المتابعون

الاثنين، 23 نوفمبر 2015

المقاوم الشهيد أحمد اكوليز الملقب بشيخ العرب


كتبهامحمد عالي ، في 3 ديسمبر 2008

المقاوم الشهيد
سيدي أحمد اكوليز الملقب بشيخ العرب
سيرته الذاتية.
قبل أن ادلف في الكلام عن شيخ العرب أود القول إن النزر القليل من يعرف هؤلاء البررة من المقاومين والمخلصين للدين والوطن، ولكرامة الإنسان وصيانة الهوية المغربية ، سوى النخبة من الباحثين وثلة من المقامين الذين لازالوا على قيد الحياة .
وسيدي أحمد أكوليز من أبناء الصحراء الكرام جنوب شرق المغرب من قبيلة أكليز التابعة لعمالة طاطا فهناك ولد أحمد وتربي تربية ال الصحراء ونشأ وتعلم ،
ولم تسعفني ما اطلعت عليه من مقرؤات وما سمعت من روايات تاريخا محددا لوالدة المجاهد، لأن ذلك من سياسية الطمس التي ارتكبها العملاء والخونة في حق المجاهدين والمقاومين، غير أن اسمه الحقيقي هو أحمد اكوليز نسبة لقبيلته الصحراوية اكليز بإقليم طاطا وقد وَهِم الباحث والصحفي إدريس ولد القابلة وذكر أن اسمه هو فوزي .
أما لقب شيخ العرب وهو الاسم المشهور الذي عرف به، فقد سمي به لنكتة لطيفة ذكرها المناضل محمد لومة : وهي أنه عندما كان سجينا صُحبة زملائه لاحظ أن المعتقلين من فاس والرباط ومكناس تأتيهم واجبات خاصة من مطعم القنيطرة بينما باقي المعتقلين تأتيهم وجباتهم من مطعم السجن الرديئة فنادي بالمساواة أو الإضراب عن الطعام ولما اكتشفوا فيه الخلق الحسن والأدب الجم والتدين الخالص، آثروا تسميته بشيخ الإسلام فرفض ذلك وسموه بشيخ العرب فقبله، ومن ذلك الوقت ولقبه يرن قي أفئدة المقاومين والأعداء على السواء .

نشاطه وحياته الجهادية.
يعتبر شيخ العرب من المقاومين الكبار ونجما أضاء سماء المقاومين المغاربة، دخل في صفوف المقاومة مبكرا بإقليم طاطا سنة 1953 م وظل عضوا نشيطا وبارزا في صفوفها ، فواصل كفاحه بعد أن انخرط في وحدات جيش التحرير سنة 1956 م . حيث لاحظ وشاهد أن المستعمر الغاشم يستغل خيرات البلاد ويفتك بالعباد فكان مناضلا شهما وضرغاما لا يقهر و أبلى البلاء الحسن مع إخوانه من المجاهدين كعبد الله الصنهاجي في دحر المحتل وغيره من زملائه فكان ضابطا ممتازا في صفوف جيش التحرير بشهادة رفاقه في الكفاح ، إلى أن جاء الاستقلال الناقص باتفاقية الخزي والعار – ايكس ليبان – الذي حمل للمغاربة استقلالا لم يستفد منه لحد الآن سوى عملاء فرنسا واسبانيا وذريتهم ومن كان في ذيلهم .
لم يُعر شيخ العرب أي اهتمام للاستقلال المبتور ومعه ثلة من المقاومين المجاهدين اعتقادا منه أن جزءا كبيرا من المغرب لم ينل استقلاله بعد، بدءا من مدينة سيدي افني إلى حدود بلاد شنقيط ، وعهد نفسه وزملائه أن لا يضع السلاح حتى يندحر العدو عن آخر رقعة من البلاد.
لكن كيد الخونة ومن تبعهم من أصحاب المصالح البرجوازية والسياسين الذين استسلموا لعطاءات المصالح فباعوا البلاد بحفنة من المال، ظلت تتفقد أثر هؤلاء المجاهدين بدعوى أنهم خارجين النظام ويشكلون تهديدا لمؤسسات البلاد وأن السلاح بيد الجيش فقط ، فكان أن تتبع هؤلاء فلول المناضلين على رأسهم أفقير وبن بركة – وقد تبين لنا نحن أجيال اليوم من هم فعلا أعداء الوطن والدين والنظام فضرب الله بعضهم ببعض فلقي كل واحد حتفه بالطريقة التي تبين كيد الكائدين انتقاما لما فعلوه بالمجاهدين الأبرار - .
لم يخنع شيخ العرب لكل ذلك، وظل يكافح إلى آخر رمق في حياته ،فكان ينظم ويؤطر الخلايا في الرباط وغيرها من المدن المغربية إلى أن اعتقل سنة 1954 في سجن القنيطرة وعندما أفرج عن السجناء لم يفرج عنه، مما جعله يهرب مع زملائه واختبأ بدر أحد المقاومين بالقنيطرة قبل أن ينتقل إلى الرباط لاستئناف نشاطه والتحق بالتنظيمات التي كان يؤطرها ، وسرعان ما اختلطت الأوراق واكفهر الجو فاعتقل السياسيون والمقاومون ففر شيخ العرب إلى الجزائر فترة من الزمن مؤطرا وموجها لإخوانه المناضلين الجزائريين ومؤازرا لهم .
عاد شيخ العرب إلى المغرب فوجد الخونة قد خَلىَ لهَم الجَو وأن رائحتهم قد طفت مما جعله لا يستسيغ الوضع المزري لما آلت إليه الأوضاع من تحكم للعملاء في جميع الميادين، فظل يوجه لهم ضربات قوية في الجهاز الإداري والسياسي التابع لكيان الخونة والعملاء، ومما يروى عنه في هذا المجال أن شيخ العرب كان في زيارة لأكادير فرأى أحد المسؤولين فسأل من يكون فذكروا له وظيفة سامية في جهاز المخزن وعندها رد شيخ العرب هذا الرجل أعرفه جيدا هو من بلسورتي
( أي من جهاز الأمن السري ) وهو من قتل الشهيد محمد بن عبد الله وقبل أن يتم كلامه أجهز عليه برصاصة من سلاحه دون تردد، ويروى أيضا أن أهل قريته اشتكوا إليه تعسف وشطط قائد المقاطعة وأعوانه من المخزن فما كان منه إلا أن لبى دعوتهم فقصد هذا القائد وأطلق عليه الرصاص وأراح سكان المنطقة وعشيرته منه .
لم يرق لأفقير وزبانيته من الخونة ما يفعله شيخ العرب ، وارتجفت فرائسهم من تصرفاته مما جعلهم يحبكون خطة للانتقام منه، حيث ضل شيخ العرب عقدين من الزمن ثائرا في وجههم ومزعجا لراحتهم الخائنة.
استنفر جهاز أفقير وضل يتابع ويقتفي أثر شيخ العرب إلى أن تم حصاره صحبة زملائه يوم 7 غشت 1964 م صباحا، لم يستسلم شيخ العرب للحصار وتراشق معهم بالرصاص إلى أن استشهد رحمه الله .
هذه لمحة موجزة من سيرة الرجل العطرة بطل المقاومين الذي لم يرضى الذل والهوان وبيع الوطن للخائن والعميل، ولا الاستقلال المشروط . وعسى الأيام المقبلة تزودنا بمزيد من حياة الرجل الجهادية سواء من أقربائه أو رفاقه في الكفاح والنضال وهذا مبتغانا وكل غيور على بصمات تاريخنا العتيد
.......................

جرائم الاختطاف والقتل.. وخبايا آلاف الوثائق داخل "الشرطة السرية" بالمغرب

السبت, 29 سبتمبر, 2007






الحلقة الاولىفي يونيو من عام 2001 فجّر العميل المغربي السابق في جهاز المخابرات المغربية أحمد بخاري أزمة سياسية في المغرب إثر تصريحات أدلى بها لصحيفة "لوموند" الفرنسية اتهم فيها السلطات باغتيال المعارض المغربي وزعيم الاشتراكيين المهدي بن بركة عام 1965 بالتعاون مع السلطات الفرنسية وأجهزة أمنية أخرى، كما كشف البخاري عن عدة حقائق بشأن ما سمي في المغرب ب "سنوات الرصاص" خلال الستينيات والسبعينيات أثناء المواجهة بين النظام الملكي والمعارضة، والأدوار التي قام بها عدد من الزعماء السياسيين والنقابيين في تلك الأحداث، حيث اتهم عدداً من هؤلاء بالتعاون مع المخابرات والشرطة السرية المغربية.
وقد أثارت تلك الاعترافات الأولى من نوعها الكثير من الجدل وأسالت الكثير من المداد، وانقسمت مواقف الفاعلين السياسيين والرأي العام بين مشكك في تلك الحقائق وبين مصدق لها، وكان من بين هؤلاء.. المعتقلون السياسيون وعناصر الجيش الذين كانوا في السجون السرية مثل "تازمامارت" الشهير و"قلعة مكونة" و"درب مولاي الشريف" الذين بدأوا يطالبون بكشف حقائق الماضي بشكل رسمي من طرف السلطة، وتقديم المسؤولين عن عمليات الاختطاف والاعتقال التعسفي إلى المحاكمة، وتعويض الضحايا عن السنوات الطوال التي قضوها خلف القضبان.
وبالرغم من ذلك الجدل الذي أثارته تصريحات البخاري وكتابه الأول الذي صدر عام 2001 بعنوان "السر"، فقد كانت تلك الاعترافات بمثابة حجر كبير رمي به في بركة ماء راكدة، حيث تتالت ردود الفعل وانحلت بعض الألسنة وشرعت الصحف في نبش حقائق الماضي وتوجيه النقد الحاد إلى مرحلة الحسن الثاني بين 1961 و1999.
وأمام ازدياد وتيرة المطالبة بإصلاح ما حصل في الماضي بادر الملك محمد السادس إلى إنشاء "هيئة الإنصاف والمصالحة" في العام الماضي، وعهد إليها خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر بوضع قائمة بضحايا تلك المرحلة السوداء من تاريخ المغرب وتعويضهم مادياً، لكن البعض لم يرض بهذه الخطوة التي رأى أنها تقفز على مطلبه الرئيس بمحاكمة المسؤولين الذين لا يزال يشغل مناصب مهمة في الدولة، وواجهت الهيئة عدة صعوبات مما حال دون إكمال مهمتها خلال المدة المطلوبة فتقرر التمديد في أجلها دون تحديد سقف زمني معين حتى الآن.
وفي شهر يونيو من العام الماضي كشف أحمد البخاري حقائق جديدة في قضية بن بركة الشائكة في المغرب التي ظلت خلال عقود مغارة مظلمة لا يقربها أحد بسبب رغبة الملك الراحل الحسن الثاني في حظر الاقتراب من هذا الملف، حتى إنه منع أسرة بن بركة المقيمة في فرنسا من دخول المغرب طيلة الفترة الماضية، ولم يرفع هذا المنع إلا في أواخر عام 2003 حينما سمح الملك الحالي لزوجة وأبناء الزعيم الاتحادي بالعودة إلى البلاد.
وقد فتحت السلطات القضائية الفرنسية تحقيقاً قضائياً في قضية بن "بركة" إثر اعترافات البخاري، بعد صمت طويل، لكن هذا الأخير منع من السفر إلى باريس مرتين للإدلاء بشهادته، ومنعته السلطات المغربية من الحصول على جواز سفره، وأصدرت إحدى المحاكم المغربية في نفس الوقت حكماً بالسجن بسبب دعاوى تتعلق بإصدار شيكات بنكية بدون رصيد، وهو ما اعتبره البخاري ومحاموه قضية ملفقة للحيلولة دون سفره إلى الخارج وقطع لسانه.
وقبل أشهر أصدر أحمد البخاري كتابه الجديد "مصالح الدول: كل شيء عن قضية بن بركة والجرائم السياسية الأخرى في المغرب"، قدم فيه حقائق مثيرة عن حقبة الستينيات والسبعينيات في المغرب وجرائم الاختطاف والاغتيال والاعتقال والخروقات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في تلك الفترة، وتورط مسؤولين مغاربة في الأمن والسلطة في تلك الجرائم، وأدوار بعض السياسيين والبرلمانيين وقادة الأحزاب في التعاون مع المخابرات. ويعتبر الكتاب شهادة قاسية عن أحداث تلك المرحلة العاصفة، لم يكتف فيها البخاري بتعرية الحقائق الرهيبة التي قال إنه عاشها، بل ذكر أسماء الشهود وسمى كل شيء باسمه ولم يلتزم بأي تحفظ.
الكتاب صدر في المغرب وسمحت سلطات الرقابة فيه بتوزيعه بشكل محدود، على عكس ما حدث مع الكتاب السابق للبخاري "السر" الذي تعرض للمنع مباشرة فور صدوره، الأمر الذي يؤشر إلى أن النظام في المغرب أصبح واعياً بضرورة السير في طريق المصالحة مع الماضي الكارثي وتصفية الملفات المنسية.
م تقدم لقرائها في العالم العربي على حلقات هذا الكتاب المثير بحقائقه الرهيبة والمخيفة، والأشبه برواية بوليسية
لها شخوصها ومنعرجاتها، ضحاياها وجلادوها، لكن الفرق بين ما كتبه البخاري وما كتبته أجاثا كريستي أن روايات هذه الأخيرة من بنات الخيال الواسع، أما ما كتبه البخاري فهو حقائق مُرة كان شاهداً عليها أو على جزء منها، وشخوصه ليست وهمية بل من لحم ودم، لايزال بعضها حياً يرزق، كما أن أحداثها حدثت بالفعل ورسمت وجهاً أسود لماضي المغرب.

تقديم


لن أنسى أبداً ما حدث مع المهدي بن بركة، ولست الوحيد في ذلك. لقد قضيت فترة طويلة في "الكاب1"، الشرطة السرية الأكثر رعباً في تاريخ المغرب، ولقد كان المهدي بن بركة بالنسبة لي ولكثير من الزملاء هدفاً ينبغي "إخماده"، ورجلاً يجب القضاء عليه من أجل مصلحة استقرار النظام والبلاد، لذلك طاردناه ولاحقنا أدق تفاصيل حياته وتحركاته التي لا تنتهي وأفعاله وفكره وشخصيته، وهيأنا مرات عدة مخططات لاغتياله، كنت خلالها معنياً أنا شخصياً سواء عن قرب أو عن بعد، بعدد من هذه المحاولات أو "المخططات"، فمهنتنا كانت تلزمنا بالتصرف من غير طرح أسئلة، لقد كنا مجرد منفذين، إذن، لقد نفذنا.
في ذلك الوقت كنا قد تعرفنا جيداً على بن بركة، وربما أكثر مما كان يعرفه المقربون منه، ولكننا انتهينا عبر تلك المعرفة إلى احترامه، بل إلى الإعجاب به كأي شخص يحب وطنه ويقدم كل يوم الدليل على ذلك بنظافته وتفوقه وشجاعته. هذا هو بن بركة الذي عرفناه، أنا والآخرون، من الجانب الآخر للحاجز. مثل هذه الأفكار يمكنها أن تثير الاستغراب أو حتى الصدمة، لكن ذلك غير مهم بالنسبة لي حيث أنا الآن، فأنا أنام بطريقة هادئة وضميري أكثر اطمئناناً منذ أن قررت الكلام. إن مرور 35 سنة على رحيل بن بركة ليس كثيراً، ولقد وطنت نفسي على تحمل جميع الأخطار، بما فيها أن تُفهم بطريقة مغلوطة وأن يتم خداعك. لقد فكرت مرات عدة في الماضي في الخروج عن الصمت والتحفظ، وفي العديد من المرات كنت أتردد لأن الشجاعة كانت تخونني ببساطة. لكن يجب القول بأن الظروف السياسية في البلاد لم تكن تسمح بذلك، بل على العكس، أما اليوم فإن الأمور تغيرت، وبن بركة يمثل جزءاً من تاريخ هذه البلاد التي أحبها والتي خدمتها، مهما كانت طبيعة موقفي من تلك المرحلة التي قضيتها في "الكاب 1" وفي "شرطة صاحب الجلالة" في فترة مليئة بالتقلبات وقاسية بالنسبة للكثيرين. واليوم لست في عجلة من أمري، فأنا لم أعد ذلك الموظف الأمني الذي كان يكرس حياته لملاحقة "العناصر الهدامة". لقد كانت مهمتي بالأمس هي مطاردة بن بركة وشركائه، أما مهمتي اليوم فهي تعرية جانب من الحقيقة التي عرفت عن كثب، للأجيال الجديدة. وأنا أرجو من عائلة بن بركة وأصدقائه الكثر أن يغفروا لي صمتي الطويل في السابق، كما ألتمس العذر لدى زملائي السابقين وسلطات هذا البلد لكوني رفعت الغطاء الذي حجب طويلاً مشاهد لا تشرّف تاريخنا في الحقيقة. إنني لست كاتباً ولا مؤرخاً، ولا أزعم معرفتي بجميع الحقائق، لكنني أطالب بحقي في أن يتم الاستماع إليّ لأنني أمثل جزءاً من فئة عريضة من المنفذين والجلادين والضحايا والفاعلين في التاريخ الحديث للبلاد، التاريخ الذي يهمنا جميعاً بشكل كبير.
إن هذا الكتاب يريد أن يكون شهادة صادقة عن الماضي الذي عشته، بعيوبه ولغوه وأخطائه ونواقصه وحدوده. ولاتستند شهادتي فقط إلى حياتي الشخصية اليومية كما عشتها داخل "الكاب1"، ولكن أيضاً إلى آلاف الوثائق والأرشيفات، سواء في "الكاب1" أو "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" أو "المخابرات العامة" الفرنسيتين، علاوة على "إدارة مراقبة التراب الوطني" (المخابرات المغربية) الحالية. هذه المصادر قد لا تقدم ربما كل الحقائق، ولكنها بالتأكيد مليئة بالحقائق، وقد قضيت أعواماً عدة منهمكاً في تلك الأرشيفات أقلب فيها بمعدل أربع ساعات في اليوم رفقة شخص يدعى "مارتان" كان يعمل عقيداً في المخابرات المركزية الأمريكية، وأنا أتمنى من فاعلين آخرين أعرف المئات منهم أن يسهموا هم أيضاً في الكشف عن جوانب أخرى من الحقيقة، فهناك الكثير مما يجب قوله وفعله من أجل التصالح مع ذاكرتنا وتاريخنا ووضع الأمور في نصابها.
وإذا كنت قد حملت القلم مجدداً اليوم فلأنني أصبحت مقتنعاً بأن إمكانية تقديم شهادتي بشكل مباشر وكامل، سواء أمام القضاء الفرنسي أو المغربي، قد أصبحت شبه مستحيلة، وأن الوقت يمر. وقد استنفدت جميع الوسائل ولا أريد أن تنتهي حياتي مليئة بالحسرة. ومرة ثانية ألتمس المسامحة من كل أولئك الذين مسستهم بأذى، بالأمس أو اليوم، فأنا لا أريد أقضي ما تبقى لي من العمر في انتظار يتكرموا عليّ بمنحي جواز سفري، وأن يتفضل أحد قضاة التحقيق بطرح الأسئلة عليّ والاستماع إلى إفاداتي، وأن يخرج زملائي الآخرون الذين تطحنهم الحسرة عن صمتهم.
هذا الكتاب هو إذن المحاولة الثانية لتسليط الضوء على عدد من الملفات المظلمة والحاسمة من تاريخنا: قضية المهدي بن بركة، والمخربين الفرنسيين المختفين بالمغرب، وتورط السلطات المغربية، ومشاركة مجموعة من الأطراف كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" من خلال توفير الدعم والمساندة، وأحداث مارس 1965، وقضية عباس المساعدي... إلخ.
في يوليو عام 2001 قمت بجولة في حي السويسي بالرباط (أحد الأحياء الراقية للذوات والأثرياء وكبار موظفي الدولة)، قريباً من المعتقل السري الشهير "دار المقري"، وقد لاحظت في ذلك اليوم أن أعمال البناء كانت قد انطلقت على وجه الاستعجال لزيادة علو السور المحيط به، وكانت هناك في نفس الوقت خلف السور أعمال الحفر والتنقيب من أجل تقوية سمك الأرض في عدة مواقع لتطهيرها، وبطبيعة الحال لجمع بقايا العظام البشرية، وخلال أسابيع قليلة اختفت إلى الأبد آثار العشرات من الجثت المدفونة في ذلك المعتقل بين 1960 و1973.
وفي عام 2002 سنحت لي الفرصة للسفر بقصد الاستراحة لأمر غير بعيد عن المقابر الجماعية التي دفن بها المئات من شباب المغرب بشكل جماعي في مارس 1965 على الطريق السيار بين الدار البيضاء ومطار محمد الخامس. وتبدو تلك المقابر الجماعية في هذه الأيام شيئاً مرعباً لا يمكن تصديقه، لأن تلك الجرائم كانت مروعة، لكن ذلك كان جزءاً من تاريخ "الكاب1" ومغرب تلك المرحلة.
كيف يمكن نسيان هذه الوقائع الرهيبة وأخرى غيرها؟، وكيف يمكن الربط بين هذه الوقائع وبين القضية الرئيسة، قضية المهدي بن بركة التي لم ننته منها بعد؟
لقد كان السلوك الفرنسي في هذه القضية من الوقاحة على قدر كبير، وإهانة لذكاء الشعب الفرنسي بالدرجة الأولى، ذلك لأن مسؤولية الدولة الفرنسية كانت واضحة، فمنذ 29 أكتوبر 1965 لم تفعل فرنسا شيئاً لكشف الحقيقة، بل على العكس قامت بوضع العراقيل للحيلولة دون الكشف عن الحقيقة، ومعظم السياسيين الذين حكموا فرنسا طيلة العقود الماضية كانوا وراء "ترسيخ" هذه العراقيل التي لم يستطع أي قاضي تحقيق فرنسي تجاوزها منذ تلك الفترة، كما هو الحال بالنسبة للمغرب، وقد حان الوقت لإحداث صدع في هذا السجل وتحديد المسؤوليات وترك العدالة والمجتمع يقولان كلمتهما.

الفصل الأول المهدي بن بركة في أرشيفات "الكاب1

ولد بن بركة حوالي العام 1920 بالرباط من أسرة متوسطة يدير عائلها دكاناً لبيع المواد الغذائية. لم يكن التصريح بالمواليد الجدد في مغرب تلك الفترة إلزامياً، إذ كان يترك ذلك للأسر التي تصرح بمواليدها أياماً أو أسابيع أو شهوراً أو حتى سنوات بعد ذلك، ولم يصبح التصريح بالمواليد إلزامياً إلا في عام 1952.
كان والد بن بركة رجلاً متديناً شديد التدين، يصر على أن يحفظ أبناؤه القرآن الكريم في المدارس القرآنية الصغيرة التي كان يطلق عليها اسم "المسيد"، كما كان الأمر لدى جميع الأسر المغربية التقليدية في ذلك الزمن، حيث كان على الأبناء أن يحفظوا الأحزاب الستين من القرآن الكريم قبل أن يتفرغوا لممارسة أعمال آبائهم نفسها عند بلوغ سن الشباب، دون الذهاب إلى المدارس. فقد كان الأبناء يزاولون الأعمال نفسها التي يزاولها آباؤهم، وفي غالب الأحيان كان ذلك يقتصر على التجارة أو الصناعة التقليدية، حيث يبدؤون بمساعدة آبائهم، وبعد سنوات يحلون محلهم. كانت مناشط اللهو في الفترة ما بين 1920 و1930 غير موجودة بالمغرب تقريباً لأن حياة الأطفال كانت مبرمجة على نمط محدد، بين البيت و"المسيد" حيث يتلقون القرآن، وورشة رئيس الأسرة حيث يمارس مهنته كتاجر أو "صانع".
كان عدد الأسر التي تسجل أبناءها في المدارس العمومية قليلاً جداً، إذ لم يكن عدد الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس يتجاوز نسبة ال10%، وفي المقابل كان عدد الأطفال الذين يذهبون إلى "المسيد" عند بلوغهم الخامسة كبيراً جداً لأن ذلك التقليد كان مترسخاً منذ قرون عدة، حتى أولئك الذين كانوا يتعلمون في المدارس كانوا يغادرونها مبكراً بعد حصولهم على "شهادة الدروس الابتدائية" لمساعدة آبائهم في أعمال التجارة أو الصناعة التقليدية.
كانت الأسر في هذه الفترة شديدة التوجس من سلطات الحماية الفرنسية، فقد كانت تخشى على أطفالها من المدارس العامة التي يقوم بالتدريس فيها مدرسون فرنسيون يحملون الجنسية الفرنسية ويدينون بالديانة الكاثوليكية ويذهبون إلى الكنيسة ولا يعرفون شيئاً عن القرآن أو عن أخلاق المسلمين وعاداتهم ويدخنون ويشربون الكحول ويأكلون لحم الخنزير ولا يربون أبناءهم، ويمنحون زوجاتهم وأطفالهم الكثير من الحرية.
لكن المهدي بن بركة وشقيقه عبد القادر كانا من بين الأطفال المغاربة القلائل الذين تابعوا دراستهم في التعليم العمومي حتى حصلوا على البكالوريا، وقد قدم والدهما تضحيات كبيرة من أجل أن يوفر لهما الوسائل لإكمال تعليمهما، فكان يقوم بعمل إضافي في المدارس القرآنية كقارئ للقرآن مقابل الحصول على أجر زهيد يتلقاه نقداً أو عيناً.
بعد الحصول على البكالوريا رحل المهدي بن بركة إلى الجزائر لإتمام تعليمه بفضل منحة دراسية من لدن السلطان محمد بن يوسف، حيث حصل على الإجازة في الرياضيات. وعند عودته إلى المغرب شغل منصب أستاذ للرياضيات في ثانوية "غورو" الشهيرة بالرباط، التي أصبحت تدعى بعد 1961 "ثانوية الحسن الثاني"، ثم في إعدادية القصر الملكي حيث كان من بين تلامذته الأمير مولاي الحسن، الذي سيصبح الملك الحسن الثاني فيما بعد.
في ثانوية "غورو" تميز المهدي بن بركة بلباسه التقليدي، الجلباب المغربي والطربوش والبابوج التقليدي عوض الحذاء، وهذا جعله شخصاً معروفاً في وسط بورجوازي حيث جميع الأساتذة من جنسيات فرنسية. وفي بداية الأربعينيات أصبح هذا "الأستاذ الشاب في مادة الرياضيات ذو القامة القصيرة الذي يشبه البهلوان بطريقته في اللباس" مثار سخرية الجميع، ولكنه كان مع ذلك موضع احترام بين زملائه الفرنسيين لأنه فرض نفسه عليهم بنبوغه وجديته ودقته في المواعيد ونظافته وثقافته الواسعة وتربيته وكرمه.
اهتمام مبكر بالسياسة


في مغرب الأربعينيات كانت الساحة السياسية موزعة فيما بين حزبين: حزب الاستقلال الذي كان يقوده علال الفاسي، وحزب الشورى والاستقلال الذي كان يتزعمه محمد بن الحسن الوزاني، وكان زعماء وقادة الحزبين معاً ينتمون إلى أوساط البورجوازية المغربية المنحدرة من فاس ومراكش.
كان بن بركة قد بدأ يهتم بالسياسة عندما بلغ العشرين من عمره، حيث أصبح أحد الشباب الذين انخرطوا في حزب الاستقلال كما سجلت ذلك سجلات الاستخبارات العامة لتلك الفترة. كان هؤلاء الشباب يشاركون في الاجتماعات العامة للحزب التي كانت تعقد في سرية تامة ويحضرها الوطنيون، الحقيقيون منهم والمزيفون، الذين لم يكونوا يتورعون عن التعاون مع عملاء الاستخبارات العامة. كان الهدف الرئيس للوطنيين الصادقين هو القتال ضد الحماية الفرنسية في المغرب للحصول على الاستقلال، وشكل المهدي بن بركة واحداً من هؤلاء منذ بداية سنوات الأربعينيات، أما المجموعة الأخرى من الوطنيين المزيفين فكانت تتكون من الانتهازيين والوصوليين الذين استخدموا السياسة لتحقيق أهدافهم الخاصة والإثراء.
وفي 11 يناير 1944 وقع قادة حزب الاستقلال على "عريضة المطالبة بالاستقلال" التي وجهوها إلى سلطات الحماية الفرنسية ونشرت في وسائل الإعلام، يلتمسون فيها من الحماية رسمياً منح المغرب استقلاله. ومن بين الموقعين على تلك العريضة برز اسم المهدي بن بركة الذي كان معروفاً قبل ذلك وفتح له ملف خاص عام 1940 لدى إدارة الاستخبارات العامة، ومن بين الأسماء الأخرى كان هناك:
أحمد بلافريج، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية بعد الاستقلال، ورئيساً للحكومة ثم الممثل الشخصي للملك الحسن الثاني.
محمد الغزاوي، الذي أصبح مديراً عاماً للأمن الوطني بين 1956 و1960 ثم مديراً للمكتب الشريف للفوسفاط.
إدريس المحمدي، الذي أصبح وزيراً للداخلية ثم مستشاراً للحسن الثاني.
بين 1956 و1962
في عام 1948 فتحت "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" الفرنسية مكتباً خاصاً لها في الرباط لحماية مصالح فرنسا في المغرب، وتصفية وإسكات الأحزاب السياسية والنقابات، والتحضير للقيام بحرب سرية ضد حركات المقاومة التي انطلقت عام 1953 وجيش التحرير المغربي أو "جيش التحرير الشعبي" الذي ظهر عام 1954 . وقد فتح المكتب التابع لهذه المصلحة ملفاً خاصاً بالمهدي بن بركة في تلك السنة نفسها التي بدأ فيها العمل بالمغرب، حيث تم وصف الزعيم الاستقلالي الشاب باعتباره "شاباً وطنياً يتناول الكلمة في كل اجتماع يعقده الحزب لنقد الحماية الفرنسية بالمغرب ودعوة المغاربة إلى القتال يداً بيد، باستخدام جميع الوسائل، من أجل إرغام فرنسا على منح الاستقلال للمغرب في أقرب الآجال".
شبكة واسعة من العملاء


وضعت "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" في المغرب شبكة واسعة من العملاء والمخبرين تتكون من عدة أشخاص تم تجنيدهم ليس فقط من بين الوطنيين المنتمين إلى حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، ولكن من المنتمين أيضاً إلى الحزب الشيوعي المغربي والنقابة العامة للعمال والاتحاد المغربي للشغل الذي يقوده المحجوب بن الصديق.
في كل الاجتماعات التي كان يعقدها حزب الاستقلال، سواء على المستوى المركزي في الرباط أو على المستوى الجهوي في المدن المغربية الأخرى، كان المهدي بن بركة ينتقد بشدة سلطات الحماية الفرنسية، ويتكلم عن فقر الأغلبية من المواطنين المغاربة والأمية وثروات البلاد التي تحتكرها الأقلية الفرنسية، والمزارع والأراضي الخصبة التي استولى عليها منذ 1912 المقيمون الفرنسيون والبنوك والشركات التي يديرها فرنسيون... إلخ. وفي بداية عام 1950 أصبح بن بركة العدو رقم واحد للحماية الفرنسية في المغرب، والسياسي الذي يمثل خطراً على مصالح فرنسا بالمغرب، الزعيم الاستقلالي الذي تجب تصفيته لإخراس صوته في أقرب فرصة قبل أن يفوت الأوان
........................
 الحلقة الثانية

السبت, 29 سبتمبر, 2007


تلقى المكتب التابع ل "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس في الرباط" من باريس توجيهاً يقضي بإيقاعه "في فخ" لوضعه أمام الأمر الواقع وتخييره بين أمرين تحت الإكراه والتهديد:
إما التعاون مع مكتب المصلحة بالرباط أو أن مستقبله السياسي سيتعرض للخطر. ومن أجل تنفيذ هذا المخطط قام عملاء "مصلحة التوثيق الخارجي" و"الاستخبارات العامة" بالمغرب بإجراء عدة تحقيقات سرية ودقيقة للإجابة عن "150 سؤالاً لها علاقة بتحديد موقع المعني بالأمر"، ولكن بما أن بن بركة لم يكن شخصاً ضعيف الإرادة ولم تكن في حياته ثغرة يمكن التسلل منها، صعب إيقاعه في الفخ.

وأفتح هنا قوساً لأقول بأن تقرير "150 سؤالاً لها علاقة بتحديد موقع المعني بالأمر" الشهير هو بمثابة كشف شعاعي للأشخاص، معروف ومطبق لدى مختلف أجهزة الاستخبارات في مختلف بقاع العالم.
نقطة الضعف الوحيدة التي كانت في حياة بن بركة كانت متعلقة بالجانب المالي، ولكن بن بركة كان ذكياً ومنهجياً، فقد كان يخطط جيداً لمصاريفه المالية مكتفياً براتبه كرجل تعليم، وخلال 1940 و1950 كان يعيش حياة عادية ومتكتمة، بدون دعوات أو حفلات ولا سجائر أو خمور، ولم يكن يرتاد النوادي أو جلسات الخمر أو الخرجات العامة والسهرات الليلية، كما لم تكن له "صحبة سيئة" وكان قليل الأصدقاء. كانت عادته أداء الصلاة خمس مرات في اليوم والذهاب إلى المسجد بشكل دائم عندما يسمح له وقته بذلك، إذ إنه كان غارقاً ليل نهار في الشؤون السياسية والتحركات داخل حزب الاستقلال.
لكن السلطات القضائية التابعة لسلطات الحماية الفرنسية في المغرب لجأت إلى وسيلة أخرى لمضايقته ووضع العصا في العجلة لتعطيل سيره، حيث قامت باعتقاله مباشرة عقب توقيع عريضة المطالبة بالاستقلال عام 1944 لمدة سنتين، إذ وجهت المحكمة إليه تهمة التخابر مع السلطات الألمانية المعادية (كانت الحرب العالمية الثانية قائمة وقتها). وفي عام 1951 نفاه الجنرال "جوان" المقيم العام الفرنسي بالمغرب إلى الجنوب المغربي وفرض عليه الإقامة الإجبارية لعزله وإبعاده عن الرباط وعن الحزب الذي بدأ في ذلك الوقت في خلق شبكات سرية للمقاومة المسلحة بالمدن الكبرى. استمرت الإقامة الإجبارية حتى عام 1953، وعندما حل الجنرال "غيوم" محل الجنرال "جوان" نفاه بدوره مرة أخرى إلى جبال الأطلس حتى سبتمبر من عام 1954 بهدف إبعاده عن شؤون الحزب والمقاومة المسلحة في المدن التي كان يقودها محمد الزرقطوني.

فشل الاستخبارات


كان بن بركة شديد الاحترام للسلطة وللقانون، فقد كان حريصاً على ممارسة عمله السياسي في ظل الشرعية القانونية وفقاً للقوانين التي تنظم النشاط السياسي والنقابي في البلاد، وفي التجمعات التي كان ينظمها كانت لديه دائماً الجرأة لقول ما يفكر فيه بصراحة عالية، من غير أن يلقي بالاً لرجال الاستخبارات الفرنسية الحاضرين الذين يسجلون ما يقال وما يحدث، مدققين في برنامج الاجتماعات وما إن كان قد جرى احترام جدول أعمالها، وكانت مواقف بن بركة تعتبر بمثابة الدليل على فشل مصلحة الاستخبارات العامة ومكتب مصلحة التوثيق الخارجي.
في نهاية كل اجتماع كان عناصر الاستخبارات يعدون تقاريرهم لرواية ما حدث وتسجيل ملاحظاتهم، لكن بعض هؤلاء لم يكن يتردد في زيادة أشياء من عنده على لسان بن بركة من أجل خلق مشكلات إضافية له مع سلطات الحماية. كان العديد من هؤلاء العناصر من جنسيات كورسيكية، ولذا لم يكونوا يقبلون بأن يكون هناك سياسي مغربي محنك ومثقف ومعتز بجنسيته المغربية، ويرفض أن يمد إليهم يده لتحيتهم كما يفعل رفاقه في الحزب. ولا تترك قراءة هذه التقارير التي كتبها العملاء الكورسيكيون، خصوصاً في مرحلة ما بين 1940 و1956، أدنى شك حول وجود كراهية قوية، بل أحياناً نزعة عنصرية، موجهة ناحية بن بركة، ونظراً لأنهم لم يكونوا قادرين على إيذائه بطريقة مطابقة للقانون، كانوا يعوضون عن ذلك بتضخيم الأحداث في تقاريرهم لتسمينها.

حزب الاستقلال


كان العديد من قادة حزب الاستقلال رجالاً أثرياء، جلهم من مدينة فاس ويقيمون جميعاً تقريباً في الأحياء الراقية بكل من فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وآسفي وأجادير. وقد اعتادوا على إقامة "ولائم" وحفلات ليلية فيما بينهم بالمناوبة، حيث يستمعون إلى طرب الملحون الذي تؤديه مغنية جميلة. لكن هذه الحفلات كانت بمثابة اجتماعات سرية لنخبة الحزب، وكان المهدي بن بركة يشارك في هذه الحفلات عادة حيث كان يتناول الكلمة لمدة ساعتين أو ثلاث ليقول ما يفكر فيه علناً حول الحماية الفرنسية في المغرب والسياسة الفرنسية العامة المطبقة في المستعمرات الفرنسية الأخرى وتفقير الشعب وانتشار الأمية والتخطيط للمقاومة المسلحة لإرغام فرنسا على الانسحاب.
بين هؤلاء الأثرياء من حزب الاستقلال كان هناك مخبرون يعملون لفائدة الاستخبارات العامة ومكتب مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس الفرنسيين، ومن خلالهم كان كل ما يحصل في تلك الاجتماعات "السرية" يصبح معروفاً ومقيداً في التقارير التي يعدها هؤلاء، لذا كان كل ما يقوله بن بركة موثقاً، خاصة في الفترة ما بين 1943 و1955، وكانت هذه التقارير الضخمة مصنفة كالتالي:
ملف المهدي بن بركة "رقم 1"، خاص بالاستخبارات العامة في الفترة ما بين 1940 و1956 .
ملف المهدي بن بركة "رقم 2"، خاص بمصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس فرع المغرب، في الفترة ما بين 1948 و1956 .
إن القراءة المتأنية لهذه التقارير وتحليل ملف بن بركة الذي قام به العقيد "مارتان" وأنا شخصياً في المكاتب التابعة لإدارة "مكافحة الشغب" خلال سنوات الستينيات سمحت لنا بملاحظة أن الشرطة الفرنسية السرية لتلك الفترة كان لديها ميل إلى تضخيم الوقائع وتهويلها وتحريفها، والحقيقة الدامغة هي أن الوقائع المسجلة عن بن بركة في تقارير الاستخبارات العامة تختلف كثيراً عن تلك المسجلة في تقارير مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس، الأقرب إلى الصحة.
في عام 1955 قررت الحكومة الاشتراكية الفرنسية التي كان يقودها "إدغار فور" الشروع في مفاوضات مع المغرب من أجل الاستقلال، عبر وفد مغربي مكون من شخصيات من مختلف التيارات السياسية، وقد أشرفت مصلحة التوثيق الخارجي فرع المغرب، بالتعاون مع الاستخبارات العامة على وضع قائمة بأسماء أعضاء الوفد بعناية فائقة، لاستبعاد الأشخاص غير المرغوب فيهم أو المشكوك في ولائهم، وشكل بن بركة أحد أعضاء هذا الوفد الذي ذهب إلى "إيكس ليبان" في فرنسا للتفاوض حول الاستقلال عام 1955، كما كان هناك أشخاص آخرون سينشئون مع بن بركة عام 1959 حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". بدأت المفاوضات في 20 أغسطس 1955، أي سنتين بعد نفي السلطان محمد بن يوسف والعائلة الملكية إلى جزيرة مدغشقر، واستمرت ثلاثة أشهر تقريباً وقادت إلى اتفاق مجحف حول الاستقلال، فالنتائج كانت كارثية على الشعب المغربي، فلا بن بركة ولا السياسيون الذين كانوا يشاطرونه مواقفه وكانوا أقلية في الوفد المفاوض استطاعوا تحقيق إنجاز كبير في هذا الاتفاق التاريخي مع فرنسا. 
..........................
 
الجنرال اوفقير كان عميلا....الحلقة الثالثة

السبت, 29 سبتمبر, 2007

في سبتمبر 1959 أنشأ بن بركة ورفاقه حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، بين هؤلاء كان عبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري والمعطي بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي، والنقابيون المحجوب بن الصديق ومحمد عبد الرزاق، وعبد الله إبراهيم الذي كان رئيس الحكومة في تلك الفترة نفسها، وعدد آخر. وقد أدى هذا الانشقاق الذي هندسه بن بركة إلى إضعاف حزب الاستقلال وخلف خسائر كبيرة في صفوفه، حيث إن الأعضاء البارزين فيه غادروه للالتحاق بالحزب الجديد، أما الأعيان المحيطون بعلال الفاسي فقد تكبدوا أكثر من غيرهم خسارة فادحة.

أصبح الحزب الجديد يثير مخاوف الجميع منذ إنشائه، لأنه حصل على التأييد الشعبي بشكل سريع وتصدر المشهد السياسي خلال أسابيع فقط، الأمر الذي أقلق المخزن (النظام المغربي) الذي بدأ يفكر في سبل إيقاف زحف الحزب، فصدرت التعليمات الشفوية إلى الغزاوي وإدارة الأمن الوطني لوضع خطة لإفشال حكومة عبد الله إبراهيم، عضو الكتابة العامة للحزب الجديد، وزرع البلبلة وسط هذا الأخير، فقررت المخابرات والأمن "فبركة" أول مؤامرة في تاريخ المغرب بعد الاستقلال، وبدأت ملاحقة مسؤولين من حزب القوات الشعبية وبعض قدماء المحاربين في حي "درب غلف" بالدار البيضاء بدعوى تخطيطهم لاغتيال ولي العهد الأمير مولاي الحسن في ديسمبر1959، فتم اعتقال الفقيه البصري وعبد الرحمن اليوسفي اللذين كانا يشرفان على صحيفة "التحرير" لسان الحزب بدون محاكمة في قضية تتعلق بجرائم الصحافة، وفر المهدي بن بركة خارج المغرب في سرية تامة في يناير 1960، وحكم على "بنحمو لوفاخري"، القيادي السابق في المقاومة المسلحة، وعدد من أصدقائه بالإعدام بعد محاكمة صورية، ثم نفذ الحكم بعد أشهر قليلة. وفي مايو 1960 تم "تسريح" حكومة عبد الله إبراهيم، وقرر الملك محمد الخامس أن يمارس بنفسه صلاحيات رئيس الحكومة، مفوضاً إلى ابنه مولاي الحسن السلطات الأخرى.
نشر الفزع..


لقد أدت عشرات عمليات الاعتقال والتفتيش التي حصلت في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى النتائج المرجوة، وهي نشر الفزع وسط أعضاء الحزب، ومع إعدام "حمو لوفاخري" وأصدقائه دخل المغرب مرحلة الحكم من خلال "المؤامرات" التي كانت كثيرة جداً خلال الفترة ما بين 1960 1970 وبعد أشهر قضياها وراء القضبان أطلق سراح البصري واليوسفي دون أن يصدر حكم في حقهما، لكن بن بركة قرر البقاء في المنفى الاختياري إلى شهر مايو 1962، ولم تكن قد صدرت في حقه أي مذكرة توقيف أو حكم قضائي في المحاكم المغربية في إطار ملف "المؤامرة الأولى" بالمغرب.
في يوليو 1960 تم تعيين العقيد محمد أوفقير مديراً عاماً للأمن الوطني خلفاً لمحمد الغزاوي الذي أقيل من منصبه ونقل إلى المكتب الشريف للفوسفاط. كان أوفقير قد خدم في الجيش الفرنسي وعمل في "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" الفرنسية، وبعد عودة الملك محمد الخامس من منفاه عام 1955 تم تسريبه ليكون واحداً من محيط القصر، وقد اشتغل طويلاً لفائدة الموساد "الإسرائيلي". كان تعيين أوفقير في ذلك المنصب راجعاً إلى التأثير القوي الذي كانت تمارسه ثلاث مصالح أجنبية في المغرب: الموساد، وجهاز الاستخبارات الأمريكية، ومصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس الفرنسية، وكانت كلها قريبة من الملك لدواعي تتعلق بأمن القصر وأمن البلاد، وقد لعبت النصائح "الإسرائيلية" دوراً في إقناع الملك محمد الخامس ليطلب من جهاز الاستخبارات الأمريكية إرسال ثلاثة خبراء أمريكيين لكي يعيدوا تنظيم وهيكلة المخابرات المغربية والإشراف عليها لمدة غير محددة لضمان أمن النظام والبلاد.

عميل.. من دولة إلى دولة


قبل تعيينه على رأس الأمن الوطني لم يكن أوفقير قد عمل سابقاً في أي إدارة للاستعلامات والتوثيق، ولا في مصلحة للأمن، وكانت رتبته في "مصلحة التوثيق الخارجي" الفرنسية هي عميل مصدر للمعلومات في مكاتب المقيم العام بالمغرب تم تعيينه في تلك الرتبة في الفترة ما بين 1948 1949 بتدخل من "لحسن الدليمي" الذي كان الضابط المغربي الوحيد في فرع "مصلحة التوثيق" بالرباط، وهو والد أحمد الدليمي الذي أصبح أحد محميي أوفقير في "الكاب1" بين 1961 و1966، ثم عدوه الأول بين 1967 و1972 أما في الموساد فقد كان أوفقير عميلاً مصدراً للمعلومات أيضاً في سنوات الأربعينيات بتدخل من اثنين من عملاء الموساد بالمغرب، هما السيدة داحان، صاحبة خمارة "لاماماس" بالقنيطرة، وزوريتا صاحبة خمارة "ويشيتا" في "عين الذياب" بالدار البيضاء. ويجب هنا أن أوضح أن العميل مصدر المعلومات ليس هو العميل السري الضابط أو العميل المعالج الذي يتناول المعلومات من المصدرين الأولين في لقاء سري ويحلل طبيعتها ويكتب التقارير الموجهة إلى من هم فوقه، وهو يقوم بدور الوسيط بين العملاء السابقين وبين المسؤولين الذين يتبع لهم. ولقد تعرف الحسن الدليمي على أوفقير عن طريق المقدم "الشنا محمد عبد القادر" والد فاطمة أوفقير (زوجة أوفقير فيما بعد)، وكانت بين الشنا والدليمي علاقة عمل في إحدى المناطق القروية بجهة الغرب.
رسالة عزاء


في 26 فبراير 1962 توفي الملك محمد الخامس فجأة إثر عملية جراحية بسيطة، رغم أنه كان ما يزال شاباً ويبدو في صحة جيدة. ومن مكان إقامته في باريس بعث المهدي بن بركة برقية تعزية ووفاء إلى الملك الحسن الثاني قال فيها: "إن مهمتنا هي أن نواصل المشروع الذي بدأه ملكنا الراحل من أجل بناء مغرب حر وديمقراطي ومزدهر، طبقاً لطموحات جلالته ولآمال الشعب"، ولكنه انتظر عاماً كاملاً قبل أن يختار الرجوع إلى البلاد. وفي 16 مايو 1962، في يوم عيد الأضحى، عاد بن بركة من منفاه الاختياري الذي قضى فيه زهاء ثلاثين شهراً. كانت هذه العودة غير المتوقعة مناسبة احتفالية كبرى تناسب الشعبية العريضة التي كان يحظى بها، والتي لم يكن لا القصر ولا "الكاب1" ولا الطبقة السياسية تضعها في الحسبان، لقد تم تشبيه عودة بن بركة في مايو 1962 بعودة الملك محمد الخامس من منفاه في 16 نوفمبر 1955، وفي الطريق إلى مطار الرباط سلا اصطف الآلاف من المواطنين المغاربة ينتظرون بن بركة وهم ينشدون "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ولم تتوقف زيارات الوفود لمنزله في شارع تمارة بحي "ديور الجامع" بالرباط طيلة الأيام اللاحقة، لقد كانت أياماً متواصلة من العناق والنقاشات الطويلة واللقاء مع عائلته وأصدقائه وأعضاء الحزب بعد طول غياب، حيث إن أعضاء الحزب ومناضليه جاؤوا من جميع أنحاء المغرب.
التلميذ والعدو


كان بن بركة قد غادر المغرب في سرية تامة في يناير 1960، أربعة أشهر فقط بعد إنشاء حزبه في ظل حكم الملك محمد الخامس وفي فترة سيطرة محمد الغزاوي على إدارة الأمن الوطني، وعاد يوم 16 مايو 1962 تحت وابل من الترحيب الشعبي وفي ظل حكم الملك الحسن الثاني، تلميذه السابق في الأربعينيات، وعدوه الرئيس بعد الحصول على الاستقلال وإنشاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهذا معناه أن المرحلة الفاصلة بين تاريخ الخروج وتاريخ العودة كانت حافلة بالتطورات على جميع الأصعدة وفي جميع الميادين والقطاعات، أصبح موظفو الجيش الفرنسي المغاربة من الطبقة الثانية عديمة التكوين والخبرة، هم الذين يتولون المسؤولية في المراكز العليا للدولة، ويوجدون في المحيط الخاص للملك وفي القصر والحكومة والمكاتب العمومية والأقاليم والشركات والتجارة.
وفي إدارة الأمن الوطني ترك الغزاوي مكانه لأوفقير، وفي مصلحة "الكاب1" أصبح هناك ثلاثة خبراء أمريكيين يشرفون على تدريب 300 شرطي مغربي متخصصين في الحرب السرية ضد معارضي النظام وفي تصفية قادة الأحزاب السياسية والنقابات وعمليات الاختطاف والتعذيب وإخفاء الجثت والعمليات التقنية الخاصة.
لدى عودة بن بركة إلى المغرب كانت شبكات الاستخبارات التابعة ل "الكاب1" تتكون من 1800 عميل يتكلفون بتغطية شؤون التنظيمات والأحزاب والهيئات كالتالي:
الاتحاد الوطني للقوات الشعبية: 150 عميلاً في المغرب، 20 في أوروبا، 30 في الجزائر و10 في منطقة الشرق الأوسط.
الاتحاد الوطني لطلبة المغرب: 350 عميلاً للمغرب وأوروبا.
الاتحاد المغربي للشغل: 30 عميلاً على جميع المستويات.
حزب الاستقلال: 250 عميلاً.
الاتحاد العام لطلبة المغرب: 30 عميلاً للمغرب والخارج.
الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (تابع لحزب الاستقلال): 250 عميلاً.
حزب الشورى والاستقلال: 30 عميلاً.
الحركة الشعبية: 200 عميل.
الفديك (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية): 100 عميل بداية من عام 1963.
الحركة الشعبية الديمقراطية الدستورية: 300 عميل.
قدماء المقاومين: 300 عميل.
وبعملية مقارنة، فإن الشرطة السياسية التابعة للغزاوي كانت تتكون فقط من حوالي عشرين عميلاً عندما غادر بن بركة المغرب عام 1960في الفترة بين مارس وأبريل 1962، قبل فترة قصيرة من عودة بن بركة، اتخذت إدارة "مكافحة الشغب" التابعة ل "الكاب1" جميع الوسائل اللازمة لمراقبة كل ما يجري في المنطقة المحيطة بمنزل المعني، وفي مطار الرباط سلا والمنطقة المحيطة به، ولذلك تم فتح مكتب خاص بعناصر شرطة "العمليات الخاصة" يسمح لهم بالقيام بمهامهم في ظروف جيدة، لتصوير ما يجري وتسجيله، كما تم نصب أجهزة تنصت داخل بيت بن بركة، وتم ربط هاتف البيت بجهاز تنصت، ونفس الأمر حصل مع الخطوط الهاتفية لمكاتب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبيوت قياديي الحزب في الرباط والدار البيضاء وفاس ووجدة ومراكش وأجادير وآسفي، وباتخاذه لكل هذه التدابير أصبح "الكاب1" واثقاً من أنه قد وضع كل شيء تحت المراقبة المستمرة طيلة الليل والنهار: بن بركة وأسرته وأصدقاؤه وزواره وعلاقاته. لكن بن بركة كان يجهل كل هذه الأشياء، وبعد أن أخذ قسطاً من الراحة إثر عودته انكب على العمل مجدداً، بادئاً من قضية الاتحاد المغربي للشغل، ذلك لأن العلاقات بين هذا الأخير وبين حزبه كانت قد تدهورت قبل عدة أشهر.
وكان المؤتمر الثاني للحزب مبرمجاً في يونيو 1962، لذا كان عليه إيجاد حل يرضي الطرفين معاً قبل هذا التاريخ، صحبة ثلاثة من الشبان الذين أدوا أدواراً كبيرة في فترة غيابه: عمر بن جلون الذي سيتعرض للاغتيال بدوره في ديسمبر 1975، ومحمد اليازغي الذين سينجو من محاولة اغتيال بواسطة طرد بريدي ملغوم في يناير 1973، ومهدي العلوي الذي سيغادر المغرب إلى المنفى عام 1963 . غير أن بن بركة عندما قرر الانكباب على قضية الاتحاد المغربي للشغل كان يجهل أن بداخل المكتب المسير لهذا الأخير كما في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية متعاونين مع "الكاب1"، تم تجنيدهم من طرف العملاء السريين، لذا فإن بن بركة بالرغم من التأثير الذي كان يتمتع به والتنازلات التي قدمها قد فشل في الحيلولة دون حدوث القطيعة بين النقابة والحزب، فقد كان المخزن يريد هذه القطيعة، وأفلحت إدارة "مكافحة الشغب" في تحقيقها من خلال المجندين المتعاونين معها داخل الهيئات المسيرة للتنظيمين. كان "الكاب1" الذي عمل بنصائح جهاز الاستخبارات الأمريكية يقف خلف هذا الفشل الذي كان من سوء حظ بن بركة ورفاقه الثلاثة، وقد كلفت هذه العملية مبلغاً مالياً قدره 150 مليون سنتيم (حوالي 150 ألف دولار) وهو مبلغ ضخم في مغرب تلك الفترة.
تكلف بن بركة نفسه بالإعلان عن الطلاق بين نقابة الاتحاد المغربي للشغل وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في خطاب أكد فيه تفوق الحزب على جميع القوى السياسية الأخرى، لأنه المالك الوحيد للحقيقة الثورية بالنسبة له. وبعد هذه الخيبة التاريخية انشغل بن بركة بالتحضير للمؤتمر الثاني لحزبه والإعداد لأول دستور مقترح من لدن الملك الحسن الثاني، تنفيذاً لوعود عديدة قدمها والده بين 1956 و1957.
انعقد المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في يونيو 1962 كما كان مقرراً، في ظروف سيئة جداً، لأن العلاقات كانت متدهورة بين تيار بن بركة، ومعه عمر بن جلون ومحمد اليازغي ومهدي العلوي والفقيه البصري، وتيار عبد الرحيم بوعبيد ومعه محمد التبر والمعطي بوعبيد وعبد الهادي بوطالب والحاج بليوط بوشنتوف، وكانت هناك مجموعة من المحايدين من بينهم عبد الله إبراهيم وعبدالرحمن اليوسفي.
الصفعة: وبعد إجراء الانتخاب داخل المؤتمر بقي الأشخاص أنفسهم في مواقع المسؤولية نفسها التي كانوا فيها، وتجددت الثقة في بن بركة ككاتب عام للحزب، وأصبح عبد الرحيم بوعبيد نائباً له بحيث يمكن أن يحل محله إذا اقتضى الحال. لقد حاول زعيم الحزب بطبيعته البراجماتية الملازمة له، أن يراوغ مرة أخرى لأنه كان متشبثاً بنظريته حول تحالف الملكية الدستورية والاشتراكية، لأن بعض المسؤولين المجايلين له في الحزب كانوا متحالفين مع العرش (القصر) ويرفضون مواقف الطرف الآخر.
كان الدستور الذي اقترحه الملك الحسن الثاني على شعبه حصيلة سبع سنوات من التحضير، من (1956 إلى 1962م)، وشارك في إعداد هذه الوثيقة التي كانت تطالب بها جميع القوى السياسية مستشارو الملك وبعض الفقهاء القانونيين المعروفين دولياً مثل البروفيسور "لويس دوفرجيه". وفي 14 نوفمبر 1962 عند إجراء الاستفتاء عليه كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الوحيد الذي دعا الشعب إلى المقاطعة، لكن نتائج الاستفتاء التي أعلن عنها في 7 ديسمبر من تلك السنة كانت مع الدستور بنسبة 97%، أي أنها كانت صفعة للاتحاد الوطني المقاطع. خلف هذا الانتصار للحسن الثاني على بن بركة وحزبه كان هناك "الكاب1" وعناصر جهاز الاستخبارات الأمريكية بالمغرب. في المقابل، أدى التأييد بالأغلبية الكاسحة للدستور الأول إلى بداية عهد الانتخابات المزورة في البلاد، ولكن بن بركة ورفاقه كانوا قد استخلصوا الدرس من الاستفتاء.

محاولة الاغتيال الثانية


في 18 نوفمبر 1962، وقد كان يوم عطلة لموافقته للذكرى السابعة لعيد الاستقلال، وبعد ستة أشهر على عودته، تم تدبير محاولة اغتيال لبن بركة كانت هي الثانية من نوعها بعد حادث 1957 في الرباط التي وقعت له أمام بيته في شارع تمارة. جرت هذه المحاولة الثانية على الطريق الرئيس بين الرباط والدار البيضاء وتم تمويهها بعناية على أنها حادث سير فر فيه الجاني، ولم يعلم أوفقير ولا محمد العشعاشي بنبأ هذا الحادث المدبر بطريقة سيئة ومتسرعة من طرف أحمد الدليمي وحده وتنفيذ ثلاثة عناصر من "الكاب1": الكرواني، ريحان وأوزين، مستخدمين سيارة أحد أقرباء الدليمي. كان بن بركة وصديقه مهدي العلوي على متن سيارة من نوع "فولكس فاجن" صحبة السائق، فتقدم منهم عناصر من "الكاب1" يقودون سيارة من نوع "بيجو403" ثم حاولوا تجاوزهم فاحتكوا بالسيارة فوق جسر معدني معلق على الوادي قريباً من مدخل بوزنيقة (أربع كيلومترات من الرباط)، ولحسن الحظ لم تسقط السيارة في الوادي، لكن بن بركة أصيب بجروح بليغة، وتم تقييد الحادثة على أنها حادث سير عرضي من دون إجراء تحقيق أو معاينة لا من طرف الأمن الحضري ولا من طرف الدرك الملكي. وانتشل بن بركة من السيارة مصاباً بكسور، وفي المستشفى أجريت التحاليل التي أبانت عن وجود كسر في العمود الفقري أعلى العنق. وفي 24 نوفمبر غادر المغرب للعلاج في ألمانيا حيث كان يقيم شقيقه عبد القادر.
..........................
 
اوفقير وشيخ العرب....الحلقة الرابعة السبت, 29 سبتمبر, 2007

لميغفل بن بركة عن ذلك فهو يعرف جيداً العسكريين القدامى الذين خدموا في الجيش الفرنسي وطالما أهانهم خلال مرات عدة في أعوام 1956،1957،1958، 1959 أمام الملأ أو في اللقاءات الخاصة 1960م، وكان يرى أن هؤلاء العسكريين المنحدرين من البوادي من مناطق الريف والأطلس بالذات، وكانوا أميين وعديمي الثقافة ولم يتجاوزوا في تعليمهم الصف الخامس الابتدائي قد أصبحوا اليوم يشغلون مناصب عليا في الدولة في ظل حكم الملك الحسن الثاني، ويوجدون في كل المؤسسات والإدارات العامة ويديرون شؤون الأمن والدرك، ويقودون المجالس البلدية ويحتلون الوزارات، بل إنهم يوجدون في الديوان الخاص للملك.
وقد أصبح هؤلاء هم الأعداء الأشد خطراً عليه دون أن يخفوا ذلك؛ إذ كانوا يعلنون في كل مناسبة رغبتهم في القضاء على زعيم اليسار المغربي منذ رجوعه إلى المغرب، وكان من بين هؤلاء العسكريين الكولونيل محمد أوفقير الذي أصبح في ذلك الوقت مسؤولاً عن "الإدارة العامة للأمن الوطني" ورئيساً لمصلحة "الكاب1" وأحمد الدليمي الذي كان يعمل مساعداً له.
مضايقات


كانت رغبة بن بركة لدى عودته إلى المغرب الاستقرار في بلده بشكل نهائي إلى جانب عائلته وأصدقائه، لكنه لم يستطع المكوث أكثر من 14 شهراً، بسبب مضايقات أوفقير والدليمي اللذين لم يتركا وسيلة من الوسائل لإجباره على مغادرة المغرب في أقرب الآجال بهدف إبعاده عن الحزب وعزله.
في يونيو 1963م استقبله رئيس الجمهورية الجزائرية آنذاك أحمد بن بلة بالأحضان، كانت الجزائر في تلك الفترة دولة ضعيفة خرجت لتوها من حرب طاحنة استمرت ثماني سنوات وخلفت نحو مليون شهيد وتوجت بالحصول على الاستقلال، لكن بن بلة كان معجباً ب"بن بركة" الذي كان يرى فيه رجلاً عبقرياً وزعيماً سياسياً من طراز استثنائي بإمكانه تقديم خدمات كبيرة للشعوب المغربية والشعوب العربية وإفريقيا وشعوب العالم الثالث عموماً، فمنحه اللجوء السياسي والجنسية الجزائرية ورفعه إلى مستوى رئيس دولة بكل التشريفات والامتيازات، بل خصص له نفس الراتب الذي يتلقاه هو نفسه كرئيس للجمهورية، ومنحه جواز سفر دبلوماسياً جزائرياً وتعويضات عن كل يوم تنقل، وتكفلت الدولة بتحمل الأعباء المالية لأسفاره في الخارج، كما خصصت له سكناً مريحاً وسيارة وسائقاً خاصاً وطباخاً وبستانياً. وبفضل بن بلة أصبح المهدي بن بركة زعيماً سياسياً تحت الحماية في انتظار الحاجة إليه، يعيش على حساب الدولة الجزائرية، فقد كان صديقاً مخلصاً للرئيس الجزائري الذي وفر له كل شيء في فترة كانت الجزائر دولة فقيرة، قبل الطفرة النفطية في السبعينيات.
لكن بن بركة اختار لدواع تتعلق بأمنه الرحيل إلى سويسرا للعيش كلاجئ سياسي، وفي جنيف أقام في شقة لائقة كان يستعملها كمكتب له في نفس الوقت، قريباً من مصلحة بريد حيث توفر له صندوق بريد خاصاً يستقبل فيه رسائله، تماماً كما كان الحال في الجزائر. وقد اقترح عليه رئيس الجمهورية المصرية جمال عبد الناصر الذي كان يعد زعيماً عربياً منذ حرب السويس عام 1956م، وكان شديد الاحترام والتقدير ل"بن بركة"، أن يأتي إلى مصر مع عائلته للاستقرار مؤقتاً، لمدة شهور أو أعوام، على نفقة الدولة المصرية في كل شيء. وقد جاء اقتراح عبد الناصر في الوقت المناسب، إذ كان صديقاً لكل من بن بلة وبن بركة معاً، فرحل إلى القاهرة مع أفراد عائلته بدعوة رسمية من الحكومة المصرية في بداية عام1964م.
خلال مرحلة المنفى كان بن بركة يسافر باستمرار بين جنيف والجزائر وباريس وألمانيا والقاهرة لرؤية أسرته التي سوف يطول بقاؤها في القاهرة سنوات عدة قبل أن ترحل إلى فرنسا فيما بعد، في رحلة اغتراب استمرت أكثر من أربعين عاماً، وكان بن بركة طيلة هذه الفترة يتلقى من أصدقائه في عالم السياسة الدعم المعنوي والمالي، من بين هؤلاء "تشي جيفارا" و"فيديل كاسترو" زعيمي الثورة الكوبية، ومحمد المصمودي الزعيم السياسي التونسي المعروف، والحبيب عاشور المناضل النقابي التونسي.
إهانة الملك


خلال فترة منفاه قام بن بركة بعدة سفريات إلى منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط لجمع التبرعات المالية لحزبه "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وكانت تلك التبرعات توجه إلى حسابات بنكية باسمه في كل من باريس والقاهرة، فقد كان هو المسؤول عن الجانب المالي في حزبه بحيث كان يخصص لنفسه ما بين 10 إلى 15% من التبرعات الموجهة إلى الحزب، في الوقت الذي كان الفقيه البصري يخصص لنفسه ما بين 60 إلى 70% في الفترة بين 1966 و1976م.
وكان يتابع من منفاه كل شيء يتعلق بالحزب وأنشطته ويراقب ما يجري في المغرب، ويدلي بالتصريحات للصحافة والإذاعات الأجنبية بشكل متواصل لنقد سياسة الحسن الثاني بقوة والتنديد بانعدام الكفاءة في الدولة على جميع الصعد، وكان الحسن الثاني يرى في تلك التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام والصحافة في العالم كله تحدياً مباشراً وخيانة وإهانة له ولمحيطه وللعسكريين السابقين في الجيش الفرنسي الذين انتشروا في جميع أجهزة الدولة، لكنه كان متحيراً بخصوص ما يمكن فعله لوقف انتقادات بن بركة الذي أصبح أكثر حضوراً في الإعلام الدولي، وما كان يقلقه أكثر هو أن المغرب في الداخل، في سنوات 1963 1965م، كان يعيش وضعية صعبة جداً، لأن تلك الفترة تزامنت مع فرض حالة الاستثناء عام 1964م لشن الحرب على المعارض المسلح المدعو "شيخ العرب".
شيخ العرب والاستثناء


كانت مصالح "الكاب1" الخاصة تبحث بشكل حثيث منذ 1962م عن مسلح سابق وعضو في "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" تعتبره الدولة شخصاً خطراً يعيش في السرية بعد اغتياله لمسؤول في جنوب المغرب عام 1960م، وحسب التقارير التي حصلت عليها المصالح المذكورة من مصادر عدة داخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن هذا الشخص الذي كان منخرطاً في المقاومة المسلحة عامي 1954 و 1955م، وأصبح منذ ذلك الوقت عنصراً متمرداً ثم دخل في السرية في الأعوام التالية، فإن المبحوث عنه يحاول إجراء اتصالات بالجناح المتشدد داخل الحزب ليقترح عليه التعاون من أجل قلب نظام حكم الحسن الثاني، مدعياً أن عنده الأسلحة التي تساعدهم على تحقيق هذا الهدف، وأنه يحتاج فقط إلى بضع مئات من المقاتلين.
لقد مكن الحصول على تلك المعلومات مصالح "الكاب1" من معرفة أن الأمر يتعلق بشخص يدعى "شيخ العرب"، واسمه الحقيقي "أحمد أكوليز" يعيش في الخفاء منذ بداية الاستقلال، وسبق أن حكم عليه غيابياً بالإعدام عام 1958م من طرف إحدى المحاكم بإقليم سوس جنوب المغرب لاغتياله قاضياً ورجل أمن، وفي الملف المتعلق بمؤامرة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عام 1963م صدر ضده حكم آخر غيابي بالإعدام، لكنه كان دائماً يفلح في الهرب من قبضة رجال الأمن، ما جعل الناس يطلقون عليه لقب "الفالت".
وفي شهر أبريل 1964م تم العثور على حقيبة تحتوي على أسلحة بإحدى الشقق الواقعة بالمدينة الجديدة في الدار البيضاء، وقادت التحقيقات التي قامت بها مصالح "الكاب1" والفرقة الأمنية للدار البيضاء للعثور على صاحب الشقة في "فيلا" بحي "لارميتاج".
وصل رجال الأمن في سيارتين عاديتين بأرقام تسجيل مضللة إلى المكان، فتوقفت الأولى أمام مدخل ال "الفيلا" بينما توقفت الثانية التي كان بها كل من عبد القادر صاكا وعبد القادر الوالي من مصلحة "مكافحة الشغب" الملحقة ب"الكاب1" بعيداً عنها بحوالي عشرة أمتار ثم دفع الرجال الثلاثة الذين نزلوا من السيارة الأولى وهم عباد عباس وخطاب محمد وصدقي حمو من الشرطة القضائية بالدار البيضاء باب الحديقة.. وشرعوا في قرع جرس الباب الرئيس، لكنهم لم يتلقوا رداً لأن الموجودين بداخله كانوا قد لاحظوا من قبل وقوف السيارتين وأدركوا أن الأمر يتعلق برجال أمن مسلحين.
لكن في الوقت الذي كان الأشخاص الثلاثة ينتظرون قرب الباب انهال عليهم وابل من الرصاص من الجانب الآخر للمسكن، فسقط الثلاثة الذين كانوا من خيرة المخابرات السرية منذ 1960م صرعى للتو، فيما انبطح الاثنان الآخران اللذان كانا في السيارة الثانية بعيداً على الأرض تحت السيارة، وبهذه الطريقة تمكن صاكا والوالي من الإفلات من موت محقق.
تلك الحادثة كانت كارثة بالنسبة لمصالح الأمن، وقادت التحقيقات التي أجريت إلى معرفة هوية القتلة ومالك ومستأجر "الفيلا" وصاحب السيارة التي استعملها القتلة للفرار بعد الحادث مباشرة وصاحب الشقة التي عثر فيها على الحقيبة المليئة بالأسلحة. وقد أشرف على هذه التحقيقات التي قامت بها مصالح "الكاب1" أربعة عناصر من "مصلحة مكافحة الشغب" هم: محمد المسناوي وبناصر الكرواني وأحمد زيني وأنا شخصياً، وكانت النتيجة هي التالي:
عرفنا أن أحمد أكوليز المدعو "شيخ العرب" يوجد عنه في أرشيفات مصالح "الكاب1" ملف كبير وبإطلاعنا عليه عرفنا أنه في بداية الاستقلال عام 1956م فشل في الحصول على منصب رجل أمن أو قائد من درجة رفيعة لأنه كان أمياً، في الوقت الذي حصل فيه مقاومون أميون مثله على مناصب مهمة وعينوا قواداً أو قواداً من درجة رفيعة أو حكام أقاليم وولايات، أو رجال أمن بين 1956 و 1957م.
وبسبب خيبته تحول إلى مسلح متمرد وعدو للنظام الملكي العلوي، وفي نهاية 1956م دخل السرية للفرار من ملاحقات رجال الأمن له في عهد الغزاوي الذي كان يريد تصفيته.. وفي 1958م قتل قاضياً ورجل أمن في منطقة سوس التي ينحدر منها، فأصدرت إحدى المحاكم حكماً غيابياً ضده بالإعدام، ومن هذا التاريخ أصبح ملاحقاً، وخرجت دوريات عدة للبحث عنه بعد تزايد الشكاوى ضده بسبب اقترافه أعمال عنف وسرقة في أكادير وتيزنيت وتارودانت، وعندما حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962م تمكن من عبور الحدود المغربية الجزائرية للعيش في الجزائر بدون هوية، بانتظار إنشاء معسكرات تدريب لعناصر "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" في الجزائر لتكوين جماعات مسلحة (كوماندوهات) لقلب نظام الحسن الثاني، لكنه في شهر أبريل 1964م عاد إلى المغرب بشكل سري برفقة "عمر الفرشي" وهو معارض مسلح آخر كان مبحوثاً عنه، وسبق أن حكم عليه بالإعدام غيابياً في قضية "بنحمو لوفاخري" عام 1961م، وكان موجوداً في مدينة وهران الجزائرية قبل أن يقرر العودة مع شيخ العرب، وبحوزتهما أسلحة ورشاشات وقنابل ومسدسات أوتوماتيكية حديثة الصنع للقيام بعمليات في المغرب وزرع البلبلة.
عبرا الحدود سراً من منطقة "بني أدرار" التي يعبر منها المهربون، وفي طريق عودتهما مرا على "مونيري بوشعيب" الذي كان مقاوماً سابقاً معهما وأصبح بعد الاستقلال حارساً غابوياً بمدينة وجدة على الحدود مع الجزائر، فنقلهما بصحبة صديقه "عبد القادر الورطاسي" بسيارة الخدمة إلى مقر إقامته الوظيفي، وفي اليوم التالي قام "مونيري" الذي كان صديقاً للاثنين في المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي بنقلهما إلى مدينة الدار البيضاء على متن سيارة الخدمة.

القرار المناسب


في الدار البيضاء استقر شيخ العرب وعمر الفرشي عدة أيام لدى شخص من منطقة سوس يعرف الأول جيداً، ومعهما حقائبهما المليئة بالأسلحة والمسدسات والقنابل اليدوية، وبعد أسبوعين تعرف شيخ العرب على صديق آخر هو "مسليل إبراهيم الحلاوي" فقرر الافتراق عن "عمر الفرشي" لأسباب أمنية وترك حقيبة مليئة بالأسلحة لدى الصديق الجديد، وذات يوم بينما كانت ابنة الحلاوي تقوم بالأعمال المنزلية إذا بها تكتشف الحقيبة تحت السرير، فتحتها فاندهشت أمام رؤية الأسلحة، ولم تتردد عن إخبار خطيبها "مصطفى الطرفاوي" الذي كان للمصادفة رجل شرطة، ومباشرة بعد علمه بالنبأ أخبر رئيسيه: العميد يوسف قدور، رئيس المصلحة الجهوية للشرطة القضائية، وعميد الشرطة الحاج بوعلي رئيس مصلحة محاربة العصابات في مركز شرطة الدار البيضاء، فقام هذان الأخيران بإبلاغ النبأ إلى العميد الممتاز للشرطة لجهة الدار البيضاء "علي بلقاسم" الذي أخبر هو بدوره ممثلي "الكاب1" في الدار البيضاء، وبعث هؤلاء ببرقية عاجلة إلى مصلحة "الكاب1" بالرباط لرفع الخبر إلى "محمد العشعاشي" رئيس قسم "محاربة الشغب" فيها، وفور وصول البرقية أرسلها إلى أوفقير والدليمي، وقام بتعيين الرجال الثلاثة الذين سيتابعون هذه المهمة، وهم الذين قتلوا أمام الفيلا، كما عين الاثنين الآخرين للقيام بالمهام التقنية المساعدة، وكان هؤلاء الخمسة جميعهم مختصين في قضايا الاختطافات والاعتقالات خارج القانون في الفترة بين 1960 و 1964م، كما أنهم أثناء مباشرة مهمتهم كانوا جميعاً في حالة سكر، لأنهم قضوا ليلة ساهرة بحانة "الطالب" التي تقع في حي عين برجة بالدار البيضاء، ولذلك لم يستطيعوا التحكم في أنفسهم في الحادث وأخطؤوا في اتخاذ القرارات المناسبة، فقد تعاملوا مع المسألة باعتبارها شيئاً اعتيادياً وروتينياً، ومثل هذه الأحداث من هذا النوع وقعت مرات عدة بين 1960 و1973م.
كانت الشقة التي وجدت بها حقيبة الأسلحة في حي "سيدي معروف" مستأجرة من طرف إبراهيم الحلاوي، وتعود إلى ملكية شخص يسمى سعيد لا أذكر كنيته، ولم تكن مستأجرة بعقد، كما أن المستأجر لم يكن لديه عقد اشتراك في الماء والكهرباء، وهي أمور كانت شائعة في ذلك الوقت.
جمعت تلك الأسلحة التي أصبحت ملكاً ل"الكاب1"، وبعد أعوام تم استخدام تلك الأسلحة نفسها في المؤامرة المزعومة التي ألصقت ب"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" عامي 1969 1970م والمعروفة باسم "قضية البعثيين التابعين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية"!
أما الفيلا التي قتل بها رجال الأمن الثلاثة التابعين ل"الكاب1" فقد كانت تعود لشخص يدعى أحمد أوزي، وتم اعتقال هذا الأخير وخضع للتعذيب شهوراً عدة بدون حكم حتى 1965م، بينما لم يكن ذنبه سوى أنه قام بتأجير مسكنه لمقاوم سابق.

عفو ملكي


إن أصدقاء ومرافقي شيخ العرب عام 1964م الذين لا يزال بعضهم حياً حتى اليوم قد شاركوا في صنع هذه القضية المهمة التي تعد إحدى القضايا التي تم طمس حقائقها في مغرب الاستقلال، ويتعلق الأمر بكل من عمر ناصر الفرشي، وهو قائد شبكة للمقاومين في جهة الدار البيضاء، حكم عليه بالإعدام غيابياً في قضية "بنحمو لوفاخري" ثم بالسجن المؤبد في مؤامرة "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" عام 1963م، وقد أفرج عنه بظهير ملكي في عهد الحسن الثاني عام 1998م، وعبد الله الدكالي الذي حكم عليه بالسجن المؤبد غيابياً مع الأشغال الشاقة في بداية الستينيات، وقد كان صديقاً لشيخ العرب ثم للفقيه البصري فيما بعد بين 1966 1977م، وعضواً في "التنظيم" (خلية مسلحة) الذي قام بتدبير مؤامرات بين 1969 و1970م ومارس 1973م، وصدر في حقه عفو ملكي عام 1998م.
لقد شكل مقتل الرجال الثلاثة الذين قاموا بالتحقيق في القضية إهانة لأوفقير والدليمي ومحمد العشعاشي، ولم يتردد الحسن الثاني في فرض حالة الاستثناء، فوضعت القوات المسلحة والشرطة والأمن والقوات المساعدة في حالة استنفار قصوى، وتم نصب حواجز على الطرق الرابطة بين المدن وفي مداخلها، وفي المدن الكبرى نصبت حواجز على مداخل بعض الأحياء السكنية لمراقبة هويات الناس، وانتشرت مئات الأوراق التي تحمل صور شيخ العرب ومرافقيه في عموم مناطق المغرب تحث الناس على التبليغ عنهم في حال العثور عليهم. واستمرت هذه الوضعية حتى 7 أغسطس 1964م؛ إذ في هذا اليوم كان شيخ العرب ومرافقوه مختبئين لمدة أربعة أشهر في شقة تعود إلى أحد الأصدقاء وكان يعمل في القوات المساعدة بالدار البيضاء ويدعى "مبارك بوشوا"، وقد بدأ سقوط المجموعة بعد أن رفض أحد المرافقين وهو "أحمد أوزي" البقاء في شقة صغيرة لا تتعدى مساحتها 50 متراً مربعاً، فانسحب وقرر تبليغ رجال الأمن بوجودهم مقابل مبلغ مالي عرضته السلطات على من يدلها على مكان تواجد الفارين في بلاغ كانت تبثه الإذاعة، وتمكن أوزي من مغادرة الشقة بحجة الذهاب إلى الحمام، لأن لا أحد كان قادراً على الخروج من دون إذن شيخ العرب، ومن ثم استطاع الفرار وإبلاغ الشرطة التي جاءت بعد دقائق وحوطت المكان، ثم التحقت قوات الأمن المدججة بالأسلحة وحاصرت الشقة التي كان بها أشهر مطلوبين للسلطة في تاريخ المغرب الحديث.
وبعد دقائق من الصمت، بدأ الرجال الثلاثة المطلوبون في الخروج من باب الشقة أمام رجال الأمن المسلحين، كان شيخ العرب يرفع أسلحته في الهواء، فأطلق رجال الأمن النار، فسقط "مبارك بوشوا" قتيلاً وأصيب شيخ العرب إصابات بالغة في مواضع من جسمه، ثم أطلقت رصاصة على رأسه فأردته قتيلاً، وأصيب إبراهيم الحلاوي في مواضع من جسمه لكنه استطاع البقاء على قيد الحياة، أما أحمد أوزي فقد نجا من الموت وربح أيضاً المبلغ الذي عرضته السلطات على من يبلغ عن المطلوبين.
حضر بمسرح الأحداث في ذلك اليوم قبل إعطاء الإذن بإطلاق النار الذي تكلف به "علي بلقاسم" العميد الرئيس للشرطة بالدار البيضاء، كل من محمد أوفقير ومساعده أحمد الدليمي، وعبد الحق العشعاشي وشقيقه محمد، ومعاونوهم عينان محمد وجميل الحسين وصاكا ورزيق والكرواني والغيناوي وريان المعطي والوالي وكواشا وخمسي، وبمقتل شيخ العرب انتهت حالة الاستثناء!
...........................
 
"اوفقير" الرجل الثاني في الدولة...الجزء الخامس

السبت, 29 سبتمبر, 2007


كانت نهاية "شيخ العرب" في 7 أغسطس 1964 فرصة بالنسبة لأوفقير للارتقاء بعد أيام قلائل إلى رتبة جنرال ووزير للداخلية خلفاً لأحمد رضا أكديرة، مع بقائه محتفظاً في ذات الوقت بإدارة الأمن الوطني ورئاسة "الكاب1" بشكل أثار حسد الجميع.
وبهذه المهام والمسؤوليات التي اجتمعت له أصبح أوفقير في الواقع الرجل الثاني في الدولة، مباشرة بعد الملك الحسن الثاني، وبخاصة عندما تلقى الضوء الأخضر من أجل إعادة تنظيم وزارة الداخلية والأمن الوطني و"الكاب1"، حيث استغل ذلك لوضع رجاله في المواقع الأولى بتلك المؤسسات:
الضوء الأخضر


في وزارة الداخلية أبقي على السيدة بديعة مسناوي زوجة محمد مسناوي العميل في "الكاب1" ثم مدير الكتابة العامة بالوزارة منذ1961، وتم تعيين العميد الرئيس مولاي أحمد التدلاوي على رأس "إدارة الشؤون العامة" بالوزارة، ومحمد بن عالم كاتباً للدولة، أما بوعزة الغازي الرجل الثاني الحقيقي في الكاب منذ 1960 فقد استولى على قسم التموين والتجهيز بالوزارة، مع بقائه محتفظاً بمهماته في الإدارة العامة للأمن الوطني.
في إدارة الأمن الوطني سُجلت تعيينات جديدة عدة سواء على المستوى المركزي بالرباط أو على المستوى الإقليمي والجهوي، في الشرطة القضائية ومصالح التوثيق والاستعلام ومخافر الشرطة بالعمالات.
في "الكاب1" لم تكن هناك تغييرات في مواقع المسؤولية، ولكن تم ترقية ثلاثة أرباع الموظفين بسرعة عبر حرق المراحل، حيث أصبح العمداء الصغار عمداء رئيسين، وضباط الشرطة عمداء، ومساعدو ضباط الشرطة ضباط شرطة، وأصبح حراس الشرف الذين كانوا كثيرين في الكاب مساعدي ضباط شرطة، وقد فاجأت هذه التعيينات الجديدة الجميع وبدت للكثيرين غير معقولة.
ومن بين هذه التعيينات غير المعقولة هناك ما يستحق أن نشير إليه: فجميل الحسوني مثلاً الذي كان مفتش شرطة في ميناء الدار البيضاء بين 1957 1960، ثم عميلاً بالكاب1 وقائد مفرزة بالدار البيضاء بين 1960 1961 ثم ضابط شرطة مساعداً بنهاية 1962، تمت ترقيته مباشرة إلى رتبة عميد رئيس متخطياً بذلك ثلاث مراحل: ضابط شرطة وضابط شرطة رئيس وعميد شرطة. وعدد كبير من المنحدرين من الجهة الشرقية، وجدة ونواحيها، الذين كانوا حراس شرف في سلك الأمن أو مفتشين رقُوا مباشرة إلى رتبة ضباط شرطة مساعدين، فرقي محمد السوسي الذي ينحدر من الجهة الشرقية من رتبة رئيس مفرزة ضابط شرطة مساعد إلى عميد شرطة، متخطياً درجتين: ضابط شرطة وضابط شرطة رئيس، ومحمد التونسي من رتبة قائد عمليات التدخل كضابط شرطة مساعد أصبح عميد شرطة أيضاً، متخطياً درجتين، ومولاي إبراهيم أوفقير الذي كان مساعد ممرض في القطاع الخاص أصبح حارس شرف رغم أنه لم يتلق أي تكوين (تعليم)، ونفس الشيء بالنسبة لمولاي أحمد أوفقير الذي كان راعي غنم وأمياً.
لقد كان الضوء الأخضر الذي مُنح لأوفقير عام 1964 حدثاً استثنائياً في تاريخ المغرب، فقد مكنه ذلك من تجميد العمل بكل القوانين التي تنظم الوظيفة العمومية وتحدد شروط الترقية في وزارة الداخلية وإدارة الأمن الوطني وأسلاك الشرطة مؤقتاً لمدة 17 شهراً، ما بين أغسطس 1964 وديسمبر 1965، وخلال هذه الفترة كان أوفقير طليق اليد يفعل ما يشاء، فألغيت أهمية الشهادات في التعيين، لأن غالبية المناصب والمسؤوليات أوكلت إلى أشخاص ليس لهم تكوين أو مؤهلات بل جلهم أميون، مقابل قبضة صغيرة من المال.
الرشوة والابتزاز


كانت الرشوة والابتزاز في ذلك العهد عملتين رائجتين، الأمر الذي سمح لعدد من المقربين من أوفقير بجمع ثروات طائلة، وهنا بعض الأمثلة:
لم يتردد بوعزة الغازي في تحديد سقف معين بالنسبة لمنصب مساعد مدير في الإدارة العامة للأمن الوطني ورؤساء المصالح الإقليمية وعمداء الدوائر الأمنية، وكانت المبالغ تختلف بحسب أهمية المدينة، وأصبح كوادر الأمن مجبرين على الخضوع لهذه الشروط للحصول على المناصب التي يطمحون إليها، فكانوا يدفعون مقدماً للمبلغ ويتعهدون بدفع الباقي نهاية كل شهر على دفعات إذا أرادوا البقاء في مناصبهم وفي المدن التي اختاروها، لقد كان هذا غير معقول، ولكنه كان جارياً، وقد در ذلك على بوعزة الغازي ثروة طائلة، كما أن عروض الأثمان المتعلقة بالمشاريع التي كانت تقوم بها وزارة الداخلية وإدارة الأمن الوطني كانت لها هي أيضاً أثمانها، لكن هذا لم يكن كل شيء ما مادامت "الصناديق السوداء" للوزارة والإدارة والتي كانت تقدر بنحو 5 إلى 10 مليارات سنتيم في السنة كانت تدار من دون مراقبة ولا فواتير أو وثائق، من طرف الغازي وحده.
جنت فاطمة أوفقير زوجة أوفقير ثروة طائلة من خلال توسطها لفائدة مئات من المرشحين من منطقة تيفلت الخميسات مسقط رأسها، وأيضاً من منطقة الغرب وتافيلالت، مسقط رأس أوفقير، وكانت التعيينات والترقيات والتبديلات تخضع للتفاوض على حدة بحسب المدينة والدرجة، وغالبية المرشحين كانوا أميين أو عديمي التأهيل بالمرة.

تهريب السلع


كان للحاج قادة قرابة عائلية مع فاطمة أوفقير، وكان يعمل في مصلحة الأمن بمدينة القنيطرة كضابط أمن رئيس في القاعدة الجوية الأمريكية، ويدير في نفس الوقت شبكتين تابعتين للجنرال أوفقير، الأولى متخصصة في تبييض الأموال والدعارة والشذوذ، والثانية في تهريب السلع الأمريكية التي تأتي من القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الغرب، وقد مكنته تلك القرابة من تحصيل أموال طائلة بسبب توسطه لفائدة المئات من الأشخاص في المحاكم ولدى إدارة الأمن الوطني بالنسبة للراغبين في التعيين أو التبديل أو الترقية، وكان الحاج قادة في مدن القنيطرة وتيفلت والخميسات وسيدي سليمان وسيدي يحيى شخصاً فوق الجميع، بالرغم من أنه كان أمياً.
حصل العقيد الشنا، والد فاطمة أوفقير وصهر الجنرال أوفقير، على ثروة كبيرة بسبب توسطه لفائدة أشخاص عدة لدى بوعزة الغازي، وكان الشنا وابنه يعملان أيضاً في فريق الحاج قادة.
كان الحسن الدليمي، والد أحمد الدليمي، عاملاً إقليمياً من دون مهمة، وضابطاً سابقاً في "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" الفرنسية مكلفاً بعدة عملاء ما بين 1948 1956 من بينهم أوفقير نفسه، وبفضل نفوذه القوي في منطقة الغرب وتحكمه في سائر العمال التابعين للداخلية ووساطاته في المحاكم وفي إدارة الأمن الوطني في المنطقة استطاع تحصيل أموال ضخمة.
جمع أحمد الدليمي الذي كان عون مدير في "الكاب1" وعوناً في إدارة الأمن الوطني بعد أغسطس 1964 ثروة كبيرة من وراء وساطته لفائدة المئات من الفلاحين المنحدرين من إقليم سيدي قاسم، مسقط رأسه، وكان يدير الصندوق الأسود للكاب الذي قدرت ميزانيته بنحو 5 مليارات سنتيم، حيث كان يحول لمصلحته ما يناهز 50% منها.
تعديلات وترقيات


نفس الأمر بالنسبة لعبد الحق العشعاشي، العميد الرئيس ومدير مكتب أوفقير في الكاب وإدارة الأمن الوطني، ورئيس الشؤون الإدارية والمالية في الكاب، فقد جمع ثروة لا تقدر من وراء ما قام به من تعيينات وتبديلات وترقيات، ومن عمليات إعداد جوازات سفر فردية أو جماعية لليهود المغاربة الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل، والذين لم يكونوا يتوفرون على الشروط الإدارية المطلوبة للحصول على الجوازات.
حصل جميل الحسين الذي كان ضابط شرطة مساعداً عام 1962 ثم عميداً رئيساً عام 1964 ومكلفاً بالشؤون المشبوهة للجنرال أوفقير ثروة طائلة من وراء تعاونه مع مافيا الجماعات اليهودية المغربية في الدار البيضاء ومكناس، خصوصاً في منحهم جوازات سفر للهجرة إلى إسرائيل. وبعد اختفاء الجنرال أوفقير عام 1972 عادت كل الشؤون الحقيرة والمشبوهة لهذا الأخير إليه، لأن جميع المقربين من الجنرال اعتقلوا وحكم عليهم بعشرين سنة فما فوق. وما تزال هذه المهام تحت يده اليوم بعد أن أصبح مدير شرطة متقاعداً ومسؤولاً إدارياً ومالياً سابقاً بجهاز المخابرات المغربية (الديستي) إلى جانب إدريس البصري (وزير الداخلية الأسبق المقال عام 1999)، ويتعلق الأمر خصوصاً بالشؤون البحرية المسماة "شيب شاندلرز" (تموين البواخر بميناء الدار البيضاء المحمدية، ورص البضائع في السفن المنجمية، وحراسة المرافئ والأمن في البواخر والسفن).
وأخيراً السيدة بديعة مسناوي، زوجة محمد مسناوي مدير الكتبة الخاصة للجنرال أوفقير ولكل وزراء الداخلية من 1961 إلى أواخر 1999 والمرأة المقتدرة التي أصبحت اليد اليمنى لأوفقير وكانت تهتم بكل الملفات السرية الخاصة به وبملف المهدي بن بركة تحديداً، فقد تمكنت من جمع ثروات طائلة بفضل تدخلاتها ووساطاتها لدى القواد والعمال ومسؤولي الداخلية في جميع مدن المغرب، وإشرافها على توزيع الأراضي والعقارات على أطر كوادر وزارة الداخلية خلال مدة ثلاثين عاما، وهي مدة قياسية داخل الوزارة.


مجموعة من الأعداء

لم يكن الحظ القوي الذي يتمتع به المهدي بن بركة خرافة بل كان حقيقة. فقبل اختفائه في 29 أكتوبر 1965 في باريس حالفه حظه القوي هذا في أن ينجو أربع مرات من موت محقق، فقبل باريس كان زعيم المعارضة المغربية قد واجه الموت في الرباط عام 1957م، وفي الطريق بين الرباط والدار البيضاء عام 1962م ثم في الجزائر عام 1964م، وأخيراً في القاهرة في أكتوبر 1965م.
بعد حصول المغرب على الاستقلال وجد بن بركة نفسه في مواجهة مجموعة من الأعداء، خاصة من المقاومين السابقين الحقيقيين منهم والزائفين وأعضاء جيش التحرير المغربي وضباط القوات المسلحة الملكية وفي داخل حزبه، حزب الاستقلال، كان هناك الأعيان وكل المحافظين الذين يحيطون بالزعيم علال الفاسي، وقد كان المقاومون القدامى هم الأكثر استعداداً وحماساً لتصفيته لأنهم كانوا يتهمونه باغتيال عباس المساعدي عام 1956م.
من بين هؤلاء كان هناك ضابط صف مغربي من القوات الفرنسية ظهر في الساحة السياسية عام 1956م بفضل مشاركته المزعومة في صفوف جيش التحرير المغربي وخاصة لدوره في اغتيال عباس المساعدي، وقد قرر هذا الشخص الذي أصبح واحداً من المقاومين القدامى في الساعة الأخيرة أن يستأجر رامياً محترفاً لاغتيال بن بركة، تم اختياره بدقة من بين قدماء المقاومين الذين تحولوا إلى رجال أمن في الشرطة السياسية التابعة لمحمد الغزاوي، وهو شخص داعر التحق بهذه الأخير بعد تلقيه تدريباً في مايو يونيو1956م، وكان المبلغ المالي المتفق عليه لتنفيذ المهمة يوازي أجرته خلال عام كامل، تسلمه مقدماً.
أولى محاولات اغتياله: وفي مساء نفس اليوم أخذ هذا الشخص مكانه قريباً من بيت بن بركة يترصد عودته لتصفيته بطريقة خاطفة وسريعة، كما اعتاد أن يفعل في "مهمات" الشرطة السياسية، ولكن الحظ كان إلى جانب بن بركة لأن الرصاصات الثلاث أو الأربع التي أطلقت عليه أخطأت الهدف. وكانت هذه هي أولى محاولات الاغتيال التي تعرض لها بن بركة عام 1957م، وأنا أعرف جميع تفاصيلها لأن الشخص الذي قام بالمحاولة اتصل بي قبلها من أجل المشاركة في العملية، ولكن لحسن الحظ لم أتمكن من ذلك لأنني في ذلك الوقت كنت في مهمات خاصة أخرى مع الدائرة السابعة للأمن في حي البلدية بالدار البيضاء.
منذ تلك اللحظة بدأ منفذ العملية وصاحبه الذي استأجره للمهمة يسلكان طريق النجاح في الحياة السياسية، كل على شاكلته. وهذا المنفذ لا يزال على قيد الحياة محالاً على المعاش في السبعين من عمره وبالغ الثراء، وهو يدير منذ أربعين عاماً مزرعة كبيرة في منطقة الغرب ويملك شركة لنقل البضائع، أما بالنسبة لشريكه فقد تولى تكوين عدة أحزاب سياسية أو قيادة انشقاقات داخل الأحزاب التي تهتم بالعالم القروي، وشغل مناصب حكومية مهمة عدة، بل كان في وقت ما وزيراً للدفاع، وهو اليوم لا يزال على قيد الحياة في الثمانين من العمر ويقود حزباً سياسياً منذ زمن طويل.
محاولة الاغتيال الثانية قام بها ضابط صف من الجيش الفرنسي، نجل أحد الضباط الذين عملوا في "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس" الفرنسية في فرع المغرب. كان ذلك في 18 نوفمبر 1962م وكان صاحب الخطة هو أحمد الدليمي الذي أعطى أوامره بذلك إلى مجموعة من ثلاثة أشخاص لاغتيال زعيم "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" على الطريق الرابط بين الرباط والدار البيضاء، وقام المنفذون بالاصطدام بسيارة بن بركة فوق جسر معدني قرب بوزنيقة، وقيدت الحادثة ضد مجهول، لكنها كانت غير مهيأة لها بشكل دقيق. وفي هذه المرة وقف الحظ إلى جانب بن بركة وخرج سالماً، ولكن ليس تماماً ما دام أنه سافر لتلقي العلاج في ألمانيا، ومنذ ذلك الوقت دأب على حمل قوام العنق طيلة ما تبقى من حياته لتجبير الكسر الذي أصيب به. ويجب تسجيل ملاحظة هنا: فهذه المحاولة قادها الدليمي وحده ولم يعلم بها أوفقير أو العشعاشي إلا فيما بعد، أما الرجال الثلاثة الذين تولوا تنفيذها فهم: بناصر الكرواني والمعطي ريان ومحند أوزين، الأول توفي في يناير 2003م بنوبة قلبية، والثاني أصبح مقاولاً عقارياً بعد أن عمل لسنوات عدة قائداً في بني ملال، وهو ما يزال حياً ويقيم بحي "المعاريف" بالدار البيضاء، أما الثالث فهو محال إلى المعاش اليوم حيث يعيش حياة رغيدة في مدينة "تيفلت".
أما المحاولة الثالثة لاغتيال بن بركة فحدثت في أغسطس 1964م بعد فترة قصيرة على تصفية شيخ العرب بالدار البيضاء، وفي هذه المرة كان الدليمي أيضاً هو صاحب الخطة ولم يعرف بها لا أوفقير ولا العشعاشي كذلك. فقد عين الدليمي عصابة من ثلاثة رجال لاغتيال بن بركة في مسكنه بالجزائر، غير أن هذا الأخير حالفه الحظ مرة ثالثة. فبعد أن علمت مصالح المخابرات الجزائرية أن هناك مخططاً لاغتياله عبر مصادر وثيقة عملت بكرم على "تبديله" بشخص مشابه له من سلك الأمن الجزائري، وقد أصيب هذا الأخير بجروح من طلقات مسدس أحد المنفذين الثلاثة في مدخل الفيلا التي يقيم بها بن بركة، وبعد أن اعتقدوا أن المهمة انتهت غادر الثلاثة التراب الجزائري بسرعة بالرغم من الحواجز الكثيرة التي تم نصبها في الطرقات وحالة الطوارئ، واستقلوا القطار إلى وهران ومن ثم أخذوا الباخرة إلى مارسيليا، ومنها إلى الرباط. لقد كان هؤلاء الثلاثة الذين قاموا بتلك المهمة السرية جد معروفين في "الكاب"، ويتعلق الأمر ببناصر الكرواني وعبدالقادر الوالي وأنا. الأول توفي في يناير 2003، وقد شارك في عدة عمليات في مغرب الاستقلال، وكان إلى جانب أوفقير في جل المجازر والمذابح التي وقعت في جبال الريف عام 1959م، كما شارك في المجارز التي وقعت أثناء انتفاضة 23 مارس 1965م بالدار البيضاء، حيث كان أيضاً مع أوفقير داخل الحوامة (الهيليكوبتر) التي كان يطلق منها الرصاص على المتظاهرين، وفي أحداث قصر الصخيرات في 16 أغسطس 1972م كان حاضراً إلى جانب الدليمي ساعات قليلة بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها أوفقير وتفجير طائرة "البوينج" الملكية. أما عبد القادر الوالي الذي نجا بأعجوبة من حادث أبريل 1964م بالدار البيضاء خلال محاولة قتل شيخ العرب، فقد توفي خلال السبعينيات متأثراً بسرطان خبيث رغم أنه كان قد أجرى عملية تركيب رجل أخرى في فرنسا عام 1969م. ويجب أن أفتح قوساً هنا لأقول بأنه كان هناك كوماندوز آخر من ثلاثة أشخاص كان قد أرسل إلى الجزائر ووهران في نفس تلك الفترة من طرف "الكاب" لاغتيال أجار محمد المعروف بسعيد بونعيلات المعروف جيداً داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والمقاومين القدامى، وبعد أن علمت مصالح الاستخبارات الجزائرية بالمهمتين معاً، استدعت الأشخاص الثلاثة، وكان من بينهم شخص اسمه خويا محمد من مدينة الفقيه بن صالح عين بين 1962 و1963 بالقسم الإداري والمالي ل"الكاب" إلى جانب كل من عبد الله مسناوي وعبد الرفيع العلوي، وقد اختفى هو وهذان الأخيران عام 1964م دون أن يتركوا خلفهم أي أثر أو ما يدل على أنهم أحياء. لكن في عام 2001م بعدما نشر تصريحاتي واعترافاتي اتصلت بي أسرة "خويا" عبر صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" و"منتدى الحقيقة والإنصاف" لمعرفة أي معلومات عن ابنهم المختفي الذي كان واحداً من الفريق العامل في "مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس".

قنَّاص محترف


أما المحاولة الرابعة والأخيرة لاغتيال بن بركة، فقد حدثت قبل أيام قليلة فقط من اختطافه في باريس، وكانت بالقاهرة في أكتوبر 1965م. أرسل أوفقير كوماندوز مكون من أربعة أشخاص إلى العاصمة المصرية، أحدهم رام محترف جداً في إصابة الهدف، لاغتيال الزعيم الاتحادي. نزل القتلة الأربعة بأحد فنادق القاهرة بجوار الغرفة التي كان ينزل بها ميلود التونسي ومحمد حليم اللذان كانا يلاحقان خطوات بن بركة في إطار العملية المسماة "بويا بشير"، وكان هؤلاء الأربعة مسلحين إلى الأسنان ومصحوبين ببنات الهوى، لكن الثقة الزائدة في أنفسهم وانعدام الخبرة في مثل هذه العمليات في السابق أديا إلى انكشاف أسلحتهم غير المخبأة جيداً من طرف الفتيات اللواتي أصبن بنوبة عصبية، وبدأن في الصراخ من الرعب، فانتشر الصراخ في جميع غرف الفندق، فهرع رجال الأمن الخاص بالفندق ثم حضرت قوات الأمن على عجل لتسجيل محضر بالواقعة، واقتيدت الفتيات والرجال الأربعة وكذلك الاثنان اللذان كانا في الغرفة المجاورة، التونسي وحليم، وقضى الجميع تلك الليلة في مخفر للشرطة، وفي الصباح قام السفير المغربي في القاهرة بالإجراءات اللازمة لدفن القضية دون فضائح، وتم إطلاق سراح الجميع قبل الظهر. وفي اليوم ذاته استقل الأربعة الطائرة إلى المغرب بعد "مهمة غير مكتملة" و"هدف أخطئ ولم يكتمل"، أما التونسي وحليم فقد بقيا في القاهرة بعد أن غيرا الفندق كنوع من التدبير الأمني الاحتياطي.
أخيراً بقيت جزئية مهمة جداً لم أقلها: إن هذه المهمة لم تكن في علم محمد العشعاشي رئيس مصلحة مكافحة الشغب، الذي كان يشرف على المراحل النهائية لعملية "بويا بشير"!.
....................
 
ادريس ولد القابلة

من الملفات التي طغت على السطح مؤخرا بخصوص ضحايا العنف السياسي الذي عاشه المغرب قبيل الاستقلال، هناك ملف شيخ العرب وتنظيمه.

وإذا كان البعض منهم أعدموا على يد الجنرال أفقير في يونيو 1964، والذي رمى جثتهم في شاطئ الدار البيضاء، فإن أغلب مناضلي التنظيم ذاقوا أنكل أنواع التعذيب والاختطاف والاعتقال القسري سنة 1967.

فمن المعلوم أن ستينات القرن الماضي ظلت مطبوعة باحترام الصراع بين القصر وحلفائه من جهة والجناح الجذري الراديكالي للحركة الوطنية من جهة أخرى ومنذ سنة 1956 إلى نهاية ستينات القرن الماضي عاش المغرب صرا عات دموية تخللتها تصفيات جسدية واغتيالات واختطافات من أجل القتل والتنحية استهدفت بالأساس قادة سياسيين ومقاومين ورؤوس جيش التحرير المغربي، وهذا دون الحديث على اعتقالات التعسفية بالجملة وعن النفي الاضطراري للكثير من المناضلين ومن بين هؤلاء هناك شيخ العرب، وهو مغربي من أصل سوسي ( جنوب المغرب) من أبناء إقليم طاطا التحق بصفوف جيش التحرير بالجنوب لاستكمال مواصلة الكفاح المسلح من أجل استكمال تحرير بالجنوب لاستكمال مواصلة الكفاح المسلح من أجل استكمال تحرير باقي المناطق المغربية التي طلت محتلة بعد الإعلان عن الاستقلال سنة 1956 والذي اعتبره بمعية جملة من رفاقه استقلالا مبتورا وناقصا علما أن الشق الجنوبي لجيش التحرير المغربي رفض شروط الاستقلال المعلن سنة 1956 كما رفض الواقع السياسي الذي تمخض عنه لاسيما المناضلين وأعضاء جيش التحرير الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية والاستقلال وكرامة المغاربة وشيخ العرب – رفقة جملة من رفاق دربة النضال، مثل أحمد بوشلاكن وحميدو وعبد الله الصنهاجي – كان من المؤمنين بالكفاح المسلح لاستكمال استقلال البلاد، وبالتالي دافع على ضرورة الاستمرار في النضال وحمل السلاح إلى أن يتم تحرير آخر شبر من أراضي المغرب، وبذلك اعترض بشدة على تذويب جيش التحرير أقصى كليا من أي مشاركة في مفاوضات إيكس ليبان مع فرنسا والتي تمخض عنها استقلال سنة 1956 الذي اعتبره جزء كبير من جيش التحرير المغربي استقلالا مبتورا، وكان سبب هذا الإقصاء هو بالأساس نشبت قادة جيش التحرير والمقاومة المسلحة بضرورة تحرير كل الأراضي المغربية ( ومن ضمنها الصحراء آنذاك).
وعندما تم الإعلان عن الاستقلال وحل جيش التحرير المغربي وإلحاق رجالاته ( لاسيما جيش التحرير بالشمال) بصفوف القوات المسلحة الملكية، تأسست خلايا ضمت الرافضين والمعارضين لهذا المسار.
وقد بدأ شيخ العرب مشواره الكفاحي بإقليم طاطا بالجنوب الشرقي للمغرب، قبل أن يلتجأ إلى الرباط لتأطير خلايا المقاومة هناك، حيث أشرف على تدريب أعضائها على استعمال السلاح وساهم في تخطيط وتنفيذ جملة من العمليات الفدائية، إلى أن أعتقل سنة 1954 وسجن بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة ( ميناء اليوطي سنة 1954) وسجن بالسجن المركزي بمدينة القنيطرة ( ميناء اليوطي آنذاك) بتهمة تنظيم محاولات اغتيال وحمل السلاح واستعماله، وبعد اعتقاله توجه أعضاء الخلايا الناخبين من الاعتقال الجنوب لمواصلة كفاحهم المسلح والقيام بعمليات فدائية.

اعتقل شيخ العرب سنة 1954 وأودع بالسجن المركزي بالقنيطرة بتهمة تنظيم محاولات اغتيال مسلحة وحمل السلاح وفي دجنبر 1955 بدأت عمليات الإفراج على المعتقلين، وأعطيت الأولوية لمعتقلي فاس والرباط مكناس، حيث تم تعيينهم مباشرة في مناصب إدارية، في حين تم الاحتفاظ بشيخ العرب ورفاقه من أبناء سوس والريف وراء القضبان الحديدية السميكة وخلف الأسوار العالية، انتظر هؤلاء الإفراج لكن بدون جدوى، لذلك قرروا الفرار.

وفي بداية شهر مايو 1956 تمكن شيخ العرب ورفاقه من الفرار من السجن، وقد تسترت السلطات الرسمية على هذا الفرار تفاديا للفضيحة باعتبار استمرار اعتقال المقاومين، وقد اختبأ بدار إحدى المقاومين بمدينة القنيطرة قبل التنقل إلى مدينة الرباط لإعادة ربط الاتصال بأعضاء تنظيميه، وبعد ذلك توجه إلى الجنوب ليلتحق بصفوف جيش التحرير سنة 1957.

وقد كان شيخ العرب ورفاقه يوجهون ضرباتهم ضد الخونة والعلماء والفاسدين في الجهاز الإداري، لاسيما وأن رفاق الأمس عملوا على إقفال جميع الأبواب أمامهم مستغلين مواقعهم بهرم السلطة.
ولما تمادى شيخ العرب في انتقاد ومحاسبة قيادة جيش التحرير، عمل هؤلاء على طرده من صفوفه.
وبعد اعتقال العديد من قادة حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في صيف 1963 – وكان من ضمنهم اليوسفي والفقيه البصري وعمر بنجلون وآخرون – اضطر شيخ العرب إلى التوجه إلى الجزائر فرارا من المطاردة وهناك واصل عمله في بناء الخلايا المسلحة وتدريبها قبل العودة من جديد إلى المغرب لمواصلة مسيرته.
لقد ظل شيخ العرب على امتداد عشرين سنة، من 1944 إلى 1964 ثائرا تربك خطط الأجهزة الأمنية التي كان يشرف عليها آنذاك الجنرال أفقير.

وفي صباح 7 غشت 1964 حاصرت القوات العمومية شيخ العرب رفقة رفاقه – ومن ضمنهم إبراهيم الحلاوي وجوهر أحمد – في أحد المنازل العتيقة بالدار البيضاء، إلا أن شيخ العرب لم يستسلم وظل يتراشق بالرصاص مع القوات العمومية، وفي الأخير أطلق الرصاص على نفسه وبذلك فوت الفرصة على الجنرال أفقير – الذي كان يقود الحصار بنفسه – اعتقاله وإلقاء القبض عليه حيا علما أن السلطات أذاعت آنذاك أن شيخ العرب قد أصيب برصاص قوات الأمن عندما رفض الاستسلام.
ورغم موت شيخ العرب واعتقال وإعدام عدد من أعضاء تنظيمه إلا أن العديد منهم استمروا في النضال بعد التحاقهم بتنظيم الفقيه البصري، إلى أن اعتقلوا وحوكموا، وبعضهم أعدم في 1971 و 1973 و 1975.

" وشيخ العرب " هو لقب والاسم الحقيقي للمناضل هو فوزي، ولهذا اللقب حكاية ظريفة كشف عنها المناضل محمد لومة في إحدى كتاباته، مقول الأستاذ لومة أنه خلال الأيام الأولى لاعتقال المناضل فوزي، لاحظ بأن بعض المعتقلين من مدينة فاس ومكناس والرباط تأتيهم وجبات غذائية من مطعم خاض بالقنيطرة، بينما يكتفي باقي السجناء بطعام السجن الرديء جدا فبادر إلى تنظيم إضراب عن الطعام لوقف هذا التمييز رافعا شعار " إما المساواة في الطعام وإما لا أكل على الإطلاق، واعتبارا لما كان معروفا عنه من أخلاق عالية وتدين فقد أطلق عليه البعض لقب شيخ الإسلام إلا أنه رفضه، لكنه قبل لقب شيخ العرب، ومنذئد ظل يعرف بشيخ العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق