نجد أي دليل ضد بنكيران، وكان أول عمل مكشوف قام به، هو توزيع مناشير أمام باب فندق هيلتون على هامش انعقاد مؤتمر للمحامين الشباب، وذلك للتنديد بمحاكمة عناصر الشبيبة الإسلامية ونفي مطيع خارج المغرب. لكن قرار متابعته جاء بعد محاكمة اغتيال عمر بن جلون سنة 1980، حين حكم على مطيع بالإعدام غيابيا، فاتصل ببنكيران عبر الهاتف، وطلب منه أن يجمع الاخوة بالمسجد المحمدي بالدارالبيضاء وأن يخرج بهم في مظاهرة.. آنذاك اعتقل العشرات من هؤلاء الشباب، لكن رجال الشرطة كانوا يجهلون طبيعة التنظيم الذي ينتمون إليه، فاتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بما وقع فطلبت منهم أسماء بعض الشباب، فأعطوني إسم الأمين بوخبزة، يتيم، حزيم فقلت لهم هذه الشبيبة الإسلامية.. ويجب أن تعتقلوا مسؤولهم بالرباط عبد الإله بنكيران لكنه هرب. وهنا قمنا بحراسة منزله بحي العكاري، لكننا لم نجده طوال 3 أيام. وصدفة توجهت إلى عين المكان لمراقبة الطريقة التي تتم بها الحراسة، فوجدته مارا بسيارته بصحبة والدته من أمام المنزل، فاعتقلناه وبدأت أمه تصيح، وطمأنتها أنها لن تتعرض لسوء..
 وأشرفت على استنطاقه بنفسك؟
  * نعم استنطقته وحققت معه بنفسي، وكنت طوال 25 سنة أمضيتها في الإستعلامات العامة آنذاك أعرف أن المتهم لابد وأن يتكلم أثناء استنطاقه، وكان المسؤولون قد علمونا أن الإمام مالك قد أجاز ضرب المتهم حتى يعترف بجريمته، وأجاز قتل ثلثي الشعب من أجل إصلاح الثلث… هكذا كنا نعتقد في صحة هذا القول ونعمل بمقتضياته. وحين بدأت التحقيق مع بنكيران اعترف لي بمسؤوليته عن المظاهرة، وقال لي إن مطيع اتصل به وطلب منه تنظيم المظاهرة، لكنه أوضح لي أنه طلب من إخوانه الاجتماع في المسجد المحمدي للأحباس دون أن يكشف لهم عن نيته في الخروج بهم في مظاهرة، وبعد اجتماعهم أخذ مكبر الصوت وأمرهم بالتظاهر… للتنديد بالأحكام الصادرة ضد مطيع.. حذرته أن الشرطة القضائية «غادي تتكرفس عليه»، فأجابني أنه لن يعطي أسماء الذين حضروا المظاهرة، وقال إنه إذا صبره الله فالأمر كذلك وإذا لم يصبره فليس له ما يقوم به.. وهكذا كان، فالشرطة القضائية بكل صراحة «تكرفسات عليه» إلى أن أعطى بعض الأسماء.
  وهل لمست أن انفصال بنكيران عن مطيع جاء بعد هذا الإعتقال؟
*  لا، الإنفصال سيأتي فيما بعد حين أصدر مطيع من ليبيا مجلة إسمها «المجاهد»، وحتى يراوغ الأمن كان يقول إنها تصدر من بلجيكا. وفي أواخر سنة 1980 أو بداية 1981 زارني بنكيران بمكتبي، وق%D

..........................

خاص. وثيقة طبية تكشف لأول مرة بشاعة قتل عمر بنجلون

omar benjalloun
عكس ما ادعاه قتلة عمر بنجلون، خلال السنوات الأخيرة، بأن قتل الشهيد لم يكن مخططا له، وأنه جاء عفويا، فقد توصل موقع “في الواجهة” بالتقرير الطبي الذي استعانت به هيأة المحكمة أنذاك ويشير إلى بشاعة الجريمة والتخطيط لها بدقة.
لقد كشفت التحريات أن المتهم الرئيسي الذي عمد إلى قتل عمر بنجلون، ويدعى سعد أحمد، ترصد بالشهيد بشارع “كامي دي مولان” (شارع المسيرة حاليا)، حيث كان الراحل متجها إلى سيارته، وعندما هم بفتح بابها فاجأه سعد أحمد بضربة من خلف في الرأس بواسطة قضيب حديدي، ثم لاذ بالفرار في الاتجاه الذي كان يوجد به مقر المقاطعة الثانية للشرطة، فطارده شخص آخر نزل من شاحنة ، قبل أن تتم محاصرته في ساحة خالية، وبعد تهديده للأشخاص المطاردين له تم إلقاء القبض عليه.
وتكشف الخبرة الطبية، التي ينشرها “في الواجهة” حصريا رواية أخرى تدل على بشاعة الجريمة، إذ تكشف إصابة بنجلون في الرأس بقضيب حديدي يظهر أنها هي الإصابة الأولى، ثم إصابة بالسكين عرضها خمسة سنتيمترات فوق الرئة اليسرى، وإصابة أخرى بسكين بعد سقوط الضحية على الأرض همت عموده الفقري.
وكشفت الخبرة التي تمت بأمر من وكيل الملك أنه لم يكن هناك أي تشابك قبل الإصابة المميتة، في حين اعتبرت الإصابة التي أدت إلى الوفاة هي التي مست الصدر.
وخلص التقرير إلى أنه رغم عدم تأتي تحديد الضربات الثلاث بالسكين على سبيل الجزم، فإنه يمكن القول إن عمر بنجلون تلقى من الخلف ضربة عنيفة بقضيب حديدي في مؤخرة الرأس، بينما تلقى في الوقت نفسه طعنة في الكليتين وأخيرا تلقى طعنة قاتلة في الصدر.
الوثيقتان
benjalouun
benjaloun2

هناك 6 تعليقات:

  1. أحمد بنجلون و حرقة فقدان شقيقه الأكبر
    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=32946
    سبق لأحمد بنجلون الشقيق الأصغر للشهيد عمر أن الشهيد استقبله يوم الجمعة 12 دجنبر 1975 أمام باب السجن المركزي بالقنيطرة بعد قضاء 6 سنوات به تنفيذا لنصيبه من العقوبات التي وزعتها شمالا ويمينا محاكمة مراكش الكبرى على المتهمين ورافقه بمعية ثلة من المناضلين إلى منزل جواد العراقي بالقنيطرة ثم إلى مقر سكنى عبد الرحيم بوعبيد بالرباط وبعد ذلك مكث أحمد بنجلون مع شقيقه عمر بالدار البيضاء ثلاثة أيام ليعود إلى الرباط يوم الاثنين وتبادلا الشقيقان المناضلان نقاشات طويلة خلال هذه الأيام الثلاث همت طبيعة المرحلة وعمل الحزب وتطور آلياته وتنظيماته وموافق أشخاص ومساراتهم

    فبعد 6 سنوات وراء الأسوار العالية وخلف القضبان الحديدية السميكة للسجن المركزي بالقنيطرة قضى أحمد ثلاثة أيام فقط مع شقيقه عمر ليفاجأ يوم الخميس 18 دجنبر 1975 بالفاجعة الكبرى وبالخبر الصاعقة اغتيال عمر

    وبعد العفو الملكي صرح أحمد بنجلون قائلا إن أحمد سعد ومصطفى خزار كانا مجرد أدوات استعملا لاغتيال عمر وتصفيته نحن لسنا انتقاميين ولا نريد لهما أن يقبعا مدى الحياة في السجن إن القتلة الحقيقيين لازالوا في حالة فرار وعلى قيد الحياة فإن التاريخ سيحاكمهم وسيسميهم

    ردحذف


  2. رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

    وثيقة للشهيد عمر بن جلون-1-



    الأخ المحجوب، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل

    للمرة الثانية، يتم اختطافي وتعذيبي في أحد الأقبية. الأولى وقعت يوم 20 دجنبر 1961 على الساعة الواحدة والنصف صباحا. كان ذلك بمناسبة الإضراب العام الذي قررته فيدراليتنا الوطنية للبريد، إضرابا كان ناجحا باهرا للاتحاد المغربي للشغل، كما عنونت جريدة «الطليعة». اختطفت من طرف عصابة خاصة تابعة للسلطة الفيودالية، هذه الأخيرة قررت العملية عندما اقتنعت بأن الإضراب فعلي. كان لابد لها من مسؤول. رأس ثعبان تمارس عليه انتقامها الأخرق. وكان لي شرف هذا الاختيار. أقول شرف. لأن قناعتي الراسخة هي أن الطبقة العاملة تشكل الطليعة الطبيعية في الكفاح الفعلي والملموس الذي يجب أن يخاض ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية. وهذه المرة، لا أستطيع للأسف، أن أتحدث ( تماما) عن شرف، فباسم الطبقة العاملة تعرضت في واضحة النهار، للاستفزاز من طرف مسئولين في الاتحاد المغربي للشغل، أمام أنظار حراس الاتحاد المغربي للشغل وحياد متواطئ من طرف الشرطة، وتعرضت للضرب واللكم ونقلت إلى قبو. تعرضت في ظرف 12 ساعة لثلاث حصص من التعذيب تجاوزت وحشية كثيرا ما تعرضت له السنة الماضية، لأن الأمر في المرة الأولى كان مجرد تهديد. تصرف أخرق كذلك أصر على أن أحكي تفاصيله. أتوجه إليك بصفتك الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل الذي انأ احد مناضليه، كما أنني أحد مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أنت احد قادته الذين رسموا «توجهه وعقيدته». اسمح لي أن اعتبر بأن الأمر يتعلق بخطأ آخر يرتكب باسم الاتحاد المغربي للشغل والطبقة العاملة. وأن أذكرك بالأسباب العميقة التي تقف في رأيي وراء كل هذه الأخطاء. كل هذا التعبير عن «متمنيات» فيما يخص المستقبل (الذي يهمني بالمقام الأول). اسمح لي أن أواصل الاعتقاد بأنك لم تشك أبدا في رغبتي الصادقة في خدمة الطبقة العاملة. طليعة الطبقات الشعبية في كفاحها ضد استغلال الفيودالية الاستعمارية. اسمح لي أيضا أن آمل أنك سترى في هذه الرسالة، تعبيرا عن الألم الذي أحسه لأنني قدمت وعوملت كعدو للطبقة العاملة. واسمح لي أخيرا أن أعتبر أن الصمت في مثل هذه الظروف، سيكون خدمة موضوعية تقدم للنظام الفيودالي، الذي استفاد من الصمت الذي أحاط منذ زمن بعيد بالأخطاء المتراكمة. وإليك أولا تفاصيل الإحداث، ثم الأسباب العميقة وراء هذه الممارسات وأخيرا بعض الخلاصات و«المتمنيات» بالنسبة للمستقبل.

    ردحذف

  3. رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

    وثيقة للشهيد عمر بن جلون-2-
    تفاصيل الأحداث لا يمكن أن نعزل ما وقع لي عن الأحداث التي وقعت لك (أنت أو مساعديك) مع فيدرالية البريد. منذ 25 دجنبر، تاريخ انتخاب 8 مندوبين من البريديين بالرباط للمؤتمر (ومن بينهم أنا) لم تتوقف الأحداث. تشبثت بتعيين المندوبين إلى المؤتمر، كما هي العادة، عبر أشخاص معينين. وبعد عدة محاولات، وجه إليكم المكتب الفيدرالي والمكتب المحلي للرباط وسلا وفودا ورسائل وبرقيات تعبر كلها عن تشبثها بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى المؤتمر. كل المندوبين القادمين من كل الفروع اجتمعوا يوم الجمعة ابتداء من الثالثة مساء ليقرروا في الموقف الواجب اتخاذه أمام صمت المركزية، وقرروا بالإجماع رفض تعيين المركزية للمندوبين والبقاء متضامنين مع الإخوة المنتخبين، خاصة معي شخصيا (بعدما أخبروا أن تواجدي انأ هو الذي يطرح مشكلا). وكان آخر وفد معين قد عقد لقاء مع ممثلي المركزية (بينهم، عبد الرزاق، عواب وعمور)، وأخبر الوفد أنه فيما يخصني حتى وان كنت مندوبا، فإنني لن أدخل المؤتمر... وقرر اجتماعنا الذي عقد بعد ذلك في الساعة العاشرة ليلا، بأن البريديين مجتمعين سيتوجهون إلى المؤتمر، وسيتحاشون الرد على أي استفزاز، وينتظرون حتى يتم قبولهم، كان مقررا أن نجتمع يوم السبت في الثامنة صباحا بالمقر المحلي للبريد بالدار البيضاء. تجمع جزء من المندوبين، نبهت الإخوان، انه في انتظار وصول باقي الوفود، سأتوجه رفقة الاخ بلمليح لرؤية إن كانت الوفود قد بدأت دخول قاعة الاجتماع ، كانت الساعة حوالي 8 صباحا و20 دقيقة. أوقفت سيارتي بشارع الجيش الملكي ومررت أمام قاعة الأفراح (دون أن أسير حتى فوق الرصيف). وعند عودتي الى سيارتي، وجهت التحية للاخ عمروق، وهو بريدي متفرغ بالمركزية، الذي بدأ يتهمني «بالتآمر» و«بالتشويش»... وصفع الأخ بلمليح. كان رد فعلي الوحيد هو أنني أخذت الأخ بلمليح إلى السيارة عندما تلقيت عدة لكمات من طرف عنصر كان متواجدا جدا بجانب عمور (كاتب نقابة البتروليين، الذي تمت ترقيته الآن إلى عضوية المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل). وبيما كنت أتعرض للاستفزاز (وهو اختصاص يتقنه عمور) واصلت طريقي دون أن أرد بأي فعل. ومن بين الحاضرين تعرفت، الى جانب عمور وعمروق، على عواب (الشبيبة العمالية، المديوني (القطاع الخاص) وبوشعيب الريفي (الضمان الاجتماعي). ولكن العنصر الذي هاجمني في المرة الأولى التحق بي مجددا وجرى نحو عمور، وأثرت انتباه هذا المسؤول الى ما كان يجري أمام عينيه. في هذه اللحظة بالذات، صدر الأمر بصوت مرتفع «أمسكوه»، حملتني عصابة من 6 إلى 7 عناصر نحو قبو قاعة الأفراح. عند الوصول، كان «الأمر الصادر» هو عدم ضربي. ولكن بعد حوالي 20 دقيقة، وتحت اشراف شخص يدعى قويدر، تعرضت لمدة نصف ساعة للضرب بالأيدي والأرجل في جميع أطراف جسدي. كانت العملية تتوخى إجباري على «الاعتراف» بأنني أنتمي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب. وأمام إصراري، تم تقطيع ملابسي بآلة حادة وفي نفس الوقت كنت أتعرض للتهديد بتشويه وجهي

    ردحذف
  4. رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

    وثيقة للشهيد عمر بن جلون-3-
    هذه الحصة الأولى من التعذيب انتهت عندما جددت التأكيد على انتمائي الى فيدرالية البريد التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وأعلنت بوضوح أنهم لن يستطيعوا أبدا إرغامي على تأكيد الانتماء لا إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ولا إلى أي منظمة معادية للاتحاد المغربي للشغل. تم اقتيادي إلى عمق القبو، وأعطي الأمر بعدم التحدث إلي، تلتها حصة أخرى من الضرب (كانت قصيرة) كانت الساعة تشير إلى حوالي 10. «حراسي» جلبوا لي وجبة ساندويش وبعض الماء، بل إن أحدهم اشترى لي سجائر. حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، حضر مسؤول نقابي صحبة اثنين من بين الحراس الذين ضربوني. أوضح لي أنه لولا تدخل المسئولين، لتم اختطافي وأوضح لي أنه لا يجب أن ألوم إلا نفسي و«الذين أرسلوني». أجبت أنني لست مشاغبا، ورد علي بأن« شارع الجيش الملكي هذا اليوم في ملك العمال الذين لا علاقة لهم بالسياسة ولا يعرفون إلا الخبز، وأضاف أن العمال لا يعرفون لا البصري ولا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بل يعرفون فقط المحجوب وما يقرره» ووصف مرجعياتي لفيدرالية البريد بأنها «تحليلات على طريقة الزيتوني» ورغم أنه يمكن لفيدرالية البريد أن تذهب إلى الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. حوالي الثامنة والنصف ليلا، أخذوا مني أوراقي التي أعادوها إليَّ على الفور. ثم انطلقت حصة جديدة من اللكم والرفس والضرب بالهراوات. تمت سرقة النقود التي كانت معي وكذلك ساعتي. هذه الحصة من التعذيب كانت فيما يبدو لي، بمبادرة من أكثر الحراس وحشية، كان يريد الاستيلاء على حاجياتي. بعد عشر دقائق، تم اقتيادي أمام باب القبو، ونصحوني بعدم التحرك. ولكن بعدما اكتشفت عدم وجود أية حراسة، انصرفت معتقداً أنني هربت، في الواقع فهمت فيما بعد بأنه: ـ دقائق بعد ذهابي، تم استقدام بعض من طرحوا المشكل، إلى القبو «ليتأكدوا» بأنني لم أكن هناك. ـ أصدقائي مندوبي البريد رغم أنهم ابتعدوا على الجانب الآخر من شارع الجيش الملكي، تعرضوا للهجوم بعدي حوالي 10 و 30 دقيقة، ولم ينجوا (حتى من تدخل الشرطة) سوى بانحسار مرور السيارات في الشارع. ـ عراب قدمني أمام الملأ كعميل للأمريكيين جاء لنسف المؤتمر، وذلك لإذكاء حماس من كانوا يحملونني الى القبو (عراب الذي أكد شخصيا أنه كان متفقا معي إيديولوجيا). ـ جميع رفاقي في البريد، قدموا للطبقة العاملة وللمندوبين الأجانب كعناصر استفزازية تابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، وللشرطة كعناصر موجهة من طرف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ـ بعض المسئولين النقابيين كانوا يعطون الموافقة الأولية للشرطة (التي لم تتدخل في أية لحظة). هذه هي الوقائع الثابتة. عنف لا اسم له مع حياد متواطئ من الشرطة ثم السب البذيء، وأخيراً السب الرسمي من طرفك أنت من منصة المؤتمر ضد فيدرالية البريد والحركات التقدمية في هذا البلد (وخاصة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)،الذي تنتمي أنت ونائبك عبد الرزاق لأمانته العامة. وهذا العنف الذي مورس ضد البريديين ذنبهم الوحيد أنهم ظلوا متشبثين بمبدأ الانتخاب الديمقراطي للمندوبين إلى مؤتمر الاتحاد المغربي للشغل الذي تشكل فيدرالية البريد «حصنه» حسب قولك. أود أن أنبه أنني أفضل عدم الرد على مزاعمك المتعلقة بعدد البطائق التي بيعت بالرباط والاشتراكات التي دفعت (هذا سيقودنا الى قضايا «شخصية»)

    ردحذف
  5. رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

    وثيقة للشهيد عمر بن جلون-4-
    لماذا كل هذا؟ حتى وإن لم تعد بحاجة للبريديين (كما قلت)، حتى وإن كنت قد قررت الاستغناء عن «المدرعات» وكنت قد دخلت في مرحلة نزع السلاح، فإن ذلك لن يكفي لتفسير مثل هذه الأساليب غير السلمية. لا أقول بأنك قررت شخصيا تنفيذ هذه العملية، ولكنها تمت بأمر وبحضور مسئولين في المكتب الوطني للاتحاد المغربي للشغل الذين كانت لهم كل المبررات ليعتقدوا أن لهم الضوء الأخضر وواجب عدم ترك الفرصة تمر. وسيكون من التفاهة تصديق تأكيداتهم السابقة (وهي تؤكد الطابع المتعمد للعملية) ولأن المستقبل هو الذي يهمنا يتعين استغلال هذه الأحداث لتحليل الأسباب العميقة للمرض. في الواقع لم يكن حضوري في المؤتمر مرغوبا فيه، لم يكن مرغوبا في حضور البريديين الذين يقدمونهم موجهين من طرفي، لم يكن مرغوبا كذلك في حضور العديد من مناضلي فيدراليات أخرى للاتحاد المغربي للشغل أو بعض الاتحادات المحلية. لم يكن مرغوبا في تواجد هؤلاء لأن هناك تخوفا من طرح وجهة نظر هؤلاء المناضلين الصادقين حول: - الدور الطليعي الذي يجب أن تلعبه الطبقة العاملة في حركة التحرير -ضرورة ممارسة الديمقراطية الداخلية من أجل الحفاظ وتطوير وحدة الطبقة العاملة على أسس ثورية. - خطر التحييد السياسي للطبقة العاملة والتقوقع البسيكولوجي والسياسي الذي يحاول البعض إقامته بين الطبقة العاملة وباقي الطبقات الشعبية. - الخطر المحدق بوحدة وقوة الاتحاد المغربي للشغل، الخطر الناتج عن بعض الممارسات التي أضعفت كثيرا قتالية النقابات التي أصبحت في بعض الحالات هيئات للمنع الممنهج للإضرابات، أو فقط مجرد هيئات شكلية في خدمة بعض المصالح الشخصية. تعرف جيدا وجه النظر هذه ومن يدافع عنها لمصلحة الطبقة العاملة والاتحاد المغربي للشغل. لم تحاول أبدا أخذ ذلك بعين الاعتبار على العكس تعتقد أن ذلك موجه ضد شخصك كان لك دائما رد فعل دفاعي قادك إلى التغطية إن لم يكن تشجيع كل الذين كانت مصالحهم وارتباطاتهم تعطيهم كل الأسباب لمحاربة التقدميين.هذا العداء المتجذر والذي يتم تشجيعه وتنظيمه إلى أن يتحول إلى نسف من داخل الحركات التقدمية، خلق دوامة التضامن الواعي واللامشروط بين جميع هذه العناصر التي تلتقي مصالحها.ولكن كيفما كانت السوابق والمعرفة التي اعتقد أنني اكتسبتها عن الجهاز وأساليبه، لم أكن أتصور لحظة أن هذه الدوامة بلغت هذا الحد والى هذه الأساليب التي لا نستطيع حتى وصفها بالفاشية، أساليب موجهة ضد فيدرالية بأكملها.وربما هنا يكمن خطئي الحقيقي، هل علي ألا ألوم إلا نفسي؟ (كما أوضح لي ذلك المبعوث الذي حضر إلى القبو)،لا، لأن شخصي، في كل الأحوال، لا يهم في هذه القضية. انأ انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) سياسة وعقلية سمحت تدريجيا بإقامة جهاز يتشكل من عناصر

    ردحذف
  6. رسالة من عمر بنجلون إلى المحجوب بن الصديق

    وثيقة للشهيد عمر بن جلون-5-
    اعتقد أن بعضهم لم تعد له أية روابط لا اجتماعية ولا إيديولوجية ولا عاطفية مع الطبقة العاملة.أن أنتقد (ونحن كثيرون في ذلك) أساليب لا تشرف منظمة عمالية أنتمي إليها، أساليب ما كانت لتقع إلا لأن لاشيء وقع من أجل الخروج من دوامة الممارسات المزدوجة، والغبية التي لا تشكل كلمات «عمال» ، «خبز»، «سياسيين» «متطرفين» «يساريين» سوى ذرائع تستعمل حسب ظروف ومصالح «النظام». أنا انتقد (ونحن كثيرون في ذلك) العداء المتواصل ضد الوطنيين والتقدميين الصادقين الذين أظهروا صلابتهم والسلاح في أيديهم ضد الاستعمار أو الذين هم مثلي مناضلون شباب التحقوا حديثا بالكفاح ضد الفيودالية والبورجوازية والامبريالية (التي تخدم «الجهاز» و«الدوامة» التي ذكرت موضوعيا مصالحها. هذه هي الممارسات التي انتقدها. أما مؤتمرك، مؤتمركم لن يحل شيئا في الجوهر، فتشكيلته، وتوجهه، وقراراته... كل ذلك ليس سوى نتاج جديد «للدوامة» التي يستفيد منها البعض ويكون البعض ضحيتها (مؤقتا). فالدور الطليعي للطبقة العاملة حتمي، والتاريخ الكوني وبعض المؤشرات التي تظهر منذ مدة داخل الطبقة العاملة المغربية تؤكد ذلك. وجهت إليك هذه الرسالة لأقول لك كل هذه الأشياء، هذا الحادث كان مناسبة لكتابتها بالحبر على الورق مع «متمنياتي» بالنسبة لسنة 1963 وهي كالتالي:أمل إلى ما أسمته خلاصاتي بالنسبة للمستقبل (الذي وحده يهمني) - أتمنى أن يقوم كل واحد بالتصحيحات الضرورية بإعطاء المفاهيم الثورية كل محتواها الحقيقي، بدل استعمالها مناسباتيا كذرائع في خدمة التشهير والتجريح. أتمنى أن تنتصر الحكمة والتبصر في آخر المطاف لتحاشي أن يصبح كل واحد سجينا لدوامة أطلقها بنفسه أو أن يستسلم أكثر فأكثر للأمر الواقع. أتمنى بالخصوص أن تكون هذه الرسالة مساهمة في تصحيح بعض الأخطاء حتى لا يمنع أي شيء الطبقات الشعبية تحت قيادة الطبقة العاملة من التحرر من قهر الفيدرالية والاستعمار والانخراط بأسرع ما يمكن في بناء الاشتراكية. أتمنى أخيرا ألا يكون كل ما سبق، مرة أخرى محسوب على ما يمكن أن يكون لدي (ولدى آخرين) من «انتهازية» و«تطرف» و«يسارية»... أو فقط «نذالة». مع كل إخلاص لقضية الطبقة العاملة وللاتحاد المغربي للشغل ولكل الحركات التقدمية.

    عمر بنجلون

    ردحذف